قضية رقم 9 لسنة 17 قضائية المحكمة الدستورية العليا “دستورية”
جلسة 7/9/1996
حكمت المحكمة بعدم دستورية نص المادة 83 من قانون ضريبة الدمغة الصادر بالقانون رقم 111 لسنة 1980 وبسقوط مواده 84 و85 و86 و87 المرتبطة بها، وألزمت الحكومة المصروفات ومبلغ مائة جنيه مقابل أتعاب المحاماة
باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة فى يوم السبت 7 سبتمبر سنة 1996 الموافق 23 ربيع الآخر سنة 1417
برئاسة السيد المستشار الدكتور/ عوض محمد عوض المر رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين: فاروق عبدالرحيم غنيم وعبدالرحمن نصير وسامى فرج يوسف ومحمد على سيف الدين وعدلى محمود منصور ومحمد عبدالقادر عبدالله
وحضور السيد المستشار الدكتور/ حنفى على جبالى رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد/ حمدى أنور صابر أمين السر
أصدرت الحكم الآتى
فى القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 9 لسنة 17 قضائية “دستورية”
المقامة من
السيدة / نائب رئيس مجلس الإدارة والعضو المنتدب للشركة المصرية الأمريكية للبويات والدهانات
ضد
– السيد / رئيس الجمهورية
– السيد / رئيس مجلس الوزراء
– السيد / وزير المالية
” الإجراءات “
فى الخامس عشر من فبراير سنة 1995 أودعت الشركة المدعية قلم كتاب المحكمة صحيفة هذه الدعوى طالبة الحكم بعدم دستورية نصى المادتين (83، 86) من قانون ضريبة الدمغة الصادر بالقانون رقم 111 لسنة 1980.
قدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت فيها الحكم برفض الدعوى.
وبعد تحضير الدعوى أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها.
ونُظرت الدعوى على الوجه المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.
” المحكمة “
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
وحيث أن الوقائع على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق -تتحصل فى أن المدعية-الشركة الأمريكية للبويات والدهانات-كانت قد أقامت ضد المدعى عليه الثالث بصفته الرئيس الأعلى لمصلحة الضرائب، الدعوى رقم 103 لسنة 1992 ضرائب كلى شمال القاهرة، طعناً على قرار لجنة الطعن رقم 99لسنة 1990 بتحديد ضريبة الدمغة النسبية التى تلتزم بأدائها، وطلبت فى دعواها هذه الحكم بأحقيتها فى التمتع بإعفاء رأسمالها من الخضوع لهذه الضريبة لمدة عشر سنين من تاريخ تأسيسها، وعدم سريان تلك الضريبة على الزيادة فى رأس مالها بالتالى. إلاأن محكمة شمال القاهرة قضت برفض الدعوى، فطعنت الشركة على هذا الحكم بالاستئناف رقم 1482 لسنة 111 قضائية. وأثناء نظره دفعت بعدم دستورية نص المادة (83) من قانون ضريبة الدمغة النسبية الصادر بالقانون رقم 111 لسنة 1980. وإذ قدرت محكمة الموضوع جدية هذا الدفع، وصرحت برفع الدعوى الدستورية، فقد أقامت المدعية الدعوى الماثلة.
وحيث أن المدعية وإن ضمنت صحيفة دعواها الدستورية، الطعن بعدم دستورية المادتين (83، 86) من قانون ضريبة الدمغة، إلا أن من المقرر -وعلى ما استقر عليه قضاء هذه المحكمة -أن الدعوى الدستورية، ينحصر نطاقها فى النصوص القانونية التى دفع خصم أمام محكمة الموضوع بعدم دستوريتها، وفى حدود ترجيحها لمنطقية المطاعن الموجهة إليها، تقديراً بأن المسائل الدستورية التى أثارها هذا الدفع، هى التى قدر الحكم الصادرعنها جديتها، والتى اتصل بها تصريحها برفع الدعوى الدستورية. إذ كان ما تقدم، وكان هذا الدفع قد تعلق بنص المادة (83) من قانون ضريبة الدمغة دون غيرها، فإن الدعوى الدستورية لا تدور إلا حولها، ولا شأن لها بغيرها من النصوص القانونية التى تضمنها هذا القانون.
وحيث أن المادة (83) المطعون عليها، وإن ألغتها المادة الأولى من القانون رقم 115 لسنة 1995 اعتباراً من تاريخ العمل بها فى أول يناير 1996، إلا أن إلغاء المشرع لقاعدة قانونية بذاتها – وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة –لا يحول دون الطعن عليها بعدم الدستورية من قبل من طبقت عليه خلال فترة نفاذها – ومن بينهم المدعية – وترتبت بمقتضاها آثار قانونية بالنسبة إليه تتحقق بإبطالها مصلحته الشخصية المباشرة، ذلك أن الأصل فى القاعدة القانونية، هو سريانها على الوقائع التى تتم فى ظلها وحتى إلغائها، فإذا ألغيت هذه القاعدة، وحلت محلها قاعدة قانونية أخرى، فإن القاعدة الجديدة تسرى من الوقت المحدد لنفاذها، ويقف سريان القاعدة القديمة من تاريخ إلغائها، وبذلك يتحدد النطاق الزمنى لسريان كل من هاتين القاعدتين، فما نشأ مكتملاً فى ظل القاعدة القانونية القديمة من المراكز القانونية وجرت آثارها خلال فترة نفاذها، يظل خاضعاً لحكمها وحدها.
وحيث أن من المقرر -وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة- أنه لا يجوز الخلط بين الملتزم أصلاً بالضريبة، وبين من اعتبره المشرع مسئولاً عن توريدها، بل يتعين التمييز بينهما، فلا يكون الشخص ملتزماً أصلاً بها، إلا إذا توافرت بالنسبة إليه الواقعة التى أنشأتها، والتى يتمثل عنصراها فى المال المحمل بعبئها -والمتخذ وعاء لها- ثم وجود علاقة بين هذا المال وشخص معين، ليكون اجتماعهما معاً مُظهراً للالتزام بالضريبة من خلال تحديد المشرع لظروفها الموضوعية والشخصية. ولايكون الشخص مسئولاً عن الضريبة إلا إذا كان وفاؤه بها تابعاً للالتزام الأصلى بأدائها، ليبقى بوجوده ويزول بانقضائه، وشرط ذلك أن تكون علاقة المسئول عن الضريبة فى شأن المال المتخذ وعاء لها -وهو العنصر الموضوعى فى الضريبة- منتفية.
وحيث إنه إذ كان ما تقدم، وكانت الضريبة التى فرضتها المادة (83) المطعون عليها على الأوراق المالية والحصص والأنصبة التى حددتها، لا يتحمل بها أصلاً إلاأصحابها الذين يملكونها – على ما تنص عليه الفقرة الأولى من المادة (86) من قانون هذه الضريبة – إلا أن الفقرة الثانية من المادة (86) ذاتها، تقيم إلى جانبهم مسئولين عنها يلتزمون -فى الموعد المحدد بها- بتوريدها إلى مصلحة الضرائب ضماناً لتحصيلها، وتوقيا للتحايل عليها أو التخلص منها، وتأمينا لانتظام جبايتها وسرعتها، والتقليل من تكلفتها• متى كان ذلك، وكانت الشركات والهيئات التى صدرت عنها الأوراق المالية والحصص والأنصبة محل الضريبة، هى التى اعتبرتها الفقرة الثانية من المادة (86) من قانونها، مسئولة عن توريدها إلى الخزانة العامة؛ وكانت مسئوليتها هذه تدور وجودا وعدما مع وجود الضريبة ذاتها أو زوالها، فإن مصلحتها فى الطعن عليها بمقولة مجاوزتها الحدود التى رسمها الدستور للضريبة العامة، وأن عبئها يظل واقعاً فى ميزانيتها، مقتطعاً جانباً من مواردها، حائلا دون استثمارها فى وقت ملائم، ولو أمكنها بعد دفعها من الرجوع بها واقتضائها من الملتزمين أصلاً بها، تكون قائمة.
وحيث أن المادة (83) المطعون عليها -بعد تعديلها- تنص على مايأتى:
“تستحق ضريبة سنوية على السندات أياً كانت جهة إصدارها وجميع الأسهم والحصص والأنصبة الصادرة من الشركات المصرية سواء أكانت مساهمة أو توصية بالأسهم أو ذات مسئولية محدودة، وسواء مثلت تلك الأسهم والحصص والأنصبة والسندات فى صكوك أو لم تمثل، وسواء سلمت الصكوك إلى أصحابها أو لم تسلم وذلك على النحو التالى:
(أ) نسبية: ثمانية فى الألف من متوسط السعر خلال الستة أشهر السابقة على تاريخ استحقاق الضريبة، وذلك بالنسبة للأوراق المالية المقيدة والمتداولة فى البورصة.
(ب) نسبية: اثنا عشر فى الألف من القيمة الاسمية للأوراق غير المقيدة فى البورصة أو المقيدة بها، التى ترى مصلحة الضرائب أن العمليات التى تمت بشأنها فى البورصة من القلة بحيث لايمثل متوسط أسعارها القيمة الحقيقية لها.
(ج) نسبية: اثنا عشر فى الألف من قيمة رأس مال الشركات المساهمة وذات المسئولية المحدودة غير الممثل فى أسهم أو حصص أو أنصبة.
(د) نوعية: مائة وثمانون قرشاً بالنسبة لحصص التأسيس غير المقيدة فى البورصة أو المقيدة بها، التى ترى مصلحة الضرائب أن العمليات التى تمت بشأنها فى البورصة من القلة بحيث لايمثل متوسط أسعارها القيمة الحقيقية لها.
وتخفض الضريبة إلى النصف خلال السنتين الأوليين من تاريخ تأسيس الشركة”.
وحيث أن المادة (85) من قانون ضريبة الدمغة، تنص كذلك على أن تسرى الضريبة من تاريخ مزاولة الشركة عملها، أو من تاريخ صدور القرار المرخص فى تأسيسها، أو من تاريخ نشر المحرر الذى أسست بمقتضاه، أى هذه التواريخ أسبق.
وحيث أن المذكرة الإيضاحية التى صاغها مشروع هذه الضريبة، تدل على انصرافها إلى الأوراق المالية الصادرة عن شركات المساهمة، ما كان منها تابعا للقطاع العام أو الخاص، وكذلك إلى ما يصدر عنها من أسهم خلال السنة لمقابلة الزيادة فى رأسمالها، ولو لم تمثل أسهمها فى صكوك تدل عليها، وتعتبر سنداً مثبتاً لملكيتها، بل ولو لم يجر تسليمها لأصحابها، فضلاً عن أن ما نص عليه المشروع من استحقاق الضريبة من تاريخ مزاولة الشركة نشاطها، أو اعتباراً من تاريخ تأسيسها أيهما أسبق، مؤداه: أنها تستحق “قبل أن تولد الشركة “قانوناً” فلا يكون القول بضرورة تمثيل الأسهم فى صكوك تم تسليمها لأصحابها، إلا لغوا.
وحيث أن البين من مضبطة الجلسة الثامنة والخمسين المعقودة فى 13/3/1995 والتى ناقش مجلس الشعب فيها، مشروع إلغاء نص المادة (83) التى كان قد فرض بها ضريبة الدمغة النسبية على الأوراق المالية، أن الضرائب بوجه عام ينبغى ألا تكون مجرد الجباية هدفها، بل يتعين ألا تعوق الاستثمار، وأن تكون حافزا للادخار، كافلة للعدالة الاجتماعية، فلا تكون عبئا غير مقبول، ولا تخالطها عشوائية تفقدها مبرراتها، وأن إلغاءها – وعلى رأسها ضريبة الدمغة النسبية على رأس المال – كان مطلباً ثابتا للجنة الخطة والموازنة بمجلس الشعب، لاسيما وقد اعتبر المشرع الشركة أو الهيئة التى صدرت عنها الأوراق المالية، مسئولة عن توريد هذه الضريبة،رغم إلتزام أصحابها أصلاً بها، ودون ما اعتداد بما إذا كان نشاطها قد حقق ربحا أم آل إلى خسارتها. وقد أقر رئيس الجمهورية وجهة النظر التى تدعو لإلغائها، وقرر وزير المالية فى بيانه أمام المجلس، أنها تفرض على رأس المال المصدر – لا المدفوع – وأنها تحصل فى بداية كل سنة من المسئولين عن توريدها، سواء بدأ العمل فى شركاتهم أو لم يبدأ، وأيا كان ناتج نشاطها. وحين سئل عن كيفية تعويض حصيلتها إذا ما تقرر إلغاؤها، أفاد بأن فرص الاستثمار ودعمها وتشجيعها، هى التى تكفل التعويض المرجو، بالنظر إلى العمالة الأكبر التى توفرها، والقاعدة الإنتاجية الأعرض التى تقيمها، والتى ينمو الدخل فى ظلها، وينكمش معها التضخم، ويزداد الممولون وعياً وعدداً.
وحيث أن المدعية وآخرين ممن أدانو الضريبة محل النزاع الماثل، أقاموا مناعيهم فى شأنها على سند من أن الأصل فى الضريبة، أن يكون محلها إيراداً دورياً منتظماً، وهو ما يعنى أن يكون وعاؤها دخلاً مطرداً متجدداً، وأن يظل وعاؤها قائما، فإذا زال بعد وجوده، أو كان غير محقق الوجود، أو كان استمرار تطبيقها مفضيا إلى تآكله، كان فرضها منافيا للدستور. وإذا جاز أن يكون رأس المال محلا للضريبة ليقع عليه عبؤها، فذلك فى الظروف الاستثنائية، ولمرة واحدة. والضريبة المطعون عليها وإن كان ظاهرها لينا، إلا أن حقيقتها استنفاد لوعائها إذا استطال زمنها، فقد فرضها المشرع أصلاً وابتداء على من يملكون أوراقا مالية أو حصصا أو أنصبة، ليؤديها هؤلاء من وعائها ممثلا فى قيمتها، وهو مايعنى حَمْلهم على اقتطاعها منه بغير حكم قضائى، وانصرافا عن مفهوم الادخار الذى اعتبر الدستور حمايته، والحض عليه، واجباً وطنيا، وتخليا عن اتسامها بالعدالة الاجتماعية التى أقامها بنيانا لكل ضريبة، وإهداراً لصون الملكية الخاصة التى تقوم فى جوهرها على رأس المال غير المستغل، والتى لايجوز المساس بها إلا استثناء، وفى الحدود التى نص الدستور عليها، ليكون فرض الضريبة المطعون عليها منافيا لمواده (34، 38، 39).
وحيث أن ما ذهبت إليه هيئة قضايا الدولة، من أن الملتزمين أصلاً بالضريبة، كان بوسعهم تجنبها لو أنهم وجهوا أموالهم لاستثمارها عن غير طريق الأوراق المالية التى حددتها المادة (83) من قانون الضريبة مردود، بأن مصادرة حرية الفرد فى اختيار الطريق الأفضل وفق تقديره لاستثمار أمواله، يناقض الحرية الشخصية التى اعتبرها الدستور حقاً طبيعياً لا يقبل تنازلاً، غائراً فى النفس البشرية، كافلاً إنسانيتها. والأصل فى كل عمل أن يكون مشروعا، ولا تخرج بعض الأعمال من دائرة التعامل إلا إذا حظرها المشرع، فإذا كان التعامل فى أموال بذاتها جائزا، وكان استثمارها فى نشاط معين ممكناً قانوناً، فإن الحمل على عدم ولوجها – من خلال الضريبة – يردها إلى دائرة عدم المشروعية، ويبلور منافاتها للعدالة الاجتماعية. والقول بأن مناعى المدعية خوض من جانبها فى السياسة الضريبية التى يستقل المشرع بتقديرها مردود، بأن الدستور قدر خطورة الضريبة العامة – وتندرج تحتها الضريبة المطعون عليها – بالنظر إلى تعلقها بجماهير غفيرة، ومساسها المباشر بمصالحها وتأثيرها بوجه عام فى الأوضاع الاقتصادية، وكان لازماً بالتالى أن تراقبها هذه المحكمة -إذا ما طعن عليها- ضمانا لفرضها لمصلحة لها اعتبارها، وبمراعاة الأسس الموضوعية التى تقيم بنيانها الحق، وعلى ضوء معايير تكفل عدالتها اجتماعيا، وتتحدد على ضوئها جميعاً مشروعيتها الدستورية، وعلى الأخص فى مجال اتصال أهدافها بمضمون النصوص القانونية التى فرضتها.
وغير صحيح كذلك فى القانون، ما تدعيه هذه الهيئة، من أن الضريبة المطعون عليها يبررها أنها تتناول مستثمرين يتداولون رؤوس أموال بذاتها ويضاربون عليها من خلال بورصة الأوراق المالية التى تكفل لهذا النوع من الاستثمار استمراره وتطويره، ومن ثم كان إسهامهم فى أعباء إنشائها لازما. غير صحيح ما تقدم، ذلك أن تداول الأوراق المالية التى حددتها المادة (83) من قانون هذه الضريبة، ليس شرطاً لاستحقاقها، بل تتناول الضريبة قيم رؤوس أموال بذاتها -سنداً أو سهماً أو حصة أو نصيباً- ولو لم تصدر صكوكها، بل ولو لم يجر تسليمها لأصحابها. ولاشأن لضريبة الدمغة النسبية بما يمكن أن يتولد عن رؤوس الأموال هذه من إيراد، بل يعتبر هذا الإيراد دخلاً لها، ينضم إلى غيره من الدخول التى يحققها الشخص، ليخضع صافى مجموعها، للضريبة السنوية التى فرضها قانون الضريبة على الدخل الصادر بالقانون رقم 178 لسنة 1993.
وحيث أن ما ذهبت إليه هيئة قضايا الدولة، من أن الضريبة المطعون عليها نوع من الزكاة مردود، بأن الزكاة فرضتها النصوص القرآنية، لا النصوص التشريعية الوضعية التى ترتد الضريبة المطعون عليها إليها فى مصدرها. والزكاة كذلك – وباعتبارها من الأركان الأساسية للعقيدة الإسلامية – لا يجوز العدول عنها، ولاالتعديل فى أحكامها المقطوع بثبوتها ودلالتها، خلافا لكل ضريبة إذ يجوز دوماً النظر فيها، وتغيير بنيانها، بل وإلغاؤها. والضريبة والزكاة مختلفتان -نطاقا وعلة- وهما بالتالى متغايرتان، وتحملهما معاً، لا مخالفة فيه للدستور.
وحيث أن الضريبة المطعون عليها ضريبة عامة، لا يقتصر نطاق تطبيقها على رقعة إقليمية معينة تنبسط عليها دون سواها، ويتحدد المخاطبون بها فى إطار هذه الدائرة وحدها. بل يعتبر تحقق الواقعة المنشئة لها على امتداد النطاق الإقليمى للدولة -وبغض النظر عن تقسيماتها الإدارية- مرتبا لدينها فى ذمة الممول، بما مؤداه: تكافؤ الممولين المخاطبين بها فى الخضوع لها دون تمييز، وسريانها بالتالى -بالقوة ذاتها- كلما توافر مناطها فى أية جهة داخل الحدود الإقليمية للدولة. ولايعنى ذلك أن يتماثل الممولون فى مقدار الضريبة التى يؤدونها، بل يقوم التماثل على وحدة تطبيقها من الناحية الجغرافية، فالتكافؤ أو التعادل بينهم ليس فعلياً، بل جغرافياً.
وحيث أن الدستور أعلى شأن الضريبة العامة، وقدر أهميتها بالنظر إلى خطورة الآثار التى ترتبها، وبوجه خاص من زاوية جذبها لعوامل الإنتاج، أو طردها أو تقييد تدفقها، وما يتصل بها من مظاهر الانكماش أو الانتعاش، وتأثيرها بالتالى على فرص الاستثمار والادخار والعمل وتكلفة النقل وحجم الإنفاق؛ وكان الدستور -نزولاً على هذه الحقائق واعترافاً بها- قد مايز بين الضريبة العامة وغيرها من الفرائض المالية، فنص على أن أولاًهما لايجوز فرضها أو تعديلها أو إلغاؤها إلا بقانون، وأن ثانيتهما يجوز إنشاؤها فى الحدود التى يبينها القانون. ولازم ذلك أن السلطة التشريعية هى التى تقبض بيدها على زمام الضريبة العامة، إذ تتولى بنفسها تنظيم أوضاعها بقانون يصدر عنها، متضمناً تحديد نطاقها، وعلى الأخص من خلال تحديد وعائها وأسس تقديره، وبيان مبلغها، والملتزمين أصلاً بأدائها، والمسئولين عنها، وقواعد ربطها وتحصيلها وتوريدها، وكيفية أدائها، وغير ذلك مما يتصل ببنيان هذه الضريبة، عدا الإعفاء منها، إذ يجوز أن يتقرر فى الأحوال التى يبينها القانون.
وحيث إنه متى كان ما تقدم، فإن نص القانون يعتبر مصدراً مباشراً للضريبة العامة، إذ ينظم رابطتها محيطاً بها فى إطار من قواعد القانون العام، متوخياً تقديراً موضوعياً ومتوازناً لمتطلبات وأسس فرضها، وبمراعاة أن حق الدولة فى إنشائها لتنمية مواردها ينبغى أن يقابل بحق الملتزمين أصلاً بها، والمسئولين عنها، فى تحصيلها وفق أسس موضوعية، يكون إنصافها نافياً لتحيفها، فلا تتسم بوطأة الجزاء بما يباعد بينها وبين الأغراض المالية التى ينبغى أن تتوخاها أصلاً، ولا يناقض معدلها وأحوال فرضها الضوابط اللازمة لعدالتها الاجتماعية.
وحيث أن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن الدستور -إعلاء من جهته لدور الملكية الخاصة- كفل بالمادتين (32، 34) حمايتها لكل فرد -وطنياً كان أم أجنبياً، ولم يجز المساس بها إلا على سبيل الاستثناء- وفى الحدود التى يقتضيها تنظيمها – باعتبارها عائدة فى الأعم من الأحوال إلى جهد صاحبها، بذل من أجلها الوقت والعرق والمال، وحرص بالعمل المتواصل على إنمائها، وأحاطها بما قدره ضرورياً لصونها، معبدا بها الطريق إلى التقدم، كافلاً للتنمية أهم أدواتها، محققاً من خلالها إرادة الإقدام، هاجعا إليها لتوفرظروفاً أفضل لحرية الاختيار والتقرير، مطمئنا فى كنفها إلى يومه وغده، مهيمناً عليها ليختص دون غيره بثمارها ومنتجاتها وملحقاتها، فلا يرده عنها معتد، ليعتصم بها من دون الآخرين، وليلتمس من الدستور وسائل حمايتها التى تعينها على أداء دورها فى إطار وظيفتها الاجتماعية. ومن ثم ساغ تحميلها بالقيود التى تتطلبها هذه الوظيفة التى تمليها طبيعة الأموال محل الملكية، والأغراض التى ينبغى رصدها عليها، محددة على ضوء واقع اجتماعى معين، فى بيئة بذاتها لها مقوماتها وتوجهاتها، وبمراعاة أن القيود التى يفرضها الدستور على حق الملكية للحد من إطلاقها، لا تعتبر مقصودة لذاتها، بل غايتها خير الفرد والجماعة.
وحيث أن الحماية التى أظل بها الدستور الملكية الخاصة لضمان صونها من العدوان، تمتد إلى الأموال جميعها دون تمييز بينها، باعتبار أن المال هو الحق ذو القيمة المالية، سواء أكان هذا الحق شخصياً أم عينياً، أم كان من حقوق الملكية الأدبية والفنية أو الصناعية؛ وكان لايجوز على ضوء هذه الحماية، فرض ضريبة على رؤوس أموال المكلفين بها بما يجتثها أو يقلصها إلى حد كبير، لتخرج بتمامها أو فى كثير من أجزائها من يد أصحابها، مما يفقد الضريبة وظيفتها الأساسية بوصفها “إسهاماً منطقياً” من الملتزمين بأدائها فى تحمل نصيبهم من الأعباء العامة لتغطية تكلفتها. والأدق أن يقال أن ضريبة على هذا النحو، عدوان على رؤوس هذه الأموال، ينال من قيمتها، ويحول دون تراكمها لبناء قاعدة اقتصادية أعرض. ومن ثم كان للضريبة مجال طبيعى يتصل بتطبيقاتها فى الأعم من الأحوال، وذلك من خلال ربطها بصور الإيراد التى يقدر المشرع ملاءمة إخضاعها للضريبة، ليكون الدخل بذلك محوراً لها، ناجماً عن استثمار رؤوس الأموال فى ألوان من التعامل جائزة قانوناً، وهو مايعنى أن الدخل -وباعتباره ايراداً متجدداً- يمثل من الضريبة مجالها الأكثر فاعلية، سواء كان هذا الإيراد ناجماً عن قيم منقولة، أم عن المهن غير التجارية، أم عن الثروة العقارية، أم كان مرتباً أم ربحاً صافياً محققاً من غير ذلك من المصادر، ومن ثم كان الدخل وعاءً أساسياً للضريبة، متطلباً فيها كشرط مبدئى لموضوعيتها وعدالتها. ولايجوز بالتالى أن تكون رؤوس الأموال ذاتها وعاء لها، إلا بصورة استثنائية لا تعطل حقاً دستورياً، وبقدر الضرورة، وبما لا ينتزعها أو يؤول إلى تآكلها، ويفترض ذلك لزوماً ألا يكون تطبيق الضريبة التى فرضها المشرع عليها ممتداً فى الزمان إلى غير حد، ولا أن تكون لها وطأة الجزاء، ولا أن “تظلها أغراض الجباية” لتهيمن عليها محددة مسارها.
وحيث إنه متى كان ذلك، وكان قانون ضريبة الدمغة المطعون عليها، قد فرضها على رؤوس أموال بذواتها -سنداً أوسهماً أو حصة أو نصيباً- فاعتبرها وعاء لها محملاً أصحابها بعبئها بوصفهم ملتزمين أصلاً بها، بما مؤداه: ربط الضريبة بقيم هذه الأصول واقتضائها منها، فلا تزايلها أو تتحول عنها، ليكون إسناد الضريبة إليها – واطراد زمن تطبيقها- عاصفاً بها أو محدداً مجال حركتها، باعتبارها ضماناً لتحصيل الضريبة التى فرضها المشرع فى شأنها. وهى بعد ضريبة يستأديها من أصحابها سنوياً- ومقدماً- بناءً على مجرد تملكهم لها، ومن ثم تكون “واقعة الملكية” -فى ذاتها – هى المنشئة للضريبة المطعون عليها. وسواء كانت الأسهم أو السندات أو الحصص أو الأنصبة التى حملها المشرع بعبئها، تغل أو لا تنتج دخلاً، فليس لدخلها -وجوداً أو عدماً- من أثر على نفاذ الضريبة المطعون عليها، بل يظل رأس المال المحمل بها، وعاء لها، وسعرها منسوباً إلى قيمته الاسمية أو الفعلية، ومبلغها مستنزلاً من قيم هذه الأموال ذاتها انتهاء إلى امتصاصها، بما يعيبها دستورياً ويفقدها مقوماتها، ليحيلها عدماً، ذلك أن الضريبة التى يكون أداؤها واجباً قانوناً – وعلى ما تنص عليه المادتان (61، 119) من الدستور -هى التى تتوافر لها قوالبها الشكلية، وإلى جانبها أسسها الموضوعية محدد مفهومها على ضوء العدالة الاجتماعية، التى تعتبر محوراً لتنظيم الضريبة فى الحدود المنصوص عليها فى المادة (38) من الدستور.
وحيث أن منافاة الضريبة المطعون عليها للعدالة الاجتماعية، تبدو كذلك من زاوية اتصال تطبيقها بالمسئولين عن أدائها، وهى الهيئة أو الشركة المصدرة للورقة المالية (سهماً كانت أم سنداً) أو للحصة أو النصيب، ذلك أن الفقرة الثانية من المادة (86) من قانون هذه الضريبة، تلزمها بأن تؤديها إلى مصلحة الضرائب خلال الخمسة عشر يوماً الأولى من يناير من كل سنة، ليقوم التزامها بتوريد هذه الضريبة إلى جوار المدينين أصلاً بها وفقاً لفقرتها الأولى، وهم أصحاب هذه الأوراق أو الحصص أو الأنصبة التى افترض المشرع قيام صله بينها وبينهم تسوغ حملها على توريد الضريبة إلى جانبهم، وهى صلة واهية انتحلها المشرع تقوية من جهته لضمان إيفاء الضريبة فى موعدها وتيسيراً لتحصيلها، ذلك أن الضريبة المطعون عليها -وعلى ماتقدم- محلها أوراق مالية أو حصص أو أنصبة أخرجتها الهيئة أو الشركة المصرية التى أصدرتها من ملكيتها، بنقلها الحق فيها إلى آخرين.
وإصدارها لها يفصلها عنها، وليس لها من شأن بتداولها ولا بما ينجم عن التعامل فيها من إيراد، بل مرد ومردود ذلك إلى أصحابها.
بيد أن قانون هذه الضريبة، حمل الجهة المصدرة لها بعبئها، وجعلها مسئولة عن توريدها من رأسمالها المصدر الذى قد يزيد كثيراً على رأس مالها المدفوع، وألزمها بأدائها مقدماً، سواء أكان العمل بها قد بدأ، أم كان لازال فى مرحلة التحضير، وسواء كان نشاطها قد مضى قدماً محققاً ربحا، أم كان متعثراً متراجعاً كاشفاً عن خسائر أصابتها مهما بلغ عمقها ومداها، وسواء كان وجودها قانوناً محققاً، أم كان كيانها غير مكتمل، بما مؤداه: إضرار الضريبة المطعون عليها بمركزها المالى، وتسويئها لفرص توجيهها لجهودها، وحشدها لتحقيق الأغراض التى تقوم أصلاً عليها.
وقد دل المشرع على أن سعيه لتحصيل الضريبة، كان توجهاً نهما بما نص عليه فى المادة (85) من قانونها من سريانها اعتباراً من تاريخ مزاولة الشركة لعملها، أو من تاريخ صدور القرار المرخص فى تأسيسها، أو اعتباراً من نشر المحرر المتعلق بتأسيسها، أيها أسبق زمناً، لتكون الجباية فى ذاتها هدفاً منظوراً ورئيسياً لهذه الضريبة، فلا تمتد إليها حماية الدستور، وهو ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة التى تقرر “ليس ثمه مصلحة مشروعة ترتجى من وراء إقرار تنظيم تشريعى يتوخى مجرد تنمية موارد الدولة من خلال فرض ضريبة تفتقر إلى قوالبها الشكلية أو لا تتوافر – فى أركانها ودوافعها – الأسس الموضوعية التى ينبغى أن تقوم عليها، ذلك أن جباية الأموال فى ذاتها، لا تعتبر هدفاً يحميه الدستور، بل يتعين أن تتم وفق قواعده وبالتطبيق لأحكامه”.
وحيث أن المشرع عزز اتجاهه إلى تحصيل الضريبة المطعون عليها، بغض النظر عن عواقبها بما نص عليه فى البند (ب) من المادة (83) من قانونها من فرضها على القيمة الاسمية للأوراق غير المقيدة فى البورصة أو المقيده بها “التى ترى مصلحة الضرائب أن العمليات التى تمت بشأنها من القلة بحيث لا يمثل متوسط أسعارها القيمة الحقيقية لها” بما مؤداه: أنه حتى ولو أسفرت العمليات التى جرت فى شأن الورقة المالية، عن تضاؤل قيمتها، فإن قلة هذه العمليات -وفق تقدير الجهه الدائنة بالضريبة – تخولها محاسبة الملتزمين أصلاً بها، والمسئولين عن أدائها، على ضوء القيمة الاسمية -لا الفعلية- للورقة المالية. وهى عين القاعدة التى التزمها المشرع فى شأن ضريبة الدمغة النوعية التى فرضها على حصص التأسيس وفقاً للبند (د) من المادة (83) المشار إليها.
وحيث أن الأصل أن يتوخى المشرع بالضريبة التى يفرضها أمرين، يكون أحدهما أصلاً مقصوداً منها ابتداءً Primary Motive، ويتمثل فى الحصول على غلتها لتعود إلى الدولة وحدها، تصبها فى خزانتها العامة لتعينها على مواجهة نفقاتها. ويكون ثانيهما مطلوباً منها بصفة عرضية أو جانبية، أو غير مباشرة Incidential Motiveكاشفاً عن طبيعتها التنظيمية Regulatary Nature، دالاً على التدخل بها لتغيير بعض الأوضاع القائمة، وبوجه خاص من خلال تقييد مباشرة الأعمال التى تتناولها، أو حمل المكلفين بها -عن طريق عبئها- على التخلى عن نشاطهم، وعلى الأخص إذا كان مؤثماً جنائياً، كالتعامل فى المواد المخدرة.
وهذه الآثار العرضية للضريبة كثيراً ما تلازمها، وتظل للضريبة مقوماتها من الناحية الدستورية، ولا تزايلها طبيعتها هذه، لمجرد أنها تولد آثاراً عرضية بمناسبة إنشائها.
وحيث أن الضريبة المطعون عليها -ومن زاوية آثارها العرضية- تلحق بفرص الاستثمار أفدح الأضرار، وهى كذلك تعوق الادخار الذى اعتبره الدستور واجباً قومياً، وليس أدل على ذلك، من أن وزير المالية حين سئل عن كيفية تعويض حصيلتها بعد إلغائها، كان قاطعاً فى أن إلغاءها يوفر ظروفاً أفضل للاستثمار، تزداد بها العمالة، وينكمش معها التضخم، ويدور فى نطاقها رأس المال، من خلال قاعدة إنتاجية أعرض، كاشفاً بذلك عن أن فرض هذه الضريبة كان عملاً عشوائياً منافياً لعدالتها الاجتماعية، مجاوزاً الحدود التى يكون فيها أداؤها واجباً قانوناً، معطلاً دورها فى مجال تحقيق الكفاية والعدل اللذين جعلهما الدستور أساساً للنظام الاقتصادى، وغدا تحصيلها بالتالى مجرد جبابة لا ضابط لها ولايستقيم بنيانها وفق الأسس الموضوعية التى لاتقوم الضريبة دستورياً فى غيابها.
وحيث إنه متى كان ما تقدم، فإن النص المطعون فيه يكون مخالفاً أحكام المواد (4، 23، 32، 34، 38، 39، 119، 120) من الدستور.
وحيث أن المواد (84، 85، 86، 87) من قانون هذه الضريبة – قبل إلغائها – ترتبط بنص المادة (83) المطعون عليها ارتباطاً لا يقبل التجزئة، بحيث لا يمكن فصلها عنها أو تطبيقها استقلالاً، فإنها تسقط جميعاً تبعاً لإبطال النص المطعون فيه، ولا تقوم لها من بعد من قائمة.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بعدم دستورية نص المادة (83) من قانون ضريبة الدمغة الصادر بالقانون رقم 111 لسنة 1980 وبسقوط مواده (84، 85، 86، 87) المرتبطة بها، وألزمت الحكومة المصروفات ومبلغ مائة جنيه مقابل أتعاب المحاماة.