ذات صلة

جمع

الغرفة التجارية بالقاهرة: 70% تخفيضات في «أهلا مدارس»

استعدت الغرفة التجارية فى القاهرة لإقامة معرض “أهلًا مدارس...

قفزة كبيرة في سعر الذهب الفترة المقبلة، وخبراء ينصحون بالشراء قبل هذا الموعد

أشارت العديد من التوقعات العالمية إلى ارتفاع سعر المعدن...

تعرف على أسباب ارتفاع أسعار النفط الخام بالأسواق الأجلة.. تعرف عليها

ارتفعت أسعار النفط الخام بالأسواق الأجلة (بورصة نيويورك التجارية...

البنك المركزى يعقد اجتماع أسعار الفائدة اليوم وسط توقعات بالتثبيت

تعقد لجنة السياسة النقدية بالبنك المركزى المصرى، مساء اليوم...

شرح العولمة ، وتنسيق المعايير المحاسبية

لو سأل سائل : ما هي الكلمة التي تعتبر ابلغ تعبير عن الاتجاهات والتيارات السائدة في العالم في الوقت الحاضر؟ اعتقد أن الجواب الصحيح هو كلمة ” العولمة”. إن تقلص حجم العالم، بالمعنى المجازي طبعا، أدى إلى السعي نحو

العولمة بشكل لا مفر منه . وتعلمون بطبيعة الحال ان العالم بدأ بالتقليص مع تطور وسائل النقل من السيارة إلى الطائرة ، إلا أن النقلة الحقيقة جاءت بفعل الثورة المذهلة في عالم الاتصالات ، الأمر الذي أدى إلى اتصال العالم بعضه ببعض بسرعة تخطف أنفاس. وقد اتخذت الاتصالات أشكالا متعددة مثل أجهزة الفاكس والهواتف الخلوية والأقمار الصناعية والكمبيوتر وما إلى ذلك، ولكنها تصب جميعا في قناة واحدة هي تسيير الاتصال . ولعل اكبر ظاهرة تمثل ثورة الاتصالات وجوهرها الواحد رغم تعدد القنوات هي ظاهرة الانترنيت. فقد ساهمت الانترنيت في ربط العالم لمعاصر بشكل لم يخطر على بلا أحد مهما جنح به الخيال، حتى منذ عشرين عاما. لقد عملت الانترنيت ، وما يتصل بها من وسائل تقنية ، على تقليص المسافات بين الناس بشكل لا مثيل له في تاريخ البشرية ، بطبيعة الحال فان الانترنيت ليست مجرد واسطة اتصال تربط الناس والأماكن ، و إنما هي أداة ليسر وتدفق المعلومات، وهو الهدف النهائي للاتصال بالدرجة الأولى . وقد استدعت هذه الواسطة الجديدة إنشاء تعبير خاص بها ، وهو ما اصطلح عليه بعبارة ” البنية التحتية العالمية للمعلومات” (gii). وهذه البنية التحتية هي الآن مثار جدل حاد ونشاط محموم دب مؤخرا في أوساط المؤسسات العالمة ومؤسسات القطاع الخاص في جميع أنحاء العالم.

على صعيد آخر، كان هناك تطور مهم للغاية له صلة بثورة الاتصالات ولكنه اتخذ مسارات مستقلا. وساهم بشكل فعال في دفع عجلة العولمة، واعني به النزعة السائدة نحو تحرير التجارة خصوصا التحرير على نطاق الأطراف المتعددة تحت مظلة منظمة التجارة العالمية، التي تحمل لواء تحرير التجارة في كل من البضائع والخدمات كما تحاول إرساء قدر معقول في حده الأدنى من معايير حماية الملكية الفكرية في جميع أنحاء العالم. وما تقوم به منظمة التجارة العالمية هو إنها تأتي بالعولمة لتضعها موضع التنفيذ على ارض الواقع بشكل قد لا يتمكن الفضاء الإلكتروني ، أي عالم الانترنيت ، من القيام به. ولكن التداخل بين الظاهرتين كبير جدا إلى الحد الذي يصعب فيه على المرء أن يحدد مبدأ إحداهما ومنتهى الآخر . على سبيل المثال فان الخدمات ليست أشياء مادية بالمعنى الفعلي للكلمة ، إلا أن لها مع ذلك آثارا مادية ملموسة ، وهي بالتأكيد أحد أشكال التجارة ويمكن تسليمها او إيصالها بالوسائل الإلكترونية من مكان لآخر بشكل يتجاوز تمما نطاق ” الموقع” بمفهومة المكاني ويؤدي إلى ذوبان الحدود بين الدول.

بطبيعة الحال هنا كل عوامل أخرى ساعدت في دفع العولمة، نذكر منها على سبيل المثال، انتشار الشركات الضخمة التي تعرف باسم الشركات متعددة الجنسيات وتدويل أسواق رأس المال، مما خلق ضغوطا ساهمت في العمل على تنسيق وتوحيد المتطلبات التي تضعها الهيئات الحكومية المسئولة عن تنظيم الأمور المالية. والجدير بالذكر أن الضغوط المذكورة جاءت من القطاع الخاص ومن الهيئات الحكومية التنظيمية نفسها.

اتخذت دنيا الأعمال والتجارة طابعا عالميا لا ينكر ، إلا إنها ما تزال تعاني من الآثار المتبقية من أشكالها التي كانت عليها قبل العولمة. على سبيل المثال فان المعايير المحاسبية في الولايات المتحدة تختلف اختلافا بينا عن المعايير المتبعة في الأقطار الأوروبية. لذلك فان من الضروري بالنسبة للشركات الأوروبية التي ترغب في أن تدرج في أسواق الأسهم الأمريكية ان تعد بيانات مالية متعددة، الأمر الذي يخلق صعوبات أمام الشركات التي يتعين عليها إعداد أنواع مختلفة من الإقرارات الضريبية والتجارية والعامة في مواقع مختلفة. ورغم أن العالم لأسره يسير نحو العولمة إلا أن هناك عددا لا بأس به من فروع النشاطات الخاصة بالأعمال ما يزال على وضعه القديم. والواقع ان هناك الكثير مما يجب عمله قبل ان يتمكن الناس في جميع أنحاء العالم من جني كافة ثمار المجتمع العالمي الجديد.

وفي هذا المقام يجدر بي أن اذكر أن العولمة لا تختص فقط بدنيا الأعمال والتجارة ، وإنما ترتبط أيضا بعدد من القضايا الثقافية والاجتماعية والسياسية . ولكن الأمر الذي يهمنا في هذا المقام هو القضايا المتعلقة بالأعمال، ومن ثم بالمحاسبة. ذلك أن المحاسبة كانت تعرف تقليديا بأنها ” لغة الأعمال والتجارة” . وفيما نرى أن العالم يتجه في خط لا عودة منه ولا رجعه عنه نحو وق عالمية، حيث تتسارع حركة البضائع والخدمات ورؤوس الأموال عبر الحدود ، فان هناك حاجة ماسة تزيد يوما عن يوم إلى إيجاد الوسائل أمام قطاعات الأعمال ، والجهات التي تنظم هذه القطاعات ، وكذلك جمهور الناس لتسير الإبلاغ عن المعلومات المالية الخاصة بالشركات وقطاعات الأعمال في لغة واضحة ومفهومة للجميع.

من هنا تنشأ الحاجة إلى وضع معايير محاسبية عالمية. فالمعايير هي الوسيلة التي تجعل المحاسبة لغة موثوقة تثمل قطاعات خير تمثيل. وبدونها لن يكون بمقدور الأشخاص الذين يدرسون التقارير المالية أن يضمنوا سلامة التقارير والاطمئنان إليها، وإنها تعطي صورة واضحة عن الوضع الفعلي للمنشأة التي يتحدث عنها ، او ان يخرجوا بتفسيرات موثوقة لتلك التقارير دون معرفة الأسس التي تم الاستناد إليها عند إعداد هذه التقارير.

هناك عدد لا بأس به من الدول التي توجد لديها معاييرها المحاسبية الخاصة بها. فالدول المتقدمة مثل الولايات المتحدة وبريطانيا سنت عددا من المعايير المحاسبية على مدار الزمن، وهي معايير صادرة عن الهيئات المحاسبية الوطنية ويستعملها عدد لا يحصى من الشركات، حيث يتم بموجبها إعداد البيانات المالية، وهي البيانات التي يعتمد عليها المستثمرون ومؤسسات الإقراض والبنوك وحملة الأسهم والمؤسسات الحكومة التي تضع الأنظمة ويستأنسون بها في التوصل إلى قرارات مهمة وغالبا ما تكون حرجة بالنسبة للشركات المذكورة . إلى جانب ذلك فانه يوجد في الولايات المتحدة ما يرف بالأصول المحاسبية المتعارف عليها، والتي يعمل بموجبها جميع المحاسبين. ورغم أن المعايير والأصول المحاسبية الأمريكية تتميز بالشمول والدقة ، إلا أنها تعتبر عموما اشد صارمة من غيرها، فضلا عن أنها لا تعتبر معايير دولية وليس متعرفا بها في جميع أنحاء العالم وان كانت ذات تأثير ونفوذ قويين . لذلك عملت الهيئات الدولية المختصة، مثلا الاتحاد الدولي للمحاسبين ولجنة معايير المحاسبة الدولية ، على وضع معايير محاسبة دولية.

المشكلة انه رغم أن العديد من البلدان التي تستند في معاييرها الوطنية على المعايير المحاسبية الدولية، إلا انه لم يتم التوصل بعد إلى آلية على المستوى الدولي لضمان تحقيق التوافق بين المعايير المحاسبية العالمية والمعايير المحاسبية الوطنية . وبذلك تبقى المشكلة قائمة في وجه الشركات العالمية والهيئات ذات النشاطات الدولية من حيث انه يتعين عليها في الغالب أن تصوغ بياناتها المالية بأشكال عديدة للوفاء بالمتطلبات التنظيمية التي تختلف من مكان لآخر.

إن المحاسبة خدمة مهنية ، ومن هذا الباب فانه تخضع تنظيميا لمنظمة التجارة العالمية وللاتفاقية العامة للتجارة في الخدمات، التابعة هي أيضا لمنظمة التجارة العالمية. وهذا يوفر إطارا مناسبا لتحقيق الأمل المنشود في أن نرى خلال فترة قريبة قدرا اكبر من التوافق في المعايير المحاسبية. وتتركز جهود منظمة التجارة العالمية بشأن المحاسبة على تحرير التجارة في الخدمات المحاسبية. إلا أن من الواضح انه يقع على عاتق المنظمة أيضا العمل على تحقيق التوافق في المعايير المحاسبية لسببين : الأول باعتباره وسيلة لتحقيق الغاية المرجوة من التوافق ، والثاني لما لتحقيق التوافق في المعايير المحاسبية من أهمية في التجارة في الخدمات.

هناك قضية أخرى ذات صلة بالموضوع ، واعني بها متطلبات التأهيل التي يجب توفرها في الذين يقدمون الخدمات المحاسبية. وقد نص قرار منظمة التجارة العالمية بخصوص الخدمات المهنية على انه يتعين على فريق العمل حول الخدمات المهنية أن يعمل على ” إعداد وتطوير أنظمة متعددة الأطراف تتعلق بالوصول إلى الأسواق” وكذلك ” القيام بالفحص ورفع التقارير المشفوعة بالتوصيات بخصوص الأنظمة اللازمة للتأكد من الإجراءات المتعلقة بمتطلبات ومعاملات التأهيل ، والمعايير الفنية، ومتطلبات الترخيص في مجال الخدمات لا تشكل عوائق لا دعي لها إمام التجارة”.

اسمحوا لي قبل أن أخوض في موضوع متطلبات التأهيل المحاسبي أن أواصل حديثي حول موضوع المعايير المحابية والحاجة إلى معايير عالمية. وبهذا الخصوص فإنني احب او أؤكد انه في الوقت الذي لا بد فيه من تحقيق تقدم في هذا المضمار فانه ينبغي أن يكون مفهوما لدينا أن عملية وضع المعايير وتطوير المعايير المحاسبية هي مهمة معقدة وشاقة في الوقت نفسه. ومما يزيد في صعوبة الموضوع أن المعايير المحاسبية كانت في العادة تستند على النظام الاجتماعي – الاقتصادي والسياسي السائد في المنطقة. لذلك سأستعرض على حضراتكم وبشكل موجز العوامل الرئيسية التي أثرت تاريخيا على عملية وضع المعايير.

1. النظام القانوني للبلد: في بعض الأحيان التي يستند نظامها القانوني على القانون الروماني (فرنسا على سبيل المثال) نجد أن المشروع قد نظم عمل الشركات من خلال قانون محدد يدعي في الغالب قانون الشركات. ويتضمن القانون في هذه الحالة بنودا مفصلة تحدد متطلبات الأعمال المحاسبية واعداد الإقرارات . أما في البلدان الأخرى، التي يستند نظامها القانوني على فكرة القانون العام لدى المملكة المتحدة فان المشروع يركز على جملة القوانين التي اتخذت لحالات وقضايا معينة لمواجهة الحاجة المتغيرة . في هذه الحالة نرى أن عملية إرساء المعايير تميل إلى موضوع على شكل قانون ، في حين هذه القواعد في البلدان الأخرى يجري وضعها من قبل العاملين في مهنة المحاسبة في القطاع الخاص. وفي أوروبا على وجه الخصوص يلعب إصدار التعميمات دورا كبيرا في عملية وضع المعايير.

2. طبيعة وهيكل الملكية التجارية: هناك تباين كبير للغاية في التوجه نحو المعايير المحاسبية بين البلدان التي تشيع فيها ملكية الأسهم من قبل الجمهور ، والبلدان التي تتركز ملكية الشركات فيها في أيدي البنوك والمؤسسات المالية الأخرى ، حيث ان باستطاعة البنوك في هذه الحالة الحصول على معلومات تفصيلية ” من مصادر مطلعة” ، وبالتالي يقتصر عدد الأشخاص الآخرين الذين يطلعون على التقارير على الحكومة بأشكالها المختلفة التي غالب ما تكون حماية الحق العام وجمع الضرائب وتوجيه النشاط الاقتصادي. وفي مثل هذه البلدان فان التقارير المالية تميل لان تكون موجهة نحو الحاجة إلى التقليل ما أمكن من التبعات الضريبية وليس نحو تقديم صورة كاملة وواضحة عن الوضع المالي للشركة.

وهكذا نرى انه في البلدان التي لا تشيع فيها ملكية الأسهم من قبل الجمهور فان الاحتمال ضئيل في ان تكون قد عملت على تطوير معايير محاسبة تهدف إلى ضمان كون التقارير المالية تقدم معلومات مفيدة وموثوقة وفي الوقت المناسب.

 

3- النظام

السياسي وميزان الملكية الفكرية بين القطاع العام والخاص: تلعب الشركات الحكومية في الغالب دورا مهما في التطور الاقتصادي في البلد . وتختلف طريقة إعداد التقارير المالية في القطاع الخاص عنهما في القطاع العام تبعا للحاجات المختلفة للذين يطلعون على المعلومات الواردة في التقارير. ففي حالة القطاع العام، وفي البلدان التي يخضع الاقتصاد فيها لسيطرة الدولة المركزية ، نرى أن التأثير الحكومي على عملية إرساء المعايير يميل إلى أن يكون أقوى بكثير مما هو عليه الحال في البلدان الأخرى، إذ يدخل ضمنها متطلبات الإبلاغ التي تهدف إلى إبراز جوانب التطور الاجتماعي والتطور الاقتصادي الشامل إلى جانب اوجه الإبلاغ ذات الطابع المالي الصرف.
4. مستوى التقدم الاقتصادي: في البلدان النامية نجد أن ملكية الشركات تميل إلى ان تكون في يد عائلات معينة وغالبا ما تتركز في أيدي مجموعة صغيرة من الأرستقراطيين الأثرياء . في المقابل نجد انه جنبا إلى جنب مع الشركات التي تديرها العائلات فان الحكومة تميل إلى تملك عددا اكبر من الشركات. وفي الوقت نفسه نرى أن الاحتمال ضئيل في وجود عدد كبير من المحاسبين القانونيين الذين يزاولون المهنة ويعملون على تطوير الروح المهنية في المحاسبة. وهكذا نرى ان غياب الحاجة وعدم المقدرة على إعداد تقارير مالية رفيعة المستوى لهما تأثير قوي على الحد من قدرة البلدان المذكورة على تطوير معايير محاسبية بالمعنى الحقيقي للكلمة.

5. النظام الضريبي: في بعض الحالات قد يكون للنظام الضريبي وما يرافقه من تشريعات اثر لا يستهان به على تطوير معايير الإبلاغ المالي. على سبيل المثال نرى أن الأسلوب المحاسبي الذي ينص على ان ” الوارد أخيرا يصدر أولا” في الولايات المتحدة يستخدم فقط للأغراض الضريبية في حالة ورودها في التقارير المالية.

6. وجود مجمع محاسبة مهني : إن وجود هيئة محاسبية مهنية نشطة يساعد على تنظيم متطلبات الامتحان والتسجيل فيها، وعلى العمل كنواة مهنية ، وعقد المؤتمرات واعداد المواد التعليمية وأنواع أخرى من الإصدارات . كما أنها في الغالب تهيئ الجو المناسب للتعليم والأبحاث، وتشجع وتعزز تطوير معايير وممارسات محاسبية، كما أنها ترصد جوانب الالتزام بالمتطلبات. وفي مثل هذه الظروف قد تجد الحكومة إن من الأنسب لها ، ربما من خلال جهاز تنظيمي ، إن تعهد بمعظم الأعمال المتعلقة بإرساء المعايير إلى العاملين في مهنة المحاسبة . وعندما لا تكون مهنة المحاسبة قد بلغت مستوى من التطور يؤهلها للقيام بهذه الأدوار مجتمعة فقد يصبح من الضروري إن تزداد نسبة التدخل الحكومي في المهنة وفي الإجراءات التنظيمية.

7. طرح الأسهم في الأسواق الخارجية: إن الحاجة إلى جذب المستثمرين الأجانب، سواء على شكل استثمار مباشر او من خلال محافظ استثمارية ، تستدعي أن يكون في البلدان النامية نظام مقبول لتقديم إقرارات البيانات المالية. و أحيانا قد يكون ذلك حافزا اكبر على تطوير معايير محاسبية سليمة مما لو اقتصر الأمر على حاجات الشركات المحلية في البلد نفسه ، نتيجة لذلك نرى أن المنظمة الدولية للجان الأوراق المالية هي عضو في مجلس إدارة لجنة معايير المحاسبة الدولية، كما أن لها القول الفصل في اعتماد المعايير المذكورة.

من خلال استعراضنا للعوامل التي كان لها تأثير عملية وضع المعايير نستطيع أن نرى سبب التباين الكبير في معايير الحاسبة الوطنية التي اتخذت في كثير من الأحيان أشكالا مختلفة في أنحاء العالم مختلفة من العالم. من جانب آخر فانه رغم أن المعايير الوطنية تتباين بتباين الظروف التاريخية ، إلا أن ذلك ليس سببا يحول دون إمكانية تحقيق توافق بينها، وفي الوقت الذي نسير فيه نحو اقتصاد عالمي متكامل يجب علينا أن ننشط لصياغة معايير محاسبية عالمية معترف بها رسميا، وهذا يقع ضمن اختصاص منظمة التجارة العالمية، إلا انه يجب على هذه المنظمة المشاركة مع المنظمات الرئيسية التي تتولى مسئولية هذه الأمور وهي الاتحاد الدولي للمحاسبين ولجنة معايير المحاسبة الدولية ، إلى جانب مجموعة الخبراء العاملة الحكومية التابعة للأمم المتحدة لمعايير المحاسبة والإبلاغ الدولية.

وفي الوقت الذي نسعى فيه نحو تحقيق هذا الهدف فان من السهل نسبيا للبلدان النامية أن تنظيم في نظام جديد حيث أن العديد منها اعتمد معايير المحاسبة الدولية الصادرة عن لجنة معايير المحاسبة الدولية على إنها معاييرها الوطنية مع تعديل بسيط او بدون تعديل. ولكن الوضع مختلف بالنسبة للبلدان المتقدمة بما لها من تقاليد عريقة وممارسات طويلة على النحو الذي أسلفنا إليه، فانه لا بد من القبول بتغييرات وتسويات جوهرية وهو ما حصل فعلا في كثير من الأحيان بالنسبة لإجراءات التحرير التي تمت بناء على الاتفاقيات مع منظمة التجارة العالمية.

من المهم أيضا أن نذك انه في الوقت الذي يتم فيه إحراز التقدم في هذه الأمور، فان من المهم أن يتمسك الاتحاد الدولي للمحاسبين ولجنة معايير المحاسبة الدولية بما التزمت به منظمة التجارة العالمية من التحرير متعدد الأطراف مقابل الالتزامات ثنائية الأطراف. وان يعملا على مساندة هذه الفكرة في الوقت نفسه. ومن المهم كذلك أن تدرك هاتان المنظمتان أن منظمة التجارة العالمية أخذت بناصية الأمور من منظمات وطنية ودولية أخرى ، وان تدرك إن المحاسبة باعتبارها خدمة مهنية ، إنما يقع تنظيمها على عاتق منظمة التجارة العالمية.

بالرغم من الصعوبات العديدة التي تعترض هذا الموضوع، فقد تم إحراز الكثير من التقدم في معايير المحاسبة العالمية، كما يتوقع إحراز المزيد من التقدم في هذا المجال . وكلما تم تحقيق ذلك بشكل أسرع كان ذلك افضل ، حيث أن ذلك سييسر سبل الاتصالات ويزيد من إمكانية الاعتماد على البيانات المالية، وهو أمر سيعود بالنفع على الدول النامية والدول المتقدمة على حد سواء.

من جانب آخر فقد تم قطع شوط طويل وتحقيق قد لا يستهان به من التقدم فيما يتعلق بمعايير المحاسب، إلا أن هناك ناحية هامة ووثيقة الصلة بذلك تجاهلتها إلى حد كبير المنظمات الدولية المعنية إلا وهي التعليم المحاسبي وتأهيل واعتماد المحاسبين.

التأهيل والتعليم المحاسبي العالمي
اذا أردنا أن تتلك مساعينا بالنجاح ونتمكن من تحقيق ما نرغب فيه من وجود معايير محاسبة عالمية وتجارة حرة عالمية فان من المنطقي أن تكون هناك معايير عامة لتوفير مثل لهذه الخدمات الهامة من خلال إطار للتأهيل المحاسبي على النطاق العالمي. ورغم أن هناك حاجة واضحة لصياغة مؤهل محاسبي عالمي فقد تجاهلت هيئات المحاسبة الدولية إلى حد ما هذا الأمر . لذلك سأعرض على حضراتكم بعض الأفكار التي تمس جوانب التأهيل والتعليم ضمن إطار العولمة.

1. التجارة في الخدمات المهنية (منظمة التجارة العالمية) – اذا أردنا تحرير التجارة في خدمات المحاسبة المهنية فان الحاجة تستدعي أن تكون هناك طريقة لتقييم مستويات المعرفة المهنية للمحاسبين ضمن إطار نسبي. والذي يحدث في الوقت الراهن هو ان الدول المختلفة تتبع أساليب مختلفة لتأهيل المحاسبين حيث ان بعضها يمنح التأهيل على مستوى أعلى من غيره.
2. هناك حاجة إلى محاسبين مؤهلين يستطيعون تقديم تقارير مالية تكون متمشية مع معايير المحاسبة الدولية.
3. المشاكل الخطيرة في الدول النامية الخاصة بتعليم وتأهيل محاسبيها على مستوى يتناسب مع مستوى المحاسبين في البلدان المتقدمة. وكان من نتيجة ذلك ان نرى ان الشركات الدولية ليست مجبرة على إحضار محاسبين من بلدان أخرى وحسبن ولكن اقتصاديات الدول النامية مؤهلين إلى الوقوع في دائرة مفرغة لا يمكن فيها رفع مستوى معايير التأهيل بسبب عدم وجود أشخاص قادرين على إعدادها ونشرها وممارستها.

إن من يدرس الملاحظات المذكورة أعلاه قد يبدو له أن الحاجة إلى مؤهل محاسبي عالمي أمر واضح. ففي الجلسة التي ترأستها عام 1993 في مقر الأمم المتحدة في نيويورك المجموعة الخبراء العاملة الحكومية لمعايير المحاسبة والإبلاغ الدولية isar صوتت المجموعة بالإجماع على قرار بخصوص إعداد معايير تأهيل عالمية وطالبت الاتحاد ifac بتولي الموضوع . ونتيجة لعدم رغبة الاتحاد في ذلك فقد تولت الموضوع لجنة تتألف من مجموعة الخبراء في مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية unctad . وقامت اللجنة ، التي أتولى رئاستها حاليا، بوضع برنامج عمل قابل للتطبيق إلى حد كبير. وقد اجتمعت اللجنة في جنيف في تشرين الأول (أكتوبر ) 1997 لمراجعة المنهج العالمي المقترح . ولعل افضل ما يمكن القيام به في هذا المجال أن يقوم الاتحاد بالعمل مع اللجنة المذكورة ومع مجموعة الخبراء العاملة الحكومية isar بروح من التعاون الجاد . كما نرى ان المستحسن إن يدرك الاتحاد إن مؤتمر الأمم المتحدة unctad هو أهم مركز ضمن أجهزة الأمم المتحدة للعمل على توحيد وتنسيق معايير المحاسبة للشركات والهيئات.

لقد كانت الدول النامية أثناء مناقشات الجات وحتى تأسيس منظمة التجارة العالمية تستريب منذ أمد طويل من فكرة التجارة الحرة ومن نوايا الدول المتقدمة . ولكن مع فشل البدائل عن إطار السوق الرأسمالية الحرة واستمرار تقديم المساعدة والعون و إعطاء التأكيدات والتقدم بحلول وسط من جانب الدول المتقدمة ، فان الدول النامية قبلت بالتوقيع على منظمة التجارة العالمية على أمل الاستفادة مما تعد به المنظمة من التجارة الحرة وتحقيق الازدهار لجميع الأطراف. ولم يكن من الممكن التوصل إلى ذلك إلا من خلال مراعاة الجوانب التي تهم الدول النامية وطمأنتها بخصوص الأمور التي تثير قلقها . أن غريزة حماية النفس موجودة لدى الجميع وبطبيعة الحال لا غبار عليها ويمن تفهمها. لذلك فانه في الوقت الذي تسعى فيه منظمة التجارة العالمية لتحقيق أهدافها في العولمة فان الاتجاهات نحو سياسة الحماية، مثلما حدث مع الاتحاد الدولي للمحاسبين ، ستسقط لا محالة على جانبي الطريق. من جانب آخر فإنني اعرف أن هناك عددا كافيا من مؤيدي التجارة الحرة والتنمية الاقتصادية العالمية يمكن لنا في الدول النامية أن نعتمد على مساندتهم ودعمهم في سعينا نحو التحسن والتقدم.

ليس هناك من شك في إننا سنشهد تحقق معايير المحاسبة الدولية وكذلك التوصل إلى نظام التأهيل المحاسبي العالم. وان إرساء هذه المعايير الدولية والاعتراف بها على نطاق واسع سيعملان على تحديث مهنة المحاسبة وجعلها متفقة مع الاتجاه نحو العولمة، وعندما تكتسب مهنة المحاسبة بالفعل طابعها العالمي فانه يصبح بإمكاننا أن نأمل حتى في قدر اكبر من السعي نحو تحقيق اقتصاد عالمي بالمعنى الحقيقي للكلمة.

أشكركم على حضوركم جميعا، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.