المحاسبة الاجتماعية
مقدمة :
يعيش أي مشروع في بيئة معقدة ومتشعبة تحيط به ( البيئة الطبيعة والاقتصادية والاجتماعية …الخ) وإن استمرار المشروع بإفتراض تعايشه مع الوسط المحيط به فهو يتأثر بهذا الوسط ويؤثر به فهو فهو يحتاج للمواد الخام والأيدي العاملة كذلك فإنه يقدم سلع وخدمات لأفراد المجمتع وأيضاً يمكن أن يؤدي نشاطه إلى تلويث البيئة وإحداث ضوضاء . وقد ظهرت في الآونة الأخيرة اتجاهات عديدة أثارت الاهتمام حول تفسير العلاقة بين المنشأة والمجمتع وتعكس في الوقت نفسه مطالب المجتمع بمختلف عناصره وقد تبلورت تلك الاتجاهات في شكل ضغوط على المنشأة فيما يتعلق بمسؤولياتها تجاه المجتمع فأصبحت الإدارة مسؤولة ليس فقط عن الكفاية الاقتصادية لأنشطة المنشأة ولكن أيضاً عما يجب أن تؤديه المنشأة الحجم المتزايد من المشاكل الاجتماعية الناتجة في أي مجتمع. والاهتمام بهذا الموضوع جاء استجابة لتطور النظرة نحو المنشأة انطلاقاً من اعتبارها كائناً يهتم أساساً بالنشاط الاقتصادي إلى إعتبارها ذات مسؤولية اجتماعية ناتجة عن ذلك النشاط وهذا ما يتطلب تطويراً أعمق وتحديد أشمل لدور المنشأة في المجمتع وأيضاً تعيين أهداف ومفاهيم جديدة للمحاسبة.
نشأة اللمحاسبة الاجتماعية وتطورها :
لقد مر الفكر المحاسبي خلال تطوره بمراحل متعددة وتعتبر المحاسبة الاجتماعية أحدث مراحل التطور المحاسبي نشأت هذه المحاسبة نتيجة زيادة حجم وقدرات الوحدات المحاسبية لاسيما الشركات المساهمة والذي أدى إلى زيادة الاهتمام بالمسؤولية الاجتماعية للمشروع من قبل مجموعات مختلفة ( أصحاب المشروع العملاء المستثمرين ـ الجهات الحكومية المختلفة ) وزيادة اهتمام إدارة المشروع ومتخذي القرارات والجهات الحكومية بقيام المشروع بالأنشطة الاجتماعية المنوطة به وما يفرضه ذلك عليه من أعباء إضافية
وإذا تتبعنا تطور المحاسبة الاجتماعية نجد أنها مرت عبر مراحل ثلاث :
المرحلة الأولى : تتحدد فيها مسؤولية المنشأة في توجيه الموارد المتاحة بما يحقق زيادة في الأرباح مع الالتزام بالقيم والقواعد السائدة في المجتمع.
المرحلة الثانية : تتحمل فيها المنشأة نوعين من المسؤولية :
1 ـ مسؤولية اجتماعية : تتمثل في المساهمة في تحقيق الرفاه الاجتماعي والحد من الآثار السلبية لنشاط المنشأة .
2 ـ مسؤولية خاصة : تتجلى في تحقيق أرباح لأصحاب المنشأة.
وبالتالي شكلت المسؤولية الاجتماعية الملقاة على عاتق المنشأة قيداً على تعظيم الأرباح حيث أن هذه المسؤولية تقتضي قيام المشروع بأنشطة إلزامية لمراعاة تأثير نشاط المنشأة على المجمتع وإشباع بعض الحاجات الاجتماعية التي تستلزمها القوانيين والسياسات العامة والأعراف الاجتماعية السائدة.
المرحلة الثالثة : ينظر فيها إلى المنشأة على أنها نظام فرعي اجتماعي داخل نظام اجتماعي اكبر وأنه يجب على إدارة المنشأة أن تحافظ على التوازن مه هذا النظام وذلك تحقيقاً لأغراض النمو والبقاء أي أن المصلحة الذاتية للمنشأة مرتبطة ارتباطاً قوياً بتحقيق الرفاه الاجتماعي العام.
فلم يعد هدف النشاط الاقتصادي هو تعظيم الربح وإنما أصبح هو تحقيق مستوى مرضي ومناسب من الربح بحيث يتماشى مع مدى معين من الأهداف الاجتماعية ويحقق توافقاً بين اهتمامات الفئات ذات المصالح المختلفة ( مطالبة العاملين بزيادة الأجر ومطالبة المساهمين بتوزيعات أعلى للأرباح مطالبة العملاء بسعر منخفض وجودة أعلى ).
وقد أصبح من المتعارف عليه في الوقت الحالي إن المسؤولية الاجتماعية تعني القيام بأنشطة إلزامية أو إدارية تستهدف الحد من النتائج السلبية لنشاط المشروع والمساهمة أيضاً بحل المشاكل الخاصة بالمجتمع الذي يعمل المشروع ضمنه.
ويمكن القول أن ظهور المحاسبة الاجتماعية قد أثارقضيتين هامتين :
أولاً : التوسع في القياس المحاسبي :
حيث تنامى الاهتمام بالقياس المحاسبي ليس لديه للأداء الاقتصادي المالي للأحداث والظروف والعمليات التي تحدث داخل الوحدة المحاسبية وإنما إلى قياس تلك الأحداث التي تحدث خارج الوحدة المحاسبية لأجل قياس الأداء الاجتماعي وهذا ما دعا جهات عديدة بالإضافة إلى المالكين والمديرين ومنها جهات حكومية واجتماعية إلى الاهتمام بالمعلومات المحاسبية للحفاظ على صحة الإنسان ومكافحة المشاكل والأضرار الاجتماعية ( تلوث البيئة مثلاً ) وتحقيق الأمن والسلامة المهنية وهذا ما تجعالجه المحاسبة الاجتماعية وبالتالي أصبح القياس المحاسبي يشمل الآثار الخارجية لتصرفات المنشأة وتمثلت هذه الآثار بما يعرف بالتكلفة الاجتماعية والعائد الاجتماعي .
ثانياً : التوسع في الإفصاح المحاسبي :
بحيث لا يشمل احتياجات المستثمرين والدائنين فحسب وإنما احتياجات المجتمع ككل وبالتالي نجد أن المحاسبة عن المسؤولية الاجتماعية تتطلب نموذجاً محاسبياً مبنياً على أساس من القيم الاجتماعية السائدة في الزمان والمكان وهذا يعد أيضاً اتجاهاً نفعياً لمهنة المحاسبة ولكن من وجهة نظر أشمل من تلك التي اعتبرت المحاسبة نظاماً للمعلومات المحاسبية للمنشأة فطبقاً لهذا الاتجاه يتم تفضيل بديل محاسبي من الفئات المستخدمة للتقارير.
أهمية المحاسبةالاجتماعية :
ازدادت أهمية المحاسبة الاجتماعية نتيجة العديد من العوامل ومن أبرزها :
1 ـ تزايد الاعتراف بالمسؤولية الاجتماعية للمنشآت الاقتصادية : حيث كانت مسؤولية المنشآت تتمثل بتحقيق الربح والذي يعد من المعيار الشامل لتقييم الأداء . وهذا منطقي لأن الوحدة لن تستمر دون تحقيق أرباح إلا أن الظروف الاجتماعية والبئية المحيطة كظهور التفاوت الكبير في الدخول وتلوث البيئة نتيجة مزاولة المنشاة لنشاطها قد أثر في مكانة هذا الهدف فلم تعد الأرباح المحققة تستخدم كمعيار شامل لتقييم الأداء بل يتعين على المحاسب القيام بتحليل شامل للأثر الاجتماعي للمنشآت وتوفير البيانات الملائمة عن التكاليف والمنافع الاجتماعية وكيفية توزيع تلك المنافع على المجتمع.
2 ـ المطالبة المتزايدة من قبل بعض الدول والهيئات والجمعيات المحاسبية للمنشأت الاقتصادية بالإفصاح عن البيانات التي لها مضمون اجتماعي لاسيما بعد التطور الكبير في المجال الصناعي وزيادة التلوث لبيئة محيطة بالمشاريع مما تطلب ضرورة الإفصاح عن هذا الأداء لمعرفة مدى قيام المنشأة بمسؤولياتها الاجتماعية.
3 ـ توجه المشاريع إلى أخذ التكاليف الاجتماعية بعين الاعتبار عند تحديد التكلفة الفعلية لأنشطتها فعلى الرغم من تجاهل التكاليف الاجتماعية كعنصر من عناصر التكاليف الاجتماعية في تحديد التكلفة الحقيقية لتسلط المنشأة.
ومنها :
أ ـ إقتراح الرئيس الأمريكي نيكسون عام 1970 أن سعر المنتج يجب ان يشتمل على كل من تكلفة الإنتاج وتكلفة التخلص من النفايات دون إحداث ضرر في البيئة.
ب ـ أوضح مدير مجلس الأولويات الاقتصادية في الولايات المتحدة الأمريكية بأنه يسعى إلى جعل المسؤولية الاجتماعية للمشروعات تستخدم كمعيار لقياس وتقييم النشطة المختلفة للمشروع محل الدراسة مع ضرورة عرض النتائج التي يتم التوص لها على المجتمع.
ج ـ الانتقادات التي وجهت لنظام المحاسبة التقليدي وذلك من حيث مقابلة الإيرادات بالتكاليف اللازمة لتحقيقها ودون الآخذ بعين الاعتبار التكاليف الاجتماعية مما يؤدي إلى جعل القوائم المالية لا تلائم الواقع.
وبالتالي لا يمكن الاعتماد عليها في تحديد وعاء الضريبة والأرباح القابلة للتوزيع مما تطلب تعديل هذه القوائم بحيث تشمل التكاليف الاجتماعية إضافة إلى التكاليف الإنتاجية وذلك من أجل الوصول إلى التكلفة الحقيقية لنشاط المشروع.
4 ـ التركيز على جانب التكاليف في مجال قياس الأداء الاجتماعي وإهمال المنافع الإجتماعية : حيث أن معظم الدرسات التي تناولت قياس التكاليف الاجتماعية للمنشآت قد أهملت موضوع المنافع الاجتماعية مما أدى إلى ارتفاع التكاليف الكلية للمنشآت التي تتحمل مسؤولياتها الاجتماعية . لذلك فإنه لابد عند دراسة الأداء بشكل غير ملائم عند مقارنتها مع مشروعات لا تتحمل مسؤوليتها الاجتماعية . لذلك فإنه لابد عند دراسة الأداء الاجتماعي من أن تأخذ بعين الاعتبار المنافع الاجتماعية التي تحققها المنشآت ومقارنتها مع التكاليف الاجتماعية الناتجة عن هذه المنشآت.
وهكذا عن هذه المنشآت .
وهكذا فإنه نتيجة زيادة الاهتمام بالمحاسبة الاجتماعية للمنشآت أصبح من الضروري أن يهتم المحاسب بتحليل شامل لقياس الأداء الاجتماعي لتلك المنشآت وإعداد التقارير والقوائم الإجتماعية بما يكفل إجراء عملية التقييم الشامل من جانب المجتمع لمستوى الأداء الاجتماعي الذي تحققه المنشآت.