لحظة إقلاع الطائرة للانطلاق ، تعبر عن نجاح كل الاستعدادات التى مهدت هذا الانطلاق ، وبداية لرحلة جديدة بين السماء
والأرض ، تتجمع فيها كل المشاعر لقطع هذه المرحلة المهمة ، التى بدونها لا يكون سفر أساساً ، ويتركز الهدف نحو الوصول بأمان إلى نقطة ، تبدأ منها مرحلة جديدة ، وهكذا حياتنا مراحل تسلم بعضها إلى بعض ، ولا تنتهي ما دام في الانسان روح وحركة .
ولكن بالتأمل في مرحلة الإقلاع ، إن لم تكن الاستعدادات سليمة ماتم الانطلاق ، وهذه الاستعدادات هي أصول الانطلاق في رحلة الحياة ، والإقلاع في أعمالنا ، وهي في العدد سبعة أصول ، ولكن في المعني لا تحصي ولا تعد :
الأصل الأول : المعاملة الايجابية
الايجابية تعني هنا الخروج من النظرة الذاتية التي ينجح فيها الإنسان من الخروج من دائرة ذاته إلي التعامل مع العالم الخارجي سواء كان الناس أو الوسائل أو الأساليب ، ومن ثم فهو يحرص عل الغير كحرصه على نفسه ، يبدأ بحسن الظن وسلامة الصدر وينتهي بتقديمهم على نفسه ومصلحته ومـنفعته وهو ما يعـرف بخـلق الايـثار : { ويـؤثرون على أنفـسهم ولوكـان بـهـم خصاصة }الحشر / 9 .
إننا في حياتنا نتأذى من هؤلاء الذين يحسبون أن الدنيا لم تخلق إلا لأنفسهم ، وكل عملهم منصب على ذواتهم ، فلا وجود لغيرهم ، وإن اعترفوا لحظة بالغير ، فإنما ذلك لأنهم فقط , قنطرة لمصالحهم أو جسراً لمنافعهم , ثم يختفي ويزول .
الأصل الثاني : النظرة الإيجابية
ونعني بالنظرة الإيجابية في كل الأمور ، وكافة المواقف ، وجميع الأحوال ، هذه النظرة التى ترى الجزء المشرق حتى ولو كان قليلا ، والتى تبصر خيراً حتى ولو كان متواضعاً ، والتى تدرك أن لكل فكرة وجوه كثيرة ، والتعامل معها باكتشاف هذه الوجوه واختيار المناسب منها لمقاس كل واحد ، فليس كل جانب مشرق عند إنسان نافع عند غيره ، ومن ثم فكل مما يحثك عل العمل ، ويدفعك إلى الراحة النفسية ، ويحقق لك كل اقتراب من الهدف ، مع استطاعتك على فعله بعد بذل أقصى مجهود ، ويغير من أحوالك قبل ممارسته إلى الأفضل والأحسن ، تأكد إن فعلت ذلك أنك تنظر نظرة ايجابية ، وهي المرحلة التى تتعدي التفكير الايجابي إلى الرؤية والتفهم والاقتناع وربما التبني والتخلق والتطبع ، مما يؤهلك للانطلاق بلا قيود أو متاعب ، ويفتح أمامك آفاقاً في الحياة ما كنت تدريها أو تتصور حدوثها .
الأصل الثالث : لا يوجد شيء اسمه الفشل
الإخفاق والفشل والمستحيل واللاممكن وعدم الاستطاعة والظروف غير مواتية والأسباب الخاصة والقدرات قليلة والموضوع أكبر من طاقتنا وهذا حظي الأسود ومفيش فايدة وخربانة خربانة وأخيراً : أدي الله وأدي حكمته , كل هذه الأعراض كفيلة بعدم الانطلاق ، بل بعدم القيام أصلاً للتهيؤ والاستعداد ، فما بالك بالانطلاق في الحياة ؟
قد يفاجئك البعض وأنت قد تجاوزت عقبة نفسك وانهمكت في العمل ، ببعض هذه الأقوال ، فكأنما رش عليك مخدراً ، لا تدرك بعده شيئاً ، فيفتر الحماس ، ويختفي الانفعال ، وتزول الفكرة ، فإما أن تتخلى أو تتوقف أو تنهار ، ثم تجلس في مقاعد المتفرجين تشاهد المنطلقين , وتندب حظك الهباب ، وتتحسر على ما فاتك وما سيفوتك .
فالرضا بالفشل يفتح أبواباً من الفشل , والتعامل مع الفشل يكون بحسن استقباله وقهره ، وليس بقبوله ليقهرنا ، والمحاولات لا نهاية لها ، وهذه هي لعبة الحياة ، التي يتمتع بها الناجحون ، فالفشل عندهم نقاط انطلاق , وفرص جديدة , لنجاحات لم تكن في الحسبان .
الأصل الرابع : تقبل المسئولية
أيا كانت المسئولية ، من حيث الطبيعة أو الحجم أو الشكل : وقد صدق النبي صلى الله عليه وسلم : [ كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته ] ، ولذلك فكلنا مسئول ، يقول تعالى : { وقفوهم إنهم مسئولون } الصافات / 24 ، والسائل هو الحبيب ، الذي كلفنا بما نستطيع فعله : { ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير } الملك / 14 .
وجعل المسئولية أمانة باختيار الإنسان : { إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوماً جهولاً } الأحزاب / 72 .
وإن كان كل إنسان على ثغرة ، فعليه أن ينتبه انتباه الجندي الحارس , حتى لا يدخل العدو عليه فيكون سبباً في إهلاك المجتمع بأكمله .
لقد أوردنا هذه النصوص لنؤكد على أن النبى صلى الله عليه وسلم القائد , كان يغرس في أبناء الأمة ( تقبل المسئولية ) , وهي نقطة الانطلاق في أدائها بحيوية وروح , وضمير ويقظة ، وتذوق حلاوة النجاح .
الأصل الخامس : الاهتمام بالمهم
في حياتنا أمور لها أهمية بالغة ، وأخرى تأخذ منا ونأخذ منها ، وأخرى لا نعيرها اهتماماً ، وهي تتنوع لدى كل إنسان من الآخر ، فليس المهم عندك بدرجة أهميته عندي ، وهذه طبيعة الحياة في البشر ، وليس معني ذلك كما يحسب البعض في أن يفعل ما يحلو لكل إنسان دون ضابط , فالمهم هو الذي تتعرف عليه كاملاً وتجريه أولاً ، بل إن هناك ضابطاً وميزانا في نفس الوقت يحدد المهم الذي يجب أن يهتم به كل على حدته ، ألا وهو الانسجام مع الشرع ، والتناغم مع ما يرضي الله تعالى ، فأحب الأمور عند الناجحين أحبها عند ربهم ، ومن هنا يتحدد لدي كل واحد ما المهم الذي يجب الاهتمام به ، أو بمعنى أخر المهم الذي يجعل له الأولوية الدائمة ، إن اصطدم بغيره من شئون الحياة .
ووفق هذا المعني لا تنزعج إن كان المهم عندك المال أو المنصب أو الراحة أو المتعة أو الترفية أو الزينة ، مالم يصطدم بشرع الله ورضاه وما يحبه ، فالدنيا متاع وخير متاعها المرأة الصالحة ، بل كانت قرة عين النبي صلى الله عليه وسلم – وهو خير من تعامل مع الحياة وتمتع بها – كانت في الصلاة والنساء .
لقد تأملت ذلك فوجدت أن بوابة الانطلاق في الحياة بهذين الأمرين ، الأول بحسن التعامل مع المرأة سواء كانت أماً أو أختاً أو ابنة أو زوجة ، وكل من أخفق في التعامل معهن أخفق في الحياة واختلت الأولويات عنده .
ثم بحسن التعامل مع الله , وبوابة هذه الصلة بالله عن طريق الصلاة أولاً ، فهي بداية الانطلاق في السلوك مع الله وأنت في هذه الحياة ، ومن ثم لا يتحدد المهم لديك إلا بعد استيفاء هذين الأمرين .
الأصل السادس : التمتع بالعمل
ليس هناك إرهاق من العمل ، إن الإرهاق هو ما يصاحبنا من القلق والاستياء ، وإن كان كل منا يقضي أكبر ساعات يومه في العمل ، فمعني هذا إن كان قلقاً مضطرباً قضي أكبر ساعات يومه في الاضطراب والسخط والكبت والملل والاستياء والإرهاق .
فعملنا هو حياتنا ، وحياتنا هي ما نفعله في يومنا ، فلماذا لا نتمتع بأعمالنا ، فنتمتع بحياتنا ، ونتلذذ بأوقاتنا ؟
ولتحقيق التمتع بالعمل نلخص ما أوصي به خبراء هذا المجال في هذه النقاط :
كن أنت ولا تكن غيرك ، فأنت لست غيرك ، ولن تكن مثل غيرك .
أطلق قوتك الداخلية المكبوتة الهائلة ولا تقيد نفسك باستخدام جزء منها فقط .
لا تقلد غيرك فأنت نسيج وحدك لا يكتشفه إلا أنت وبذلك تكون أنت .
تجنب الإرهاق والتعب بالنظافة والنظام والترتيب وأداء المهم أولاً ، ومواجهة المشكلات والعمل على حلها أولاً بأول ولا تؤجل قراراا في أمر ما .
ابعد عنك العوامل العواطفية المسببة للتعب والإرهاق مثل الشعور بالبطء وعدم التقدير والعجلة والتسرع فهذه تسبب الإرهاق الجسدي .
خذ أوقاتاً للاسترخاء فالراحة أثناء العمل هي عمل وغير ذلك بادّعاء الجدية في العمل لا يساعد الذهن على العمل .
ابعد عن الملل والسآمة بحب عملك والعمل على تطويره وحب التغيير الدائم من أجل أن يكون أفضل عمل .
لا تركز على أخطائك وحاول تطوير المحاسن التى فيك وهي كثيرة , بتقوية نقاط القوة فيك وقدرتك على التعايش رغم المشكلات , هنالك تشعر بنشوة التفرد والانتصار والسعادة .
تذكر نعم الله عليك التي لا تعد فلن يؤذيك الانتقاد من الناس ، بقدر ما تستفيد به في التطوير والتحسين وهذا نوع من شكرك لله على نعمه .
كن مع الحق وعليك مصاحبته أين كان وهنالك افعل ما تريد ما دمت متمسكا به ، واضحك ــ عندما يمتد إليك الأذى ــ فرحاً بالحق الذي معك .
الأصل السابع : المثابرة
المثابرة من الأمور التي لا تحتاج إلى ذكاء أو إلى معرفة أو إلى شهادات علمية ، إنها فقط تحتاج إلى قليل من الجهد والوقت ، ولذلك فإن وجدت خطوات أربعة ، جاءت المثابرة ، وتحققت في حياة الناجحين ، كأصل من أصول الانطلاق في الحياة .
الخطوة الأولى : هدف
ونعنى به وجود هدف في حياة الإنسان , ومن شروط هذا الهدف ، أن يكون محدداً ومعيناً وليس هلامياً أو مطاطاً ، ولا يأتي التحديد إلا إذا استند إلى رغبة قوية ومشتعلة نحو تحقيقه .
الخطوة الثانية : خطة
فإن كان الهدف محدداً جاءت الخطة كذلك محددة ، ومعني ( خطة محددة ) أي أنها ليست كلمات إنشائية منمقة ، أو تعبيرات لفظية مؤثرة ، وإنما التعبير عن الخطة بالتحديد , يكون بتنفيذها المستمر ، والعمل لتحقيقها المتواصل .
الخطوة الثالثة : عقل
بمعنى يؤثر ولا يتأثر ، يؤثر بايجابيته ومبادرته وممارسته ، ولا يتأثر بأقوال المثبطين سواء كانوا أفراداً مهما كانت صلة القرابة بهم ، أو أفكاراً وظروفاً محيطة تدعو إلى السلبية .
الخطوة الرابعة : صحبة
تساعدك وتدفعك وتتحالف معك نحو التنفيذ والممارسة ، سواء كان شخصاً تختاره لهذه الصفات ، أو جماعة فيها نفس الصفات ، فالمثابرة تُدفع بالتشجيع , وتتحقق بالتعاون والتحالف والتناصر والتكامل ، خاصة في متابعة تنفيذ الخطة والهدف .
وكلما تحققت المثابرة أصبحت خلقاً وطبعاً ، سرعان ما يتحول إلى حقيقة للإنسان ينطلق بها دون إعداد أو إدّعاء ، وتتحول بها الأحلام إلى واقع يتمتع به الإنسان ، وينطلق في الحياة .
أ. جمال ماضي