أن تعيش بعمق
كل امرأة مميزة خلقها الله، خلق معها أحزانا ومشاكل كثيرة، لأن تميزها خروج عن المألوف؛ ولابد من خسائر مرادفة يجب أن تحدث في مكان ما على الأرض، إما في قلب رجل، أو في أوراق كاتب، أو في مصير أسرة، أو حتى في تاريخ دولة، إلى آخر فساد تنفثه في الأرض أنثى عظيمة ما؛ جاء هذا الكلام على لسان طبيب نفسي -في رواية طوق الطهارة للكاتب السعودي محمد حسن علوان- يحاول أن يساعد عاشقاً تسببت الصبابة في مرضه؛ وعلى ما يبدو فإن الطبيب قرر إسداء نصيحة لكل رجل بأن لا يقترن بامرأة مميزة؛ وهو بالفعل ما توصل إليه العاشق التعيس عندما علق على ذلك بقوله: فعلا البسيطات عادةً لا يحزنَ كثيرا، سطحية التفكير كثيرا ما تتعارض مع عمق الهموم.
لم تستفزني الفكرة الأولى إطلاقا، فالطبيب النفسي يبدو أنه بحاجة إلى (طبيب نفسي) آخر ليعالجه؛ بينما كانت فكرة العاشق التي أقر فيها أن سطحية التفكير تتعارض مع عمق الهموم هي المستفزة جدا، فكأنه بها يقر أن عمق الهموم صفة سيئة غير مستحبة في النساء، وأن من كانت منهن سطحية التفكير فهي الأفضل، وأكثر جلبا للسلام، وهو ما تأكد من توجهه بالقول في دعائه: اجعلهن عاديات يا إلهي.. لتصبح الأرض أكثر هدوءا!
بالطبع عمق التفكير ليس صفة موروثة، بل هو إحدى الصفات الإنسانية المكتسبة التي يجتهد الإنسان كثيرا لتكون له؛ وعندما نُقرن هدوء الأرض وسلمها بسطحية تفكير النساء، فإننا نطالب نساء العالم أن يبقين موروثاتهن العقلية دون أي جهد لتحسينها، فالتغيير الذي يذهب بهن للعميق، سيضر الأرض! ولكن ما هو شكل الحياة مع امرأة سطحية تمر على الحياة بقشورها ولا ترى أبعد من كف يدها؟ لا تدرك من الأشياء إلا شكلها، ولا من الأفعال إلا حركتها، ولا من الأسماء إلا حروفها؟ وما أبعد من هذا، أمر غير ذي جدوى لديها، ولا يستحق التفكر! لا أعتقد أن رجلا أراد أن يعيش أيامه بعمق سيشارك العاشق -في الرواية- دعاءه، فنساء كهؤلاء يذهبن بالساعات والأيام والعمر إلى اللا شيء، كما هو كذلك حال الرجال سطحيّي التفكير، الذين لا يعرفون العمق في أي شيء.
أدرك تماما أن حزنك سيطول كثيرا، سيجري نهرا متدفقا قادما من أعلى مكان على سطح الأرض، وسيشق أخاديد طويلة في روحي؛ وهناك قبل أن يقرر سيلك أن يفيض، ستجدني أبتسم لك منتظرة اخضرار السهول، محدقة في شفافية دموعك التي تأبى أن تتدحرج معاكسة قوة الجاذبية، لتخبر العالم أن هناك دموعا تعلو بمن يذرفها عكس ما يعرفون.