تتبنى المجموعة الاقتصادية للوزارة الحالية عددا من السياسات التي ترتبط مباشرة بالليبرالية الجديدة التي تدعمها بشدة المؤسسات المالية الدولية وخاصة صندوق النقد الدولي. هذا على الرغم من أن رئيس الجمهورية يقوم بمجموعة من المشروعات القومية الكبرى التي تستند على الدولة ويديرها سلاح المهندسين بالجيش المصري.
هذا الاختلاف بين السياسات الاقتصادية والمشروعات القومية يتعلق أساسا بدور الدولة في التنمية. فسياسات الليبرالية الجديدة تدعو إلى انسحاب الدولة من المجال الاقتصادي والاعتماد المباشرعلى آليات السوق في تحديد الانتاج وتوزيع الدخل. فعلى سبيل المثال فإن الليبرالية الجديدة تتبنى الدعوة إلى بيع القطاع العام، خصخصة الخدمات (مثل الماء والكهرباء)، تحرير أسعار الصرف، تخفيض الضرائب على الشركات وعلى الدخل، تخفيض الجمارك، رفع أسعار السلع والخدمات إلى المستوى العالمي مع تجميد الأجور والمرتبات والتخلص من العمالة الزائدة. ويؤدي انسحاب الدولة من الاقتصاد وخاصة فيما يتعلق بالتخلص من الدعم إلى زيادة معدلات الفقر واتساع الفجوة بين الطبقات الاجتماعية وارتفاع معدلات البطالة.
طبقت سياسات الإصلاح الاقتصادي والتكيف الهيكلي في مصر منذ عام 1991 وتصاعدت حدتها في الفترة بين 2004 و2011 في ظل حكومة أحمد نظيف. وكان من أثر هذه السياسات كساد اقتصادي طويل المدى. وتراجع في معدلات الاستثمار بشدة سواء في القطاع العام أو القطاع الخاص وبالذات في مجال الصناعة التحويلية. هذا التدهور الكبير فى مستويات المعيشة وارتفاع نسبة الفقر وزيادة الفوارق بين الطبقات أدى إلى تصاعد الحركات الاجتماعية، والاضرابات العمالية مما تسبب في النهاية فى انهيار نظام مبارك في 2011.
ومن العجيب والغريب أن نرى وزراء المجموعة الاقتصادية وبعض الخبراء في الاقتصاد (وكثير منهم عمل في صندوق النقد الدولي أو البنك الدولي) يبشرون الشعب المصري بنفس السياسات التي نتج عنها ثورتان شعبيتان في أقل من عامين.
إن سياسات ما يطلق عليه الاصلاح الاقتصادي هي بالفعل سياسات انكماشية طويلة المدى، الغرض منها أن تحقق دول العالم الثالث المدينة فائضا في ميزان المدفوعات يمكنها من سداد ديونها الخارجية. وتلك السياسات التي طبقت في العالم الثالث في أمريكا اللاتينية وإفريقيا وآسيا، أدت إلى انتشار العنف السياسي والاحتجاجات والثورات التي أطاحت بكثير من الحكومات.
ولقد وعت حكومات أمريكا اللاتينية الدرس فأسرعت بتطبيق سياسات الديمقراطية الاجتماعية مع تزايد دور الدولة مرة ثانية في المجال الاقتصادي. فهل ياترى نستطيع التعلم من تجارب هذه الدول ولا نعود للتطبيق الأعمى لسياسات صندوق النقد الدولي حتى نتلافى هذه المخاطر التي قد تهدد وجود الدولة القومية نفسها.