يولي المسلمون، في مشرق الأرض ومغربها وشمالها وجنوبها، وجوههم خمس مرات في اليوم تجاه قبلة واحدة، لا تتغير بتوالي الليل والنهار، أو تغير الفصول والأجواء، ويتوجه إليها الصغير والكبير، والقاصي والداني، والمرأة والرجل، والسقيم والسليم على حد سواء، سعياً لأداء فريضة ربهم، والتواصل الروحاني مع خالقهم وبارئهم عز وجل. كذلك الأمر بالنسبة للنجاح، فله قبلة واحدة ومعادلة معروفة المعالم والأركان، من طبّق عناصرها وصل إلى مبتغاه وحصل على هواه.
وقد انكب العلماء والحكماء من المتقدمين والمتأخرين على دراسة هذا الباب المهم من علوم الحياة، وفنون العيش؛ لعلمهم أن هذا المطلب هو مبتغى الكل بلا استثناء، وأن الوصول إلى خط النهاية في سباق المارثون الحياتي هو شغل الإنسان الشاغل، وأن طعم الانتصار لا يعادله طعم، ولا يجاريه مذاق. من هنا أصبح للنجاح أصول، وللفوز أسس ومعطيات مهمة، من أجادها ظفر بالوقوف على القمة، ومن لم يجدها أو لم يحاول إجادتها بقي محسوراً مقهوراً حبيساً للقاع، وأسيراً للفشل، وعاش على هامش الحياة بلا علم أو عمل!!
مفاتيح النجاح
والحق هنا أن النجاح له أصول ومفاتيح، يجب التعامل معها بصفتها أساساً لكل بناء، وضماناً لأي مشروع حياتي مفعم بالسعادة والطمأنينة بإذن الله. ومن أهم هذه المفاتيح السحرية: مفتاح السعادة الروحية، ومدخله قوة الارتباط برب السماوات والأرض، والابتعاد عن كل ما يكدر صفو هذه العلاقة المقدسة من معاصٍ وآثام، أو التقصير بحق ملك جبار إذا قال للشيء كنْ فيكون!!
ضَعْهُ سبحانه وتعالى نصب عينيك في كل ما تفعل من العبادات والمعاملات، واعملْ على تقواه يجعلْ لك مخرجاً، ويرزقك من حيث لا تحتسب، واقتربْ منه أكثر فأكثر بما يحب من الأعمال والأقوال، واسأله حبه وحب من يحبه، وحب عمل يقرب إلى حبه.
المفتاح السحري الثاني، هو مفتاح السعادة الأسرية والعائلية، فكن في بيتك وبين أهلك من المحسنين والمشجعين، تزرع الابتسامة والأنس، وتمسح الدمعة والبؤس، وتجمع الجميع على خير، وتدفع القافلة للإبداع والنجاح والتفوق والسمو، وترحم الصغير وتحترم الكبير، وتصل القاصي والداني، وتشارك أهل الأفراح أفراحهم بكل تفاعل وايجابية، وتشارك أهل الأحزان أحزانهم بكل صبر ويقين.
فكن لزوجتك عبداً تكن لك جارية، وكوني لزوجك أميرة يكن لكي ملكاً، وبروا آباءكم تبركم أبناؤكم، والدنيا في النهاية سلف، والدين مردود لا محالة، وافتحوا أذرعكم بالاحتواء والحنان لفلذات أكبادكم وزهور النرجس الجميلة التي وهبكم الله إياها؛ فهم امتدادكم الخير في الأرض إذا أحسنتم التربية، واستوفيتم الرعاية.
الاستثمار في البشر
والمفتاح السحري الثالث للنجاح، هو مفتاح السعادة المهنية والعملية، فكونوا من المتقنين للعمل والمخلصين في الإنتاج والمحبين لخدمة المسلمين، وأحبوا ما تعملوا حتى تعملوا ما تحبون؛ فالحياة مراحل وتطورات وخير الاستثمار أن يستثمر الإنسان في نفسه وفيمن حوله، بالعلم والتدريب والمعارف التي لا تغيب.
وليكن العمل محضن التجارب المفيدة ومقر للفائدة والتعلم، وأعلم أن الله يراك هناك فأطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة، واستشعر المسؤولية الاجتماعية وحبك للأمة ورسولها الكريم صلوات ربي وسلامه عليه، الذي سوف يرحب بك ذات يوم على أبواب الجنان بإذن الله، ويثني على صنيعك في الدنيا وعملك من أجل الآخرين.
المفتاح السحري الرابع هو مفتاح السعادة الاجتماعية، فكن إيجابياً متفاعلاً مع مجتمعك وهمومه وآماله، ولا تكن أنانياً فردياً تبني سعادتك على تعاسة الآخرين؛ فالحياة شركة مساهمة، من هرب من خسائرها –بالطبع- فسوف يحرم أرباحها ذات يوم؛ فقدّمِ الخير في كل مكان وزمان، واجعلِ البر والإحسان والمساهمة الحسنة من سماتك وسمات من حولك، ولتكن ممن وصفهم القرآن الكريم بوصف جميل بليغ حينما صنف الناس إلى ثلاثة؛ إذ يقول الله تعالى: (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ). [فاطر: 32].
وهنا يكون السباق، ويكون الفوز بأغلى الجوائز وأثمن الهدايا، فتعاهد أعمال البر ومساعدة الجهات الخيرية والإنسانية، وادعم جهود الخير في كل مكان، وكنْ معول بناء بقلمك ولسانك وضميرك ووقتك، ولا تحقرنّ من المعروف شيئاً، ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق.
مفتاح الصحة
خامس مفاتيح النجاح هو مفتاح الصحة والاهتمام بنفسك، بتعاهدها بالغذاء الصحي المناسب البعيد كل البعد عمّا يضر، ويجر إلى مهالك الأمراض والأزمات الصحية؛ فالمعدة بيت الداء، والحمية رأس الدواء، فما ملأ المستشفيات والمصحات، وجعل الصيدليات تنتشر في كل الأزقة والشوارع إلاّ أنظمة الغذاء والعيش الخاطئة، التي تجلب على الجسم الكثير من الويلات والآهات، فالحرص على الحفاظ على النفس هنا من أولى الأولويات، ودرهم وقاية خير من قنطار علاج، والرياضة أساس مهم للصحة والعافية، وتعاهدها والاستمرار عليها يولّد الراحة النفيسة؛ لأن الجسم يطرح الشحنات السلبية بالرياضة، ويرزق الله الإنسان الرياضي الجسم المتناسق والقوة البدنية بإذن الله.
تخلصْ من كل العادات التي تسلبك صحتك وهي أعز ما تملك، من البدانة أو التدخين أو السهر وغير ذلك، فلا تقتل نفس بجهلك وتدمر حياتك بعناد لا طائل منه، ولا تنس أن تستمتع بحياتك، وألاّ تفوّت لحظات الراحة والاستجمام، ولا تشغل يومك بهموم غدك؛ فلا أنت أدركت غدك، ولا أنت استمتعت بيومك، فعلّمْ نفسك كيف تسترخي وتهدأ وتتأمل، وكيف تتذوق كل ما هو جميل وممتع من حولك.
وطرق أبواب النجاح يتطلب قدراً من التدرج والتأني والصبر والمثابرة، فابدأ العمل بوضع الخطة ورسم الأهداف، ولتكنْ الرؤية واضحة لك، وكافئ نفسك حينما تحقق أي إنجاز، واحرصْ على تغليف حياتك بالإيمان؛ فهو وعاء الإبداع وسلم النجاح ورحيق السمو. وانهض من مكانك، وحدد اتجاهك، واخْطُ الخطوة الأولى إلى قبلة النجاح، واعلمْ أن لهذا الكون خالقاً جباراً لا يضيع أجر من أحسن عملاً.