نحو شخصية مستقلة
د/عمرو بدران
تعاني مجتمعاتنا من وجود فئة من الناس تكون إمعة! ليست ذات تكوين ولا شخصية.
وتعود أسباب ذلك إلي قصور في التربية للنشء أو مشاكل أسرية أو نقص في الشخصية أو انفصام في النفس البشرية، ولإيجاد مفهوم هذه الغرائز داخل أي منها لابـــد أولاً من وضع أسس العلاج المتدرج حتى لا نطلب المستحيل لتحقيق نتائج سريعة تكون انتكاستها أسرع من شفائها.
إن اتخاذ القرارات السليمة مسئولية كبيرة لا يقدر عليها أي إنسان، ما لم تكن لديه النظرة الثاقبة والحكيمة لصائب الأمور، أما حسم الأمور أو التسلط فيها أو العناد فلن يزيدها إلا تعقيدًا وبعدًا عن الحلول السليمة.
ومن يدعي بأنه قادر علي اتخاذ القرارات بنفسه وقتما شاء فإنما هو واهم، فليست كل قراراتنا الوقتية ذات نظرة صحيحة خاصة إذا كانت لها آثار مستقبلية.
ولنسأل أنفسنا:
– هل يولد بعض الناس أقوياء في الشخصية، بينما يولد آخرون ضعفاء فيها؟ أم أن القوة والضعف هنا عاملان مكتسبان؟.
لاشك أنه يوجد من يولد أقوي شخصية من غيره، فكما يرث أحدنا الصفات الجسدية لآبائه وأمهاته كلون بشرته، وتقاسيم وجهه، كذلك فإنه يرث صفاتهم النفسية بنسب معينة، ولكن ذلك لا يعني أن من لم يرث قوة الشخصية من آبائه فإنه لا يمكنه اكتسابها.
والصفات التي نرثها ليست كلها من النوع الذي لا يمكن تبديلها وتغييرها، ولا من النوع الذي لا يمكن الإضافة عليها بشكل أو بآخر، فظروف الحياة والتجارب التي يمر بها الإنسان وتصميمه وتحديه كلها تشكل عوامل تساعده علي زرع الصفات التي يرغب فيها في ذاته لتنمو في شخصيته.
وهذا يعني أن ضعفاء الشخصية يمكن أن يصبحوا بمرور الزمن أقوياء، وفي نفس الوقت يمكن أن يولد أشخاص أقوياء في شخصياتهم من جهة الوراثة ولكنهم بفعل الظروف الاجتماعية والعائلية يفقدون قوة شخصياتهم.
إن النظر إلي الواقع العملي يكشف أن الأكثرية من أقوياء الشخصية هم الذين اكتسبوها من خلال الخطوات العملية التي مارسوها في حياتهم وأنهم كانوا يعانون من الضعف في فترات سابقة من حياتهم، وهذا يعني أن كل إنسان يولد بحد أدني من قوة الشخصية، ومن خلال التربية والإرادة والممارسات العلمية يكتسب قوة إضافية يضيفها إلي رصيده الطبيعي منها.
قد يظن البعض أن الذكاء أو العلم مهمان جدًا من أجل كسب النجاح أو الأهمية في المجتمع؛ إلا أن تجارب كل الناجحين تدل علي أن الشخصية المستقلة تساهم في نجاح العمل أكثر بكثير مما يساهم به الذكاء مهما كان خارقًا.
ويجب علينا ألا نعيش بشخصيتين مختلفتين متناقضتين أمام وخلف المجتمع لأغراض خاصة أو عامة حتى لا نتصف بصفات النفاق فنخسر ديننا ودنيانا من أجل مصالح وهمية زائلة بزوال مسبباتها.
مازالت بيننا شرائح بشرية ترفض أن تتمثل بما يناسبها، وتري أنها ليست أقل من أعلاها فترهق نفسها وتدخل حلقات صراع لا تستطيع مقاومته فتكون نهايتها الخسارة أو الإذلال أو الانهيار، وجميعها نتائج وخيمة علي الإنسان والمجتمع.