ذات صلة

جمع

سعر الذهب اليوم فى مصر يستقر بمنتصف تداولات اليوم بعد انخفاض محدود

سجلت أسعار الذهب في السوق المصري هبوطا خلال تعاملات...

مكاسب أسبوعية لأسعار النفط بالأسواق العالمية.. 4.9% لخام برنت

سجلت أسعار النفط بالأسواق العالمية مكاسب أسبوعية، إذ ارتفع...

سعر الدولار اليوم الأحد 20-4-2025 أمام الجنيه المصرى

سجل سعر الدولار اليوم الأحد 20-4-2025 أمام الجنيه المصري...

سعر السبيكة الذهب فى مصر اليوم 20 أبريل 2025

بلغ سعر السبيكة الذهب وزن 1جرام 5469 جنيها دون...

انخفاض أسعار الدواجن اليوم الأحد بالأسواق (موقع رسمي)

انخفض متوسط أسعار الدواجن الحية خلال تعاملات اليوم الأحد،...

صناعة القيم

السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

حِينَ خَلَقَ اللهُ الكَونَ اخْتَارَ الإِنْسَانَ مِنْ بَيْنِ سَائِرِ المَخْلُوقَاتْ لِيَكُونَ سَيِّدَهُ، وَسَخَّر لَهُ كَافَّةَ المَخْلُوقَاتِ لِخِدْمَتِهِ، وَأَوْكَلَ إِلَيْهِ عِمَارَةَ هَذَا الكَونَ وَتَنْظِيمُهُ. قَالَ تَعَالى: ﴿هٌوَ أَنْشَأَكُم مِنَ الأَرْض واسْتَعْمَركُم فيها﴾ هود[61].
وَقَدْ أَودَعَ اللهُ سُبْحَانَهُ فِي بَنِي البَشَرِ مَجْمُوعَةً مِنَ الإِمْكَانَاتِ وَالصِّفَاتِ الّتِي تُخَوِّلُهُ لإِدَارَةِ هَذَا الكَونِ وَإِعْمَارِهِ وَالاسْتِفَادَةِ مِمَّا سَخَّرَهُ اللهُ لَه، فَجَعَلَ فِيْهِ العَقْلَ لِيُسَيِّر تِلْكَ الإِمْكَانَاتِ وَيُسَخِّرَهَا لأَدَاءِ هَذِهِ الوَظِيْفَةِ كَمَا يُرِيدُ اللهُ عَزَّ وَجَل وَيُحِبُ، كَمَا جَعَلَ القِيَامَ بِتِلْكَ الوَظِيْفَةِ عَلَى الوَجْهِ الأَكْمَلِ خَاضِعَاً لِصِحَّةِ الاِعْتِقَاد وَإِخْلاصِ التّوحِيدِ لَهُ عَزَّ وَجَل.
عَنِ النُّعْمَانِ بِن بَشِير رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا قَال: سَمِعتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّم يَقُول: “إِنَّ الحَلالَ بَيِّنٌ وَإِنَّ الحَرامَ بَيِّنٌ وَبَينَهُمَا أُمُورٌ مُشْتَبِهَات…” إلى أَنْ قَال: “أَلا وَإِنَّ فِي الجَسَدِ مُضْغَةٌ إِذَا صَلُحَت صَلُحَ الجَسَدُ كُلُّه وَإِذَا فَسَدَت فَسَدَ الجَسَد كُله، أَلا وَهِيَ القَلْب” رواه البخاري ومسلم.
يَقُول الحَافِظُ ابنُ رَجَبٍ الحَنبَلِي فِي شَرحِ هَذَا الجُزء مِن الحَدِيث: “فِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ صَلاحَ حَرَكَاتِ العَبْد بِجَوارِحِهِ وَاجْتِنَابِهِ لِلْمُحَرَّمَات وَاتِّقَائِهِ لِلشُّبُهَات بِحَسبِ صَلاحِ حَرَكَةِ قَلبِه، فَإِنْ كَانَ قَلبُهُ سَلِيماً لَيسَ فِيهِ إِلا مَحَبَّةُ الله، وَمَحَبَّةُ مَا يُحِبُّهُ الله وَخَشيَةُ الله وَخشيَةُ الوُقُوعَ فِيمَا يَكْرَهُه، صَلَحَت حَرَكَاتُ الجَوارِح كُلها، وَنَشَأَ عَن ذلِكَ اجْتِنَابِ المُحَرَّمَاتِ كُلِّها، وَتَوَقِّي الشُّبُهَاتِ حَذَرَاً مِنَ الوقوعِ فِي المُحَرَّمَاتِ، وَإِنْ كَانَ القَلْبُ فَاسِدَاً قَد اسْتَولَى عَلَيهِ اتِّبَاعُ الهَوَى وَطَلَبُ مَا يُحِبُّه، وَلَو كَرِهَهُ الله، فَسَدَت حَرَكَاتُ الجَوارِح كُلِّها، وانْبَعَثَتْ إِلَى كُلِّ المَعَاصِي وَالشُّبُهَات بِحَسْبِ اتِّبَاعِ هَوَى القَلب”. انتهى.
إِنَّ صَلاحَ القَلب وَفَسَادَهُ مَرَدّهُ إِلَى مَا يَعتَقِدُهُ الإِنْسَانُ وَيُؤْمِنُ بِه، فَإِذَا كَانَ مُوَافِقَاً لِعَقِيدَةِ التَّوحِيدِ فَإِنَّ العَقْلَ يَسْتَخْدِمُ تِلْكَ الإِمْكَانَات فِيمَا يُسْعِدُ صَاحِبَهُ فِي الدُّنيَا وَالآخِرَة، وَتَنعَكِسُ آثَارُ ذَلكَ عَلى المُجْتَمَعَاتِ أَيضَاً، وَإِنْ كَانَ مَا يُؤمِنُ بِهِ فَاسِدَاً مُخَالِفاً لِعَقِيدَةِ التَّوحِيد مُتَجَاوِزَاً حُدُودَ الإِنْسَانِيَّةِ فَإِنَّ العَقلَ يَسْتَنْفِذ طَاقَتَهُ فِيمَا يَكُونُ وَبَالاً عَلَى صَاحِبِه وَيَجُرُّ عَليه الويْلاتِ والثُّبور، فَبَدَلاً مِنْ كَونِه مَصْدَرَ هَنَاءٍ وَسَعَادَةٍ، يُصْبِحُ مَصْدَرَ تَعَاسَةٍ وَهَلاكٍ، وَيُصْبِحُ صَاحِبَ العَقْلِ كَمَن لا عَقلَ لَه. قَال تَعَالَى فِي شَأْنِ مَنْ فَسَدَت عَقَائِدُهُم: ﴿وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلهُمْ أَعْيُنٌ لايُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْل‍‌ئِكََ كَاٌلأَنْعامِ بَلْ هُمْ أضَلُّ أولئكَ هُمُ الغافِلُونَ ﴾ سورة الأعراف [179].
أَمَّا الإِنْسَانُ الذِي بَاشَرَ التَّوحِيدُ الخَالِصِ قَلْبَهُ وَهَذَّبَت العَقِيدَةُ الصَّحِيحَةُ عَقْلَه، فَإِنَّ هِمَّتَهُ تَعلُو لاخْتِيَارِ الاتِّجَاه الصَّحِيح الذِي يُحِبُّهُ اللهُ وَيَرضَاه وَيُربِّي نَفْسَهُ عَلى فَضَائِلِ الأُمُور التِي تَسْتَقِيمُ مَعَهَا حَيَاتُهُ وَحَيَاةُ مَن حَولَه..
وَكَمَا أَنَّ صَلاحَ تِلْكَ المُضْغَةِ _ القلب _ بِمَا تُؤْمِنُ بِه وَتَعْتَقِدُه، فَإِنَّ صَلاحَ الأُسَر وَالمُجْتَمَعَات بِصَلاحِ قَائِدِهَا كُلٌّ بِحَسْبِ مَكَانِه.. عن عبدالله بن عمر رضي الله عنه قال:قَال صَلى الله عليه وسلم: ” ألا كُلُّكُم رَاعٍ وَكُلُّكُم مَسؤولٌ عَن رَعِيَّتِه….الحديث”. رواه البخاري في صحيحه.
ويَبدُو أَنَّ أَمِيرَ المُؤمنِين عُمَر بن عَبْدالعَزِيز أَدْرَكَ ذَلِكَ جَيِّدَاً، فَكَانَ مِنهُ العَدْلُ وَالبَذلُ وَالأَمَانَةُ، فَسَادَت فِي مُجتَمَعِه قِيَمُ الأَمنِ، والعَطَاء، وَغِنَى النَّفس وغير ذلك..
إِنَّ الأُسَر وَالمُجتَمَعَات التِي تَعِي ذَلِكَ المَعنَى تُجَاهِدُ نَفسَهَا فِي سَبِيلِ تَحقِيق الغَايَاتِ الكُبرَى للوجُودِ الإِنْسَانِيِّ، وَلا تَفْتَأُ تُرَاجِعُ قِيَمَهَا بَينَ الفَيْنَةِ وَالأُخرَى وَتَقِفُ عَلى أَسْبَابِ انْحِلالِ القِيَم، وهم مُدْرِكون تماماً أنَّ إخْلاصَ نِيَّاتِهِم لله وَرَغْبَتهم فِيمَا عِندهُ أَهَمُّ أَسبَابِ ثَبَاتِهِم عَلى قِيَمِهِم السَّامِية، فَهُم حَرِيصُون على نَقَائهَا مِمَّا يُنَافِي الإِخلاصَ، يَقُولُ سُفْيَانُ الثَّورِي رَحِمَهُ الله: “ما عَالجتُ شيئاً أشَدُّ عَليَّ مِنْ نِيَّتِي، إِنَّها تتَقَلَّبُ عَلَيّ”.
وَالإِيجَابِيونَ مِنَ النَّاس لا يَكْفِيهِم صَلاحُ قُلوبِهِم وَمُعتقَداتِهِم، بَل تَعلُو هِمَمُهُم إِلى غَرسِ كُلِّ قِيمَةٍ أَلْقَت بِظِلالِهَا عَلى حَيَاتِهِم فِي نُفُوسِ مَن حَولَهُم مِمَّن يَفتَقِرُونَ إِلَيهَا وَهُم بِذَلِكَ يُجَسِّدُونَ قِيَمَاً نَبِيلَةً أُخْرَى.
لازِلتُ أَذكُرُ قِصَّةً قَرَأتُهَا قِيلَ أَنَّهَا حَدَثَت في بيْتِ الشَّيخِ ابن بَازٍ رَحِمَهُ اللهُ تَعالى وَأَكْرَمَ نُزُلَه، وخُلاصَتُها: أَنَّ وَافِدَاً سَطَا عَلَى مَنزِلِهِ لَيْلاً فَقُبِضَ عَلَيه، فَلَمَّا كَانَ الصَّبَاحُ سَأَلَ عَنهُ فَأُخْبِرَ بأَنَّهُ قَد سُجِنَ، فَطَلَبَ اسْتِدْعَاءَهُ لِمَنزِلِه؛ مُعَلِّلاً أَنَّهُ لَم يَسْرِق إِلا لِحَاجَتِه، فَلَمَّا أُحضِرَ أَطعَمَهُ، ثُمَّ سَأَلَهُ: مَا الذي حَمَلَكَ عَلى السَّرِقَة؟! فَقَال الرَّجُل: احتَجْتُ مَبلَغَ 7000 ريالٍ لِعِلاجِ وَالدَتِي المَرِيضَة، فَأَعطَاهُ الشَّيخُ أَكثَرَ مِمَّا احتَاجَهُ وَقَال: اجعَلهُ مَصرُوفَاً لَكَ فَترَة العِلاج، وَأَوصَاهُ بِتَركِ السَّرِقَةِ، سَافَرَ الرَّجُل لِعِلاجِ وَالِدَتِه فِي بَلَدِه وَبَعدَ عِدَّةِ أَشْهُر عَادَ هَذَا الرَّجُل وَأَعَادَ لَهُ مَبْلَغَاً تَبَقَّى مَعَهُ لَكِنَّ الشَيْخَ رَفَضَ وَقَال: هُوَ لَكَ.. طَلبَ الرَّجُل مِنَ الشّيخ أَنْ يَعمَلَ لَدَيهِ وَلَو خَادِمَاً لَهُ، فَوَافَقَ رَحِمَهُ الله وَبَقِيَ هَذَا الرَّجُل مُلازِمَاً لَهُ وَيَحضُرُ مَجَالِسَ العِلمِ عِنْدَهُ..
لقدْ زرعَ الشَّيْخُ ابنُ باز -رحمه الله- قِيْمَةَ الأَمَانَةِ ومُرَاقَبَة اللهِ في نَفْسِ هذا الرَّجُل، وَظَهَرَتْ فِيْ فِِعْل الشَّيْخِ قِيَمٌ أُخرى بدَت واضِحَةً لكُلِّ مَنْ قَرأَ القِصَّةَ، وما حملَ الشَّيْخُ ابنَ بَازٍ -رحمه الله- على ذلك إلا قيمٌ آمن بها وجَعَلَها فِيْ سُلَّمِ أولوياتِهِ وقُدوَتِه في ذلك رسولَ الله -صلى الله عليه وسلَّم-.
ومِنْ القِيَمِ الرائعةِ التي تجسَّدت في سلوكه مع هذا الرجل:
احساسِه بالمسؤولية تِجاه المُحتاجين.
الرحمةُ والتَّسامح.
التَّواضُع والإكرام.
العطاء والبذل ومُقابَلة الإسَاءَة بالإحسَانِ.
-تُرى.. لو فَعَلَ كُلُّ مَنْ سُرِق منْه مِثْلَ ذلك هلْ سَيَبْقَى بَيْنَنَا مَنْ يَسْرِق؟!-
وأنتَ أيُّها القَارِئ الكَرِيم..مَا قِيَمك؟
مَا مَكانَةُ القِيَمِ في حياتك؟
هَلْ قِيَمُكَ التِي تُؤْمِنُ بِها تَنْعَكِسُ إيجاباً عَلى حَيَاتِكَ وَحيَاةِ مَنْ حَوْلك؟!
وحَرِيٌ بِكَ أَيُّها المُبَارَكُ أن تُراجِع قِيَمَك التي تُؤْمِنُ بِهََا إِنْ كَانَت مِمّا يَرضَاهُ الله وَرَسوله أَمْ مِما يَرضَاهُ النَّاسُ ويرغبُه هَواكَ.

كتبته: ثـُرَيـَّا بنت محمد الوهيبي

المادة السابقة
المقالة القادمة