أ.د. عبد الله الفيصل
أضاف الأستاذ الدكتور عبد الرحمن الحميد إلى المكتبة الإدارية بصورة عامة وإلى مكتبة المحاسبة بصورة خاصة كتاب «نظرية المحاسبة». يتكون الكتاب من سبعة أقسام في كل قسم عدد من الفصول. بدأ بنظرية المحاسبة بين الفكر والواقع كمدخل لمؤلفه. وأسس على أن المحاسبة علم اجتماعي تبنى نظرياته على فرضيات تتغير مع تغير الظروف والمحيط الاقتصادي. وعن دور المحاسبة وكيف ينظر إليها بين أنه ينظر إليها من عدة زوايا: إما أنها سجل تاريخي للأحداث المالية، وإما لغة تترجم تلك الأحداث، أو مرآة لعكس الواقع الاقتصادي، أو نظام معلومات تتوقف فائدته على مكونات مدخلاته ومخرجاته، أو أنها سلعة (خدمة) [ تباع وتشترى وتقيم حسب فائدتها للمشتري وحسب قناعة البائع. وخلص إلى أن نظرية المحاسبة كل عمل ينصب على القياس والتوصيل وأنه بدون وضوح معالم القياس والتوصيل فلا يمكن بناء نظرية سليمة للمحاسبة .
ثم استعراض بإيجاز مدارس الفكر المحاسبي، ولخصها في ثلاثة مستويات تتابعية زمنياً، أولها: مدرسة التفكير الكلاسيكي أو التفكير والتحليل الإجرائي classical or structural school ثم المدرسة التفسيرية Interpretational school والمدرسة السلوكية Behavioral school. وعن أساليب بناء النظريات المحاسبية، ذكر أنه ليس هناك أسلوب واحد متبع ولا نظرية مجمع عليها. وأن أساليب بناء النظريات المحاسبية تنقسم إلى مجموعتين: أساليب غير نظرية «أي لا تستند إلى تبرير» كالأسلوب الواقعي وأسلوب الإطار الفكري، وأساليب نظرية تنقسم إلى مجموعتين: أساليب تقليدية كالاستنباطي والاستقرائي والأخلاقي والاجتماعي والاقتصادي والمختلط، وأساليب حديثة كأسلوب الأحداث، والسلوكي، وأسلوب تحليل القرارات البشرية والتنبؤي والإيجابي. وانطلاقا مما سبق وعند الحديث عن الإطار العام لنظرية المحاسبة خلص إلى أن «عمليات القياس والعرض والإفصاح لم تصل إلى مستوى العلم الحقيقي، وأن نتائجه تعتمد على محدداته ومكوناته، وأن من مكوناته ما يصطلح عليه «تبادلياً» بالبديهيات أو المفاهيم أو الفرضيات أو المبادئ» [وهذا يعنى أنه كلما تغيرت هذه المفردات تغيرت معها نتائج القياس والعرض والإفصاح . ثم أورد 17 مصطلحاً من تلك المصطلحات، وختم بقوله « قد لا تقتصر الفروض على ما تم حصره اجتهاداً. وإنما يمكن أن تتغير مع تغير الزمان والمكان وتطور حاجات المجتمع لخدمة المحاسبة».
والقسم الثاني خصصه المؤلف لاستعراض التطور التاريخي للمحاسبة. وبدأ باستعراض بدايات تسجيل وتوثيق العمليات المالية في محطتين إحداهما محطة الحضارات القديمة كالأشورية والبابلية والسومرية والمصرية القديمة والصينية. والأخرى محطة الحضارة الإسلامية، وفي هذه المحطة قادته عاطفته إلى التوسع توسعاً أخرج الموضوع عن سياقه . فقد استعرض في المحطة الأولى التاريخ القديم في أربع صفحات ، أما المحطة الإسلامية فقد أسهب فيها في 42 صفحة ثم خلص منها إلى قوله : (إننا لم نجد حتى وقتنا الحاضر دليلاً مادياً على استخدام طريقة القيد المزدوج علمياً أو عملياً في الحضارة الإسلامية).
وفي هذا السياق حبذا لو أن المؤلف وهو الخبير في اللجان الزكوية في وزارة المالية بل رئيس اللجنة الاستئنافية الزكوية والضريبية حبذا لو عرج على فكرة القيمة السوقية أساس القياس في محاسبة الزكاة في الإسلام، وهي الفكرة التي تحاول المحاسبة الحديثة الآن تطبيقها Market to market value. فلعل في تسليط الضوء على هذه الفكرة ما يظهر المساهمة الفكرية الإسلامية في بناء نظرية القياس والتقييم المحاسبي. وكإتمام لسرد التطور التاريخي للمحاسبة بين المؤلف أن عدداً من العوامل التي أسهمت في ذلك التطور كأسلوب القيد المزدوج، الثورة الصناعية، السكك الحديدية، الشركات المساهمة، البورصات، النظم البنكية، وتشريعات الضرائب، والتشريعات التجارية والجمعيات المهنية. ثم خص الكساد الاقتصادي عام 1929 بما يستحقه من تأثير في تطور الفكر المحاسبي. بعد ذلك استعرض تنظيم إصدار المعايير وانتشارها حول العالم بادئاً باستعراض تجربة الولايات المتحدة الأمريكية. وأسس لذلك بتعريف معايير المحاسبة المتعارف عليها Generally Accepted Accounting Principles بأنها «مجموعة الإصدارات شبه الرسمية لتحديد طرق القياس والإفصاح والعرض المحاسبي». وبين أن مثل هذه الإصدارات بدأت في أمريكا بعد كارثة الكساد الكبير حيث تم تأسيس هيئة الأوراق المالية عام 1933 وفي عام 1938 أسندت هذه الهيئة أمر إصدار المعايير إلى معهد المحاسبين القانونين AICPA، تلا ذلك عام 1959 إنشاء مجلس مبادئ المحاسبة APB ثم مجلس معايير المحاسبة المالية FASB عام 1973.بعد ذلك استعرض تجارب كل من بريطانيا، كندا، أستراليا، اليابان، الصين ومصر. و خصص جزءاً لتطور إصدار المعايير الدولية ومعايير محاسبة المؤسسات المالية الإسلامية. وخصص فصلاً في هذا الجزء لتطور تنظيم المهنة في دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، استأثرت بالجزء الأكبر منه تجربة المملكة العربية السعودية.
والقسم الثالث من الكتاب خصصه المؤلف للحديث عن الإطار الفكري للمحاسبة كأساس لبناء المعايير. استعرض المؤلف في هذا الجزء المحاولات الأكاديمية (الفكرية) والمهنية (التطبيقية) لبناء أو استخلاص مبادئ محاسبية تكون ركائز للنظريات المحاسبية، بدءاً من رسالة الدكتوراه التي كتبها السيد WilliamPaton عام 1916 وقرر فيها ستة فروض أساسية للمحاسبة هي الوحدة المحاسبية، الاستمرار، معادلة الميزانية ، وحدة القياس و ثباتها والتغطية [المقابلة والاعتراف بالإيراد. مروراً بجهود جمعية المحاسبة الأمريكية AAA ومعهد المحاسبين الأمريكي AICPA. كما استعرض معوقات بناء المبادئ المحاسبية التي تتركز في نظره في ثلاثة معوقات: عدم محاكاة النموذج المحاسبي للواقع، التدخل السياسي وتشابك النظم الاقتصادية وتعقدها. ثم ألمح إلى خيارات وأساليب بناء الإطار الفكري للمحاسبة. واستعرض الأفكار التي يبنى عليها الإطار الفكري للمحاسبة في أمريكا وخلص إلى أن مكونات ذلك الإطار هي أهداف التقارير المالية ثم خصائص المعلومات المالية وعناصر القوائم المالية ثم الاعتراف والقياس ثم توصيل المعلومات أو ما يعرف بالعرض والإفصاح. ولم يبتعد الإطار الفكري في المحاسبة الدولية عن الإطار الفكري للمحاسبة في أمريكا. وكذلك الحال في الإطار الفكري للمحاسبة في المملكة، حيث يتكون الإطار الفكري للمحاسبة المالية من الأهداف والمفاهيم والقياس والعرض والإفصاح. ومما يحسن التنبيه إليه تأكيد المؤلف «بأن الإطار النظري لا يمكن أن يكون بديلاً لنظرية المحاسبة ولن يكون حائلاً دون استمرار المحاولات لبناء مثل هذه النظرية. كما أكد أن الإطار الفكري هو الأساس المقبول الآن لبناء نظريات المحاسبة، إلا أن ذلك لا يمنع من التفكير في أسس أخرى تبنى عليها النظريات المحاسبية، ما دامت لا تزال في مفهوم النظريات.
بعد أن دبج المؤلف 351 صفحة أو نصف الكتاب في ما يمكن أن يوصف بأنه توطئة أو تقديم لنظريات المحاسبة، خصص الأقسام الثلاثة التالية لتحديد وقياس وعرض المعلومات المالية مبتدئاً الفصل الحادي عشر بعنوان «تحديد الشيء المقاس للأصول والخصوم وحقوق الملكية».
حيث استعرض التعاريف المختلفة لهذه المفردات الثلاث وأساس اختيارها وتأثيرها في عمليات القياس والإفصاح. ولعل ذلك يظهر جلياً عند الاختلاف على أساس تعريف حقوق الملكية. فبعد أن ذكر المؤلف خمسة أسس لتعريف هذا البند وتأثير كل تعريف في أسلوب الإفصاح قال ما نصه «وباستعراض تلك النظريات الخمس نجد أنها تتباين في فلسفتها في تحديد حقوق الملكية من حصر لحقوق الملكية في حاملي الأسهم العادية، إلى جميع الممولين، وكل نظرية لها أساسيتها وفرضياتها وقابليتها للتطبيق على أرض الواقع. وقد يكون من المفيد أن نتبنى تعريفاً لحقوق الملكية لكل نظرية على حدة. فما ينطبق على متجر صغير…. لا ينطبق على شركة عملاقة كـ «سابك» مثلاً. ولذا فإن التعريف من الناحية العملية تشوبه مشكلات أساسية في التطبيق». ولعل الكاتب يتفق معي على أن هذه الخلاصة تصيب الطالب بخيبة أمل كبيرة، وتعيده إلى نقطة البداية. بعد تعريف الأصول والخصوم وحقوق الملكية انتقل المؤلف إلى شرح لأسس تقييم هذه المجموعات، فعند الحديث عن تقييم الأصول ذكر مجموعتين من الأسس، الأولى تعتمد على ما يعرف بالقيم الداخلة Input values والأخرى تعتمد على القيم الخارجة Outputvalues. ثم بين أن هناك أربع نقط تؤخذ بعين الاعتبار عند قياس الخصوم كالدفعات النقدية المستقبلية وتواريخها، والدفعات المستلمة مقدماً ومستوى الخطر وصعوبة التقدير. وفي الفصلين التاليين (الثالث عشر والرابع عشر) فصل المؤلف أسس تقييم مفردات الأصول والخصوم وحقوق الملكية.
خصص المؤلف القسم الخامس من الكتاب لقياس التغير في صافي الأصول. وبين أن التغير ينشأ بسبب التغيرات الناتجة عن عناصر الدخل المحاسبي، وعن التغير في التقييم. ثم أسهب في شرح قياس الدخل المحاسبي والعوامل المؤثرة فيه. وفي الفصل التالى (السادس عشر) استعرض نماذج أخرى لقياس الدخل سماها نماذج إعادة التقييم Appraisal Approach مستعرضاً عدداً من القيم لهذا القياس كالقيم الداخلة والقيم الخارجة. ثم الدخل الاقتصادي كأحد أساليب إعادة التقييم بين فترتين. وكذلك أثر صيانة رأس المال ونظريات التنبؤ المستقبلي و التغير في مستوى الأسعار وأثره في قياس الدخل.
وكي تكتمل الحلقة أو الدائرة خصص القسم السادس (الفصلين السابع عشر والثامن عشر) للعرض والإفصاح المحاسبي. بدأ بعرض موجز لمتطلبات العرض والإفصاح في المعايير الدولية، مذكراً بأن مجلس الهيئة السعودية للمحاسبين القانونيين أقر استخدام المعايير الدولية كمصدر أساسي للقياس والعرض والإفصاح في حالة عدم توافر معايير محلية سعودية لمعالجة حالة معينة. ثم استعرض بإسهاب معقول متطلبات العرض والإفصاح في المملكة مستخدماً القوائم المالية للشركة السعودية للصناعات الأساسية (سابك) للعام المالي المنتهي في 31/12/2007 أداة للتوضيح. وفي الفصل الثامن عشر عرض متطلبات العرض والإفصاح العام. اشتمل هذا الفصل على 15 بنداَ من البنود التي تؤثر في القوائم المالية بدءاً بمعالجة العملات الأجنبية وانتهاء بخسارة هبوط قيمة الأصول غير المتداولة. كذلك متطلبات العرض والإفصاح الفتري والقطاعي وربحية السهم.
رأى المؤلف أن يختتم كتابه في القسم السابع الذي عنونه بـ «الفضائح المالية ورياح التغيير» وقسمه إلى فصلين، الفصل التاسع عشر عنونه بـ «الفضائح المالية وأزمة الرهن العقاري» استعرض فيه المشكلات التي تعرضت لها مؤسسات كبيرة كشركة إنـرون Enron وشركة زيروكس Xerox ثم أزمة الرهن العقاري، ودور المحاسبة في حصول المشكلات للشركتين وفي نشأة أزمة الرهن العقاري، وكذلك تأثير ما حصل أيضاً في المحاسبة فكراً ومهنة. وعنون الفصل العشرين بـ «ريــاح التغــيير»، بين فيه أن تلك الأحداث أدت إلى عدد من المتغيرات منها تدخل السياسيين لإعادة تنظيم المهنة وتبني المهنة نفسها بعض التغييرات، من هذه التغييرات تغير إجراءات إصدار المعايير والجهات المشرفة على إصدارها ودعم استقلال معدي معايير المحاسبة وتحسين وتطوير التقارير المالية سواء من حيث المكونات أو من حيث العرض والإفصاح. كما ضمن هذا الفصل إشارة إلى أن معايير المحاسبة اتجهت بشكل أكبر لتأخذ منحى العالمية. وختم الفصل بجزء عن المحاسبة في المملكة ورياح التغيير ، وقرنها بأزمة سوق الأسهم عام 2006 التي هوت بالمؤشر من أكثر من 20 ألف نقطة إلى نحو أربعة ألاف نقطة.
ولعلى أعود إلى مقدمة الجزء السابع وأنقل بعض نصوص المؤلف حيث قال «… تضمنت أصول الممول [أوراقاً لا قيمة لها وأضحت القوائم المالية لبعض المؤسسات المالية مضللة». ثم «أدى الضغط الشعبي على الساسة للتدخل وإعادة تنظيم مهنة المحاسبة والمراجعة في أمريكا، الذي سرى أثره في جميع أنحاء العالم» ، أما موقف المهنة فيقول عنه» يؤكد أن أهداف معايير المحاسبة بدأت في التغير لتحقيق أهداف من ضمنها قدرتها على عكس قياس وإفصاح محاسبي يساعد المستثمرين على اتخاذ قرارات اقتصادية رشيدة من خلال توفير معلومات آنية وموثوقة». في نهاية الكتاب مجموعة من الأسئلة المقالية ومتعددة الخيارات، أو ذات الإجابة الواحدة مع التعليل (676 سؤالاً). كما تضمن في آخره إيضاحات ومراجع لكل قسم على حدة.
لقد أضاف الأستاذ الدكتور عبد الرحمن الحميد بهذا الكتاب إلى مكتبة المحاسبة في المملكة بل إلى مكتبة المحاسبة العربية إضافة هي في أشد الحاجة إليها. وكنا ننتظر ذلك منه منذ مدة فهو المؤهل لقدرته العلمية وتدريسه الجامعي مدة طويلة، وتجاربه المهنية ومساهمته الفاعلة في تطوير مهنة المحاسبة في المملكة. والكتاب جاء بلغة عربية سليمة وأسلوب سلس متيسر الفهم رغم جفاف مادة المحاسبة بصورة عامة. وسيكون للكتاب أعظم فائدة لو اشتمل على فهارس أو كشافات للموضوعات والأسماء لتسهل للطالب أو الباحث الوصول إلى ما يريد بسهولة. كما أن تلخيص الأفكار أو الموضوعات في نهاية كل فصل يجعل الاستفادة من الكتاب أفضل. خاصة أنه مرجع جامعي. كما شمل التطور التاريخي للمحاسبة بشقيها النظري والعملي أو الفكري والمهني. وسلط الضوء على تجربة المملكة في هذا الخصوص. لقد جاء في ثنايا هذا العرض إشارة إلى أن المؤلف خصص نحو نصف الكتاب لاستعراض التطور التاريخي للمحاسبة. وهذا في الغالب لا يتناسب مع الزمن الذي قد يخصصه هو لهذا الجزء عند تدريسه مقرر نظرية المحاسبة لطلبة الدراسات العليا. كما أنه يظهر التوسع في بعض الأفكار توسعاً لا يقود إلى تكوين خلاصة واضحة كما هي الحال في حديثه عن نماذج أخرى لقياس الدخل. بعض الأفكار تحتاج إلى أمثلة فعند حديثه عن المشتقات المالية وصعوبة تقييمها محاسبياً يكتمل بذكر بعض الأمثلة وما عمله مجلس معايير المحاسبة الأمريكية FASB بشأنها، كما أن ذكر بعض القراءات الحديثة يساعد الطالب على توسيع دائرة معرفته عن الفكرة أو الموضوع. يقرر المؤلف في أكثر من موضع أن أهداف المحاسبة ومعاييرها ومعايير المراجعة لم تعد صالحة في ظل الأحداث المالية الجسيمة التي حصلت حديثاً، إلا أنه لم يشر إلى كيفية التعامل معها تعليماً وتطبيقاً.
يظهر أحيانا تداخل بين المعايير وبين التطبيق سواء في المحاسبة أو المراجعة فقد يكون الخلل في التطبيق ثم يُعزى إلى المعيار أو المعايير فالغش والتضليل وضعف الآداء المهني للمراجع خلل في التطبيق وقد لا يكون خللاً في المعيار سواء في المحاسبة أو المراجعة . فمثلاً عندما لا تساوى أصول بنك «ليما براذرز» 1 في المائة من قيمتها أو عندما يهبط السوق من 20 ألف نقطة إلى أربعة آلاف نقطة فليس من العدل ربط ذلك بالقصور في معايير المحاسبة أو المراجعة. هذا والله من وراء القصد.