الإنسان يسعى دومًا للنجاح والتفوق، وهو في هذا السبيل رهين العديد من الخيارات التي تحقق هذا الهدف، وإذا كان أقصر الطرق للوصول للهدف هو الخط المستقيم؛ فالتنظيم والاختيار بين الأهم والمهم، وبين الجيد والأفضل هو الخط الذي يربط بين بداية الطريق ونهايته.
وإذا كان الاختيار هو لبّ إدارة الأولويّات فإنه يعني ترتيب الأمور حسب أهميتها والتوفيق بين ما يريد الإنسان أن يقوم به وبين المسؤوليات التي تقع عليه، فنحن نشعر بالتحدّيات الخاصة بالقرارات اليومية، والمستمرة طوال لحظات الحياة، فنستجيب لها في ضوء ما نعتقد أنه أفضل استخداماً لوقتنا، وتصبح القرارات سهلة عندما يتعلق الأمر بالاختيار بين الجيد، والرديء، فنحن نستطيع بسهولة تحديد كيف أن بعض الأعمال تُعتبر تضييعاً للوقت أو مرهقة للذهن أو حتى ضارة، ولكن المشكلة عندما يتعلق الأمر بالمقارنة بين الجيد و الأفضل، ولذلك غالباً ما يكون العدو اللّدود للأفضل هو الجيد.
أدوات الاختيار
في سبيل ترتيب الأولويات وإنجاز الاختيارات الفُضلى يحتاج الإنسان لأداتين لهما وظيفة التوجيه هما: الساعة والبوصلة.
أما الأولى: وهي الساعة فتعني ضرورة التنظيم، ولذلك فهي المقياس في مواعيدنا والتزاماتنا وجداولنا وأهدافنا وأنشطتنا وسبيلنا حتى نعرف كيف ننفق وقتنا ونوزّعه.
أما الأداة الثانية: وهي البوصلة فتمثل ما يحمل الإنسان داخله من رؤية وقيم، ومبادئ، ومهام، ووعي، وتوجيه، أي ما الأشياء ذات الأولويّة في حياتنا؟ وما المنهج الذي ننهجه في إدارة تلك الحياة؟
ولكن يأتي قد يكون هناك تعارض أو بالأحرى فجوة بين الأداتين بين الساعة، والبوصلة، فعندما نجد أنّ ما نقوم به لا يساهم كثيراً في إنجاز ما نعتبره الأهم في حياتنا تكون المشكلة، ولكن الخبرات والتجارب السابقة أوجدت الحلّ التوفيقي بين ما نسعى إليه، وما نحمله من قيم.
ثلاثة أجيال من إدارة الوقت
يقول الخبير الإداري محمد فتحي: هناك ثلاثة أجيال متعاقبة لإدارة الوقت وسدّ الفجوة بين الساعة، والبوصلة في حياتنا.. كل جيل منها يضيف على ما قدّمه الجيل السابق له؛ لكي يسير قدماً نحو المزيد من الكفاءة والتحكّم، فكان:
الجيل الأول:
ويعتمد على المذكرات أي: التقاويم التي تحمل المواعيد، وهو يسير على مبدأ السباحة مع التيار مع الاحتفاظ بسجل الأعمال التي تريد أن تقوم بها مثل: كتابة تقرير، أو حضور اجتماع أو إصلاح السيارة….
هذا الجيل يتميز بالمذكرات البسيطة، وقوائم المهام حتى لا يفوت الشخص القيام بالمهام المطلوبة، وفي نهاية اليوم وبشيء من التوفيق يكون قد أنجز الفرد المهام التي يريد إتمامها، ويقوم بشطبها من القائمة، أما المهام التي لم تنجز فغالباً ما يقوم بتأجيلها إلى قائمة اليوم التالي.
الجيل الثاني:
وهو جيل التخطيط، والاستعداد، ويقوم على الكفاءة، والمسؤولية الشخصية، وإنجاز الأهداف الموضوعة، والتخطيط للمستقبل، وجدولة المهام، والأحداث المقبلة.
ومستخدمو هذا النمط يقومون بتحديد مواعيد الاجتماعات وتواريخ الانتهاء من المهام وعادة ما يكون لديهم جهاز حاسب آلي أو مفكرة إلكترونية تحفظ لهم كل هذا.
الجيل الثالث:
هو جيل التخطيط، وتحديد الأولويات، والرقابة، ويستخدم السجلات، وقواعد بيانات إلكترونية تحتوي نماذج تفصيلية للتخطيط اليومي، ومستخدمو هذا الجيل يسألون أنفسهم: ماذا نريد؟
ويقوم بوضع أهداف طويلة، ومتوسطة، وقصيرة الأجل، لكي يحقّق ما يطمح إليه ويحدّد الأنشطة اليومية في ضوء أولويّات معينة.
الأجيال السابقة مفيدة ومتفاوتة في درجاتها، وتجعل الإنسان أكثر فعالية، ولكنها غير كافية لافتقادها العلاقات الإنسانية، والراحة النفسية، والتوازن المطلوب في كل شخصية وثقتنا الكاملة في أننا نعمل الشيء الصحيح بطريقة غير صحيحة.
ومع هذا هناك خمسة أوهام تعيشها هذه الإدارة من إدارة الوقت وهي: إننا بما نفعله سابقاً من (الأجيال الثلاثة) نستطيع أن نكون أكثر في التحكم:
فنحن نحاول أحياناً أن نسيطر على كل شيء فنخطّط، ونجدول أعمالنا ونتابع وننفذ الأعمال خطوة بعد أخرى، ولكن التحكّم المطلق، وهم كبير؛ لأننا في الواقع نقضي معظم حياتنا في تفاعل مستمر مع الناس، والناس لا يمكن التحكم فيهم.
أي أن معظمنا يعتقد أنه من الواجب أن نسيطر على حياتنا، ولكن المبادئ الكونية هي التي تسيطر عليها، فنحن يمكننا التحكم في اختياراتنا، ولكننا لا نتحكم في نتائج تلك الاختيارات.
الكفاءة: وهي عمل الكثير في وقت قليل، والكفاءة تلغي الهدر، وتحقق الإنجاز والسلاسة، والسرعة والتقدم، والرقي، أي أن الكفاءة شيء رائع، ولكنّ هذا المبدأ يفترض أن الأسرع، والأكثر هو الأفضل، وهذا غير صحيح؛ لأن هناك فرقاً بين الكفاءة والفاعلية.
فإذا كنت تقود سيارة بسرعة متّجهاً إلى الجنوب، وأنت تقصد الشمال فإنّ سرعتك وكفاءتك في القيادة لن توصلك لهدفك.
القيم: لكي تُقوّم شيئاً يعني أنك تقدّره لكي يصبح ذا قيمة، والقيم في غاية الأهمية؛ فقيمنا تحدّد اختياراتنا وأفعالنا، ولكننا نضع قيمة لأشياء كثيرة مثل: الحب، الأمن، المنزل الراقي، المكانة المرموقة، الشهرة. ولكن وضع قيمة لهذه الأشياء لا يعني أنها ستساهم بالضرورة في جعل حياتنا أفضل؛ فعندما يتعارض أي شيء منها مع القوانين الطبيعية التي تحكم الراحة النفسية، وجودة الحياة، فنحن نضع أنفسنا في وهم ثم نوجّهها إلى الفشل.
العلاقة الجيدة بالآخرين
إدارة الوقت التقليدية غالباً ما تركّز على الإنجاز والوصول إلى ما تريد وإزاحة أي شيء يعوق ذلك من الطريق، أما الآخرون – بالنسبة لنا- فهم مجرّد موارد تستخدمهم للوصول إلى مزيد من الإنجاز وبسرعة، و إلا كانوا مصدر إعاقة لنا عن الهدف، أما العلاقات، فهي مجرّد صفقات، وهذا كله غير حقيقي وبعيد عن قيم ديننا؛ فأعظم الإنجازات في الحياة تأتي من خلال العلاقات التي تؤثّر في الطرفين، أي التعديل، والتبادل، والتفاهم، والتعلم، والإثارة والالتحام و …. وكل هذا يجعل الحياة أفضل والنجاح فيها له مذاق جميل.