الدفع الثالث عشر
——————-
البراءة سند على حجية الحكم الصادر من محكمة القضاء الأدارى فى الدعوى رقم لسنة والقاضى ببراءة الذمة من الدين محل الاتهام وعدم مشروعية واحقية مصلحة الضرائب فى المطالبة بالتحصيل والذى يحوز الحجية أمام المحاكم الجنائية:
——————————————————————-
من المقرر وفق نص المادة 188 من الدستور أن “يختص القضاء بالفصل في كافه المنازعات والجرائم، عدا ما تختص به جهة قضائية أخرى”
والمقرر بالقانون رقم 46 لسنة 1972 بشان السلطة القضائية والذى نظم ولاية المحاكم بالفصل الثاني من الباب الأول منه والذى نص في المادة رقم 15 منه على أن” فيما عدا المنازعات الإدارية التي يختص بها مجلس الدولة تختص المحاكم بالفصل في كافة المنازعات والجرائم إلا ما استثني بنص خاص”
كما تنص المادة رقم 16 من القانون سالف الذكر على أن ” إذا دفعت قضية مرفوعة أمام المحكمة بدفع يثير نزاعاً تختص بالفصل فيه جهة قضاء أخرى وجب على المحكمة إذا رأت ضرورة الفصل في الدفع قبل الحكم في موضوع الدعوى أن توقفها وتحدد للخصم الموجه إليه الدفع ميعاداً يستصدر فيه حكماً نهائياً من الجهة المختصة فإن لم تر لزوماً لذلك أغفلت الدفع وحكمت في موضوع الدعوى..وإذا قصر الخصم في استصدار حكم نهائي في الدفع في المدة المحددة كان للمحكمة أن تفصل في الدعوى بحالتها”
والمقرر بنص المادة 302 من قانون الإجراءات الجنائية أن القاضي الجنائي يحكم فى الدعوى حسب العقيدة التي تكونت لديه بكامل حريته مما يطرح أمامه فى الجلسة دون إلزام عليه بطريق معين فى الإثبات إلا إذا استوجبه القانون أو حظر عليه طريقاً معيناً فى الإثبات. وإذ كان ذلك، وكان قانون الإجراءات الجنائية قد نص فى المادة 221 على أن “تختص المحكمة الجنائية بالفصل فى جميع المسائل التي يتوقف عليها الحكم فى الدعوى الجنائية المرفوعة أمامها ما لم ينص القانون على خلاف ذلك”
ونص في المادة 225 على ان” المادة 225 “تتبع المحاكم الجنائية في المسائل غير الجنائية التي تفصل فيها تبعاً للدعوى الجنائية طرق الإثبات المقررة في القانون الخاص بتلك المسائل”
والمقرر بنص المادة 190 من الدستور أن” مجلس الدولة جهة قضائية مستقلة، يختص دون غيرة بالفصل في المنازعات الإدارية …ويحدد القانون اختصاصاته الأخرى”
والمقرر كذلك بنص المادة رقم 65 من الفانون رقم 206 لسنة 2020 بشان الإجراءات الضريبة الموحدة على ان ” لكل من المصلحة والممول أو المكلف الطعن في قرار لجنة الطعن أمام محكمة القضاء الإداري المختصة خلال ستين يومًا من اليوم التالي لتاريخ الإعلان بالقرار”
والمقرر بقانون مجلس الدولة رقم 47 لسنة 1972 بالباب الأول الفصل الثاني تحت عنوان الاختصاصات نص المادة 10 بند سادساً ” الطعون فى القرارات النهائية الصادرة من الجهات الإدارية فى منازعات الضرائب والرسوم وفقاً للقانون الذي ينظم كيفية نظر هذه المنازعات أمام مجلس الدولة”
ونص في المادة 52 منه على أن ” تسرى فى شأن جميع الأحكام ، القواعد الخاصة بقوة الشيء المحكوم فيه على أن الأحكام الصادرة بالإلغاء تكون حجة على الكافة”
ومن خلال جماع النصوص المتقدمة يتبين أن المشرع وأن كان قد أمد القاضي الجنائي – وهو يفصل فى الدعوى الجنائية – إدانة أو براءة – بسلطة واسعة تكفل له كشف الواقعة على حقيقتها كي لا يعاقب برئ أو يفلت مدان، فلا يتقيد فى ذلك إلا بقيد يورده القانون، ومن ثم كان له الفصل فى جميع المسائل التي يتوقف عليها الفصل فى الدعوى الجنائية لأن قاضي الأصل هو قاضي الفرع – الا انه أصبح مقيد بأي حكم يصدر عن محاكم مجلس الدولة فى حدود اختصاصها وفي المسألة – فحسب – التي يتوقف عليها الفصل فى الدعوى الجنائية
وبناءً على ما تقدم فإن ألمبدأ العام الذي يحكم الفصل في الدعاوى الجنائية هو أن المحكمة الجنائية تختص بالفصل في جميع المسائل التي يتوقف عليها الحكم في الدعاوى الجنائية المرفوعة أمامها في أي مسألة تثور أثناء نظر الدعاوى ويتوقف على الفصل فيها الحكم في الدعوى فإن المحكمة الجنائية تختص بالفصل في تلك المسألة العارضة ، يستوى في ذلك أن تكون المسألة ذات طبيعة جنائية أم كانت ذات طبيعة مدنية الا انه لا يجوز للمحكمة الجنائية الفصل في أي مسألة أداريه -عملا بالمادة 15 من قانون السلطة القضائية– يتوقف الفصل فيها على الفصل في الدعوى الجنائية، أذ أن المشرع قد أوجب على القاضي – بنص المادة 16 من القانون سالف الذكر – وقف الدعوى حتى تفصل جهة الاختصاص في المسألة التي يتوقف عليها الفصل في الدعوى الجنائية فان مفاد ذلك أن الحكم الصادر في هذه المسألة يحوز حجية أمام القاضي الجنائى عملا بنص المادة 52 من قانون مجلس الدولة ونص المادة 101 من قانون الإثبات في المواد المدنية والتجارية والتى “تنص على أن الأحكام التي حازت قوة الأمر المقضي تكون حجة فيما فصلت فيه من الحقوق ،ولا يجوز قبول دليل ينقص هذه الحجية.. وتقضي المحكمة بهذه الحجية من تلقاء نفسها“”
وإذا كانت القاعدة العامة هي أن الحكم المدني لا تتقيد به المحكمة الجنائية فيما يتعلق بثبوت وقوع الجريمة وإسنادها إلى الفاعل ، وسواء أكانت المحكمة المدنية قد فصلت في موضوع الثبوت أو الإسناد مباشرة أو كانت فصلت في مسألة فرعية يتوقف عليها قيام الجريمة كالملكية مثلا بالنسبة للسرقة ، فإن المشرع قد أورد استثناء على هذه القاعدة يتعلق بالحكم الصادر في الطعون فى القرارات النهائية الصادرة من الجهات الإدارية فى منازعات الضرائب والرسوم، فالحكم الصادر في الطعون فى القرارات النهائية الصادرة من الجهات الإدارية فى منازعات الضرائب والرسوم تكون له حجية أمام المحكمة الجنائية في جميع المسائل التي يتوقف عليها الفصل في الدعوى الجنائية في كل ما يتعلق بمشروعية فرض الضريبة وتحصيلها وانشغال الذمة المالية من عدمه والواقعة المنشاة لفرض واستحقاق الضريبة وصحة الأساس المحاسبي ووعاء ودين الضريبة ووجوب الأداء وصحة الربط وما الى ذلك من قرارات صادرة عن مصلحة الضرائب تكون وجها للنزاع الضريبي.
أذ أن المحكمة الجنائية لا ولاية لها بالفصل في الطعون فى القرارات النهائية الصادرة من الجهات الإدارية فى منازعات الضرائب والرسوم على عكس ما هو مقرر بالنسبة للمسائل المدنية، ونظرا لهذه الحجية فإن المشرع قد رتب نتيجة أخرى وهي وجوب وقف الدعوى الجنائية إذا عرضت مسألة من المسائل الضرورية للفصل في الدعوى الجنائية.
والنتيجة النهائية التي يمكن ان نخلص اليها أن موضوع النزاع أمام مجلس الدولة خارجاً بطبيعته عن ولاية المحاكم العادية، إذ تتقيد المحكمة الجنائية بالحكم الذي يصدر فيه من المحكمة المختصة، وقد طبق الشارع ذلك في المادة 458 من قانون الإجراءات الجنائية فنص على أن تكون للأحكام الصادرة من محاكم الأحوال الشخصية في حدود اختصاصها قوة الشيء المحكوم به أمام المحاكم الجنائية في المسائل التي يتوقف عليها الفصل في الدعوى الجنائية» ولم ترد إشارة في هذا النص إلى أحكام محاكم الأحوال الشخصية على سبيل الحصر، وإنما تقاس عليها كل المحاكم التى تختص بموضوعات تخرج بطبيعتها عن ولاية المحاكم العادية، كالمحاكم الإدارية.
((الدكتور/ محمود نجيب حسني، شرح قانون الإجراءات الجنائية، تنقيح الدكتورة/ فوزية عبد الستار، الطبعة الخامسة 2016، دار النهضة العربية، المجلد ، الأول الصفحة: 370).