الكاتب: د. محمد بن علي شيبان العامري
الشخصية ، أنماط الشخصية
لا يخفى على أحد أنّ التعامل مع الآخرين يعتبر فنّاً لا يتقنه الكثير منّا، هذا عندما نتحدّث عن البشر بصفة عامّة، فما بالك عزيزي القارئ عندما تدفعك الظروف إلى التعامل مع بعض الشخصيات حادة الطباع، أو أولئك الأفراد ذوي السمات الشخصية الصعبة، ويزداد الأمر تعقيداً عندما يجمعك بهم مكان عمل واحد. لا شكّ أنّ الأمر هنا يحتاج منك إلى التحلي ببعض المهارات، وأن تكون حكيماً عند التعامل مع هؤلاء، والأهم من ذلك ألاّ تتأثّر بالممارسات السلبية الصادرة عنهم. وإذا كنت تطمع في معرفة المزيد من الأنواع المختلفة لهذه الشخصيات وطرق التعامل معها فلابدّ أن تتابعنا خلال عرضنا التالي.
تشير الإحصاءات والدراسات النفسيّة أن حوالي 10% من العاملين في أي مؤسسة أو مكان عمل واحد، يمكن تصنيفهم على أنّهم من أصحاب الشخصيات الصعبة، وهي تلك الشخصية التي نجد صعوبة في التعامل معها، وغالباً ما تكون مصدر إزعاج وقلق لجميع زملاء العمل، وتختلف درجة هذا الإزعاج الذي تُسبِّبه الشخصية الصعبة من مجرد التأفُّف والتذمُّر، وربّما يصل الأمر إلى مرحلة السِّباب والتشابك بالأيدي أو الإبتعاد نهائياً حتى نتّقي شروره، وإذا وضعنا في الإعتبار الوقت الطويل الذي نقضيه بمكان العمل واضطرارنا إلى التعامل مع هذه الشخصيات، ندرك الحجم الطبيعي لهذه المشكلة، ومدى تأثيرها السلبي على أدائنا للعمل، وكذلك على علاقتنا مع أفراد المجتمع.
– أنواع هذه الشخصيات وطرق التعامل معها:
ولكي نقترب أكثر من القضية، نعرض لبعض أنواع هذه الشخصيات التي تنتشر كالسوس بيننا في بيئة العمل لتنخر في طبيعة علاقتنا بالآخرين وتؤثِّر على كفاءتنا بالعمل:
1- الشخصية العدوانية:
يتميّز صاحبها بالعنف وعندما تضعك الظروف للعمل مع مثل هذه الشخصية ستجد أنّه يغضب كثيراً وبسرعة، وكثيراً ما ينفجر ويثور مسبِّباً آلاماً نفسية وأحياناً جسدية لمن يعملون معه، ويحاول هذا الشخص أن يجبر زملاءه ومعاونيه على العمل بالطريقة التي يختارها هو، وفي بعض الأوقات يوكل العمل المسند إليه إلى زملائه خاصّة إذا كان في مكانة وظيفية أعلى منهم، فإذا جمعك حظك مع شخصية عدوانية في العمل، فيجب عليك أن تعرف طرق التعامل معه وأوّلها ضرورة مواجهته والتحدّث معه بشأن هذه المشكلة، ولنعلم جيِّداً أن إستمرار مثل هذه الشخصية في توجيه العدوانية إلى الآخرين، يرجع إلى عدم مواجهته والسماح له بإتباع أسلوبه العنيف. وإذا لم يفلح معك هذا الأسلوب، فمن المفيد أن تجرِّب طريقة التجاهل، وهي طريقة نفسية توصي بتجاهل الفعل الذي يضايقنا ومع الإستمرار في هذه الطريقة يضعف الفعل نهائياً، لذلك ننصحك بأن تجرِّب تجاهل العنف إلى أن يختفي تماماً، وأخيراً إذا لم يفلح ذلك فمن الضروري أن ترفع الأمر إلى رئيسك بالعمل، وتوكل إليه مهمة التصرُّف مع هذا الشخص.
2- لاعق الحذاء:
ولاعق الحذاء شخصية نعرفها جميعاً وتتواجد في جميع بيئات العمل تقريباً، ويرى هؤلاء أن أسرع وأسهل طريقة للترقي الوظيفي هي التذلل والتملق لرئيس العمل، حتى وإن كان ذلك على حساب بعض الزملاء وإن افترى عليهم بالباطل، وهذا يعني أنّه ينقل أخباراً كاذبة وغير حقيقية عنهم مما يشوِّه صورهم، ويزداد الأمر سوءاً بتشجيع بعض المديرين ورؤساء العمل لمثل هذه الشخصيات، حيث يشعر هؤلاء المسؤولون بأهميّتهم أكثر مع وجود هذه الشخصية المتوددة من حولهم، ومن الضروري أن نتحلى بالحنكة عند التعامل مع مثل هؤلاء الأشخاص، فلا يجب أن نعيره انتباهاً بل ننصحك بتجاهله تماماً، ويمكنك تسخيره لخدمتك فأنت تعلم مقدماً أنّه ينقل أخبار العاملين إلى رئيس العمل، إذن إستخدم خبرتك في تلقينه بعض الإيجابيات عن عملك، إستغل وجوده وقم بعمل مناقشات جادة وأعمال مفيدة تجعل صورتك مشرفة عند رئيسك، ولا يجب أن تتملقه، كل ما عليك أن تكون أذكى منه، فلا تتحدّث أمامه عن زملائك حتى وإن طلب منك ذلك، إبتعد عن كل ما يضيع وقت العمل ولا تمزح معه ولا مع الزملاء الآخرين في وجوده، لأن من طبعه إستخدام مثل هذه التصرُّفات بطريقة تسيء إلى صاحبها.
3- الطاعن من الخلف:
ويبدو هذا الشخص وديعاً هادئاً ولطيفاً مع الجميع، ولكنّه يستغل هذه الوداعة والطيبة في التعرُّف على أكبر قدر من المعلومات التي تخصّك، ثمّ يستخدم هذه المعلومات بعد ذلك للإضرار بك، وربّما يشهر بك بحيث يوصل للجميع أنّك قمت بإرتكاب خطأ فادح يضر بالعمل. ومن الحيل التي يلجأ إليها التغلغل في حياتك الشخصية والحرص على معرفة أخبارك الشخصية، وربّما يوشي بها إلى رؤسائك بالعمل لتشويه صورتك، ونحذِّرك من هذه الشخصية التي تضر بسمعتك، وسلاح هذا الشخص هو المعلومة، لذا لا يجب أن تمده بهذه المعلومة لكي يستخدمها في طعنك من الخلف، تعامل معه برقة وأدب كما يدعي هو، ولكن لا تترك له الفرصة أن يعرف أي شيء عنك، خاصّة عندما تجرِّبه لمرّة واحدة وتتعرّف على خصاله، ويمكنك التعرُّف عليه بسهولة لأنّه كما ينقل منك تجده يأتي إليك مبتسماً ومتودداً لينقل لك الأخبار والمعلومات التي تسيء إلى الزملاء.
4- الشاكي:
وهذا الشخص يستغل أي فرصة للتعبير عن شكواه ويركِّز بصفة خاصّة على صعوبة الأعمال الملقاة على عاتقه، ومن سمات هذا الشخص أنّه لا يستطيع إنجاز أعماله بهدوء وسرعة لأنّه يقضي وقتاً طويلاً في الشكوى إلى الآخرين، ويشعرك هذا الشخص أنّ العالم كلّه من حولك رديء، فالعمل مرهق، والمدير متعنت، والطرق مزدحمة، والأسعار غالية، وطباع المجتمع أصبحت تتميز بالغدر، والجو إمّا حار للغاية أو يكون شديد البرودة.. وهكذا تجد نفسك محبطاً تلقائياً كما أنّ هذا النوع من الأشخاص يستهلك كثيراً من وقتك. وننصحك هنا بعدم الدخول في جدال عقيم مع مثل هذه الشخصيات، فبمجرّد أن يستمع منك كلمة اعتراض سيبذل قصارى جهده لكي يقنعك، ومن ثمّ تزداد شكواه ويضيع عليك وقتاً أطول، وبدلاً من مناقشته يجب أن تقترح عليه بعض الحلول الخاصّة بشكواه، وإقناعه بأنّه يجب أن يطور من نفسه كي يحصل على فرصة أفضل، ولنعلم جميعاً أن هناك فرقاً شاسعاً بين الشخص الذي يريد منك أن تسدي إليه خدمة ما، وبين هذه الشخصية الشاكية، فالذي يطلب خدمة يتوجه بطلبه إليك مباشرة ثمّ يشكرك بعدها، أمّا هذه الشخصية كثيرة الشكوى فليس لها طلب محدَّد، ولا هم لها سوى صب جام غضبها على كل مَن حولها، ويحتاج هذا الشخص منّك أن تعامله بنوع من التعاطف أيضاً، وهذا لا يعني أن توافقه دائماً على ما يقول.
5- التاجر:
ونقصد هنا أنّه يتعامل بعقلية التاجر، فهو يسعى دائماً لإبرام الصفقات، والحصول على الإمتيازات والإستفادة من المواقف مهما كانت العواقب، بل ربّما يدبر لمصالحه بناء على إلحاق الضرر بالزملاء، وهذا هو الجانب السيِّئ في الموضوع، فليس هناك أدنى مشكلة من سعي الشخص للحصول على امتيازات أفضل بشرط إستحقاقه لهذه الإمتيازات وعدم الإضرار بالآخر، ولكن مع الأسف الشديد فهؤلاء لا ينظرون إلى أي قيم، ولا يضعون إعتباراً لمبادئ وقوانين العمل، فكل ما يشغلهم هو الحصول على الإمتيازات المالية والترقي الوظيفي بسرعة، وهذا الشخص لا يجب أن تدعه يعرف عنك أي معلومة، سواء فيما يتعلق بالعمل أو حتى عن حياتك الشخصية، فوسيلته دائماً أن يأخذ المعلومة ويجلس مع نفسه ثمّ ينفدها ويفكر في كيفية الإستفادة منها، حتى وإن سبب لك الضرر فيما بعد فهذا لا يهم، ويمكنك أن تتعرّف عليه بسهولة فهو شخص فضولي متطفل يسألك دائماً عن إمكاناتك وقدراتك وما يمكن أن تقدِّمه ويمتاز بنظرة ثاقبة يبتعد عنك وينساك تماماً عندما تنتهي مصلحته معك، ويأتي إليك لاهثاً ومنكباً على وجهه إذا علم أنّه يمكن تحقق النفع من خلالك، وكما قلنا إن مفتاح التعامل مع هذه الشخصية هو عدم السماح له بمعرفة أي شيء عنك دون أن يلاحظ أنّك حذر معه.
6- الخجول:
الخجل في حد ذاته لا يصنف على أنّه عيب أو صفة سلبيّة، لكنّه يؤثِّر على علاقتك وتواصلك مع زملاء العمل، ويحتاج الشخص الخجول منك إلى التحلي بالصبر والحكمة، وألاّ تضغط عليه فربّما زاده ذلك خجلاً وإنطواء على نفسه، كما أنّه من الضروري أيضاً أن تشجعه للخروج من عزلته، ولا تمل منه بسرعة فمن المعروف أن حالة هؤلاء تبعث على السأم والملل، فكلّما وجهت إليه حديثاً ردّ عليك بكلمة أو كلمتين وربّما لا يرد، وأعلم أن هذا الشخص ليس لديه الكثير كي يقدِّمه أو يعرضه حتى وإن كانت لديه أفكار أو موضوعات معيّنة، فسيقدمها إليك بإختصار شديد للغاية، كما يتميّز هؤلاء بالحساسية الشديدة، لأجل ذلك كلّه يجب أن يتسم تعاملك معه بالصبر والهدوء، وتوجيه الأسئلة السهلة التي تشجِّعه على الردّ بإستفاضة، وتزيد من ثقته بنفسه في ذات الوقت، وعندما يتكلّم قم بالثناء على رأيه ويمكنك المبالغة في هذا الثناء في البداية إلى أن يذوب الجليد فيما بينكما، ويتجرّأ ليحكي لك عما يجيش به صدره. صعوبة الأمر هنا تكمن في الخطورة الأولى ولابدّ أن نعي أن هذا الشخص الخجول يكون مستاءً من خجله طوال الوقت، ويتمنّى في قرارة نفسه أن يجد مَن يثق به ليأخذ بيده ويكسر حاجز الخجل، وستفاجأ بعد ذلك بفصاحته وقدرته على سرد الأحداث وتحليلها.
7- المستسلم:
هو ذلك الشخص الذي لا يستطيع التلفظ بكلمة (لا)، فهو مطيع للغاية وخاصة فيما يتعلّق بأمور العمل وشؤونه، فمهما كان ضيق الوقت ومهما كانت كميّة العمل الموكلة إليه، فهو لا يقوى على الرفض، ومشكلة هذا الشخص أنّه يظل في طاعته العمياء هذه إلى أن يأتي عليه وقت ينهار فيه تماماً، ولكن: لماذا يتبع هؤلاء لتلك الطريقة؟
البعض منهم يرى أن رفضه لعمل معيّن يُعبِّر عن ضعف مستواه أو عدم كفاءته أو قصوره في التعامل مع الأشياء، وربّما يرجع ذلك إلى الخلفية الثقافية والبيئة التي تربّى فيها هذا الشخص، ففي بعض الثقافات هناك اعتقاد سائد بضرورة أن يعمل الفرد طوال الوقت، ولا مجال هنا للراحة أو الإسترخاء بل يعتبر ذلك عيباً، وأولى خطوات التعامل الفعّال مع هذه الشخصية هي مد جسور الثقة معه، وعندما يحدث ذلك يمكنك أن تستدرجه لعمل بعض الأنشطة الأخرى، مثل تناول فنجان من القهوة أو ممارسة رياضة معيّنة، حينها سيدرك أنّ الحياة كلّها ليست عملاً، بل إن هناك ما يستحق أن نخصِّص له بعض أوقاتنا، كما أن مهام العمل يمكن أن توزع بالتساوي مع بقية الزملاء، وأنّه ليس مجبراً على العمل أكثر منه وإذا كان لابدّ من العمل لساعات طويلة إذن فليركز في أعماله الخاصّة ويخرجها بصورة أكثر إتقاناً.
– الشخصيات الصعبة لرؤساء العمل:
عندما يتّسم زميلك بشخصية غريبة أو صعبة، فهذا أمر مقدور عليه، ولكن عندما يكون رئيسك بالعمل هو تلك الشخصية الصعبة، فالمشكلة هنا أكبر، فكيف يكون التعامل معه؟
في أي تعامل مع مديرك يجب أن تكون لديك خطة رقم (B)، بمعنى أنّه عندما تتقدّم بإقتراح أو فكرة خاصّة بالعمل، وأنت متوقع قبولها بنسبة 100% ستصدم كثيراً إذا رفضت، أمّا إذا كانت لديك خطة بديلة أو إقتراح ثان فستتلقى الرفض بنوع من الإطمئنان ورحابة الصدر، كما أنّ ذلك ينم عن شخصيتك الإبداعية، حيث تستطيع تقديم أكثر من حل.. ولا يجب أن تنظر إلى النقد أو الجزاءات التي توجه إليك بنوع من العاطفة، أو على أنّه موقف شخصي منّك، لأن ذلك يوجد نوعاً من الصراع الداخلي بين شخصك وشخصه، ينتهي لصالحه بحكم مكانته الوظيفية ما يفقدك ثقتك بذاتك، واعلم أن انتقاده دائماً يكون موجهاً إلى عملك لا إلى شخصك، فما يربطك به هو العمل، ومن المهم ألاّ تلجأ إلى الصراعات معه، بل يفضل أن تتخذ من نقده موضوعاً للنقاش والتفاهم فيما بينكما، ومن الضروري أيضاً أن تتعرّف على الطريقة التي يفضلها رئيسك لأداء الأعمال، فيحدث كثيراً أن تقوم بأداء العمل بطريقة معيّنة وأنت مقتنع بصحته، وبالفعل حسب القواعد والقوانين فعملك سليم ولا غبار عليه، ثمّ يأتي رئيسك بالعمل ويغيِّر الطريقة تماماً ولكن النتيجة واحدة، هنا تغضب وتثور ثورتك، ولكن قبل أن يحدث ذلك قف وتمهل، واسأل نفسك: لماذا لم تتفهم طريقته في التعامل؟ ولكي تتجنّب النقد الذي يمكن توجيهه إليك لابدّ أن تقوم بعمل تقييم شامل لجميع أعمالك قبل أن يبدأ هو في تقييمها، ومن ثمّ حسن مستوى أدائك لعملك، وعندما تكون لديك شكوى أو إستفسار معيّن لا تتخطى رئيسك بالعمل، بل يجب أن ترفع شكواك حسب السلم الوظيفي.
– هل أنت شخصية صعبة:
يجب أن تقف مع نفسك قليلاً وتحاول التعرُّف على خصالك التي لا يحبّها الآخرون، في محاولة منك لتعديل هذه الخصال، انظر بداخلك وابحث عن مكنون نفسك، حتى لا تنتقد الآخرين وأنت من البداية تحتاج للنقد.