يقوم الفكر المحاسبي المعاصر على مجموعة من الأعراف والأسس التي إصطلح على تسميتها بالمبادئ المحاسبية المتعارف عليها. فالتطبيقات المحاسبية لا تخلو تماماً من أسس فكرية يمكن الإعتماد عليها لتمييز الممارسات المحاسبية الصحيحة من تلك الممارسات الخاطئة. هذا الفكر المحاسبي يستند منذ زمن طويل على ما يعرف بالمبادئ المحاسبية المقبولة قبولاً عاماً، وقد إحتلت هذه المبادئ دوراً بارزاً في ممارسة مهنة المحاسبة، حيث ترتب عليها تضييق ملحوظ في شقة الخلاف بين المحاسبين في التطبيق العملي، كما أنها تمثل الإطار العام الذي يمكن للمراجع الخارجي من خلاله الحكم على مدى عدالة القوائم المالية، بل أكثر من ذلك يجب أن يورد المراجع في تقريره رأيه المهني عن مدى إلتزام المشروع بهذه المبادئ المحاسبية المتعارف عليها في إعداد القوائم المالية.
والمبادئ المحاسبية ليست لها خاصية القوانين الطبيعية، كما هو الحال في قوانين العلوم المادية. والجدير بالذكر وحتى يتحقق للمبادئ المحاسبية صفة القبول العام يجب أن تلقى دعماً جوهرياً بواسطة أجهزة رسمية.
ومن أكثر الأجهزة تأثيراً في هذا المجال بالولايات المتحدة الأمريكية المجمع الأمريكي للمحاسبين القانونيين، ومجلس معايير المحاسبة المالية، والهيئة المشرفة على تداول الأوراق المالية، وجمعية المحاسبة الأمريكية.
ولأن المبادئ المحاسبية يجب أن تتطور بإستمرار إستجابة للتغيرات التي تطرأ على بيئة الأعمال، فلا توجد هناك قائمة ثابتة للمبادئ المحاسبية. ومع ذلك هناك إجماع بين المحاسبين ومستخدمي القوائم المالية على ماهية هذه المبادئ. والجدير بالذكر أن معظم المبادئ المحاسبية قابلة للتطبيق على الوحدات الإقتصادية التي تستهدف الربح أو التي لا تستهدف الربح، مهما كان حجمها أو شكلها القانوني. وتشمل المبادئ المحاسبية على ما يلي:
· مبدأ التكلفة التاريخية.
· مبدأ تحقق الإيراد.
· مبدأ المقابلة ( مقابلة الإيرادات بالمصروفات ).
· مبدأ الموضوعية.
· مبدأ الثبات.
· مبدأ العرض والإفصاح.
· مبدأ التوحيد.
· مبدأ الإستثناء.
وفيما يلي نستعرض بإختصار هذه المبادئ التي تحكم العملية المحاسبية، وذلك على النحو التالي:
1- مبدأ التكلفة التاريخية:
يعتبر هذا المبدأ من المبادئ الهامة والأساسية في المحاسبة، ويشير إلى أن موارد المشروع ( الأصول ) وأنشطته الإقتصادية يتم قياسها عند الإقتناء بالسعر الذي تم إقتناؤها به، أي بالقيم التي دفعت فعلاً للحصول على هذه الموارد وفي نفس تاريخ الإقتناء. ويعتبر هذا السعر هو الأنسب لتحديد التكلفة التي يتكبدها المشروع في سبيل الحصول على هذه الموارد أو أي عامل من عوامل الإنتاج، ويظل هذا السعر في الدفاتر كقيمة ( تكلفة ) للأصل حتى يتم إستهلاكه أو بيعه، أو التصرف فيه بأية طريقة أخرى. ويرتبط هذا المبدأ إرتباطاً وثيقاً بفرض الإستمرارية، إذ أن التكلفة التاريخية تفقد مغزاها في حالات التصفية، وذلك لأن في مثل هذه الحالة نفترض وجود مبررات لزوال فرض الإستمرارية للمشروع وبالتالي يكون من الأنسب معرفة الأسعار الجارية.
2- مبدأ تحقق الإيراد:
يقصد بتحقيق الإيراد تحديد الفترة الزمنية التي يتم فيها الإعتراف بإكتساب الإيراد وتسجيله في الدفاتر والسجلات المحاسبية كإيراد يخص تلك الفترة. وتشير الدراسات إلى أن الإيراد يتحقق إذا توفر شرطان أساسيان هما:
· إكتمال مرحلة إكتساب الإيراد أو إنجاز جزء كبير منها.
· حدوث عمليات تبادل مع الغير تؤدي إلى إنتقال السلعة أو الخدمة للغير.
فإذا نظرنا على مراحل إكتساب الإيراد لوجدنا أنها تتمثل في توفير النقدية اللازمة لإدارة المشروع وشراء المواد الأولية، والإنتاج، والبيع ( نقداً أو بالآجل )، ثم التحصيل، والمبدأ المحاسبي المتعارف عليه الآن هو أن الإيراد يتحقق عند إتمام عملية البيع بصفة نهائية حتى وإن لم يستلم المشروع المبلغ نقداً آنذاك ( بيع على الحساب )، أي أنه لا يتطلب تسجيل الإيراد أن يستلم المشروع ثمن مبيعاته أو أتعاب خدماته للغير فوراً. وبصورة عامة يتم تحقيق الإيراد على أساس البيع إذا توافرت الشروط التالية:
· حدوث التبادل وإنتقال السلعة أو الخدمة للغير.
· إمكانية تحديد المتحصلات من الإيراد بدرجة مناسبة من الدقة.
· إمكانية تحديد التكاليف والمصادر المتعلقة بهذا الإيراد في الفترة التي يتحقق فيها.
ويرتبط مبدأ تحقيق الإيراد إرتباطاً وثيقاً بفرض الإستمرارية، وفرض الدورية، إذ أن العبرة بالإيراد المستحق بدلاً من الإيراد النقدي. فطالما أن المشروع مستمر في نشاطه فمن المنطق أن يكون الإيراد شاملاً لما تم تحصيله نقداً وكذلك الإيراد المستحق ( الآجل ) والمتوقع تحصيله من الغير، طالما أن هذه الإيرادات متعلقة بالفترة المالية التي تعد عنها الحسابات. وتوجد بعض الإستثناءات على هذه المبدأ منها:
· تحقق الإيراد أثناء الإنتاج.
فإذا كان الإنتاج يتطلب وقتاً طويلاً يمتد لأكثر من سنة مالية فإن توزيع الإيراد على السنوات المختلفة يعد أمراً ضرورياً، وذلك بسبب صعوبة الإنتظار كما هو الحال في المقاولات وبناء السفن التي تأخذ وقتاً طويلاً ، مما يستدعي إتباع ما يعرف بتحديد الإيراد على أساس نسبة الإنجاز.
· تحقق الإيراد عند نقطة إتمام المنتج.
إذا كانت منتجات المشروع تباع بأسعار ثابتة وفي أسواق منتظمة فإنه يمكن إعتبار الإيراد متحققاً بمجرد إنتاج السلعة وقبل حدوث عملية البيع. وهذا الإستثناء يتطلب: ( أن يكون سعر البيع ثابتاً أو متفق عليه، وعدم وجود قيود على الكميات المعروضة للبيع ) وعادة يكون ذلك في حالة الذهب والمعادن الثمينة.
· تحقق الإيراد على الأساس النقدي.
قد يحدث أحياناً أن يؤجل الإيراد إلى ما بعد نقطة البيع وذلك لصعوبة تحديد التكاليف التي ستنفق في المستقبل في سبيل الحصول على هذا الإيراد، أو أن هناك دلائل تشير إلى صعوبة تقدير الإيرادات الممكن تحصيلها لسبب من الأسباب، ففي مثل هذه الحالات يمكن تأجيل تحقيق الإيراد حتى يتم تحصيله نقداً، مثال ذلك في حالة البيع بالتقسيط وحالات بيع العقارات.
3- مبدأ مقابلة الإيرادات بالمصروفات:
يشير هذا المبدأ إلى ضرورة خصم جميع المصروفات من بنود الإيرادات المتعلقة بها، وذلك لتحديد صافي الدخل، وعليه فإن أي مصروف دفع أو أنفق ولا يتعلق بهذا الإيراد يجب ألا يطرح من إجمالي الإيراد، مثال ذلك المسحوبات الشخصية لصاحب المشروع. ويتم تحديد المصروفات التي تتعلق بأي إيراد يتحقق خلال الفترة المالية على أساس وجود علاقة إرتباط بين الإيراد والمصروف، ويعني ذلك أن كل إيراد تم تحقيقه وإظهاره في الدفاتر المحاسبية يجب أن يقابله ذلك المصروف الذي تحمله المشروع في سبيل تحقيق الإيراد. كما يعني أن التكلفة غير المرتبطة بإيراد تعامل على أنها أصل يظهر في قائمة المركز المالي للمشروع. وبذلك يمكن القول أن المصروفات المرتبطة بالإيراد هي التي يجب خصمها من ذلك الإيراد في الفترة المالية، وكذلك يجب خصم جميع الخسائر مثل خسائر بيع الأصول وخسائر المخزون والخسائر الناتجة عن الدعاوى القضائية وذلك إستناداً إلى مفهوم الحيطة والحذر.
ويرتبط هذا المبدأ بمبدأ المحاسبة على أساس الإستحقاق ولذلك فإن المصروفات التي تحمل على الإيراد هي المصروفات المتعلقة بالإيراد سواء دفعت قيمتها أو لم تدفع وهو ما يتطلب إجراء قيود التسوية الجردية في نهاية كل فترة محاسبية.
4- مبدأ الموضوعية:
طبقاً لهذا المبدأ يجب أن يتم تسجيل الأحداث المالية والمحاسبية إستناداً إلى وسائل إثبات موضوعية مثل فواتير البيع أو الشراء .. ولهذا السبب يثق مستخدمي المعلومات المحاسبية في صحة هذه المعلومات، إلا أنه يجب ملاحظة أن هناك ظروف متعددة تدفع المحاسب إلى إستعمال أحكام وتقديرات شخصية عند قيامه بعمليتي التحديد والقياس لبعض العمليات دون وجود وسائل إثبات موضوعية. وبإختصار الموضوعية تعني إمكانية قيام شخصين مختلفين ومؤهلين من الوصول إلى نفس النتائج من دراسة نفس البيانات والمعلومات المحاسبية.
5- مبدأ الثبات:
يتطلب هذا المبدأ عدم تغيير الإجراءات والمبادئ المحاسبية المتبعة من سنة لأخرى، أي بمعنى آخر يجب أن يستمر المشروع في إستعمال نفس الإجراءات والمبادئ المحاسبية لعدة سنوات حتى تسهل عملية المقارنة السنوية بين المعلومات المحاسبية المقدمة لمستخدمي هذه المعلومات. وهذا لا يعني جمود هذه الإجراءات والمبادئ المحاسبية إذ يمكن تغييرها كلما دعت الحاجة لذلك على أن يشار إلى هذا التغيير حتى لا نصل إلى مقارنات مضللة. ونظراً لأهمية هذا المبدأ فقد نصت التشريعات المهنية إلى ضرورة أن ينص تقرير المراجع الخارجي على مدى إلتزام المشروع بهذا المبدأ.
6- مبدأ العرض ( الإفصاح ):
يعني هذا المبدأ أنه على المحاسب أن يقوم بنشر كل الأحداث المالية الخاصة بالمشروع خلال الفترة المحاسبية. ولابد أن يتم نشر هذه المعلومات إما في القوائم المالية أو في صورة ملاحظات ملحقة بتلك القوائم. ويجب أن يقتصر ذلك على المعلومات التي من شأنها أن تؤثر على القرارات التي قد يتخذها مستخدموا القوائم المالية، ألا تكون مجرد حشو لمعلومات غير مفيدة. فعلى سبيل المثال إذا تم التغيير في إجراءات تسجيل ونشر المعلومات المحاسبية المتبعة سابقاً من قبل المشروع وجب بيان هذا الأمر في التقارير والقوائم المالية بكل وضوح حتى يتمكن مستخدمي هذه التقارير والقوائم من معرفة كافة الأمور الضرورية المتعلقة بنشاط المشروع. وتشمل المعلومات التي يجب الإفصاح عنها ما يلي:
· العقود المستقبلية والمتعلقة بدفع مبالغ كبيرة، أو الخاصة برهن الأصول.
· الطرق المحاسبية، مثل الطريقة المتبعة في تقييم المخزون السلعي، وطرق الإستهلاك.
· التغير في الطرق المحاسبية مع ذكر الأسباب.
· الأحداث المالية اللاحقة لتاريخ إعداد الميزانية.
7- مبدأ التوحيد أو التماثل:
بينما يعني مبدأ الثبات تطبيق نفس الإجراءات المحاسبية لمعالجة الأحداث المالية المماثلة عبر الفترات المحاسبية المتتالية في مشروع معين، فإن مبدأ التوحيد ( التماثل ) يعني إستخدام نفس الإجراءات بين المشروعات المختلفة. ويعني هذا المبدأ أنه كلما كانت المبادئ والإجراءات المحاسبية المتبعة من قبل المنشآت المختلفة موحدة كلما كانت المقارنات بين المعلومات المحاسبية الخاصة بهذه المنشآت أكثر فائدة لمستخدميها.
8- مبدأ الإستثناء:
إن المبادئ المحاسبية من صنع الإنسان وتتغير بتغير ظروف المجتمع الذي تطبق به هذه المبادئ، ولذلك فإن القاعدة أن المبادئ يتم تطبيقها في مجال المحاسبة لخدمة كافة منشآت المجتمع، ورغم ذلك فإنه يتم في بعض الظروف التحول عن المبادئ المحاسبية المعروفة أو التعديل والتغيير فيها بما يحقق أهداف المحاسبة الخاصة بتحديد وقياس وتوصيل المعلومات المحاسبية المطلوبة إلى مستخدميها لمساعدتهم في إتخاذ قراراتهم.
وهناك ثلاثة مفاهيم توضح طبيعة هذا المبدأ، وهي:
· مفهوم الأهمية:
يحتل مفهوم الأهمية النسبية ( المادية ) مكانة هامة في علم المحاسبة رغم عدم وجود تعريف محدد وواضح لهذا المفهوم. ويعتبر العنصر ذا أهمية وذلك إذا كان وجوده يؤثر في القرار المتخذ، وتؤثر الأهمية في تحديد البنود التي تستحق أن يفصح عنها في القوائم المالية. ولتوضيح هذا المفهوم فإنه يجب عدم التمسك بالأسس النظرية في حالة العناصر قليلة الأهمية. وأن يكون المحاسب عملياً عند إعداد المعلومات المحاسبية فلا يهتم أكثر من اللازم بالمعلومات التي لا تشكل أهمية كبيرة بالنسبة للمشروع ولا تفيد كثيراً مستخدمي المعلومات المحاسبية. إن الإهتمام بدقة المعلومات غير المهم للحصول على التفاصيل قد يكبد المشروع مصروفات تفوق الفائدة المتحصل عليها نتيجة إستخدام تلك المعلومات، فمثلاً فقدان ( 50 دينار ) من خزينة إحدى المشروعات الصغيرة قد يعتبر مهماً لدرجة إيضاحه بصورة مفصلة في القوائم المالية الخاصة بذلك المشروع. وقد لا يتطلب مثل هذا الأمر إيضاحاً تفصيلياً لمشروع كبير.
· مفهوم الحيطة والحذر:
يقصد بهذا المفهوم أن على المحاسب أن يأخذ في الحسبان كل خسارة محتملة، وعلى العكس من ذلك لا يحتسب أية أرباح أو منافع متوقعة عند قيامه بإعداد القوائم المالية للمشروع. وبناء على هذا المفهوم عند الإختيار بين البدائل، يختار أقل البدائل التي في صالح المشروع، بمعنى أنه عند الإختيار بين قيمتين لأصل من الأصول تختار أقل القيمتين، وإذا كان الإختيار بين قيمتين لبند من بنود الخصوم تختار أكبر القيمتين، وذلك لضمان حقوق الغير تجاه المشروع. ومن أمثلة التطبيق العملي لهذا المفهوم إستخدام أساس التكلفة أو السوق أيهما أقل عند تقييم المخزن، والإستثمارات قصيرة الأجل، وتقدير مخصص الديون المشكوك في تحصيلها.
· الحالات الخاصة:
المحاسبة تهتم بتقديم المعلومات المحاسبية عن الأنواع المختلفة للمشروعات لمستخدميها، ونظراً لوجود العديد من البدائل والطرق المحاسبية والتي يمكن الإختيار من بينها، على إعتبار مراعاة الظروف والخصائص المميزة لكل صناعة – إذا كانت هناك ما يبررها – مثال ذلك ما تتميز به صناعة النفط، وشركات التأمين، مثلاً شركات التأمين في أمريكا تقوم بتقييم الإستثمارات في الأوراق المالية على أساس سعر السوق بدلاً من أساس سعر التكلفة أو السوق أيهما أقل.