مقال بواسطة/ أحمد مجدي نصار
في بدايات قراءتي توقفت مراراً سائلاً نفسي ومستشيراً عقلي بعد إنهاء كل رواية عن الفائدة التي عادت عليّ بها الرواية، وكانت فوائداً لا تحصى.. ولكن هل سأجد عدداً مشابهاً من الفوائد في الكتاب؟
المدرس النظري والمدرس العملي
ربما أكبر وأفضل وأوضح الفوارق بين الرواية والكتاب هي ذاتها الفوارق بين المدرس العملي والمدرس النظري.
أيهما أفضل؟ مدرس يتحدث عن عظمة الأهرام المصرية ويشير إلى صورتها في الكتاب أمامك أم مدرس يأخذك في رحلة إلى الأهرام، تحت الشمس، ويتسلق معك الأحجار، وتستكشفا الغرف، ويبهرك بالأسرار أمام عينيك؟؟
الانتقال السريع إذا قابلت معلومةً صادمةً أو فكراً مخالف
فلنفترض أنك مصري و قرأت كتاباً إنجليزياً –مثلاً- يحاول أن يثبت طوال الوقت أن الآثار الفرعونية الموجودة تعود إلى البرتغاليين وليس المصريين دون دليل أو بدلائل ضعيفة لا تقنعك بل تستفزك، قد تقرأ بمعاناة حتى الصفحة الخمسين وربما تصل إلى المئة ولكنك لن تتحمل إكمال كتاب مستفز إلى هذه الدرجة فالفكرة ستبقي نفسها حتى نهاية الكتاب يكررها الكاتب كل فصل.
بينما هذا لا يحدث في الرواية، فكاتب الرواية يضع المعلومة في حوار أو جملة أو ربما تستهلك منه صفحة كاملة ولكنه لا يعود إليها لأنه ملتزم بكونها رواية وليست بحثاً علمياً، فيكتفي فقط بإعطائك المفاتيح التي تفتح لك الطريق إلى معلومات جديدة.
ManKind – قصة البشرية .. سلسلة وثائقية رائعة تغنيك عن عدة كتب !
تنمية الخيال والإبداع
1
الكتاب يعطيك الخلاصة في كل موضوع، ويتحدث الكاتب من منطلق أنه بحث واستقصاء – وهذا صحيح – فإن ما يكتبه هو الصحيح وعليك أن تلتزم به ما دمت تثق في الكاتب، أما في الرواية فإن الكاتب لا يضع لك حدوداً أو إطاراً معيناً أو يسرد لك مجموعة فوائد للصدق مثلاً ويخبرك أن هذا هو المنهج المختار..
بل إنه يدع لك التصور والتخيل واقتراح مئات الحلول قبل أن يضع الحل الذي يراه هو مناسباً في النهاية، وربما لا يفعل هذا حتى فيترك لك “النهاية مفتوحة” كما يقولون، تضع لها أنت النهاية التي تحلو لك.
ربط القيمة أو المعلومة أو الفكرة بقصة يسهل تذكرها
لو افترضنا أنك تقرأ كتاباً عن الإخلاص في العمل، فإذا كان الكاتب جيداً سيؤثر فيك حقاً وتعود للعمل بقوة وبإخلاص، ولكنك ستكون في حاجة إلى قراءة الكتاب مجدداً بعد أسبوع حين تكون عزيمتك بدأت بالفتور، أما في الرواية فهو لا يكتفي بعرض الأسباب والدوافع والعواقب إذا لم تخلص في عملك..
بل إنه يفزعك من مجرد التفكير في القعود عن العمل ليوم واحد، لأنك ستتذكر مصير “محمود” –أو أياً كان اسم البطل- حين قعد عن العمل يوماً فكان القدر في انتظاره وتتابعت المصادفات والأحداث سريعاً في يوم واحد، حتى استقرت على حلول شخص آخر مكانه في الوظيفة، وأنه أصبح مشرداً، يبحث عن العمل فلا يجده، ثم يتضور جوعاً هو وأولاده وزوجته وتتغير حاله من موظف ناجح سعيد إلى مشرد جائع ذليل في يوم واحد..
إذن إذا أردت التغيب يوماً ما هل ستذكر الدوافع الست التي ذكرها صاحب الكتاب أم ستذكر إحساس “محمود” بالجوع وطول ذقنه وتشرده؟ وأيهما أكثر تأثيراً؟
عالم موازٍ
كم من مرة تمنينا ترك أيدينا من كل شيء والهروب بعيداً عن الضغوط والمشكلات؟ بل قل كم صفحة على مواقع التواصل الاجتماعي تخيرت اسم “عالم موازٍ” أو كم مرة استخدم فيها هذا المصطلح، حباً وتمنياً لوجوده ؟
والحقيقة أن العوالم الموازية تجدها خير ما تجدها إما في الصلاة والخشوع، أو في الموسيقا والاستغراق فيها، أو في الكتب، خاصة الروايات.. رواية تسبح بها فوق السحاب وتعرف بها ملمس النجوم وحرارة الشمس وبرودة أعماق المحيط!
كتب علمية، عربية، وغنية بالمعرفة .. للمبتـدئين
الروايات تقرأ في أي وقت
مما يحسب للروايات أنها تقرأ في أي وقت وفي أي مكان، في المواصلات، في المنزل، وقت النوم، في قمة التركيز وفي ضعفه، فتمنحك ملجأً دائماً إذا ما أردت إليه سبيلاً.
الروايات مسلية، مضحكة وأحياناً مبكية
الروايات في مجملها مسلية، ممتعة، كأنها رحلة جميلة غير مكلفة ولا متعبة أو مرهقة، كل ما عليك أن تقلب الغلاف وتغوص بين السطور، فتمر عليك أوقاتاً تضحك ملء شدقيك، وأخرى تبتسم في استمتاع بمنظر ما تخيلته أجمل ما يكون..
وأحياناً لا تستطيع منع دموعك متأثراً، فهي رحلة، أو حياة أخرى، وكل رواية حياة فوق حياتك، وكم من حيوات فعلت فيها ما يستحيل فعله في الحقيقة، ولكنك ذقت طعمه في ملعقة من الأوراق.
كتب قيّمة من عبق الماضي تقدم دروساً لا تُقدر بثمن
بعض الروايات بفضل خيال كاتبها أضافت إلى العلوم الأخرى
الروايات في أغلبها إنسانية، تتناول حياة الإنسان وتصرفاته وردود أفعاله، لكن إذا كنت لا تعترف إلا بالمعلومات المحددة والعلوم، فأود تذكيرك بأن خيال بعض الكتاب الذي ذهب بعيداً في رواياتهم قد وصل إلى مصطلحات أضيفت بعدها إلى العلوم الأخرى..
ولعل أوضح وأكبر مثال على ذلك هو مصطلح “الفكر المزدوج” الذي أضيف إلى علم النفس والمصطلح الذي أضيف إلي السياسة وهو مصطلح “الدول الشمولية ” أو ” الأوريلية” نسبة إلي صاحبها وهو الكاتب “جورج أورويل” الذي ذكرهما في روايته العظيمة ” 1984″.
ولكن ما هذه التساؤلات إلا على سبيل التسلية والتنادر لا أكثر، فما أجمل أن تقرأ .. فقط أن تقرأ، وتتبادل الحديث الفكري بينك وبين الصفحات التي سطرها الكاتب الذي –بدوره- جمع ما فيها من معلومات وخبرات فنقاها، وصفَاها ووضعها في أجمل شكل استطاعه، لتوضع بين يديك تفهم منها على قدر فهمك، فلا تستعلي عليك لضيق أفقك نسبياً، ولا تقلل من شأنك اذا كنت مخالف الرأي، فقط تقرأ وتكمل أحجية الفكر بين الكاتب والكتاب.. وأنت.