الضريبة لها وظائف مالية واجتماعية واقتصادية فهي حق للدولة وواجب على المكلفين، وحسب الدستور الاردني.. لا ضريبة بدون قانون، فالضرائب تسن لحماية الدولة من الابتزاز الداخلي والخارجي، فكلما استطاعت الدولة تغطية ايراداتها لنفقاتها العامة ( لاسيما الجارية) تضع لنفسها مكانة من المنعة والاستقرار بالمعاني الكاملة، وكلما زاد اعتمادها على الخارج من منح وقروض تفقد تدريجيا سيادتها، لذلك اطلق اقتصاديون وماليون مقولة .. خزينة الدولة جيوب مواطنيها، فالضرائب يفترض ان تستوفى وفق تشريعات واضحة بعيدة عن الاجتهاد، وعادلة بحيث يتحمل اصحاب الوفر المالي والارباح القسم الاكبر من الضرائب، واصحاب الدخول المتدنية يتم الابتعاد عن جيوبهم وفي ذلك مصلحة اقتصادية واجتماعية.
المقدمة أعلاه ضرورية قبل الحديث عن التعديلات الجوهرية على قانون ضريبة الدخل المزمع اقراره، فالوظائف الرئيسية للضريبة هي إعادة توزيع الدخل في المجتمع، فالايرادات الضريبية واية تسميات اخرى ترفد الخزينة يفترض ان تنفقها الحكومة بعدالة باعتبارها السلطة التنفيذية، وتحقيق التوزان في المجتمع، وتتقدم اولويات الانفاق.. الصحة، التعليم، البنية التحتية، والقوات المسلحة الى بقية مناحي حياة الاردنيين، وتقديم المعونة للفقراء الذين لا يستطيعون العمل.
أما الوظائف الاقتصادية وربما تكون بيت القصيد هنا .. فإن الاهداف الاقتصادية للضريبة تكمن في اقرار الضريبة دون التأثير المؤلم على الانشطة الاستثمارية في كافة القطاعات الاقتصادية، فالمبالغة في فرض الضرائب ستؤدي الى إبطاء النمو فالضرائب توصف بأنها من كوابح النمو، وتؤدي الى الانكماش في حال تضافر عوامل اخرى منها ارتفاع تكاليف الاموال ( اسعار الفوائد المصرفية ) وزيادة الاسعار على السلع والخدمات الارتكازية وفي مقدمتها مشتقات النفط والطاقة الكهربائية والخبز والمياه وخدمات نقل الركاب العام، لذلك على السلطة التنفيذية إجراء دراسات السوق والمضاعفات الاقتصادية قبل اتخاذ قرارات رفع النسب الضريبية على السلع والخدمات وصولا الى قانون ضريبة الدخل.
الغالبية العظمى لدول العالم تقدم انشطة الاقتصاد الحقيقي وتوفير البيئة التشريعية للقطاعات الانتاجية ( السلعية والخدمية ) ويتم رعايتها والاهتمام بها اولا وثانيا.. ثم يتم ثالثا الاهتمام بالمالية العامة وسبل زيادة الايرادات المحلية، وان تقديم السياسات المالية على الاقتصادية كمن يضع العربة امام الحصان ويلومه لاحقا لتعثره وعدم قدرته السير الى الامام، فعلى الحكومات قبل التفكير بزيادة ايرادات الخزينة يجب ان تقنن النفقات الحكومية خصوصا الجارية، اما الرأسمالية فهي شكل من اشكال الاستثمار الذي يعود ايجابيا على معدلات النمو ويعزز جاذبية الدولة امام المستثمرين الاجانب، اما الاقتراض ( الداخلي والخارجي) يفترض ان يوجه للاستثمارات وتحسين مناخ الاستثمار، وان توجيه الديون لغايات تمويل الانفاق الجاري يقود الدولة الى الهاوية وان تأخر ذلك..
السؤال الذي يطرح ونحن نشهد جدلا غير منتج بشأن التعديل المتكرر لقانون ضريبة الدخل.. هل راعت الحكومات منذ ثلاثين عاما هذه الابجديات الاقتصادية المتعارف عليها والمعترف بها؟!