يقول السيد توفيق إبراهيم أيوب (المستشار المهني في مجموعة طلال أبو غزالة الدولية) إن مهنة المحاسبة كغيرها من المهن لها دورها ومكانتها
وأهميتها في المجتمعات المتطورة ، فقد أفردت لها دراسات متخصصة في الجامعات لتدريس أصولها وقواعدها وأسست لها جمعيات مهنية دولية تعقد الامتحانات التأهيلية لعضويتها وتحرص على تطوير مستوى الكفاءة والممارسة والسلوك المهني بين أعضائها، وتعمل على حماية وحفظ استقلالية أعضائها وممارسة الرقابة المهنية عليهم والقيام بكل ما من شأنه تقدم وحماية سمعة المحاسب، سواء فيما يتعلق بالممارسة أو الخدمة في مجال الصناعة أو التجارة أو الخدمة العامة.
إلا إن مهنة المحاسبة وان كانت تشبه غيرها من المهن الأخرى من حيث أهمية الدور الذي تقوم به في المجتمع، إلا أنها تختلف من حيث أصولها وقواعدها، فالمحاسبة علم اصطلاحي، غرضه قياس الوضع المالي ونتائج العمليات لنشاط اقتصادي ولعل أوجز تعبير عن طبيعة المحاسبة هو ما يرد في تقارير البيانات المالية لمؤسسة ما، فبعد أن يذكر مراجع الحسابات مدى الفحص الذي قام به، يبدي رأيه فيما إذا كانت البيانات المالية تظهر بصورة عادلة وضع المؤسسة المالي ونتائج أعمالها وفقا “للأصول المحاسبية المتعارف عليها” والصورة العادلة في عرف المحاسبين والمراجعين، لا يمكن الحكم عليها بشكل مطلق بل في إطار “الأصول المحاسبية المتعارف عليها”.
وتعبير “معايير المحاسبة المتعارف عليها” هذا هو تعبير فني متفق عليه عند المحاسبين دلالته تشمل كل ما هو متفق على انه مقبول في علم المحاسبة المتبعة في وقت معين وقد تجمعت هذه “المعايير المحاسبية” تدريجيا لمعالجة معاملات تستحدث مع الزمن. والى أمد قريب، كانت الخبرة والعادة، بل والضرورة العلمية، هي التي تقرر نوع المعالجة للمشكلة التي تطرأ. والذي كان يجعلها “متعارفا عليها” هو تبنى الشركات والمؤسسات لها، ولو كان تبنيا غير اجتماعي. فإذا اتبعت بعض المؤسسات طريقة ما واتبعت مؤسسات أخرى طريقة ثانية للمشكلة ذاتها، أصبحت كلتا الطريقتين من “المتعارف عليهما” أما المحاسبون ومراجعو الحسابات فكان دورهم يقتصر فيما مضى على إقرار ما اصبح “متعارفا عليه” مما ظهر من معالجات محاسبية، حتى ولو تعددت المعالجات للموضوع الواحد.
وحيال هذا الموضوع ومنذ أوائل الستينات ولأسباب كثيرة، طرحت تساؤلات حول دور المحاسبة في النشاط الاقتصادي وحول دور المحاسبين في المجتمع. فقد طرح المهتمون بالشؤون المالية والاقتصادية في الدول الصناعية تساؤلات عدة عن ذلك الدور وكان لتلك التساؤلات آثار بليغة في المحاسبة وفي عمل المحاسبين، فقد صاحبها إعادة تقييم داخل المهنة لدور المحاسب في المجتمع ونشطت الجمعيات والمعاهد المحاسبية المهنية في البلدان الصناعية، فشكلت لجان خاصة من ذوي العلم والخبرة لتحديد ذلك الدور الذي فرضه المجتمع. ولأغراض وضع قواعد عامة “معايير محاسبية” تكون أساسا للأحكام المحاسبية المتفرقة، فقد قام علماء وخبراء في المحاسبة بدراسات محاسبية مقارنة بين البلدان الصناعية، محاولين الاستفادة في كل بلد من الخبرات المتوفرة في البلدان الأخرى، ولم يكن وضع قواعد عامة تحكم مهنة المحاسبة آمرا سهلا وبقي التوفيق صعبا بين ما سبق من المعالجات الموجودة المتباينة والمتضاربة حتى تاريخ 29 يونيو 1972 حيث خرجت لجنة المعايير الدولية للمحاسبة إلى حيز الوجود اثر اتفاق الجمعيات والمعاهد المهنية الرائدة في استراليا وكندا وفرنسا وألمانيا واليابان والمكسيك وهولندا والمملكة المتحدة وايرلندا والولايات المتحدة الأمريكية على تأسيس “لجنة المعايير المحاسبية الدولية” لتقوم بوضع ونشر ” المعايير المحاسبية الدولية” بهدف تطوير وتعزيز مهنة محاسبية مترابطة ذات أصول منسقة معروفة ومحددة.
وقد اكتسبت لجنة المعايير المحاسبية الدولية والمعروفة الأن بمجلس معايير المحاسبة الدولية اعترافا واسعا بأهليتها إذ بالإضافة إلى مؤسسيها (وهم الجمعيات والمعاهد المهنية الرائدة في البلدان الصناعية) التحق بها عدد كبير من الجمعيات المهنية في البلدان الأخرى. كما أن اتحاد المحاسبين الدولي الذي تشترك في عضويته حتى تاريخ 30 نوفمبر 1998 (143) هيئة مهنية من (103) دول من مختلف دول العالم قد توصل في سنة 1982 إلى اتفاق بإجماع أعضاء مجلس اللجنة والاتحاد ينص على “أن لجنة معايير المحاسبة الدولية هي صاحبة الأهلية في إصدار المعايير المحاسبية الدولية” وقد تمكنة لجنة معايير المحاسبة الدولية حتى يوليو 1999 من إصدار تسعة وثلاثين معيار (واحد وأربعون لغاية نهاية عام 2001) من المعايير المحاسبية الدولية بهدف تطوير وتعزيز مهنة محاسبة دولية مترابطة وذات أدلة منسقة.