خالد الأعصر
” الألتراس ” كلمة أو مصطلح ظهر مؤخرا ليدل على مجموعة المشجعين لفريق ما, ولسنا هنا بصدد الحديث عن مصدر هذا المصطلح أو اشتقاقه, ولكننا فقط نلفت
الأنظار إلى مسألة التشجيع. الإنسان خلق بفطرته محب للمدح والثناء, كارها للنقد والتجريح, ولا يوجد إنسان على وجه الأرض, مهما كانت ديانته أو عقيدته, يحب ان يسبه الناس بأفظع السباب أو ينادونه بأبشع الأسماء والصفات.
ونحن المسلمون لا نختلف عن بقية الناس, فنحن أيضا نحب المدح ونكرة الذم, ولكننا نتقبل النقد ان كان بناءا ونسعد بالتوجيه ان كان مقصده خيرا. وللمسلمين في التشجيع نظرة تختص بهم, فنحن كما وصفنا الله سبحانه وتعالى ” امة وسطا ” لذلك فشعارنا دائما ” لا إفراط ولا تفريط “.
وبما ان كل إنسان يحب المدح والثناء, فإننا سنلقي قليلا من الضوء في حديثنا الآن عن كيفية التشجيع وتحفيز الآخرين. فالطفل الرضيع إن لم يجدك هاشا باشا في وجهه فلن يقبل عليك, وهو دائما ينتظر منك ولو صوتا يشعره بإقبالك نحوه وحنوك عليه حتى يلقي بنفسه بين أحضانك ويرتمي بين ذراعيك الممدودتين له, وحينما نريد من هذا الطفل ان ينطق بكلماته الأولى فنحن نعطيه أفضل تشجيع عندما يصدرها, الا وهو سعادتنا وابتسامتنا في وجهه, ونلح عليه في تكرارها وترديدها ولا نمل أبدا من الاستمرار في الابتسام له.
وهل يختلف الشيخ الكبير أو الشاب اليافع عن هذا الطفل؟ لا, ولكن كما والعطاء. الطفل تختلف عن حاجات الشاب والشيخ, فان طريقة تشجيع كل منهما تختلف. فلا يصح مثلا ان نشجع شابا يافعا على عمل شيء ما بإعطائه قطعة من الحلوى.
وبما أن مصر الآن تمر بمرحلة من اخطر مراحلها على الإطلاق, الا وهي مرحلة إعادة البناء, فإننا نعتمد في هذا البناء على الشباب القوي الفتي الذي يدرك مدى أهمية دورة ويعرف خطورة المهمة الملقاة على عاتقه. ولهذا, وبما أنه سيعمل من أجل بناء مصر بكل كيانه, فنحن أيضا علينا ان نشجعه على المضي قدما في هذا الطريق بكل كياننا, فهؤلاء العاملون لخدمة هذا الوطن يستحقون منا أن نشجعهم بألسنتنا, وبأعيننا, وبأيدينا وبأقدامنا وبكل جسدنا, كما سنوضح في السطور التالية:
التشجيع باللسان:فما أفضل من كلمة تشجيع وتحفيز نطلقها بألسنتنا, تقع على مسامعه فتعمل عمل ألف دينار. إنها الكلمة بما لها من سحر وبما لها من تأثير. فلا تبخل على أي إنسان بكلمة تشجعه بها على المضي قدما في طريق الخير والعطاء. وإن كان للسان عمل فإن من أعظم ما يقوم به للإشارة على الآخرين هو ” الدعاء ” فلا ننسى أبدا دعائنا لإخواننا العاملين أن يوفقهم الله ويسدد خطاهم .
التشجيع بالعين:إن نظرة عينك لأخيك وبما تحمله من معاني التشجيع والتحفيز لتدفعه إلى بذل المزيد والمزيد من الجهد والعرق. فبدون ان تنطق أي كلمة, مجرد نظرة منك يعرف هو انه على جادة الصواب وانك تريد منه الاستمرار. وقديما قالوا ” الحر تكفيه الإشارة”.
التشجيع باليد:إن قدمنا كلمة تحفيز ونظرة تشجيع فلا يجب ان نبخل بتقديم يد العون والمساعدة, سواء كان ذلك بإعطاء شيء ما أو على اقل تقدير “بالتصفيق” فيا له من صوت يهز نفس الشاب وكأنه قوة جبارة تحركه وتمده بطاقة تجعله يعمل لأيام وشهور. وكما أن اليد تستخدم للتصفيق فهي كذلك تستخدم للإشارة. فكما هو معروف, إذا رأى احدنا من يتابعه في عمله ورآه وقد رفع له إصبع الإبهام فسيعلم انه يسير على الطريق الصواب وسيكمل ما بدأه من عمل. وكذلك قد تستخدم اليد للاشاره للتقدم للأمام, فباستخدامك لراحة يدك كلها وبتحريكها للأمام, فكأنك تدفع شيئا ما للأمام, وهذه الإشارة معناها أن تقدم تقدم. أما ان كنا من أصحاب مهارة الكتابة, فإن يدنا ستقوم بدور ذا تأثير بالغ في تشجيع الآخرين بكتابة كلمة شكر وثناء وتشجيع لهؤلاء العاملين.
التشجيع بالقدم:وذلك بان نسير مع العامل باتجاهه, فيجدنا معه متابعين وملاحظين وموجودين للمساعدة ان طلبت منا أو وقت الحاجة إليها. أفلا نعفر أقدامنا في سبيل الله ساعة!
التشجيع بكل الجسد:وهنا نقول وباختصار, ” كن دائما موجودا ” كن متواجدا بكل كيانك فإن العامل المجتهد إذا ما رآك دائما بجواره وحوله تحوطه بنظرتك وتشجعه بلسانك وتمد له اليد بالعون والتشجيع وأنت معه غير بعيد عنه فلا ريب ان أدائه سيكون أفضل .
ونحن معشر المسلمين , لنا في رسولنا الكريم (صلى الله عليه وسلم ) خير أسوة ومثال, فهو المعلم والمرشد والقائد لنا في كل مجالات حياتنا, فهو من أعطانا ابهر صور التحفيز والتشجيع. فمن منا لم يتمنى ان يكون مكان سيدنا سعد بن أبي وقاص (رضي الله عنه) عندما دعا له رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قائلا ” إرم سعد, فداك أبي وأمي ” يا لها من كلمات تجعل المرء يقدم اعز ما لديه واغلي ما عنده, الا وهي الروح. وها هو في موقف أخر (صلى الله عليه وسلم) يسمع من احد أصحابه انه يحب أخاه في الله فيقول له “هلا أخبرته انك تحبه” فهو يشجعه على الذهاب لأخيه وإخباره بأنه يحبه في الله . وأما كلمته المشهورة لآل ياسر “صبرا آل ياسر, ان موعدكم الجنة” فأنها كلمات قلائل ولكنها تجعل سامعها يتحمل كل أنواع وصنوف العذاب الذي يلاقيه ما دام ها هو رسول الله يبشره بالجنة. ولم يكن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في يوم أبدا بعيدا عن أصحابه, بل هو معهم دائما , متواجدا بكل كيانه بل ويمد يده للعمل قبلهم مشجعا إياهم على العمل والبذل والتضحية, فها هو يوم حفر الخندق يعمل معهم ويحمل التراب ويضرب بالمعول , ليس هذا فقط , بل ان الصحابة الكرام يستدعونه (صلى الله عليه وسلم) ليقوم هو بالتعامل مع الصخرة الصماء الشديدة التي قابلتهم .وها هو يشجع صهيبا الرومي عندما أتاه مهاجرا وترك لآل قريش كل ما يملك , فإذا برسول الله صلى الله عليه وسلم يقول له “ربح البيع أبا يحيى “. هكذا كان رسول الله مشجعا ومحفزا لأصحابه, معطيا الدروس والعبر لمن يأتي بعده على مر الأزمان والعصور.
وأختم فأقول, نحن كلنا بحاجة للدعم والتحفيز والتشجيع, وكما ذكرت بلا إفراط ولا تفريط, أبناؤنا يحتاجون للتشجيع من إبائهم, طلابنا يحتاجون للتشجيع من معلميهم, عاملينا ومرؤوسينا يحتاجون للتشجيع من رؤسائهم, والقادة والرؤساء يحتاجون للتشجيع من شعوبهم ومن يعملون تحت قيادتهم. نحن لا نشجع فلانا أو فلانا لأنه قريبا لنا أو لأنه منتسب ألينا, ولكننا قوم الإخلاص في القول والعمل. فمن يستحق التشجيع, لأنه يعمل لمصلحة البلاد والعباد ويعمل لإعلاء كلمة الله فهو أهل لأن تكون له كلمتنا ودعائنا ويدنا وأرجلنا وأجسادنا مشجعين له ومحفزين له على الاستمرار.