بسم الله الرحمنالرحيم
الرقابة المالية في القطاعالحكومي
الخلفية العلمية – المشكلات – الحلول
مقدمة:تحتل الرقابة المالية أهمية كبيرة في العملية الإداريةوتعد من أهم ركائز هذه العملية، ولا بد من تنظيم عملية الرقابة بشكل يجعل منها أداةفاعلة في تطوير وتوجيه النشاط الإداري بكياناته المختلفة. ومن المعلوم أن الأجهزةالحكومية تهدف من وراء إنشائها. إلى تقديم الخدمات للمواطنين… ويأتي دور الأجهزةالرقابية لضمان تقديم هذه الخدمات بأسرع وقت وبأقل جهد وتكلفة ممكنة وبالشكلالمطلوب قانوناً… وقد تم اختيار الرقابة المالية في القطاع الحكومي مستهدفةبالبحث من قبل الكاتب نظراً لأهميتها النابعة من كونها السند الأساسي في فاعليةأداء القطاع الحكومي بكياناته المختلفة.يتناول الكاتب في هذا المجال موضوع الرقابة المالية فيالقطاع الحكومي من خلال الارتكاز على ثلاثة محاور أساسية وهي:الخلفية العلمية للرقابة المالية في القطاع الحكومي،والتي يهدف من ورائها إلى تقديم إطار علمي تثقيفي مبسط لجمهور القراء، ثم تلخيصالمشكلات التي تجابه أجهزة الرقابة المالية في القطاع الحكومي بناء على الخلفيةالعلمية للرقابة المالية ودراسة واقع الحال المعاش الحال المعاش بالدولة. وأخيراًتقديم توصيات بالحلول بناءً على المشكلات المستخلصة.أولاً: الخلفية العلمية:ماهية الرقابة المالية:يقصد بالرقابة المالية مجموعة العمليات اللازمة لمتابعةأعمال تنفيذ الخطط والسياسات الموضوعة بقصد التعرف على الانحرافات ومعالجتها فيالوقت المناسب، إضافة إلى المحافظة على المال العام من عمليات الاختلاس أو الضياعأو سوء الاستعمال.أهمية الرقابةالمالية:تعد الرقابة المالية منالعناصر الأساسية للعملية الإدارية والتي تشمل: التخطيط، والتنظيم والقيادةوالتنسيق بالإضافة إلى الرقابة بأنواعها المختلفة… وقد تطورت أهمية الرقابةالمالية مع تطور دور الدولة من (الدولة الحارسة) التي تهدف إلى المحافظة على الأمنالخارجي وحفظ الأمن الداخلي والفصل في المنازعات بين الأفراد – إلى ما يسمي ب (دولةالرفاهية) التي تتدخل في مختلف مناحي الحياة الاقتصادية في كافة القطاعاتوالميادين، ذلك أن تدخل الدولة في جميع شؤون المواطنين يتطلب توفير أجهزة إداريةكفوءة تنجز الأعمال وتؤدى الخدمات الموكلة بكفاءة وفاعلية مع خضوع هذه الأجهزةللرقابة والمحاسبة للتحقق من قيامها بعملها على أكمل وجه، ونظراً لاتساع نطاقالأجهزة الإدارية، وتعدد مجالاتها وزيادة عدد العاملين فيها، كل ذلك أدى إلى ضرورةالاهتمام بالرقابة على أداء الأجهزة الإدارية، بهدف التحقق من إنجاز العمل الإداريبكفاية وفي أسرع وقت ممكن وبأيسر الطرق…وتبرز أهمية الرقابة المالية في هذا المجال في أنها تقدمالمساعدة إلى الدولة ممثلة في أجهزتها الحكومية المكلفة بالرقابة في شأن التعرف علىكيفية سير الأعمال داخل الوحدات الحكومية، والتأكد من أن الموارد تحصل طبقاًللقوانين واللوائح والتعليمات المخططة، وللتأكد من مدى تحقيق الوحدات لأهدافهابكفاية وفاعلية بغرض المحافظة على الأموال العامة والتأكد من سلامة تحديد نتائجالأعمال والمراكز المالية وتحسين معدلات الأداء والكشف عن المخالفات والانحرافاتوبحث مسبباتها وتدعيم الموجب منها اقتراح الوسائل العلاجية للانحرافات السالبةلتفادي تكرارها مستقبلاً في تلك الوحدات الخدمية أو الاقتصادية.المدلول القانوني للرقابة المالية: يعنى المدلول القانوني للرقابة المالية: الرقابة التيتقوم بها هيئات يتم إنشاؤها بقانون أو نظام أو أي سند قانوني آخر، وتحدد اختصاصاتهابموجب ذلك السند القانوني، وتهدف إلى مطابقة العمل ذي الآثار المالية للقانون أوبمعنى أدق مطابقته لمختلف القواعد القانونية التي تحكمه سواء ما كان منها داخلاً فيإطار الشكل القانوني، أي أن يكون العمل المالي مطابقاً للتصرف القانوني، أو ما كانمنها داخلاً في إطار الموضوع القانوني، وهي التي تنظر في طبيعة التصرف وفحواهومكوناته، ويتم بموجب هذا النوع من الرقابة رقابة التصرف المالي من حيث النفقات أوالإيرادات العامة.ويرتبط بموضوع المدلولالقانوني للرقابة المالية الحديث عن مبدأ الشرعية والذي يعد الأساس القانونيللرقابة على الإدارة بالوحدات… وهذا المبدأ يعني خضوع الإدارة في جميع تصرفاتهاوأعمالها لأحكام القانون بمعناه الواسع، فالإدارة لا تستطيع القيام بأي عمل قانونيأو مادي إلا وفقاً للقانون ووفقاً للإجراءات الشكلية المحددة فيه، تحقيقاً للأهدافالتي يتوخاها.وتبدو أهمية مبدأ الشرعيةفي مجال الرقابة المالية في كونه أهم الضمانات الممنوحة للأفراد في مواجهة السلطةالعامة، فهذا المبدأ يحمى الأفراد من تجاوزات الإدارة العامة وتعدياتها على حقوقهمعلى خلاف ما يجيزه القانون وبمقتضى هذا المبدأ يستطيع الأفراد مراقبة الإدارة فيأدائها لوظائفها، بحيث يمكن لهم أن يردوها إلى طريق الصواب إذا ما خرجت عن ذلك سواءعن عمداً وإهمال. وبالإضافة إلى ما سبق فإن أهمية مبدأ الشرعية تبرز أيضاً في سندهاالقانوني للجهات المكلفة بالعمل الرقابي حيث ينص مضمونه إلى قيام السلطة التشريعيةفي الدولة بتزويد الوحدات والأجهزة الرقابية بالضمانات اللازمة التي تضمن لهاالخيار والاطمئنان في عملها وعدم التأثر بالتيارات أو النعرات السياسية. والجدير بالذكر هنا أن مفاهيم مبدأالشرعية تتوافر بشكل جزئي في الدستور العام لجمهورية السودان وبشكل كبير وصريح فينصوص القانون رقم (34) لسنة 1999م المنظم لأعمال الرقابة المالية والموكل بتنفيذهاديوان المراجع العام. أما قضية سريان مفاهيم مبدأ الشرعية وتطبيقها على قدم وساق منعدمه فهذا أمر آخر….؟؟الأهدافالعامة للرقابة المالية: تتمثلالأهداف العامة التي تسعى الرقابة المالية لتحقيقها في هدفين: الهدف الأول: التحقق من أن الإنفاق تم وفقاً لما هو مقرر له طبقاً للخططالموضوعة.الهدفالثاني: أن الموارد تم تحصيلها كما هومقرر وأنها استخدمت أفضل استخدام.ويمكنتقسيم هذه الأهداف العامة إلى:1. أهداف فنية تقليدية تتمثل في:
إبداء رأى فني محايد عن مدى صحة الأوضاعالمالية ونتائج أعمال الوحدات المشمولة بالرقابة على أن يكون هذا الرأي مدعماًبأدلة وقرائن إثبات قوية حول مدى صحة حقيقة المركز المالي ومدى صحة نتائج الأعمالفي نهاية الفترة.
تشجيع الالتزام بالسياسات والقرارات الإداريةوالتأكد من حسن تطبيقها.
التأكد من دقة البيانات المحاسبية وسلامة وصحةالقيود والأرقام المثبتة بالدفاتر والسجلات ومدى إمكانية الاعتماد عليها في إعدادالمعلومات والتقارير النهائية ومن ثم اتخاذ القرارات.
اكتشاف الأخطاء وحالات الغش والعمل على تقليلفرص ارتكابها من خلال تقييم فعالية نظم الرقابة المالية الداخلية للوحدات وتدعيمهذه النظم والرفع من كفاءتها في تحقيق عناصر الرقابة والضبط الداخلي.
التحقق من إتباع نظم وأساليب حديثة في التخطيطوالتنظيم ومتابعة التنفيذ.
التأكد من كفاية الأنظمة وتحديد سلطاتومسئوليات العاملين بالوحدات المشمولة بالرقابة ومراعاة التسلسل الإداري بما يحققحسن إنسياب المعلومات بشكل سليم وخلق مناخ تعاوني بين الأفراد والعاملين.
اكتشاف الممارسات والمبادرات الإبداعيةلتشجيعها ورعايتها ومكافآة القائمين على ذلك كنوع من الحافز.
2. أهداف استراتيجية وتتمثلفي:· الحفاظ على الممتلكات والموجودات (الأصول) بما يضمن حمايةالمال العام والحفاظ على حقوق الأطراف ذات العلاقة بالوحدة محل الرقابة.
زيادة الفعالية بما يمكن من تحسين الأداءوزيادة الإنتاجية واقتراح أفضل السبل لتحقيق الأهداف التي ترمي إليها الخططوالسياسات الاقتصادية الموضوعة.
تزويد السلطة التشريعية في الدولة بالمعلوماتوالتقارير السليمة والمؤكدة وذلك بغرض تحققها من تطبيق ما وافقت عليه فيما يتعلقبالميزانية وهو ما يعنى استخدام الاعتمادات في الأوجه التي خصصت لها، وجبايةالإيرادات حسب الأنظمة واللوائح الصادرة.
وفي هذا السياق يود الكاتب الإشارة إلى تذكير جمهورالقراء بأن السلطة التشريعية في دولة السودان تتمثل في (المجلسالوطني).أنواع الرقابةالمالية:تختلف أنواع الرقابةالمالية بحسب موقع الجهة التي تقوم بهذه الرقابة، ويمكن إجمالها في نوعين هما: الرقابة المالية الخارجية – والرقابة المالية الداخلية.أ. الرقابة المالية الخارجية:تعتبر الرقابة المالية الخارجية أداة يمكن عن طريقهاالتأكد من تنفيذ الدوائر والمؤسسات الحكومية للمهام المنوطة بها وفقاً للخططوالبرامج الموضوعة مسبقاً وفي ظل الإمكانات المادية المتاحة.ويمكن تعريف الرقابة المالية الخارجية بأنها: نشاط تقييميمستقل عن السلطة التنفيذية يهدف إلى التأكد من صحة العمليات المالية والبياناتالمحاسبية ومشروعيتها والتحقق من كفاءة وفعالية أداء الأجهزة الحكومية من إنجازأهدافها ومشاريعها… وفي دولة السودان يمثل ديوان المراجع العام دور الجهة المكلفةمن قبل السلطة التشريعية وفق القانون رقم (34) لسنة 1999م بممارسة أعمال الرقابةالمالية الخارجية على الأجهزة الحكومية للدولة.ب. الرقابة المالية الداخلية:تسعي الأجهزة الحكومية جاهدة إلى تأدية مهامها بصورةكفوءة وفعالة تسمح لها بالاستعمال الاقتصادي الفعال للموارد المتاحة، وتسعي السلطةالتنفيذية بكل الوسائل المتاحة لديها لمنع موظفيها من ارتكاب الأخطاء أو إساءةاستعمال الموارد وحمايتها من الضياع أو الاختلاس عن طريق إصدار تعليمات تحددالإجراءات اللازمة للحفاظ على موجوداتها من ناحية ودقة بياناتها المالية والمحاسبيةمن ناحية أخرى… وبمقتضى هذه التعليمات الملزمة لجميع الموظفين يمكن حمايةالموجودات، إضافة إلى إمكانية اكتشاف المخالفات والانحرافات في وقت مبكر لاتخاذالإجراءات المناسبة بشأنها.ويرتكز مفهومالرقابة المالية الداخلية بشكل عام على الفكرة التي تقول: أن إدارة كل وحدة إداريةيترتب عليها مسؤولية أساسية تمكن في تأدية مهامها الخاصة بطريقة معينة وبدرجة منالكفاءة والفطنة بحيث تسمح لها بتخفيض حاجتها إلى الرقابة الخارجية المستقلة إلىالحد الأدنى…. وهو الأمر الذي يعنى صراحة أن أداء جهاز الرقابة المالية الخارجيةلمهامه يعتمد بشكل كبير على أداء وحدات الرقابة المالية الداخلية بالكياناتالحكومية.وتعرف الرقابة الماليةالداخلية بأنها نشاط تقييمي مستقل داخل الواحدة الإدارية من أجل فحص النواحيالمحاسبية والعمليات الأخرى بغرض حماية الموجودات وضبط دقة البيانات المالية ومدىالاعتماد عليها والوثوق بها وزيادة الكفاءة الإنتاجية وتشجيع العاملين على الالتزامبالسياسات الإدارية المحددة مقدماً. وفي دولة السودان يمثل جهاز المراجعة الداخليةلأجهزة الدولة الجهة المكلفة بأعمال الرقابة المالية الداخلية للأجهزة الحكوميةللدولة وذلك من خلال ممارسة أعماله عبر وحداته بالأجهزة الحكوميةالمختلفة.الجدير بالذكر هنا أن الأهدافبالقطاع الحكومي في ظل الرقابة المالية الخارجية والداخلية تلتقى عموماً في سبيلتحقيق المحافظة على المال العام للدولة حتى وإن اختلفت تفاصيل أغراضها وإجراءاتهاالمكتوبة. ولعل للرقابة المالية الداخلية مميزاتها في تحقيق الرقابة السابقة للصرف (الرقابة الوقائية)، وكذلك رقابة التنفيذ (المتابعة) مما يسهل من عمل جهاز الرقابةالمالية الخارجية كثيراً عند قيامه بمراجعة سير أعمال الأجهزة الحكومية في نهايةالفترةوهو ما يسمي بالرقابة اللاحقة. وعموماً يرى علماء الإدارة والمحاسبة أنالرقابة المالية الداخلية والخارجية في القطاع الحكومي كيان متلاقي ومكمل لبعضهالبعض ويقع عاتق النجاح في تحقيق الأغراض بشكلٍ كبير على أجهزة الرقابة الماليةالداخلية نظراً لأن مهمة جهاز الرقابة المالية الخارجية تعتمد بالدرجة الأولى علىمدى فاعلية أجهزة الرقابة المالية الداخلية، كما يبقى للصور الزمنية للرقابةالمالية (الرقابة السابقة، والمستمرة، واللاحقة)، مزايا وعيوب لكلمنها.ثانياً: المشكلات: وفقاً للخلفية العلمية للدراسةودراسة واقع الحال المعاش في الدولة فإنه يمكن تلخيص المشكلات التي تجابه أجهزةالرقابة المالية في القطاع الحكومي في الآتي:
1. قصور وسائل المساءلة في المخالفات المالية… حيث تقتصرصلاحية أجهزة الرقابة المالية (الداخلية والخارجية) بالنسبة للمخالفات الماليةوالإدارية في الكشف فقط عن هذه المخالفات ولفت النظر إليها والمطالبة، بمعالجتها،دون أن يكون هنالك حق قانوني مباشر لهذه الأجهزة في مساءلة ومحاكمة الموظفين عمايرتكبون من مخالفات – فقط يرفع الأمر إلى هيئات المحاكم العامة وتبعية ذلك منالانتظار الطويل ضمن القضايا في المجالات الأخرى.
عدم تعاون بعض الوحدات والدوائر الحكومية معأجهزة الرقابة المالية واستمرار التسيب والهدر في المال العام بالرغم من كثرة عددالاستيضاحات الموجهة لبعض الجهات وتكرارها وعدم البت فيها وعدم الرد على ملاحظاتواستيضاحات المراقبين الماليين. وذلك على الرغم من أن قوانين الرقابة الماليةالخاصة بهذه الأجهزة تلزم الجهات الخاضعة للرقابة بالإجابة على استيضاحات المراقبينالماليين الممثلين لهذه الأجهزة وذلك خلال فترة محددة… إلا أن نصوص هذه القوانينلم تحدد الجزاء في حالة عدم استجابة هذه الدوائر بالرد على استيضاحاتها…؟؟
عدم استيعاب المراقبين الماليين لحقوقهمالقانونية في أداء مهامهم، ومن ناحية أخرى عدم اعتراف الأفراد العاملين بالوحداتمحل الرقابة بأهمية هذه الحقوق ودستوريتها وما تمنحه لموظفي أجهزة الرقابة الماليةمن حصانات تكفل أداءهم لما يعهد إليهم به من مهام بحرية مهنية تامة وغيرمتجاوزة.
تعاني أجهزة الرقابة المالية من نقص كبير فيالكوادر المتخصصة، وتدنى المستوى العلمي والفني والخبرة في مجالات الرقابة للكوادرالعاملة مما ينعكس سلباً على فعالية العملية الرقابية – وغير خفي وجود كم هائل منمنسوبي أجهزة الرقابة المالية يتمشدقون بحمل الدرجات الجامعية المتخصصة في المجالاتالأدبية ومجالات العلوم الأخرى ويحسبون أنفسهم من بين الخبراء في العلوم المالية – ولم تكلف الأجهزة الرقابية عناء تأهيلهم العلمي على الإطلاق فقط – تعلموا قليلاً منمهارات الرقابة المالية وولجوا إلى ساحات العمل.
تداخل اختصاصات أجهزة الرقابة المالية الداخليةوالخارجية مع بعضها البعض، الأمر الذي يحتم إعادة النظر في تشريعات هذه الأجهزةلإزالة التداخل فيما بينها وفي نفس الوقت – تدعيم أفكار منسوبي هذه الأجهزة فيمايتعلق بوحدة الهدف من أدائهم لمهامهم الموكلة.
لا تتمتع أجهزة الرقابة المالية بميزةالاستقلال التام عن السلطات التشريعية والتنفيذية.
يترتب على عرض المخالفات والخلافات التي تثوربين أجهزة الرقابة المالية وبعض الوزارات والدوائر الحكومية للسلطة التشريعية للبتفيها أن تصبح الحكومة بمثابة الخصم والحكم في تلك الخلافات ويمتد الأمر ليدخل فيحسبة النعرات الحزبية السياسية والنواحي العرقية. وبالتالي ضياع القضية الأساسية فيخضم هذا التناحر والتدابر.
هنالك بعض الهيئات الحكومية التي تدخل أموالهافي نطاق الأموال العامة ولا تزال غير خاضعة لأجهزة الرقابة المالية… وإن خضعت فهوخضوع جزئي ولا يمثل الفعالية المطلقة لعملية الرقابة المالية بمعناها العلميالدقيق، ومن تلك الهيئات: الهيئات التي تتلقى الدعم المالي من الحكومة والشركاتالتي تساهم الحكومة في رأسمالها وتلك التي تضمن لها الحكومة حد أدنى من الأرباح،وكذلك الجمعيات الخيرية والنقابات المهنية. ولعل الأهم بين كل ذلك قضية الاستثماراتالتي تنشئها الوحدات الحكومية من أموالها الخاصة سواء بالاستقطاع من رواتبمنسوبيها، أو من خلال جبايات أخرى غير مبرمجة في السياسة المالية العامة للدولةتحصل باسم تلك الوحدات وتحت مسميات مختلفة لأجل هذا الاستثمار ويقع عبئها ثقيلاًعلى كاهل المواطن – ولعل المنطق العلمي والمهني البحت في مجالات الرقابة الماليةيدعوا هنا إلى فرض تساؤلات على النحو التالي: إن كانت نسبة التحصيل الكبرى لهذهالأموال المستثمرة مصدرها الاستقطاع من مرتبات منسوبي هذه الوحدات الحكومية… فإيهما أفضل لهؤلاء المنسوبين في شأن الاطمئنان على سلامة أموالهم – أن تكون الجهةالرقابية عليها فقط إدارة تلك الوحدات الحكومية – أم تتدخل الدولة عبر أجهزتهاالرسمية لفرض الرقابة على هذه الأموال المستثمرة لصالحهم وحمايتها…؟؟، هل طريقةتحصيل الأموال لهذه الاستثمارات من غير منسوبي هذه الوحدات تعتبر قانونية بحكمالسياسة المالية وإن منحتها السياسة ذلك الحق هل تعتبر هذه الأموال أموال عامة أمخاصة أم ماذا…؟؟، وما هو دور السلطة التشريعية بالدولة في صياغة قوانين واضحة فيهذه المناحي وإن وجدت ترى هل هنالك ضمانات حماية كافية لأجهزة الرقابة المالية تتيحلها البت القطعي دون مواجهة اعتراضات في هذه المناحى…؟؟
يواجه جهاز الرقابة المالية الخارجية صعوبةتتعلق بضعف أجهزة الرقابة المالية الداخلية في الوزارات والدوائر الحكومية، ممايتسبب في حدوث كثير من الأخطاء المالية، الأمر الذي يدفع هذه الأجهزة إلى الاعتمادفي كثير من الأحيان على موظفي الرقابة المالية الخارجية لاكتشاف هذه الأخطاءوالتحري عن أسبابها… وفي ذلك إضافة إلى الأعباء الملقاة على عاتق جهاز الرقابةالمالية الخارجية. وغير خفي أنه بخلاف ما يثار مؤخراً من اهتمام بمناحي الرقابةالمالية الداخلية لم يكن للدولة ممثلة في سلطتها التشريعية سابق اهتمام علمي كافيبفاعلية هذه الأجهزة ودورها في المحافظة على المال العام، لذلك لم تهتم أيضاًالدوائر والوحدات الحكومية بتفعيل دور أجهزة الرقابة المالية الداخلية مطلقاً، (فهوالطناش النافع).
ضعف قانون الرقابة المالية المعمول به (قانونعام 1986م المعدل نسبياً لعام 1999م) وقدمه وعجزه عن مواكبة التطورات الحديثة فيمجال الرقابة المالية، بحيث لم يعد هذا القانون قادر على تلبية متطلبات الرقابةالمالية على الأجهزة الحكومية، والتي شهدت نقلة نوعية كبيرة في الفترة الأخيرة فيمجالات تنظيمها المالي ووسائل الرقابة على أموالها، وذلك على الرغم من المحاولاتغير المجدية لتعديل القانون المطبق بما يتلائم مع هذه التطورات.
الاستخدام النسبي بأجهزة الرقابة الماليةلتكنولوجيا الحاسبات الالكترونية وملحقاتها المختلفة وإنحسار الفهم بأهمية هذهالتكنولوجيا في مفاهيم ضيقة إلى الحد البعيد – ولا يزال عمل هذه الأجهزة الرقابيةيعتمد بشكل أساسي على الطريقة اليدوية ورفيقاتها من المجلدات الضخمةالسائبة.
كثرة القوانين والأنظمة والتعليمات الماليةوالإدارية المعمول بها في الجهة الحكومية الواحدة، الأمر الذي يربك عمل أجهزةالرقابة المالية الخارجية كثيراً.
غياب المفهوم العلمي لأهمية نظام الحوافز فيشأن رفع الروح المعنوية لمنسوبي أجهزة الرقابة المالية ومن ثم تحسين كفاءة الأداء – (يعنى الكاتب: الحوافز عن الأداء وليس حوافز الأعياد أو ما في حكمها) ومن جهة أخرىعدم الاهتمام أيضاً بتحفيز الوحدات الحكومية محل الرقابة من خلال توجيه مكتوبات شكرعن سلامة أدائها. وما إلى ذلك – وفي هذا السياق يود الكاتب أن يشير عموماً إلى أنمنسوبي الأجهزة الرقابية يعدو من أكثر الشرائح الوظيفية ضعفاً في الرواتبوالامتيازات المالية الأخرى… وفوق كل ذلك يطالبون بالأداء الكفء – ولعل مرد ذلكضعف إدارات هذه الأجهزة في المطالبة بتحسين مستحقات منسوبيها – وكذلك عدم اهتماموزارة المالية للدولة بأهمية الدور الذي يلعبه هؤلاء في المحافظة على المال العامومن ثم رفع امتيازاتهم المالية…؟؟
عدم تطبيق مبدأ محاسبة المسؤولية عن الأداء علىأجهزة الرقابة المالية، نظراً لاعتناق مفهوم القدسية المطلقة من قبل السلطةالتشريعية في النظر إلى دور تلك الأجهزة الرقابية، إضافة لاعتناق منسوبي أجهزةالرقابة لهذا المفهوم أيضاً وتعاظمه في محتوى تفكيرهم – كما أنه لا توجد محاسبة عنالتصرفات المالية بالإنفاق لأجهزة الرقابة المالية… عملاً بمفهوم كما تحاسب يجبأن تحاسب.
أخيراً تداخل وتعارض الولاء السياسي معالاختصاصات المهنية البحتة لعمل أجهزة الرقابة المالية على الصعيد هذا الأجهزة… حتى وإن كان الجميع يعلم أن رؤوسها تتسم بالنزاهة ولكنها موالياً سياسياً… وأمامالمجتمع لا عذر… فالولاء السياسي في بيئة العمل وتطبيقاتها المهنية ينتقص من قدرالنزاهة…؟؟ ومن ناحية أخرى على صعيد أجهزة الرقابة المالية والجهات الحكومية محلالرقابة، والتي قد ترى رؤوسها أن عضويتهم الفكرية المطلقة للحزب الحاكم بالدولةتتيح لهم القدر الكبير في ممارسة أفعال سالبة مطلقة ودون أن تكون هنالك محاسبةلاحقاً – وهنا يتوقف الأمر على الحزب الحاكم للدولة في تصحيح هذه المفاهيم السالبةفي معتقدات الأعضاء المنتشرين جداً جداً… وأظن الوسائل التصحيحية متعددة في شأنذلك.
ثالثاً: الحلول:لتفعيل دور أجهزة الرقابةالمالية في القطاع الحكومي والتغلب على الصعوبات التي تواجهها يرى الكاتب أن يؤخذبالتوصيات التالية:
-. يجب أن يتوافرللجهاز الأعلى للرقابة (جهاز الرقابة المالية الخارجية)، رقابته المالية بروح حرةومستقلة من أي تحيز سياسي، مع مراعاة عدم الصدام مع الإدارة الحكومية.
ضرورة مراجعة التشريعات التي تحكم عمل الأجهزةالرقابية سواء كانت مالية بحتة أو إدارية لإزالة التعارض بين نصوص هذه التشريعاتوإزالة التداخل بين عمل هذه الأجهزة بما يضمن حسن سير العمل ويؤدى إلى زيادة كفاءةوفاعلية هذه الأجهزة.
يجب أن لا تقتصر تشريعات الأجهزة الرقابية علىالتأكد من تحقيق الدوائر الحكومية لأهدافها واكتشاف المعوقات والمخالفات، ولكن يجبأن تعنى هذه التشريعات بوسائل العلاج وسبل الإصلاح – لذلك لا بد من إعطاء صلاحياتكافية لأجهزة الرقابة المالية وتمكينها من تصويب المخالفات والأوضاع الخاطئة وتحويلموظفي هذه الأجهزة الصلاحيات الضابطة العدلية في ممارسة وظائفهم.
وضع القوانين والتشريعات الرقابية التي تلزمالدوائر الحكومية الخضوع للرقابة المالية – والبدء الجدي بتطبيق مبدأ الثوابوالعقاب على كافة المستويات، وذلك من خلال تشكيل لجان خاصة تتمتع بسلطة ونفوذ قويين – تكون مهمتها التحقق من تطبيق القوانين ولها سلطة التفتيش على المؤسسات الحكوميةوتتولى تقديم تقارير بذلك للسلطة التشريعية وهي بذلك ستكون لجان رقيبة أيضاً علىأداء الأجهزة الرقابية – كما يجب أن تتمتع بسلطات توجيه هذه الأجهزة ومحاسبتهم عنالأداء السالب بالإضافة إلى تصرفاتهم المالية بالإنفاق.
نظراً لانتشار الجرائم الاقتصادية وتأثيرها علىالاقتصاد القومي بوجه عام لا بد من تبنى أجهزة الرقابة المالية لسياسات وخطط وبرامجتنفيذية للإصلاح الإداري والمالي تهدف إلى بحث ومتابعة حالات الجرائم الاقتصاديةوالكسب غير المشروع والرشوة والمحسوبية، واستغلال النفوذ والتحقيق في هذه الجرائموإعطائها الحق بإحالة صاحب العلاقة إلى القضاء.
تفعيل مبدأ حياد الوظيفة الحكومية بشكل عام منخلال وضع ضوابط موضوعية تمنع تسيس الوظيفة الحكومية والعمل على إخضاع التعييناتوالترقيات والتنقلات لقوانين موضوعية واضحة وأنظمة ولوائح نافذة… ووقف كلالتعيينات والترقيات التي تمت مخالفة للقوانين والأنظمة المعمول بها…؟؟؟ ولذلكآثاره إيجاباً على عمل أجهزة الرقابة المالية.
رفد أجهزة الرقابة المالية بموظفين مختصين وذوىكفاءات علمية وعملية في مجالات الرقابة المالية على أن لا يقل المؤهل العلميللعاملين في هذه الأجهزة عن درجة البكلاريوس كحد أدنى، إضافة إلى مرورهم باختباراتجدية وعلى درجة من الصعوبة وعقد دورات تدريبية بصفة مستمرة لتطوير مهاراتهم فيمجالات الرقابة المالية واتجاهاتها الحديثة، هذا مع اعتماد تكنولوجيا الحاسباتكمدخل أساس لتطوير المهارات.
تفعيل نظام الحوافز على الأداء في أجهزةالرقابة المالية من خلال مقارنة ما هو مخطط لعمل المراقبين الماليين مع الأداءالمنفذ من قبلهم. إضافة إلى تحسين الرواتب والامتيازات المالية الأخرى الخاصةبمنسوبي هذه الأجهزة لضمان استقلاليتهم ونزاهتهم وكفاءتهم في أداء المهامالموكلة.
تفعيل نصوص تشريعات أجهزة الرقابة المالية التيتعنى بما يجب أن يتمتع به موظفوها من حصانات تكفل لهم الحرية التامة في ممارسةأعمالهم.
عدم التدخل في أعمال أي من أجهزة الرقابةالمالية من قبل السلطات العليا وبأي صفة كانت في ما عدا المحاسبة عن أدائها بعدإنجاز الأعمال.
أن تولى السلطات العليا في الدولة تقارير أجهزةالرقابة المالية كل اهتمام وعناية وأن تطالب هيئات التنفيذ في الدولة بتلبية طلباتهذه الأجهزة وتنفيذ توصياتها والعمل على تلافي جميع المخالفات المالية والإداريةالتي تشير إليها.
إعادة النظر في التشريع الذي يحكم عمل وحداتالرقابة المالية الداخلية بحيث يكون دور هذه الوحدات مؤثراً وفعالاً في الرقابةالداخلية في الدوائر التي تتبع لها هذه الوحدات، وإلزام جميع الوزارات والدوائرالحكومية بإنشاء وحدات للرقابة الداخلية في حالة عدم تواجدها وتفعيل دور هذهالوحدات القائمة والمستحدثة ورفدها بالموظفين المؤهلين للعمل في هذا المجال، وإيجادوسيلة قانونية لمنح هؤلاء الموظفين الحصانة التي تخول لهم ممارسة أعمالهم بحريةمهنية غير متجاوزة.
ضرورة وجود آلية للتنسيق والتعاون بين الرقابةالداخلية والرقابة الخارجية، فكلما زادت فعالية الرقابة الداخلية كلما سهل علىالمراقب الخارجي تحديد نسبة ونطاق الاختبارات المطلوب إجرائها ومن ثم كسب الوقتوالجهد وإحكام السيطرة على المال العام بشكل أكثر فعالية.
تعديل قانون جهاز الرقابة المالية الخارجية بمايضمن تفعيل دوره في ممارسة الرقابة المالية هي الأجهزة الحكومية وذلك منخلال:
أ. حصانة رئيس جهازالرقابة المالية الخارجية عند التعيين وعند انتهاء الخدمة.ب. أن تشمل رقابة جهاز الرقابة الخارجية المال العام أينماوجد وفي أي صورة كان.ج. منح جهازالرقابة المالية الخارجية الاستقلال المهني المالي والإداريالتام.
15.إيجاد آلية تضمن رد الجهاتالحكومية على استفسارات أجهزة الرقابة المالية واعتبار عدم الرد على ملاحظات أجهزةالرقابة المالية أو المماطلة أو التأخر في الرد عليها من المخالفات التي تستوجبالمساءلة القانونية الفورية.
عرض الخلافات التي تثور بين أجهزة الرقابةالمالية والدوائر الحكومية الخاضعة لرقابتها على السلطة التشريعية بشكل سريع بغرضالبت القطعي السريع في أمر هذه الخلافات حتى لا تتأثر عملية الرقابة فيمجملها.
ختاماً: أسأل الله أنيكون قد جانبنا التوفيق فيما كتب ونعد قراءنا الكرام بمواصلة تقديم مكتوباتنا فيمجالات الرقابة المختلفة في حلقات قادمة بإذن الله.موضوعات الحلقات القادمة:
1. الرقابة المالية على مورد النفط.
الرقابة البيئية.
أثر الوضع السياسي والاقتصادي والاجتماعيالنظام الرقابي.
المراجع:
1. فؤاد العطار،القضاء الإداري، (القاهرة: دار النهضة العربية، 1967م).
عبد الكريم درويش، ليلي تكلا،أصولالإدارة العامة، (القاهرة: مكتبة الأنجلو المصرية، 1980م).
حبيب الهرمزي،الرقابة على المؤسساتالعامة في التشريع العراقي، (بغداد: مطبعة الأوقاف، 1977م).
حمدي سليمان سحيمات،الرقابة الإداريةوالمالية على الأجهزة الحكومية، (عمان: مكتبة دار الثقافة، 1998م).
عوف محمد الكفراوي،الرقابة المالية – النظرية والتطبيق، (الإسكندرية: مؤسسة شباب الجامعة، 1989م).
د/ فياض حمزة رملى أرباب
[email protected]
باحث فى شئون الرقابه الماليه