وظيفة الاتصال المحاسبي :
تعتبر وظيفة الاتصال المحاسبي هي المقدمة المنطقية لوظيفة القياس المحاسبي . فالاتصال يحدد من هم مستخدمو المعلومات المحاسبية , وماهية المعلومات التي يحتاجون اليها , وهذا بدوره يحدد ابعاد واسلوب القياس المحاسبي الذي ينتج تلك المعلومات . ومستخدمو المعلومات هم بالضرورة اصحاب المصالح في التنظيم , سواء اكانو حاليين ام محتملين , وهم في الوقت نفسه متخذو قرارات سواء أكانو داخل التنظيم ام خارجية . ولأن التقارير المالية هي وسيلة الاتصال المحاسبي , فمن البديهي ان يختلف شكل ومضمون التقارير التي تصدرها تنظيمات الاعمال عن تلك التي تصدرها التنظيمات الحكومية والتنظيمات الاجتماعية الاخرى . ويرجع هذا الاختلاف بصفة اساسية الى اختلاف طبيعة تنظيمات كل قطاع وطرق تمويله من ناحية , واختلاف اهداف ودوافع مستخدمو المعلومات من ناحية واختلاف التقارير الصادرة عن تنظيمات الاعمال والتقارير التي تصدرها التنظيمات الحكومية . فمن المتعارف عليه ان الاطار العام للنظام المحاسبي المطبق في تنظيمات قطاع الاعمال , لا يختلف باختلاف اشكالها القانونية او تباين انشطتها الاقتصادية. ويرجع الفضل في ذلك الى وحدة اهداف هذه التنظيمات، ممثلة في الربح الذي يمكن التعبير عنه كميا وقياسه محاسبيا . اما التنظيمات التي لا تنتمي الى قطاع الاعمال فلا يوجد لها مؤشر عام يمكن الاعتماد عليه في القياس المحاسبي , فضلا عن ان معظم مخرجاتها يصعب التعبير عنها كميا. ولذلك نلجأ الى التصنيفات التي عرضناها سابقا في محاولة لاستقصاء طبيعة الاطار المحاسبي الذي يستجيب وخصائص هذه التنظيمات . فقد اوضحنا ان التنظيمات التي لا تنتمي الى قطاع الاعمال يمكن تصنيفها الى ثلاثة تصنيفات وفقا لطبيعة التنظيمات , وانواع الخدمات التي تقدمها , ثم طبيعة مصادر التمويل. فاذا حاولنا استقراء النظام المحاسبي وفقا للتصنيف الاول , أي وفقا لطبيعة التنظيمات , فسنجد انه يشتمل على مجموعتين من التنظيمات : الاولى – التنظيمات العامة (الحكومية) , والثانية – التنظيمات الخاصة (الاجتماعية) ومن ثم يمكننا ان نتساءل – هل هاتان المجموعتين ، يمكن ان يخضعا لنظام محاسبي واحد ؟ ام ان التنظيمات العامة (الحكومية ) تخضع لنظام محاسبي يختلف عن النظام الممكن تطبيقه في التنظيمات الاجتماعية الخاصة؟
وفي تصورنا أن التصنيف وفقا لطبيعة التنظيم لا يفيد في الإجابة عن هذا التساؤلات ، لان هناك تداخلات بين خصائص كلتا المجموعتين , فهما يشتركان في بعض الخصائص ويختلفان في البعض الأخر . فمن الخصائص المشتركة بينهما نجد أن بعض التنظيمات العامة وبعض التنظيمات الاجتماعية الخاصة، قد يؤديان الخدمات إلى المواطنين بمقابل ويمارسان أنشطة مماثلة لتلك التي يمارسها قطاع الأعمال . ويعني ذلك ضمنا أن هذين النوعين من التنظيمات يتماثلان في طريقة تمويل العمليات . فالتمويل يتم بصفة أساسية من الإيرادات الذاتية المتولدة من استغلال الموارد المتاحة , وهذا التماثل في التمويل قد يستلزم خضوع مثل هذه التنظيمات لنظام محاسبي واحد مثل المستخدم في التنظيمات التي تسعى للربح، وعلى الرغم من ذلك فأن هذه النتيجة لا تكون مبررا للقول بتبعية مثل هذه التنظيمات لقطاع الأعمال , لأنها لا تعمل أصلا بدافع الربح, وليس لها حقوق ملكية يمكن بيعها أو المتاجرة فيها. وإذا كان هناك تماثل في خصائص بعض التنظيمات المنتمية إلى كلا المجموعتين , فهناك تباين في خصائص البعض الأخر . فمعظم التنظيمات العامة الأخرى تمول عن طريق الموازنة العامة في شكل اعتمادات , بينما معظم التنظيمات الاجتماعية الخاصة الأخرى، تمول عن طريق المواطنين في شكل مساهمات تطوعية ، تأخذ شكل هبات أو وصايا أو إيرادات الأوقاف . ومن الطبيعي أن هذا التباين في طريقة تمويل هاتين المجموعتين ، سوف يؤدي بدوره إلى اختلاف النظم المحاسبية الواجب تطبيقها في كلتيهما.
وإذا استخدمنا التصنيف الثاني , أي وفقا لأنواع الخدمات لاستقصاء طبيعة النظام المحاسبي . فسنجد انه ينطوي على أربع مجموعات من الخدمات هي: الخدمات السياسية , والخدمات الاجتماعية , والخدمات الاقتصادية , ثم خدمات البنية الأساسية . ونكرر التساؤل ؟ فيما إذا كانت هذه الخدمات يمكن أن تخضع لنظام محاسبي واحد ؟ والإجابة بالنفي , لان الخدمات السيادية وخدمات البنية الأساسية تمول بالضرورة عن طريق الموازنة العامة في شكل اعتمادات Appropriatios , وعلى العكس تمول الخدمات الاقتصادية عن طريق الإيرادات المتولدة من استغلال الموارد المتاحة Revenues . أما الخدمات الاجتماعية , فهي إما أن تمول عن طريق الموازنة العامة ، إذا تم توفيرها بواسطة التنظيمات العامة, وإما عن طريق المواطنين إذا تم توفيرها بواسطة التنظيمات الاجتماعية الخاصة. ويعني ذلك إن الأمر يستلزم وجود أكثر من نظام محاسبي لوجود تباين في طرق التمويل. أما التصنيف الثالث , وهو وفقا لطبيعة الأموال. فهو في تقديرنا يعد التصنيف الملائم لتحديد طبيعة النظام المحاسبي , فإذا رجعنا الى مضمون هذا التصنيف، نجده يميز بين نوعين من الأموالFUNDS بصرف النظر عن طبيعة التنظيم , أو نوع الخدمات التي يقدمها , وهذان النوعان هما الأموال غير القابلة للإنفاق , والأموال القابلة للإنفاق – ونعرض فيما يلي لمضمون كل منهما وتأثيره على تحديد طبيعة النظام المحاسبي.
5- أموال غير قابلة للإنفاق:Nonexpendable Funds
هي موارد مالية ساهمت بها الدولة من أموالها القابلة للإنفاق، أو ساهم بها الأفراد لإنشاء تنظيمات حكومية عامة أو اجتماعية خاصة بهدف توفير خدمات بمقابل . ولذلك فان هذه الأموال تعتبر كرأس مال دائم لهذا النوع من التنظيمات ، حيث يستغل في توليد إيرادات تستخدم في تمويل العمليات الجارية. وفي هذا النوع من الأموال يعتبر ( التنظيم) مرادف(للمال) ومن ثم يعتبر التنظيم هو الوحدة المحاسبية ، ويكون هو موضوعا للقياس والاتصال المحاسبي . وكما أشرنا ،فان هذا النوع من التنظيمات يمارس أنشطة مماثلة لتلك التي يمارسها قطاع الأعمال ولذلك يجب أن تطبق عليها النظام المحاسبي المستخدم في التنظيمات التي تسعى للربح ولأن هذا النظام يخرج من نطاق دراستنا فسوف لا نتعرض لإطاره النظري , بل سنكتفي بشرح كيفية تطبيقه في بعض التنظيمات التي لا تنتمي إلى قطاع الأعمال مثل مال الخدمة الداخلية.
6- الأموال القابلة للإنفاق:Expendable Funds
هي موارد مالية تخصص لانجاز هدف معين وتتجدد سنويا في اغلب الأحوال، إذا كانت موارد المال تحصل إجباريا بنص القانون، مثل الضرائب ، او إذا كانت تتولد من إيرادات الثروات الطبيعية . وقد تتجدد أحيانا وفقا لشروط المانح أو الموصي. ومع أن أهداف المال يتم تنفيذها بواسطة عدد من التنظيمات الإدارية, فان المالFunds ذاته يعتبر هو الوحدة المحاسبية، ومن ثم يكون هو موضوع القياس والاتصال المحاسبي . ويخضع هذا النوع لنظام المحاسبة عن الأموال وهو نظام محاسبي يختلف عن النظام المطبق في تنظيمات قطاع الأعمال . فغالبا ما يستخدم مصطلح “محاسبة الأموال”Fund Accounting للإشارة إلى نوع المحاسبة الذي يوصى باستخدامه في الوحدات الحكومية والتنظيمات الأخرى التي لا تستهدف الربح , والتي تمول من الأموال القابلة للإنفاق , ومصطلح الأموال له معنى فني واستخدام خاص في التنظيمات التي لا تنتمي إلى قطاع الأعمال , وقد تم تعريف هذا المصطلح بمعرفة المجلس القومي للمحاسبة الحكومية NGGA بالولايات المتحدة الأمريكية بأنه ” وحدة مالية ومحاسبية مستقلة , تتضمن مجموعة متوازنة من الحسابات التي تسجل فيها النقدية وأية موارد أخرى وما يرتبط بها من التزام والرصيد المتبقي للمال ,
A fund is a fiscal and accounting entity with a self-balancing set of accounts recording cash and other financial resources, together with all related liabilities and residual equities or balances, and changes therein, which are segregated for the purpose of carrying on specific activities or attaining certain objectives in accordance with special regulations, restrictions or limitations.
ويعتبر تعريف المال Funds كوحدة مالية محاسبية ، هو حجر الزاوية في مجالات التباين بين نظام محاسبة الأموال ونظام المحاسبة الذي يطبق في تنظيمات قطاع الأعمال ، حيث ينعكس أثره جوهريا على كثير من المفاهيم والإجراءات المحاسبية الأخرى. وحول أهمية مفهوم الوحدة المحاسبية أشار تقرير لجنة مفاهيم المحاسبة في القطاع العام التابعة لجمعية المحاسبة الأمريكية AAA بأن “مفهوم الوحدة المحاسبية يعتبر احد المفاهيم الأساسية والضرورية للمحاسبة . ويتضح من النص السابق إن مفهوم الوحدة لمحاسبية يعتبر من أهم محددات وظيفتي القياس والاتصال المحاسبي . وإذا أمعنا النظر في مفهوم المال سنلاحظ أن له معنى مزدوجا، فهو من ناحية وحدة مالية fiscal entity , ومن ناحية أخرى وحدة محاسبية Accounting entity وهو بذلك يأخذ أبعادا مختلفة عن مفهوم الوحدة المحاسبية المتعارف عليه في قطاع الأعمال Accounting entity . ومن التعريف السابق للمال نلاحظ أن المال ينجز أهدافه ” طبقا لتشريعات أو تعليمات أو قيود خاصة ” وقد سبق أن أشرنا بأن هذه القيود، قد تفرض بواسطة القانون، أو بمعرفة مقدمي الأموال أو الادارة . ومثل هذه القيود تستلزم وجود وحدات محاسبية مستقلة لتفصح عن مدى الالتزام بالقيود المفروضة . فالسجلات المحاسبية يجب ان توضح , على سبيل المثال , أن الموارد المحصلة من بيع سندات مصدرة لتمويل إنشاء مبنى للبلدية ،أنها قد استخدمت فعلا في هذا الغرض . ولذلك فان هذه القيود تتطلب تقسيم السجلات المحاسبية في التنظيمات التي لا تسعى للربح إلى وحدات متوازنة ذاتيا”.
ويعني ما تقدم أن القيود ترتبط بنشأة وكيفية التصرف في موارده . فإذا أنشئ المال من موارد سيادية ( مثل الضرائب وإيرادات الثروة الطبيعية) يحدد القانون نوع المال وأهدافه , ويحدد الواقعة المنشئة لموارده. فقد ينص النظام المالي في دولة معينة ، على تجميع كل الموارد المالية للدولة في مال عام واحد General Fund , يتم الإنفاق منه بنص القانون لتوفير الخدمات السيادية والاجتماعية وغيرها من الخدمات التي تقدمها الدولة . وغالبا ما يطلق على هذا النوع من الأموال الموارد القابلة للتخصيص Appropriable Resources . وعلى العكس من ذلك قد يتم إنشاء مال لانجاز غرض معين Special Revenue Fund مثل فرض ضريبة تخصص حصيلتها لرصف الطرق . وفي كلتا الحالتين يعتبر كل مال وحدة مالية ومحاسبية مستقلة . وإذا أنشئ المال من مساهمات تطوعية فقد يشترط الموصي أو مانح المال إنفاقه على غرض معين، مثل تقديم جوائز للطلبة المتفوقين سنويا , أو تمويل مركز البحوث الطبية في إحدى المستشفيات , وقد تتاح مثل هذه الأموال للتنظيمات الاجتماعية دون قيد أو شرط , وعندئذ تخصص موارد المال لتمويل العمليات الجارية للتنظيم . ونعرض في الشكل 2/1 تحليلا يوضح القيود المفروضة على الأموال ودورها في تعدد الوحدات المحاسبية .