يلعب التلفزيون دورًا مهمًا في بث العنف في مجتمعاتنا حيث يتعرض الأطفال إلى كم هائل من الرسائل العنيفة عبر وسائل الإعلام سواء عن طريق الأفلام أو الإعلانات أو ألعاب الفيديو، فضلًا عن الأحداث السياسية الراهنة التي
أصبحت تستحوذ على اهتمامنا وانتباهنا، وتكاد تحاصرنا في كل مكان نذهب إليه، حتى أصبحت القنوات التلفزيونية والفضائية تتنافس في عرض الكثير من مشاهد العنف من قتل وحرق وتخريب، وربما يسبب ذلك توتر المشاهدون وخاصة الأطفال الذين يقضون وقتًا طويلاً أمام شاشة التلفزيون مما يكسبهم سلوكًا عدوانيًا يزيد من دائرة العنف التي يعيشها الأطفال.
وأكدت أبحاث عديدة أن مشاهد العنف التي تعرضها وسائل الإعلام تحمل تأثيراً سلبياً على صحة الطفل النفسية، فقد تنتج ميلاً إلى السلوك العدواني في مرحلة النضج ما يجعله أقل تعاطفاً مع معاناة الآخرين، وكذلك قد تسبب الخوف والهلع من المجتمع والبيئة التي يعيش فيها، ما يجعله يفقد الشعور بالأمان والذي يعتبر من أهم الاحتياجات النفسية في مرحلة الطفولة التي تعتبر مرحلة مهمة تكتسب خلالها العادات السلوكية والاجتماعية وتؤثر أثرًا كبيرًا في شخصيته مستقبلًا.
وقد أظهرت دراسات أن مشاهدة الأطفال التلفزيون من دون رقابة تسبب تدني حساسيتهم ضد مشاهد العنف، فيصبح الأطفال غير قادرين على التمييز بين العنف الحقيقي والعنف الافتراضي على شاشة التلفزيون، وقد تتحول الفظائع والعنف الحقيقي الذي يحدث في العالم ويشاهدونه في الأخبار إلى أشياء عادية كما هي في أفلام الحركة، فيعتاد عليها ويتقبلها بدلا من رفضها وإدانتها، كما أن الإفراط في مشاهدة العنف التلفزيوني يؤدي إلى أن يصبح الأطفال أكثر عدوانية مع رفاقهم في الملعب، ومع معلميهم، ومع الأهل، ويتضح هذا بشكل كبير عندما يدخلون سن المراهقة، ففي دراسة لمعرفة تأثير مشاهد العنف على الأطفال، أخذت مجموعتان من الأطفال، وتم عرض فيديو للمجموعة الأولى يظهر طفلا يضرب دمية ويتعامل معها بخشونة، وعرض فيديو للمجموعة الثانية يظهر طفلة دعت الدمية إلى حفلة شاي، وبعد ذلك وضعوا مجموعة الأطفال الأولى مع نفس اللعبة التي ظهرت في الفيديو، فبدأ الأطفال بالتعامل معها بعنف، أما المجموعة الثانية فلعبت مع اللعبة بهدوء، وهذا يظهر مدى تأثير التلفزيون على الأطفال سلبًا وإيجابًا.
سلوكيات عدوانية
وقد حذرت الدكتورة بتول خليفة الأستاذ المشارك في قسم العلوم النفسية بكلية التربية بجامعة قطر، من تأثير مشاهد العنف التي يشاهدها الأطفال في وسائل الإعلام، خاصة في تغطية الأحداث السياسية، مشيرة إلى أن تكرار مشاهد العنف عشرات المرات في القنوات التليفزيونية تؤدي إلى حدوث نوع من التعود على العنف، والإصابة بالتبلد في أحيان كثيرة، لافتة إلى أن كثرة متابعة الأحداث بالنسبة للأطفال ينجم عنه سلوكيات خاطئة عديدة منها سلوكيات عدوانية، الخوف من المستقبل، العزلة الاجتماعية فضلا عن الإصابة ببعض الأمراض الجسمانية والنفسية، وأكدت على ضرورة منع الأطفال من مشاهدة مشاهد العنف، وعدم إقحامهم وتعريضهم الأطفال لها، مع محاولة شرح مشاهد العنف من جانب الآباء والتركيز على نبذها.
وأشارت خليفة إلى ضرورة وضع إشارة عند عرض أي فيلم إخباري لينتبه الأهل إلى أن المشاهد هي لمن هم فوق 15 سنة، موضحة أن العقل الباطن يسجل أكثر من العقل الواقعي ويمكنه الاحتفاظ بالصور لسنوات وسنوات وعلى الأهل الانتباه لأولادهم، وعدم مشاهدة التلفزيون إلا تحت إشراف الوالدين وفي ساعات محددة، وبينت أن مشاهدة العنف لها جانب سلبي كبير على الأطفال حيث ينمي السلوك العدواني لديهم، وعند تكرار مثل هذه المشاهد تؤدي إلى تفكيك النفس من الداخل كما تسبب تحطيم النفس الإنسانية التي تشعر بالضعف والخوف من المستقبل وقلة الشعور بالأمان، ولكن عند تربية الأبناء وغرس القيم الإسلامية داخلهم مثل أطفال غزة وتعليمهم القيم والمعايير السليمة والإيمان بالله، ذلك يجعلهم قادرين على تخطي هذه التأثيرات السلبية، موضحة أن مشاهدة الأطفال التلفزيون وتعرضهم لمشاهد عنف كثيرة يصبحون أكثر عنفا وأكثر إساءة وكل أعمالهم تتسم بالعدوانية والدموية في بعض الأحيان، وأضافت خليفة أعتقد أنه يوجد بعض القنوات التي تعطي تنبيهات أو تحذيرات قبل عرض مشاهد العنف حتى ينتبه الوالدان لذلك، لأن الأطفال لا يدركون معنى هذه الأحداث ومن الممكن تفسيرها بطريقة خاطئة وترجمتها على أرض الواقع، وليس معنى ذلك عدم تعرض الإنسان لمشاهد عنف لأنها تقويه وتعطيه قدرة أكبر على مواجهة المشاكل إذا ما تعرض لموقف مشابهة، ولكن ليس بصورة مستمرة.
الإصابة بالتبلد
ويرى الناقد والكاتب الدكتور حسن رشيد أن تأثير مشاهد العنف على الأطفال في الأجيال السابقة أكثر تأثيرا منه في الأجيال الحالية التي أصبحت تتعامل مع الأجهزة الذكية والموبايلات منذ نعومة أظفارها،