تواجه أداء المراجعة الاجتماعية العديد من المشاكل ولعل أبرزها ما يلي:
1- أنَّ المفاهيم والمتغيرات الأساسية للمسؤولية الاجتماعية لم تتحدد بشكل قاطع:
لم تتحدد أو تتبلور المفاهيم والمتغيرات الأساسية التي تشكل أبعاد الإطار الفكري للمسؤولية الاجتماعية وبالتالي المراجعة الاجتماعية، ويؤكد ذلك ما أشارت إليه أدبيات المراجعة بأنَّه على الرغم من كل الاهتمام الذي حظي به موضوع المسؤولية الاجتماعية من قبل الكتاب والباحثين والتنظيمات المهنية الأمريكية، فإنَّ الحقيقة المؤكدة أنَّ عملية الوصول إلى معايير دقيقة لقياس عائد الوفاء بتلك المسؤولية هي عملية ما زال يحيط بها الكثير من الصعوبات والجدل والاجتهاد ونظراً لعدم الاتفاق بشكل دقيق حول أبعاد محددة لتلك المسؤولية الاجتماعية.
ويؤيد ذلك أحد الكتاب العرب بقوله أنَّ من أحد الأسباب التي تسهم بشكل رئيسي في صعوبة الوصول لتحديد دقيق لماهية المسؤولية الاجتماعية لمنظمات الأعمال وحقيقة أبعادها هو أنَّ تلك المسؤولية موزعة، وبشكل خاص في دول العالم النامي، بين مؤسسات تلك الدول وبين منظمات أعمالها، دون وجود حدود أو ضوابط واضحة تبرز بشكل قاطع، ولو حتى الحد الأدنى من المسؤوليات أو الالتزامات التي يلزم أن يضطلع بها كل فريق منهما.
أنَّ عدم التوصل إلى اتفاق محدد وواضح حول ماهية ومضمون المسؤولية الاجتماعية للمنظمة وحقيقة أبعادها يعني عدم القدرة على تحديد هذه المسؤولية بشكل دقيق وواضح، وبالتالي فهناك صعوبة في قياسها ومراجعتها بشكل موضوعي ودقيق.
أنَّ المشكلات والقيم والتوقعات الاجتماعية تختلف من مجتمع لآخر
لكل مجتمع مشكلاته الخاصة وتوقعاته الخاصة فمثلاً في المجتمع الأمريكي أو الفرنسي أو البريطاني هناك مشكلات اجتماعية فريدة مثل (التفرقة العنصرية بسبب اللون، مشكلة الإجهاض غير المشروع ومشكلة تناول المشروبات الروحية…الخ)، ويتوقع أفراد تلك المجتمعات من منظمات أعمالهم أن يكون لها دور في حلها أو في المساهمة في التخفيف من حدتها.
والمشاكل السابق ذكرها في تلك المجتمعات قد لا تكون موجودة كمشكلات في مجتمعاتنا العربية والإسلامية، وإن وجدت في بعض هذه المجتمعات فإنها لا ترقى لمستوى المشكلة الاجتماعية وإنما تبقى مشاكل فردية, ومجتمعاتنا العربية والإسلامية لها مشكلاتها الخاصة بها فعلى سبيل المثال إنَّ تقديم المنظمة التسهيلات اللازمة لأداء مناسك الحج والعمرة أو زيارة الأماكن المقدسة أو المساهمة في حل مشاكل الإسكان أو المواصلات أو محو الأمية أو زيادة النسل أو إيجاد فرص عمل لذوي الاحتياجات الخاصة أو تأمين دور للعجزة ما هي إلاَّ أمثلة لقضايا اجتماعية تتفق مع مشكلات وتوقعات أفراد المجتمعات العربية والإسلامية حيث يوجد في بلادنا العربية والإسلامية منظمات أعمال ليس لها وجود في المجتمعات المتقدمة.
ويخلص أحد الكتاب إلى أنَّ (الاختلاف في صيغ قيم ومفاهيم ومشكلات وتوقعات كل مجتمع بذاته إنما يولد اختلافاً مباشراً في المسؤوليات الاجتماعية لمنظمات الأعمال في كل مجتمع، وبالتالي تختلف حتماً وبالضرورة مجالات المراجعة الاجتماعية في كل مجتمع بذاته
لكل مجتمع مشاكله الخاصة وتوقعاته الخاصة وهذا الاختلاف في التوقعات والمشاكل يزيد من صعوبة تحديد المسؤوليات الاجتماعية وبالتالي صعوبة قياسها مما يقود ذلك إلى صعوبة مراجعتها
– أنَّ المشكلات الاجتماعية تتسم بالحركية
مما يزيد من صعوبة تحديد إطار عام للمراجعة الاجتماعية أن تلك التوقعات والمشكلات ليست لها صيغة الثبات
وبالتالي يصبح من الصعب أو من غير المنطقي تحديد مجموعة ثابتة من الأنشطة الاجتماعية يمكن أن يقال فيها أنَّها التزام بمسؤولية اجتماعية كفيلة إذا ما أوفت بها المنظمة بأن تسهم في حل المشكلات الاجتماعية السائدة في كل مجتمع وفي كل زمان أو التخفيف من حدتها، فالمشكلات الاجتماعية المتحركة لا يمكن التعامل معها باستراتيجيات ثابتة
ويخلص أحد الكتاب إلى أنَّ (الطبيعة الحركية “الديناميكية” للمشكلات الاجتماعية إنما تعني عدم مقدرة منظمات الأعمال على التعامل معها، إلاَّ عن طريق أنشطة اجتماعية لها صفة الحركة والتغير المستمرين. وكلما كانت الأنشطة الاجتماعية متغيرة، أصبحت عملية مراجعة الأداء الاجتماعي لتلك الأنشطة أكثر صعوبة وتعقيداً.
أنَّ المشكلات الاجتماعية متغيرة حسب الزمان والمكان فما يصلح لهذا الزمان لا يمكن أن يصلح في زمان آخر أو مكان آخر وكذلك مشاكل مجتمع معين تختلف عن مشاكل المجتمع الآخر، لذلك لا يمكن تحديد المشكلات الاجتماعية بدقة لإيجاد مقياس وتحديد واضح لها، ولذلك عدم قياسها وتحديدها بدقة يصعب من مهمة المراجعة الاجتماعية لهذه المسؤوليات.
– مشكلة تحديد القائمين بعملية المراجعة الاجتماعية وحتمية تمتعهم بمهارات وخبرات متخصصة:
يجب أن يكون المراجع الاجتماعي ملماً بمعارف عديدة تتصل بمختلف مجالات المسؤولية الاجتماعية وتتفق مع الطبيعة المميزة للأنشطة الاجتماعية، وتتمثل تلك النواحي في الصحة العامة وعلم البيولوجي وعلم الإحصاء والاقتصاد والنواحي القانونية والتشريعات العمالية وقوانين حماية البيئة إلى جانب الخبرة العملية والعلمية في مجال المحاسبة والمراجعة
من هذا المنطلق يحبذ استخدام نظام الفريق في المراجعة الاجتماعية باعتبارها من أفضل الوسائل التي يمكن أن تحقق تنفيذ تلك المراجعة على أعلى مستوى، على أن يتكوَّن ذلك الفريق من مجموعة أفراد متخصصين ذوي خبرة عملية وتأهيل علمي في مجالات أنشطة المسؤولية الاجتماعية حتى تمكنهم من قياس العوائد والتكاليف الاجتماعية وتقييم أنشطة الرفاهية العامة للمجتمع ومجالات التلوث وإدارة الموارد البشرية، إزاء ذلك يجب أن يتضمن فريق المراجعة بالإضافة إلى ما يتضمنه قسم خاص بالاستشارات المتخصصة يضم عدداً من الخبراء في الاقتصاد والتلوث و البيئة وعلم الاجتماع والعلاقات العامة والصناعة – التي تنتمي إليها المنظمة محل المراجعة – والصحة العامة والعلوم الطبيعية والكيميائية والهندسية، على أن يرأس ذلك الفريق المراجع الاجتماعي الذي يتعيَّن أن يتمتع بمستوى عالي من المعرفة العلمية والعملية في مجال المحاسبة والمراجعة الاجتماعية.
مشاكل قياس التكاليف والعوائد الاجتماعية:
إنَّ من أكبر الصعوبات والمشاكل التي تواجهها المراجعة الاجتماعية هي صعوبة قياس التكاليف والعوائد الاجتماعية بشكل دقيق وذلك لعدم وجود معايير اجتماعية تلائم القياس المحاسبي بالإضافة إلى مشاكل التقرير المحاسبي عن النشاط الاجتماعي لذلك لابد من إتمام المراجعة الاجتماعية بشكل موضوعي، ولكي يتم ذلك ينبغي التوصل إلى اتفاق حول معايير محاسبية مقبولة عموماً تمكن من:
أ- قياس تكلفة ومنافع برامج الأداء الاجتماعي
ب- قياس مدخلات ومخرجات برامج العمل الاجتماعي ومقابلة ذلك بمعايير محددة مسبقاً
ج- تصميم تقرير معياري عن الأداء الاجتماعي.
د- تقييم الأداء بتحديد كفاءة وفعالية تنفيذ المنظمة للبرامج الاجتماعية.
أنَّ هذه المشكلة هي من المشاكل الرئيسة حيث أنَّ القياس المحاسبي الدقيق للأداء الاجتماعي بمقاييس مالية سوف يسهل عملية المراجعة الاجتماعية وإن كان هناك بعض المعايير والمقاييس للأداء الاجتماعي فإنها تكون من وجهة نظر المنظمة، أمَّا من وجهة نظر المجتمع فإنَّه لم تحدد بدقة المعايير والمقاييس لقياس المساهمات الاجتماعية بصورة مالية وإنما تأخذ مقاييس كمية أو وصفية لا أكثر من ذلك وبالتالي يصعب معها إجراء المراجعة الاجتماعية
– تحديد الجهة التي تعين المراجع الاجتماعي وتدفع أتعابه ويقدم إليها تقريره:
جرت العادة على أن يقوم فريق عمل مختص ومستقل عن المنظمة بتنفيذ المراجعة الاجتماعية، ولكن دوماً تثار مشكلة وهي أنَّ الجهة التي تقوم بتعيين المراجع وتحديد أتعابه بصفة خاصة نتيجة عدم وجود إلزام قانوني على المنظمات بالقيام بالمراجعة الاجتماعية، وبالتالي فإنَّ المشكلة الواضحة هنا فيمن يطلب خدمات المراجعة الاجتماعية ويستفيد منها، وفي حالة وجود ذلك من الذي يعين المراجع الاجتماعي ويحدد أتعابه.
أنَّ المستفيدين من خدمات المراجعة الاجتماعية هم مختلف فئات المجتمع بصفة عامة، ولا شك أنَّه من غير المنطقي أن تقوم تلك الطوائف بتعيين المراجع وتحديد أتعابه وبنفس الطريقة فإنَّ الجهة التي يقدم إليها تقرير المراجعة الاجتماعية هي مختلف فئات المجتمع.
وخلاصة القول فيما سبق من مشكلات تواجه تنفيذ ونجاح إتمام عملية المراجعة الاجتماعية وبالتالي قيام المراجع بإبداء رأي فني محايد وموضوعي سوف تبقى تؤرق الكتاب والباحثين والمنظمات المهنية والعلمية المهتمة بالمحاسبة والمراجعة بشكل عام والمحاسبة والمراجعة الاجتماعية بشكل خاص، ولابد من إيجاد الحلول الناجعة لها وذلك خدمة لفئات المجتمع المستفيدة من عملية المراجعة الاجتماعية.