يعود تاريخ مهنة المحاسبة إلى عدة آلاف من السنين، فهناك ذكر للمحاسبة في تاريخ الامبراطورية البابلية وأيضاً في شرائع حمورابي. كما انه من المعروف ان الفيلسوف الصيني الشهير كونفيشوس قد عمل محاسباً لدى الحكومة في القرن الخامس قبل الميلاد.
غير ان التطور الرئيسي في المحاسبة كان في القرن الثالث عشر عندما ظهر نظام القيد المزدوج (مدين/ دائن) في إيطاليا. وكان ذلك نتيجة لنمو العمليات التجارية وتوسعها إلى مواقع وأماكن مختلفة.
وفي القرن التاسع عشر وخلال الثورة الصناعية التي تلت الحرب الأهلية في الولايات المتحدة الأميركية، كبرت أحجام الشركات وتزايدت أعداد الموظفين وتنوعت الآلات والمعدات المستخدمة في الصناعة مما جعل التجار وأصحاب الشركات يبحثون عن مصادر تمويل جديدة عبر إصدار أسهم وسندات لمستثمرين جدد.
بالإضافة إلى ذلك بدأت الحكومة في تلك الفترة بتطوير أنظمة وقوانين الضرائب. ونتيجة لجميع هذه التغيرات نمت الحاجة إلى وجود تقارير محاسبية ومن ثم إلى توحيد طريقة إعداد هذه التقارير.
وبدأت الجهود تنصب على وضع أسس وقواعد لمهنة المحاسبة نتج عنها ما أصبح يعرف بمعايير المحاسبة المتعارف عليها. وتوالى بعد ذلك صدور المعايير المختلفة تبعاً لحاجة مستخدمي القوائم المالية للشركات.
ثم فيما بعد وضعت معايير للمراجعة والتدقيق لضبط وتنظيم تلك الأعمال التي يقوم بها مراجعو الحسابات ويصدرون على أساسها الرأي المحاسبي. لذلك فإن حاجات ومتطلبات الأسواق ومستخدمي القوائم المالية هي ما أدى إلى تطور مهنة المحاسبة بشكل عام والضوابط التي تقوم عليها على وجه الخصوص.
حصلت معظم التطورات التي ذكرناها في الولايات المتحدة، إلا ان تطورات مشابهة حدثت في مختلف الدولة المتقدمة تجارياً وصناعياً. وفي أوائل السبعينات من القرن الماضي انطلقت بعض الجهود.
والمحاولات لوضع أسس دولية لمهنة المحاسبة أدت تدريجياً إلى نشوء ما يعرف بمعايير المحاسبة الدولية التي تهدف إلى توحيد المبادئ المحاسبية على مستوى العالم من أجل توفير قاعدة واحدة لقراءة القوائم المالية لمختلف الشركات من مختلف البلدان.
وذلك تجاوباً مع توسع أنشطة التجارة حول العالم ونشوء المنظمات الدولية التي تعمل على زيادة عمليات الاستثمار والتبادل التجاري بين مختلف دول العالم.
وكانت أهم خطوة باتجاه توحيد المعايير المحاسبية عالمياً قبل سنوات عدة عندما وافقت الولايات المتحدة على الدخول في اتفاقية مع لجنة معايير المحاسبة الدولية للعمل المشترك على تقليل الفروقات الموجودة بين المعايير الدولية والأميركية تمهيداً للوصول إلى معايير موحدة لاحقاً.
ولم توجد العالم العربي هيئة أو لجنة تعمل بشكل جدي على تنظيم مهنة المحاسبة ما عدا بعض الجهود المتفرقة في بعض الدول كما في المملكة العربية السعودية على سبيل المثل.
حيث قامت الهيئة السعودية للمحاسبين القانونيين بجهود مشكورة في هذا الإطار. أما في معظم الدول الأخرى فلم توجد معايير خاصة فتم استخدام المعايير الدولية بدون النظر إلى الحاجات المحلية.
وتكمن المشكلة في عدم وجود معايير خاصة بنا في إغفال أية معايير أخرى يتم اعتمادها، خصائص وملامح أسواق واقتصاد منطقتنا العربية والتي تعتبر من الأسواق الناشئة والمتطورة.
كما ان معايير المحاسبة الدولية لا تهتم كثيراً بهذه الخصائص نظراً لسيطرة الدول الكبرى على لجنة معايير المحاسبة الدولية مما يجعل الصوت العربي خصوصاً غير مسموع. ولا نغفل هنا المطالبات القوية بهذا الخصوص خلال المؤتمر العالمي للمحاسبة والذي انعقد في دبي في مايو الماضي.
ان التوجه الموجود في المنطقة حالياً نحو تطبيق المعايير الدولية أمر يمكن ان تفهمه وخصوصاً ان معظم شركاتنا وأسواقنا يزيد ارتباطها بالأسواق العالمية يوماً بعد يوم.
وهذا ما حدث مؤخراً حين ألزمت سلطة دبي للخدمات المالية جميع الشركات العاملة في مركز دبي المالي العالمي باتباع المعايير الدولية. إلا ان هذا التوجه لا يغطي جميع الجوانب التي نعاني منها محاسبياً.
وبالإضافة إلى معضلة المعايير المحاسبية فإننا نعاني من قصور في الثقافة المحاسبية على جميع المستويات مما أدى إلى عدم الإلمام الكافي بأثر
كما أننا نواجه مشكلة كيفية الترخيص للمحاسبين الذين يمارسون مهنة المراجعة أو ما يعرف بالمحاسبين القانونيين .
حيث أننا نعتمد بشكل عام على حملة الشهادات الصادرة من دول متقدمة مثل Cpa الصادرة من الولايات المتحدة الأميركية التي تختص بممارسة المهنة هناك لذلك فهي تعني بالمعايير والقوانين وأنظمة الضرائب الأميركية. وهي بالتالي لا تعطي حاملها بالضرورة المعروفة الكافية بالقوانين والأنظمة الخاصة بنا.
فعلى سبيل المثال لا يوجد ما يؤكد قدرة كفاءة حامل تلك الشهادة على مراجعة حسابات مصرف إسلامي وإصدار رأي مناسب بخصوصها وبالمناسبة لا توجد حتى اليوم معايير محاسبية متفق عليها ومعتمدة خاصة بالمصارف والمؤسسات الإسلامية على الرغم من الكثير من الجهود المشكورة بهذا الخصوص.
وفي اعتقادي، يجب ان تركز الجهود في الفترة المقبلة على ثلاثة أمور رئيسية. أولاً ان يتم العمل على زيادة الثقافة المحاسبية من أجل فهم أكبر للقوائم المالية الصادرة عن مختلف الشركات.
ولا أقصد هنا التعليم في الجامعات بل الثقافة المحاسبية لدى المستثمرين وصناع القرارات. ثانياً، ان يتم العمل على توحيد جهود الدول العربية باتجاه إيصال صوتها إلى مجلس معايير المحاسبة الدولية (اللجنة سابقاً) لكي تؤخذ مطالبنا.
واحتياجاتنا بالحسبان. وأخيراً وضع أسس وضوابط علمية لعملية منح تراخيص مهنية للمحاسبين بما يتوافق مع الأنظمة القوانين بما يتوافق مع الأنظمة والقوانين المحلية.
بقلم :أحمد عمر الخطيب