تعتبر مشكلة تخصيص وتحميل التكاليف الصناعية غير المباشرة على المنتجات من أهم مشاكل التكاليف التي كانت ومازالت محل العديد من
البحوث نظراً لأهميتها، حيث جرى العرف المحاسبي التكاليفي والتطبيق العملي على أن تقوم أساليب تخصيص التكاليف العامة وكذلك طرق تحميل المراكز الخدمية على مراكز الإنتاج على الأساليب الحكمية القائمة على التقدير الشخصي، وهو الأمر الذي يفقد المصداقية إلى حد بعيد في البيانات التكاليفية الناتجة، مما يترتب عليه صعوبة اعتماد متخذي القرارات على هذه البيانات، وقد أشارت إلى ذلك الدراسات المتعلقة بتطورات المحاسبة الإدارية في البيئة الحديثة للصناعة، حيث طالبت بضرورة إعادة النظر في طرق تخصيص التكاليف غير المباشرة وتجنب تحميلها على أساس ساعات العمل المباشر أو الأجور المباشرة وذلك لعدم ملائمة هذه الأسس لظروف البيئة الحديثة للصناعة حتى يمكن توفير معلومات أكثر دقة لتكلفة الإنتاج.
لذلك بات من المؤكد أن يكون هناك طرق مناسبة ذات دقة أكبر في نتائجها يعتمد عليها محاسب التكاليف سواء عند تخصيصه لهذه التكاليف أو عند تحميله للمراكز الإنتاجية لها لتحقيق هدفين أساسيين لا غنى عنهما للإدارة الداخلية بالمؤسسة، وهما:
1 – تحقيق درجة معقولة من العدالة في عملية تخصيص وتحميل التكاليف العامة.
2 – تحقيق حيادية البيانات التكاليفية لخدمة متخذي القرارات المختلفة بالمؤسسة.
إن دقة البيانات أو المعلومات المستمدة من نظام التكاليف القائمة على مدخل المحاسبة عن التكلفة يحكمها بالضرورة معايير اقتصادية لتشغيل النظام، ولن يتحقق معيار الاقتصادية دون تحديد العدد الأمثل من أوعية التكلفة المخصصة لاستيعاب بنود تكلفة الأنشطة المختلفة التي تزاولها المؤسسة.
ويعتبر تحقيق درجة عالية من الدقة في المخرجات المستمدة من نظام التكاليف مرتبط بالتوسع في عدد أوعية التكلفة والوصول إلى أكبر عدد منها وما يرتبط بها من محركات أو مسببات تكلفة ملائمة، وهذه الحقيقة مرتبطة بحقيقة أخرى مفادها أن أكبر درجة للدقة في المخرجات المستمدة من نظام التكاليف غالباً ما يترتب عليها تحمل المؤسسة بأعباء مرتفعة لتصميم وتشغيل نظام التكاليف، الأمر الذي قد يؤدى أحياناً إلى التأثير الجوهري على نتيجة أعمال المؤسسة، وهو في نفس الوقت الأمر الذي يتعارض واقتصادية تشغيل نظام التكاليف .
وبناء على ما سبق تظهر أهمية التوفيق بين معيار مستوى الدقة الملائم والواجب توافره في المخرجات المستمدة من نظام التكاليف وبين معيار الاقتصاد في تكلفة تشغيل نظام التكاليف في سبيل محاولة التوفيق بين المعيارين. أي أن قرارات التحميل المبنية على الأساليب الكمية تعد الآلية الرئيسية لصنع قرار فعَّال لتحميل التكاليف الصناعية غير المباشرة.
لذلك يعتبر أسلوب المدخل الكمي أو التحليل الكمي الذي يأخذ في الاعتبار مجموعة من المتغيرات التي يمكن أن يكون لها تأثيراً جوهرياً على اعتبار الدقة والاقتصادية، وذلك من خلال نموذج كمي توزع فيه كل هذه المتغيرات على دالة الهدف وعلى القيود المرتبطة بدالة الهدف.
وعموما يساعد استخدام الأساليب الكمية على:
• وضع الخطط والسياسات التي من خلالها تتمكن المؤسسة من تحميل التكاليف الصناعية غير المباشرة.
• تحديد الشكل الذي من خلاله تتمكن المؤسسة من استخدام مواردها المالية والبشرية والمادية بالطريقة الأفضل لخدمة أهداف المؤسسة وذلك من خلال إيجاد التوليفة المناسبة لكيفية تحميل التكاليف الصناعية غير المباشرة.
• الربط بين أقسام المؤسسة المختلفة ووحداتها وعناصرها لخدمة الأهداف، وذلك بتوصيل المعلومات عبر القنوات المتاحة.
• الرقابة من خلال مقارنة النتائج بالخطط، والتي من خلالها تقوم الإدارة بمعالجة الأخطاء والانحرافات التي تحدث أثناء تطبيق الأساليب الكمية في تحميل التكاليف الصناعية غير المباشرة.
مما تقدم تتضح أهمية المدخل الكمي في إيجاد حل لمشاكل تحميل التكاليف الصناعية غير المباشرة، وذلك بتحميل هذه التكاليف وفقاً لأسلوب كمي مستحدث يعتمد على توفير الدقة والاقتصادية في آن واحد في مخرجات التكاليف القائمة على النشاط وذلك بالتوسع في عدد أوعية التكلفة والوصول إلى أكبر عدد ممكن من أوعية التكلفة وما يرتبط بها من محركات أو مسببات تكلفة ملائمة.