إذا كنا نتكلم عن “مؤسسة اجتماعية” أي الأسرة مبنية على شراكة زوجية، فكيف ينتظر أحد الشركاء أن تنمو هذه الشركة إذا لم يكن كل واحد منهما على بينّة لكل الأمور الطارئة في الحياة ؟ ومن الأمور التي يجب أن يتصارح بها الزوجان: الوضع الاقتصادي، المشكلات الطارئة في الأسرة، الهموم الخاصة بكل من الطرفين وغيرها من الأمور التي تعزز صفاء العلاقة وتمتّن الشراكة.
فالمشاورة مطلوبة من قبل الشريكين، الزوجة من زوجها والزوج من زوجته ولن تنقص قيمة أحد منهما أو كرامته أو رجوليته كما يظن البعض إن هو أخذ بمشورة الآخر. ويجب أن نبين أن المشورة لا تعني الأمر ولا تعني الفرض، يعني إذا تم التشاور بين الزوجين ثم قرر الزوج خلاقاً لما أشارت إليه الزوجة فإن ذلك لا يعني شماتة أو نقص بثقة الآخر ولا يصح لها أن تغضب، ويمكنها طلب توضيح ذلك فقط دون ممارسة الضغط النفسي أوالمعاتبة.
استشارة المرأة حق شرعي
وقد ثبت من هديه صلى الله عليه وسلّم أنّه استشار أم سلمة رضي الله تعالى عنها، وقد كانت راجحة العقل نافذة البصر ففي الجامع الصحيح للإمام البخاري برقم (1566) من حديث المسور بن مخرمة رضي الله عنه في قصة الحديبية وفيها: قال فلما فرغ من قضية الكتاب قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه :” قوموا فانحروا ثم احلقوا “، قال فو الله ما قام منهم رجل حتى قال ذلك ثلاث مرات. فلما لم يقم منهم أحد، دخل على أم سلمة رضي الله عنها فذكر لها ما لقي من الناس فقالت أم سلمة: يا نبي الله أتحب ذلك ؟ اخرج لا تكلم أحداً منهم كلمة حتى تنحَرَ بُدْنَك وتدعو حالِقَك فيحلِقَك، فخرج فلم يكلم أحداً منهم حتى فعل ذلك: نحر بدنه ودعا حالقه فحلقه ، فلما رأوا ذلك قاموا فنحروا ، وجعل بعضهم يحلق بعضاً، حتى كاد بعضهم يقتل بعضاً غماً” .
وقد أوضح الحسن البصري ما يؤخذ من هذه الواقعة، من شرعية استشارة النساء، فقال: إنْ كان رسول الله لفي غنى عن مشورة أم سلمة، ولكنه أحب أن يقتدي الناس في ذلك، وأن لا يشعر الرجل بأي معرّة في مشاورة النساء.
طرح مفهوم الندِّية
وعلينا أن نضع نصب أعيننا أن الزوج ليس ندًا أو عدواً أو منافساً يجب أن نواجهه ونتحداه، وأن الحياة الزوجية ليست معركة علينا أن نخوض غمارها وننتصر فيها. ولابد لنا أن نقف عند نقطة هامة وجوهرية ونعي أنه ليس المهم من بيده سلطة اتخاذ القرار بقدر ما هو مهم أن يكون القرار المتخذ والمعمول به قراراً سليماً وفي صالح الحياة الزوجية.
في إطار هذه المفاهيم قام العديد من الباحثين الاجتماعيين بدراسات حول الأدوار الزوجية ولعلَ أبرزها دراسة: “الشراكة في الأسرة العربية” التي قامت بها اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا التابعة للأمم المتحدة. تناولت هذه الدراسة 3 بلدان عربية وهي: لبنان، العراق، اليمن. تكونت عينة البحث من : 602 من الأسر اللبنانية، و500 أسرة يمنية من مدينة صنعاء، إضافة إلى 600 أسرة عراقية. وتم طرح استبيان على هذه العينة تضمّن 34 سؤالا ذات أجوبة محددة للزوج والزوجة من ضمنها أسئلة تتعلق بالأعمال والمهام المنزلية، وتربية الأولاد، والمساعدة في الأعمال المنزلية، كيفية اتخاذ القرارات بين الزوجين واحترام خصوصيات الزوج والزوجة، الأنشطة المشتركة بين الزوجين وطرق حلّ المشكلات الزوجية. وتركز البحث الميداني على العلاقة بين المستوى العلمي والاقتصادي للزوج والزوجة وأثر ذلك على الشراكة بينهما ولا سيما فيما يتعلق باتخاذ القرار داخل الأسرة وفي شتى المجالات.
وكانت أبرز النتائج المشتركة لهذه الدراسة على صعيد البلدان الثلاث أنه كلما ارتفع المستوى العلمي للزوجين ومستوى الدخل ارتفعت الشراكة بينهما. ومن النتائج المشتركة أيضاً أن الأعمال المنزلية غالباً ما تكون على عاتق الزوجة. ويتشارك الأزواج باتخاذ القرار الموحد في الأمور التالية: الإنفاق، الإنجاب، الذهاب إلى الطبيب، سياسة تربية الأولاد. بينما تتحمل غالب النساء مسؤولية تربية الأولاد. كما يوجد تفاوت بين البلدان من حيث تفرّد المرأة باتخاذ القرارات المالية الخاصة بها. وفيما يتعلق بطرق حلّ النزاعات بين الزوجين اعتبر الحوار وأسلوب المناقشة كمعدّل وسطي لأجوبة العينة. كما يوجد حالات نزاعات زوجية قائمة على مشكلة التنافس والتحدي بين الزوجين.
صراع الأدوار بين الزوجين
وحول من يتخذ القرار في المنزل، وهو ما يسمّى في علم الاجتماع “صراع الأدوار بين الزوجين”. .وسننتقل للحديث عن: من هو أكثر عرضة لمشكلة “صراع الأدوار”؟ وما هي الإرشادات الوقائية لتفادي هذه المشكلة الزوجية؟ وما هي الإرشادات العلاجية لمثل هذه الحالات؟؟
أولاً: التصنيفات الاجتماعية للحالات الأكثر عرضة لـ”صراع الأدوار”.
إن أكثر الأزواج عرضة للتنازع على سلطة أخذ القرار في الحياة الزوجية هم:
-الزوجة المتسلطة والزوج المتسلط في منزل واحد حيث لا يمكن لأحدهما أن يتنازل عن رأيه.
-اختلاف البيئة الأسرية بين الزوجين أي أن تكون الزوجة من بيئة أسرية تربت على التشاور والاحترام المتبادل بين الزوجين بينما يكون الرجل من بيئة أسرية تربى فيها على أن الرجل وحده الآمر والناهي (والعكس صحيح).
-التفاوت الطبقي والثقافي بين الزوجين: عندما تكون الزوجة أغنى من الرجل أو من طبقة اجتماعية أعلى والعكس صحيح.
-عدم الانسجام الفكري وعدم النضج العاطفي والعقلي المتبادل بين الزوجين.
-النقص المعرفي في الحقوق والواجبات الشرعية بين الرجل والمرأة.
-فقدان الثقة المتبادلة بين الزوجين (الثقة هنا فيما يتعلق بالقدرة على اتخاذ القرارات السليمة).
-إصابة أحد الزوجين بأمراض نفسية واضطرابات سلوكية (مثال البارانويا، العدوانية، النرجسية).
بعد الانتهاء من ذكر هذه التصنيفات لابد لنا من التحدث عن كيفية الوقاية من الوقوع في مشكلة صراع الأدوار، وكيف يتخذ الزوجان القرار في حياتهما الأسرية؟
إرشادات مهمة قبل اتخاذ القرار
في الحديث عن الإرشادات الوقائية التي يجب أن نسترشد بها لتفادي النزاع الزوجي حول اتخاذ القرار، لا بد لنا أن نتوقف لتفسير لماذا يختلف الزوجان عند اتخاذ القرار وكيف نتعامل معه؟
1-وجهات النظر: ينظر الرجل والمرأة إلى أمور الحياة ومجرياتها من نقاط أفضلية متغايرة إذ كل منهما ينظر إلى نفس الموضوع بصورة مختلفة. وعادة ما يكون الاختلاف في وجهات النظر لكثير من الأمور نظراً لاختلاف تكوين الشخصية والخبرة الحياتية عند كل من الزوجين. لذلك على كل منهما أن يسعى لفهم وجهة نظر الآخر واحترامها وتقبلها. ومن الأمور التي تختلف وجهات نظر الزوجين فيها، هي:
– أولويات الإنفاق: يختلف الرجل عن المرأة في تحديد أولويات الانفاق في المنزل. لذلك يستحسن منذ البداية تحديد هذه الأولويات بين الزوجين والاتفاق عليها، مثال : إعداد ميزانية العائلة، إعداد خطة لطرق الإدخار..
– تربية الأبناء: يختلف الزوجان في أسلوب تربية الأبناء. وعادة ما تكون المسؤولية مشتركة بين الزوجين في تربية الأبناء بنسب متفاوتة. فقد تكون وظيفة الأم أكبر من وظيفة الأب في مرحلة معينة أو في ظروف خاصة وقد تكون وظيفة الأب أكبر من وظيفة الأم في مراحل معينة أو في ظروف خاصة، والمهم أن يتفق الزوجان على سياسة تربوية موحدة يعتمدونها في تربية الأبناء تفادياً لنشوء خلافات زوجية حول هذا الموضوع.
2-أسلوب المحادثة بين الرجل والمرأة: يتكلم الرجل بلغة مختلفة عن لغة المرأة أي أن طريقة تعبير الرجل عن ما يريده وما يفكر فيه مختلف عن طريقة تعبير المرأة. عادة ما يكون الرجل دقيق في اختيار عباراته وواضح. كما يعبرّ عن احتياجاته ومطالبه بطريقة مباشرة ومحددة. بينما نرى المرأة تتكلم بلغة المشاعر قبل توضيح المعلومات التي تريدها (أي تعبّر عن مشاعرها بالدرجة الأولى قبل الخوض بالمسألة المطروحة بين الزوجين)، وعادة ما تستعمل المرأة أساليب خاصة في الكلام مثل صيغة التفضيل أو صيغة المبالغة وأسلوب المجاز والاستعارة. وهذه الاختلافات في أسلوب المحادثة تخلق مشاكل زوجية نتيجة سوء فهم مقصد الطرف الآخر لعدم تفهّم أسلوب المحادثة المتغاير بين كل من الزوج والزوجة.
هي اتساع أفق .. هو أسلوب تركيزي
يختلف الرجل عن المرأة في اتخاذ القرارات لاختلاف أسلوب التفكير. فإن أسلوب تفكير الرجل في الحياة هو أسلوب تركيزي أما أسلوب المرأة هو التعميم وسعة الأفق. فالمرأة بسبب سعة الأفق في التفكير لا تتمكن من التركيز على أمر واحد بل تنظر إلى الاحتمالات الأخرى التي تكون لها علاقة مباشرة أو غير مباشرة بذلك الأمر.
فعلى الرجل أنه عندما يطرح قضية للتشاور عليه أن يصبر ويتفهم حاجة زوجته في جمع المعلومات والتكلم عن الاختيارات والبدائل والخوض في تفاصيل الموضوع . كذا على الزوجة ألا تغضب إن رأت زوجها يستغرق في التفكير بمفرده فهذه مرحلة من مراحل تفكيره ريثما ينتهي منها سيعود ليشاورك حتى تتخذا القرار النهائي معاً .
وفي نهاية الأمر علينا أن نؤكد أن الاختلافات في اتخاذ القرارت خلال السنوات الخمس الأولى من الحياة الزوجية طبيعية ينتج عنها التعارف الحقيقي بين الشريكين والوصول بالنهاية إلى الانسجام الفكري والعاطفي.