من أكبر المخاوف التي تمنعنا عن التقدم في حياتنا هي صعوبة اتخاذ القرارات.
قال أحدهم “أحيانا أشعر أنني مثل الحمار الذي يقال عنه في الأمثال. الحمار محصور بين كومتين من القش لكنه عاجز عن أن يقرر أيهما أختار، وفي نفس الوقت، يتضور جوعاً.”
نعم كثيراً بعدم اتخاذنا القرار نختار أن نتضور جوعاً.
خسران في كلتا الحالتين
افترض انك بصدد اتخاذ قرار في حياتك. فإذا كنت مثل معظمنا فأنت تعلمت استخدام نموذج” خسران في كلتا الحالتين ” في اتخاذ قرارك. وشكل النموذج أنك تتأرجح بين الخسائر المتوقعة من اختيارك لاختيار أ وبين الخسائر المتوقعة إن اخترت الاختيار ب. فيعتريك الهم والقلق وتشعر بشكل ما بالشلل عندما تفكر أنها مسألة حياة أو موت. هواجسك تقول لك:
“ماذا يجب أن أفعل؟ هذا أم ذاك؟” ماذا لو فعلت هذا وحدث كذا؟ ماذا لو لم تسر الأمور كما رتبت لها؟ ماذا لو….”.
“ماذا لو” كلمة في منتهى القوة. وهي تحمل بداخلها ثرثرة هواجسك وأنت تشعر أنك تنظر للمجهول وتحاول التنبؤ بالمستقبل؛
هذه هي محاولاتك المستميتة لتسيطر على كل القوى الخارجية. ولكن هذا ضرباً من المستحيل.
وحتى بعد اتخاذك للقرار، تجد أن هذا الأسلوب في التفكير يجعلك تعيد تقييم الموقف مرارا وتكرارا متمنيا أنك لم تخطئ. وتبقى ناظرا خلفك لوقت طويل وموبخا نفسك قائلا ” لو كنت فقط فعلت….”
ثم تستريح إن كانت النتيجة مرضية لك- لكنها راحة لا تدوم طويلاً. لأنك بينما تتنفس الصعداء، تبدأ أفكار مقلقة تساورك بأن الموقف سينقلب عكسيا وحتما في النهاية سيثبت أنك أخذت القرار الخطأ. وفوق ذلك، تبدأ تخاف بالفعل من القرار الذي عليك اتخاذه إن ثبت صحة قلقك الأول لأن هذا سيعني أنك ستجتاز نفس المعاناة مرة ثانية. أنظر مليا؟ أليس هذا جنون!
المشكلة أننا في نشأتنا ومجتمعاتنا سمعنا كثيراً التحذير القائل “احترس لئلا تتخذ القرار الخطأ!” قرار خطأ! الكلمة التي تسبب لنا الرعب.
فنحن نخشي أن نخسر بسبب القرار الخطأ المال أو الأصدقاء أو المحبين أو المكانة ….إلخ. أيضاَ الفكر الآخر الوطيد الصلة بهذا التحذير هو أننا تعودنا أن نخاف من ارتكاب الأخطاء.
فنحن لسبب ما نشعر أننا يجب أن نكون كاملين! وننسى أننا نتعلم من خلال أخطائنا. واحتياجنا لأن نكون كاملين واحتياجنا أيضا للتحكم في نتائج الأحداث يعملان معا ليجعلانا نتحجر في أماكننا عندما نرى أننا يجب أن نصنع تغييرا ما أو حينما نواجه تحدياً جديداً.
من الواضح أن هذا موقفا غير رابح. لكن هناك طريقة تفكير أخرى- هي نموذج ” كسبان في كلتا الحالتين”.
تخيل أنك تواجه قرار اختيار البقاء في عملك الحالي أو أن تقبل عمل جديد عرض عليك. إن كنت تقف عند نقطة “خسران في كلتا الحالتين” فإن ما سيطغي على تفكيرك هو :
“إن بقيت في مكاني قد أفقد فرصة جيدة للتقدم. ولكن إن ذهبت ربما لن أستطيع تدبر أمر مسئولياتي الجديدة. وماذا لو طردت من عملي الجديد ولا يصبح لدي أي شيء؟ في الواقع أنني أحب مكاني هذا. لكن ستكون لي فرص أكثر في العمل الجديد. ربما يمنحوني ترقية وأحصل على مال أكثر. لكن ماذا لو ندمت بسبب تركي لعملي القديم؟ ماذا لو…؟ لا أعلم ماذا أعمل! قد أدمر حياتي كلها إذا اتخذت القرار الخطأ!”
ولكن إن وقفت عند نقطة ” كسبان في كلتا الحالتين” فإن نفسك الجسورة تمسك زمام الأمور:
” أليس هذا شيء رائع! عمل جديد معروض عليّ. إن قبلته ستتاح لي فرصة مقابلة أناس جدد وتعلم طرق جديدة. كما أنها فرصة لاختبار مناخ عمل مختلف تماماً عن ما تعودته وهكذا تتسع قاعدة خبراتي. وإن حدث شيء جعل الأمور لا تسير كما ينبغي أعلم أنني سأستطيع تدبر الأمر. ورغم أن سوق العمل صعب في الوقت الحالي سأعرف بطريقة ما أن أجد عملاً آخر. حتى البحث عن العمل سوف يكون خبرة شيقة لأنني سأتعلم كيف أتعامل مع موقف فقد العمل كما أتعلم أيضا كيفية تنويع مهاراتي بحسب سوق العمل واحتياجاته.
لكن أيضاً إن بقيت في عملي الحالي ستكون لدي فرصة لتعميق العلاقات التي أقمتها هنا. أشعر فعلا بالرضي لأنه عرض عليّ عمل جديد لذلك إن بقيت في عملي ربما أطلب ترقية. ولأي سبب إن لم تسر الأمور على ما يرام هنا ستكون هناك فرص أخرى يمكن السعي إليها. كل هذه خبرات مثيرة بغض النظر عن أي طريق أسلكه. فقط علي أن أحدد الأولويات المناسبة لي والتي قد لا تكون بذات الأهمية لشخص آخر. علي أن أحدد أكثر المكاسب والفوائد التي أريد أن اكتسبها في هذه المرحلة من حياتي.”
في هذا النموذج كل أفكارك تتأرجح بين مقارنة المكاسب التي ستجنيها إن اخترت سواء أ أو ب. لأنه ببساطة أمامك طريقين- أ و ب- كلاهما صواب! لا شيء سوي الكسب في كل منهما. هناك بالفعل أناس يفكرون بهذه الطريقة- ونهجهم في الحياة هو أن كل خبرة ما يمرون فيها لن يستطيعوا أن يسيطروا عليها ولكن يستطيعون أن يخرجوا منها مكاسب لحياتهم مهما كانت الخبرة ومهما كان القرار.