انشغل الإنسان من قديم الأزل بمحاولات فهم ذاته ومعرفة صفات وسمات شخصيته , وهل هي سوية أم مضطربة ومريضة ؟ وكيف يتحكم فيها ويعدلها ؟
كما أهتم الناس أيضا بمعرفة طبيعة وصفات وسمات الشخصيات التي يتعاملون معها, ومعرفة كيف تتصرف تلك الشخصيات في المواقف المختلفة, وما هي الطباع الحقيقية التي يخفيها الآخر ؟ وهل هي سيئة أم حسنة ؟ طيبة أم شريرة .
وتعرف الشخصية بأنها مجموع الصفات والسمات والقدرات العقلية والجسمية والاجتماعية التي تنعكس في سلوك الفرد وتفكيره , وتحدد نظرته لنفسه وتعامله مع المجتمع ..
ويرى بعض علماء النفس أن الشخصية ليست مجموع السمات ولكن حاصل ضربها, والمقصود بحاصل الضرب هو تفاعل السمات مع بعضها في ظل ظروف بيئية وسياق اجتماعي محدد , ومثال على ذلك أن الشخص الذي يمتلك سمات السيطرة والقيادة والذكاء يمكن أن يكون قائدا مصلحا , كما يحتمل ايضا أن يكون زعيم عصابة وداهية , ولكن يحسم ذلك وجود سمات أخرى تتعلق بالضمير والقيم والأخلاق.
ولقد ظل فهم وتقييم الشخصية وكشف أسرارها لفترات طويلة يعتمد على الاجتهادات الذاتية والخبرات الحياتية والتي كثيرا ما تفشل أمام الحيل النفسية والدفاعات التي يخفى بها الآخر حقيقة مشاعره وأفكاره ودوافعه وعيوبه.
و يهتم كل شاب وفتاة بمعرفة حقيقة وطباع شريك حياته , كما يهتم كل فرد بمعرفة شخصية أقرب الناس إليه , وبفهم شخصية وسلوك صديقه وجاره وزميله ورئيسه في العمل , كما ان صاحب أى عمل و مدير اى مؤسسة يرغب فى معرفة طباع وسمات العاملين معه والذين يرغبون في الالتحاق بوظيفة فى مؤسسته .. أما في مجال الصحة النفسية والتوعية والإرشاد النفسي, كذلك الطب والعلاج النفسي فان المعرفة الدقيقة للسمات والسلوك تمثل أساس التشخيص والعلاج.. وهكذا.
ولقد توصلت الدراسات إلى العديد من الأساليب والطرق العلمية لمعرفة سمات وطباع الشخصية, ومدى كونها سوية أم مضطربة , وهل تغيرت تلك السمات والطباع حديثا عقب ضغوط أو مرض نفسي , أم إنها عميقة ممتدة طويلة المدى ظهرت منذ الطفولة و المراهقة .. واضطرابات الشخصية لها عدة أنواع تبعا لوجود مجموعات من أنماط السلوك والسمات المستمرة والمتكررة والتي تشكل نمط حياة ذلك الفرد وأسلوب تعامله مع نفسه ومع الآخرين .
ويؤكد بعض علماء النفس أن هناك ثلاثة أبعاد للشخصية , يتوقف نجاح الفرد وسعادته على مدى التوافق بينها.. وهى :
1- البعد الذاتي أو الصورة الذاتية :
وهو مايعتقده الفرد عن نفسه .
2- الصورة الاجتماعية :
وتمثل رؤية الآخرين لشخصية الفرد .
3- الصورة المثالية :
وهى الصورة التي ينسجها الفرد فى خياله ويتمنى أن يكون عليها .
كذلك فان هناك منظور آخر يؤكد أن الشخصية هي محصلة التفاعل والتوازن المستمر بين شخصيات تكونت خلال مراحل النمو , بمعنى أن شخصية كل فرد هي ذلك التوازن بين الطفل والمراهق والناضج , وانه خلال التفاعل وتحت الضغوط تغلب شخصية بسماتها وتلون سلوك الفرد في الموقف.
ومن الأساليب والطرق التي تستخدم في تقييم الشخصية ومعرفة خصائصها واتجاهاتها وسماتها :
1- الملاحظة Observation .
2- المقابلة الإكلينيكية Interview .
3- اختبارات الشخصية Personality Tests .
4- مقاييس التقدير Rating Scales .
وهناك طرق أخرى تجمع بين خصائص أكثر من أسلوب وبعضها مختصر ذاتي لا يتطلب وجود الأخصائي النفسي .
وحتى لا نطيل ونقحم القارئ في تفاصيل متخصصة , سوف ننتقل إلى عرض بعض أنواع اضطرابات الشخصية بإيجاز :
الشخصية الهستيرية :
وهى الشخصية المتقلبة الهوائية , وتكثر بين النساء عن الرجال , والهستيريا ليست كما يعتقد البعض أنها شكل من الجنون والمظهر الغريب أو السلوك الشاذ .. بل هي الشخصية السريعة التقلب القابلة للإيحاء وسرعة الانفعال , والتي تحكمها العاطفة أكثر من العقل , وهى سطحية بلا أعماق تتشبث كالطفل العنيد بالأشياء ثم سرعان ما تتركها وتمل منها وتبحث عن غيرها , لذلك فكثيرا ما تفشل في إقامة صداقات وعلاقات قوية ومستمرة . وهى تثور لأتفه الأسباب , كثيرة الشجار في حياتها الزوجية , وتحت الضغوط تصرخ وتنهار وقد تفقد النطق أو البصر أو الحركة ( الشلل الهستيري ) دون وجود سبب عضوي , ثم تعود عادية تماما بعد ساعات أو أيام , وهى تميل إلى جذب الانتباه وان تكون محور الاهتمام , وتحب أن تسلط عليها الأضواء لذلك تكره الوحدة , وتميل إلى ارتداء الملابس الزاهية ذات الألوان الملفتة للنظر , والمبالغة في استخدام مساحيق الماكياج الزاهية البراقة وتتعمد جذب الأنظار بمشيتها وضحكاتها واستعراض جسمها وأناقتها وجمالها .
والمرأة ذات الشخصية الهستيرية قد لا تتورع عن إرسال رسائل بملامح الوجه والنظرات فيقع الشباب في غرامها والتعلق بها, بينما هى لا تسعى لعمل علاقة بل تكتفي غالبا بالأهتمام و الأعجاب.!!
وقد أكد بعض علماء النفس أن نسبة غير قليلة من نجمات الإغراء في السينما هن شخصيات هستيرية , كما أثبتت دراسات عديدة أن الشخصيات الهستيرية تعانى من برود في العلاقة الزوجية وعند المعاشرة تتحول كل تلك الفتنة والإغراء إلى لوح من الثلج !!
وكثيرا ما تقابل درجات مخففة من هذه الصفات في شخصيات عادية أو ذات السمات المختلطة بحيث لا تعيق أدائها الوظيفي والاجتماعي .
وتنجح تلك الشخصية – إذا كانت الأعراض بسيطة أو متوسطة الشدة – في عدة مهن تتعامل مع الجمهور مثل التمثيل , العلاقات العامة , عرض الأزياء , تقديم بعض البرامج الجماهيرية , .. الخ
الشخصية السيكوباتية..المضادة للمجتمع :
وهى الشخصية الأنانية المخادعة التي تبحث عن المتعة واللذة والمنفعة على حساب الآخرين .
وصاحب هذه الشخصية انتهازي عدواني متسلق , بلا ضمير , لا يتعلم من أخطائه , و لا يتألم لذنوبه , وقد يصل إلى أعلى المناصب مستخدما مهاراته في النفاق والرياء وإخفاء عيوبه وفساد طباعه وأخلاقه , وبالمكر والخديعة يستطيع – كما يقولون – أن يزحف تحت جلود البشر ويمتلك إعجابهم ويأسر قلوبهم , وكثيرا ما ينجح في الزواج بامرأة ويسلبها مالها ثم يتزوج بثانية وثالثة .. وهكذا. بل قد يعود للزوجة الأولى بخدعة جديدة لينهب ما تبقى معها بمهاراته الشيطانية.
والنوع الذكي من هذه الشخصية يسمى بالسيكوباتى المبدع قد يصل إلى أعلى المناصب و النفوذ والثراء , بل والمكانة الأدبية والاجتماعية , كل ذلك بالحيلة والتمثيل والمكر والابتزاز.
وهو عبد لأهوائه ورغباته ونزواته .. يخون اقرب الناس إليه ويضحى بأعز إنسان عنده في سبيل مصلحته .
الشخصية الاضطهادية .. البارانويدية :
صاحب هذه الشخصية يشك في كل شخص وكل تصرف, ويفسره تفسيرا سيئا.. فهو يسئ الظن دائما مما يجعله في حالة تحفز وعدم توافق وصراعات لا تنتهي ..
وفى شجار وقتال مع الآخرين نتيجة تخيله أن الكثيرين يناصبونه العداء ويتآمرون ضده , فهو يتوقع دائما الشر والاضطهاد والإيذاء من الآخرين , لذلك فانه شديد الحساسية , لا يتقبل النقد لانه صلب عديم المرونة , فهو ضحية تضخم الذات والتمركز الشديد حول ذاته لذلك يرى نفسه دائما على حق وانه عظيم لا يخطئ . وتميل هذه الشخصية للتعصب والتطرف ويسعى إلى الزعامة المتطرفة والقيادة الدكتاتورية المستبدة , هذه الشخصية لا يمكن إرضائها أو إقناعها بحال من الأحوال, أما في بيته فهو كثير الشجار مع زوجته وأولاده نتيجة الشك فى تصرفاتهم والغيرة المرضية , وقد تتحول مشاعر العزلة والاضطهاد لديه إلى عدوان وعنف .
أما من الجوانب العاطفية فهو إنسان محدود أو عديم العاطفة فاتر الوجدان.
الشخصية القهرية ( الوسواسية ) :
تتصف هذه الشخصية بسمات النظام الشديد والانضباط والدقة , الى جانب الحذر والاهتمام الزائد بالتفاصيل , وهو متحفظ روتيني لا يعبر عن أحاسيسه ومشاعره بسهولة , وهو يرهق نفسه وينهك من يتعامل معه في العناية بالأشياء وبالحرص المفرط على النظافة والترتيب . وتمثل هذه الشخصية الالتزام البالغ بالقانون والقواعد والنظم , ومثل ذلك الشخص يلوم نفسه على اقل خطأ , وتكون صراحته مزعجة للكثيرين لأنه يلزمهم بإصرار على الخضوع لنظامه وطقوسه , وقد تسيطر عليه الوساوس وتزعجه وتعذبه .. فالفكرة تدور في ذهنه كالأسطوانة المشروخة التي لا يستطيع إيقافها , فهي تلح عليه وتدفعه إلى تكرار بعض الأعمال بصورة قهرية لا يستطيع إيقافها مثل تكرار التأكد من إغلاق الأبواب والبوتاجاز و النور و المياه , رغم علمه بأنه أغلقها وان ذلك التكرار أمر سخيف وممل ,
ومن مظاهر الاهتمام الزائد بالنظافة تكرار الوضوء مرات عديدة , أو تكرار غسيل الايدى عشرات المرات , أو كثرة الاستحمام خوفا من التلوث , ويتعذب الزوج والأبناء نتيجة طلب الزوجة خلع الملابس وغسيل الايدى واستخدام المطهرات يوميا عقب عودتهم من الخارج .
وهناك أنواع أخرى من اضطرابات الشخصية والسلوك لا يتسع المجال لذكرها.