يشكل الحصول على الموارد البشرية أحد أبرز التحديات التي لا بد من التغلب عليها لكي يتم تنفيذ أي مشروع بنجاح حسب خطة العمل الموضوعة. ويعود ذلك إلى أمور عدة، منها ما يتعلق بمدى وفرة تلك الموارد ومنها ما يرتبط بدرجة التجانس بين الموارد نفسها ومدى أهليتها لتنفيذ ما هو مطلوب منها بالكفاءة المرجوة وبالتكلفة المحددة. وأما السبب الرئيسي، فهو يكمن في أن أي مشروع يكتسب طبيعة مؤقتة مهما كانت طبيعته، نظراً إلى أن لكل مشروع تاريخ بداية وتاريخ نهاية يمثلان فترة حياته، مما يعني أن الموارد البشرية كافة التي سيحتاج إليها هي عبارة عن موارد مؤقتة يتم تكوينها تحديداً لتنفيذ المشروع.
ولتبيان كيف يمكن أن يؤثر سوء تدبير الموارد البشرية في مشروع ما، نأخذ المثال التالي: عند تنفيذ أحد المشاريع، قامت الشركة المنفذة بإحضار الموارد البشرية من كوريا الجنوبية والصين الشعبية بحيث يتولى الأفراد من كوريا الجنوبية المناصب الإدارية في المشروع. وقد نتج عن ذلك إشكاليات عديدة أدت إلى توقف العمل في المشروع، إذ تبين أن الأفراد من الصين الشعبية يعدون أن حضارتهم أعرق وأكثر عمقاً من حضارة كوريا الجنوبية، مما جعلهم يرفضون الانصياع للأوامر والتوجيهات التي كانت تصدرها الإدارة والتي كانت ممثلة بأفراد من كوريا الجنوبية. بعبارة أخرى، فقد أدى تجاهل العامل الثقافي إلى الإضرار بالمشروع.
وبالتالي، يجب اتباع خطوات محددة ومثبتة في التعامل مع الموارد البشرية اللازمة لتنفيذ المشاريع من أجل التغلب على هذا التحدي بأسلوب علمي وفاعل.
وتتمثل الخطوة الأولى في تحديد الأدوار المطلوبة من الموارد البشرية لتنفيذ الأعمال التي يحتويها المشروع، ويتم ذلك من خلال إعداد توصيف وظيفي لكل دور على حدة لبيان المسؤوليات الواجب القيام بها والصلاحيات المعطاة بحيث يتسنى مساءلة كل فرد ومحاسبته على الأعمال المنوطة به أو بها.
كما يتم تحديد المؤهلات والخبرات المطلوبة للقيام بهذا الدور بنجاح، التي قد تشمل كلاً من الخبرات العلمية والمهنية.
بعد ذلك، يتم تحديد الهيكل التنظيمي للمشروع الذي سيتم من خلاله بيان العلاقات المختلفة بين أفراد الفريق، إضافة إلى العلاقات مع أصحاب المصلحة الذين لهم علاقة مباشرة بفريق العمل مثل صاحب المشروع، والإدارات المختلفة لدى الهيئة المنفذة للمشروع وغيرها. يلي ذلك إعداد ما يعرف بمصفوفة تحديد المسؤوليات التي يتم من خلالها ربط هيكل تقسيم الأعمال، الذي يبين محتوى المشروع (تم شرحه في حلقة سابقة)، مع الهيكل التنظيمي.
وهذا ما يساعد في تحديد مسؤوليات وصلاحيات كل فرد من فريق العمل بالنسبة لكل جزء من أجزاء المشروع الممثلة في هيكل تقسيم الأعمال، حيث يتم تحديد دور كل فرد في إنجاز تلك الجزئية بأسلوب كامل وناجح وقد يراوح ذلك الدور بين المسؤولية بالقيام بالعمل، ومراجعة العمل المنجز، وتقديم المشورة لإنجاز العمل، وأخذ العلم بتطور العمل المنجز أو إعطاء الموافقة على العمل المنجز.
ولإعطاء فكرة واضحة عن ذلك، لنفترض أن إحدى جزئيات مشروع رحلة ترفيهية إلى الصحراء تتمثل في توفير العشاء للمشاركين في الرحلة. بناء على ذلك، سيتم تحديد من سيكون مسؤولاً عن إعداد العشاء ومن سيكون من الواجب أخذ مشورتهم عما يجب إعداده للعشاء، إضافة إلى هؤلاء الواجب إعلامهم عما يجري القيام به لإعداد العشاء، وأخيراً من الفرد الذي سوف تكون له الصلاحية بالموافقة على ما تم إعداده للعشاء.
وأما الخطوة التالية، فهي بيان متى ستدعو الحاجة إلى وجود الموارد البشرية في المشروع؟ إذ إن لكل مشروع- كما ذكرنا سابقاً- تاريخ بداية وتاريخ نهاية. وتبعاً لذلك، ستكون هناك حاجة إلى الموارد البشرية خلال فترات محددة يحتم تحديدها في خطة العمل المعدة للمشروع. كما يتطلب ذلك تحديد الكيفية التي سيتم اتباعها للحصول على تلك الموارد البشرية، حيث إنه ليس من المتوقع أن تكون تلك الموارد متوافرة لدى الهيئة المنفذة للمشروع بشكل دائم، مما يعني ضرورة أن يتفق الحصول على تلك الموارد مع سياسات التوظيف الخاصة بالهيئة المنفذة للمشروع، مع الأخذ بالاعتبار القيود التي تفرضها تلك السياسات على كيفية تعيين الموارد البشرية. يضاف إلى ذلك، القيود التي تفرضها القوانين المحلية، مثل متطلبات التوطين المتبعة في مختلف دول العالم عموماً ودول مجلس التعاون الخليجي خصوصاً، كما يجب أن تؤخذ بالاعتبار أي شروط أخرى قد تفرضها طبيعة المشروع وخصوصيته، إذ يمكن أن يؤثر ذلك في مدى ملاءمة بعض الموارد البشرية لذلك المشروع.
وأخيراً، يتم وضع تلك البيانات كافة في مستند واحد يعرف بـ “خطة إدارة التوظيف”، وهي جزء أساسي من خطة العمل الشاملة لتنفيذ المشروع، حيث يتم من خلالها بيان الكيفية الواجب اتباعها للوفاء بمتطلبات الموارد البشرية اللازمة للتنفيذ.