قرأت بشيء من الفضول النسب التي نشرتها وسائل سبر الآراء الأوربية المتعلقة بالفوز الساحق لليمين المتطرف في فرنسا، حيث بيّنت أن نسبة المؤيدين بين العمال لهذا الاتجاه ارتفعت إلى 43 % والشباب إلى 30 % والبطالين إلى 37 % … إلخ، وذكرت أن نسبة 69 % من الناخبين قالوا بأنهم أيّدوا اليمين المتطرف، ليس اقتناعا بأيديولوجيته، إنما فقط لمعاقبة الحكومة على أدائها السيئ، وهي نسب تقترب في كثير من الأحيان من الحقيقة، ويمكن البناء عليها… وتساءلت لِمَ لا نملك نحن مثل هذه الوسائل التي تُبين لنا ـ ولو على سبيل التقريب ـ اتجاهات الرأي العام؟ لِمَ لا نعرف مثلا نسبة مشاركة الشباب في الانتخابات؟ أو كبار السن؟ أو لماذا انتخبوا هذا المترشح أو ذاك؟ لِمَ لا نُطور نحن آليات سبر الآراء لمساعدة الباحثين على القيام بدراستهم على أحسن وجه وتمكين صاحب القرار من آلية حقيقية لفهم ما يدور حوله؟ أم إننا بحق مجتمع غير قابل للدراسة ولا لسبر الآراء، ولا للخضوع لقواعد المنهج، لأن سلوكنا عشوائي غير منطقي ولا يمكن حسابه؟
يبدو لي أنه حان الأوان لتجاوز هذه المغالطة التي يريد منطق الرداءة تكريسها ليقول أمرا واحدا: ما دام سلوك هذا الشعب عشوائيا، ومزاجه غير قابل للحساب، يحق لنا أن نحكمه بكافة الوسائل الأخرى، وأن نُلصق به النتائج التي نريد، وجميع الصفات السيئة التي تبرر حُكمه بالطريقة التي يُحكم بها الآن.
بل إني أقول، علينا بالفعل تجاوز هذه المغالطة، ذلك أنه مهما كان سلوك الجزائري غير محسوب، فإننا يمكن أن نقيسه انطلاقا من هذا المتغير بالذات، ويمكننا أن نعرف أين تصب الاتجاهات الثقيلة للرأي العام، وكيف ينبغي التصرف معها في المستقبل.
هل من الصعب مثلا أن نعرف نسبة المصوتين من الشباب في الانتخابات السابقة؟ هل من الصعب أن نعرف نسبة النساء والشيوخ؟ أليس من المهم نشر هذه المعلومات على الرأي العام لنعرف باسم مَن نُحكم الآن؟ وما الكتلة الانتخابية التي ترتكز عليه الشرعية اليوم؟ أم إن الخوف من الجهر بمثل هذه الحقائق يجعلنا نختبئ وراء القول بأن الشعب الجزائري لا منطق لديه، غير قابل للدراسة وعشوائي لا يمكن التنبؤ بسلوكه، ومن ثَم يحق لنا أن نُحمِّله النتائج التي نريد ما دام لا يعرف ما يريد..
هل سنتمكن ذات يوم من معرفة حقيقة مَن انتخب على مَن؟ ولماذا مثلما يفعل الأوربيون وغير الأوروبيين؟ ذلك هو الأمل…
هل سلوكنا عشوائي؟
