عتبر ظاهرة التغير في الأسعار أهم المشاكل التي كانت ولا زالت تشغل اهتمام البحث المحاسبي ومن المعروف أنه ليس هناك حتى الأن مبدأ علمي متفق عليه ولا حتى موقف مهني موحد لمواجهة هذه الظاهرة ويرجع ذلك إلى أن ظاهرة تغير الأسعار ظاهرة مركبة وذات جوانب وتأثيرات متعددة ، فمن حيث المصدر أو السبب فإنه يمكن ارجاع التغير في سعر أي أصل من الأصول إلى سبب أو أكثر من الأسباب الآتية :
1- التغير في السعر نتيجة التغير في سوق التعامل ويقصد به الأثر الناتج عن الانتقال من سوق الشراء إلى سوق البيع .
2- التغير في السعر نتيجة ما يتم اضافته من قيمة بمعرفة المنتج ويقصد به مقابل النشاط الذي يقوم به المنتج والذي يتمثل في منافع مضافة نتيجة تغيير الوقت أو الشكل أو المكان .
3- التغير في السعر نتيجة تغير الظروف البيئية المحيطة ( اقتصادية وغير اقتصادية ) ويقصد به تغير سعر الأصل في نفس السوق أي سوق عوامل الإنتاج أو سوق المنتجات والذي قد يأتي نتيجة اتجاهات تضخمية أو انكماشية عامة أو نتيجة تغيرات العرض والطلب في سق السلعة أو الخدمة .
ومن وجهة نظري أن النموذج المحاسبي المعاصر لا يعترف بأي من هذه التغيرات في حينها وإنما يرجع الاعتراف المحاسبي إلى أن يتم تبادل الأصل مع طرف خارجي أو لحين توفر قياسات موضوعية يمكن التحقق منها والتثبت من صحتها ، فقط حيئنذ يعترف النموذج المحاسبي بهذه التغيرات الثلاثة دفعة واحدة وبصورة مجملة .
ومن ناحية أخرى نجد أن دراسة ظاهرة التغير في الأسعار يمكن أن تكون على ثلاثة مستويات :
1- التغيرات في المستوى العام للأسعار
2- التغيرات في المستوى الخاص للأسعار
3- التغيرات في المستوى النسبي للأسعار
ويقصد بالتغير في المستوى العام الزيادة أو النقص في أسعار كل أو غالبية السلع والخدمات التي يتم تبادلها في المجتمع ككل وهنا نجد أن التغير في المستوى العام للأسعار يعني التغير في القوة الشرائية لوحدة النقد المستخدمة في التعامل ، فالزيادة في المستوى العام للأسعار تعني حالة من التضخم في الاقتصاد القومي من شأنها انخفاض القوة الشرائية لوحدة النقد أي انخفاض قيمة وحدة النقود ، أما انخفاض المستوى العام للأسعار فيعني حالة من الإنكماش ( الكساد ) في الاقتصاد القومي من شأنها زيادة القوة الشرائية لوحدة النقد أي زيادة قيمة وحدة النقود ، ويتم قياس التغير في المستوى العام للأسعار باستخدام الأرقام القياسية العامة فمن المعروف أن الرقم القياسي للأسعار يعكس التغير في أسعار السلع والخدمات التي يتم تبادلها في الأسواق على مستوى الاقتصاد القومي وذلك بين تاريخين مختلفين ، وهناك عدة أرقام قياسية عامة يمكن الاعتماد عليها لتحديد التغير في المستوى العام للأسعار مثل الرقم القياسي لأسعار الجملة أو الرقم القياسي لنفقة المعيشة .
أما بالنسبة للتغير في المستوى الخاص للأسعار فيقصد به التغير الذي يلحق سعر سلعة أو خدمة معينة ومحددة من السلع والخدمات بصفة خاصة وفي سوق معينة بذاتها ويلاحظ أن التغير في مستوى الأسعار الخاص قد يكون متفقاً مع التغير في المستوى العام وبدرجات كما قد يكون في اتجاه معاكس تماماً لهذه الاتجاه العام ولذلك يجب التنبيه إلى أن دراسة التغير في مستوى الأسعار الخاصة هي في حقيقة الأمر دراسة للتغير في قيمة السلع والخدمات وليست دراسة للتغير في القوة الشرائية للنقود ويتم قياس التغير في المستوى الخاص للأسعار باستخدام الأرقام القياسية الخاصة وهناك عدد من الأرقام القياسية الخاصة توفرها الجهات الحكومية وغيرها على مستوى الصناعات أو مجموعات متجانسة مع السلع والخدمات مثل : العقارات ، السلع الاستهلاكية المعمرة ، المنتجات الثقيلة ، السيارات ، الحديد والصلب وهكذا مثل هذه الأرقام القياسية الخاصة يمكن الاعتماد عليها كأساس موضوعي لقياس التغير في القيمة .
ويأتي التغير في المستوى الخاص للأسعار نتيجة نوعين من التغيرات :
1- التغير في المستوى العام للأسعار وهو كما وضحت يمثل تغير صوري أو وهمي ناتج عن التغير في القوة الشرائية للنقود .
2- التغير في المستوى النسبي للأسعار أي التغير في سعر الأصل بالنسبة لأسعار الأصول الأخرى وهو بهذا يمثل تغيرات حقيقية في القيمة .
وهكذا فإن التغير النسبي في الأسعار يوضح لنا إلى أي حد كانت التغيرات في الأسعار الخاصة متمشية مع التغير في المستوى العام وعليه فإن التغير في المستوى النسبي للأسعار عبارة عن التغير في المستوى الخاص بعد استبعاد أثر التغير في المستوى العام .
ويلاحظ هنا أن نموذج التكلفة التاريخية لا يأخذ في الإعتبار أي من هذه التغيرات في حينها وإنما يؤجل الاعتراف بها إلى أن يتم احتسابها دفعة واحدة وبصورة إجمالية عندما يتوفر دليل اثبات موضوعي قابل للتحقق وبناء على ذلك يمكن القول أن التطوير المحاسبي في هذا المجال يتحدد في أحد الاتجاهات التالية :
أولاً : الاعتراف بالتغيرات في المستوى العام للأسعار وبالتالي اسقاط فرض ثبات القوة الشرائية للنقود وهنا يتم تعديل القوائم المالية التاريخية باستخدام وحدة نقد موحدة القيمة وهذا الاتجاه لا يعتبر خروجاً عن نموذج التكلفة التاريخية المعدلة أو نموذج القوة الشرائية .
ثانياً : الاعتراف بالتغيرات في المستوى الخاص للأسعار وبالتالي الخروج عن مبدأ التحقق المحاسبي في صورته التقليدية ويكون تطبيق هذا الإتجاه عن طريق استخدام أحد نماذج القيمة الجارية كأساس لإعداد قوائم مالية مكملة لتلك التي يتم إعدادها وفقاً لنموذج التكلفة التاريخية ، وكما أن الأخذ بالقيم الجارية يترتب عليه الفصل بين دخل النشاط الجاري وبين مكاسب أو خسائر الحيازة للأصول غير النقدية وأن تطبيق ذلك يكون عن طريق اي من النموذجين الآتيين :
* نموذج القيمة البيعية حيث تستخدم اسعار البيع الجارية .
* نموذج التكلفة الاستبدالية حيث تستخدم أسعار الشراء الجارية .
ثالثاً : الاعتراف بالتغيرات في المستوى النسبي للأسعار وهو ما يتطلب تطبيق كل من الاتجاهين السابقين في نفس الوقت ويتم ذلك عن طريق تعديل أرقام القيم الجارية بأثر التغير في القوة الشرائية للنقود ويعرف هذا الإتجاه بالمحاسبة عن القيم الجارية بوحدات قياس ذات قوة شرائية موحدة ، وطبقاً لهذا الإتجاه يتم الافصاح في القوائم المالية عن كل من :
أ- مكاسب وخسائر القوة الشرائية بالنسبة للعناصر النقدية .
ب – مكاسب وخسائر الحياز بالنسبة للأصول غير النقدية مبوبة إلى حيازة حقيقية و حيازة وهمية .
وهكذا نجد أن الاتجاهات الثلاثة السابقة تختلف فيما بينها حول مدى معالجة أخطاء النموذج المحاسبي التقليدي والذي يترتب عليه نوعين من الأخطاء المحاسبية :
* أخطاء في القياس وتنتج عن تجاهل التغير في القوة الشرائية للنقود .
* أخطاء في التوقيت وتنتج عن تأجيل الإعتراف بالتغيرات في القيمة حتى يتوافر الدليل الموضوعي على ذلك .
ويمثل الاتجاه الأول والثاني خطوات على الطريق الصحيح نحو تطوير النموذج المحاسبي فالاتجاه الأول يجنبنا أخطاء القياس دون أخطاء التوقيت في حين أن الاتجاه الثاني يجنبنا أخطاء التوقيت دون أخطاء القياس أما الاتجاه الثالث يجنبنا كل من أخطاء القياس والتوقيت وهو بهذا يعتبر أكثر شمولاً من حيث تغطيته لظاهرة التغير في الأسعار .