تنمية بشرية

من يسكن جسدك

هل أنت مَن تُسيّر حياتك وتتخذ قراراتك، وتُشكل سلوكك وطريقة عيشك في الحياة! أم أن هناك مَن يحكمك؟ ولا أقصد بذلك والديك أو زوجك، إنما تلك الكائنات التي تعيش داخلك!

لا تكاد لحظة تمر عليك دون أن تسمع أصواتاً روحانية تنطلق من داخلك ناتجة من قوى عدة تتصارع، قوة تدفعك للخير والسلوك الحسن وأخرى توسوس لك بالشر وتجعل همك الدنيا، وقد تدفعك لارتكاب الجرائم. وهذه الصراعات هي التي تشكل ما يصدر عنك من أقوال وأفعال وتكون شخصيتك. لكن مَن هم أطراف النزاع؟ هل أنت تتحدث مع نفسك أو نفسك تتحدث مع كائن آخر خُلق معك ولازمك طوال سني حياتك (قرينك) أم هو صراع بين كائنات غيبية تعيش داخلك ونتيجة تلك الصراعات يتشكل سلوكك وشخصيتك؟
كان المصريون القدماء يعتقدون بوجود أشياء تسكن جسد الإنسان يطلقون عليها اسم (كا) أو المرافق الخفي، ويؤمنون بأنها تولد مع الإنسان وترافقه إلى قبره، وبعدها يكون لها دور آخر فتسكن الأماكن المهجورة أو تتلبس شخصا آخر، وقد يستخدمها السحرة عند مزاولتهم تحضير الأرواح، وتقوم بعض الشعوب بطقوس لحماية المرأة والطفل من هذه الكائنات وذلك بإلباس الطفل لباس راهب وتعميده أو وضع حلقة معدنية في معصمه أو قدمه ووضع خلخال من الحديدة في رجل المرأة!
وجاءت الأديان بتفسيرات لحقيقة هذه الظاهرة ونسبت ذلك للفريق الذي يحث على الشرور للشيطان أو من ينوب عنه من زمرته (القرين)، قال تعالى: “ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين” والقرين هو الملازم والمصاحب للإنسان وهو من الجن، كما ورد في صحيح مسلم عن ابن عباس قال: قال – صلى الله عليه وسلم “ما منكم من أحد إلا وكّل به قرينه من الجن، قالوا: وإياك يا رسول الله. قال: وإياي، إلا أن الله أعانني عليه فأسلم فلا يأمرني إلا بخير”، ومهمته الإغواء والأمر بالسوء، كما في الحديث، والفريق الذي يحث على الخير هم من الملائكة أو الجن الصالحين كما تزعم بعض الأديان.
فهل يمكن للإنسان أنا وأنت مثلا أن ندير الدفة ونتحكم في نتائج الصراع الدائر في داخلنا بين كل هذه الكائنات وبين النفس التي ورد ذكرها في القرآن ولها صفات عدة، قال تعالى “لا أقسم بالنفس اللوامة” أم لا؟ فالنفس تولد مع الإنسان وقد تكون نفساً طيبة لوّامة أو خبيثة حاثّة على الشر، ويعتقد البعض أن الحديث الدائر داخلك يتم بين نفسك وقرينك مثل طالب مقدم على امتحان فنفسه تقول له: إنك ذاكرت جيداً وستجتاز الاختبار بنجاح، أما قرينه فيوسوس له: إنك لم تذاكر جيداً ويجب أن تغش في الامتحان حتى تنجح، فإذا كانت نفسه قوية وإيمانها راسخاً تغلبت على قرينها وطوّعته حسب قناعاتها. ومن حيل القرين أنه يتكلم بصوت مطابق لصوت الشخص نفسه بنفس لهجته ونبرته حتى يظن أن نفسه هي التي تحدثه، وأثبتت الدراسات العلمية التي أجريت على مجموعة من الأشخاص الذين قاموا بارتكاب جرائم، سماعهم أصواتاً تحثهم على ارتكاب جرائمهم وأشهرها قضية “رونالد ديفيو”، الذي قتل جميع أفراد أسرته، والديه وأخويه وأختيه عام 1974 في أمريكا، وعند القبض عليه زعم أن هناك أصواتاً كان يسمعها تأمره بقتلهم، ولم يشفع له ذلك وحكم عليه بالسجن 150 عاماً.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى