كثيراً ما نقرأ ونسمع عن مصطلح – أو كلمة – ” الإستراتيجية ” حيث يرد في بعض الكتابات، ويتردد على ألسنة بعض المتحدثين في البرامج الإعلامية، وتفرد له بعض الكتب في بعض الكليات المتخصصة..! وتستخدمه بعض وسائل الإعلام المقروءة..!
فما موقع هذا المصطلح في واقعنا المعاصر؟! هل نستخدم فعلاً الإستراتيجية في أي منحى من مناحي حياتنا؟! أم أنه مصطلح نتشدق به فقط..؟! وهل الإستراتيجية.. تستحق أن نستخدمها فعلاً..؟! وإذا كانت أمورنا الحياتية تسير بنا حيث تسير.. فما الذي يدفعنا إلى استخدام الإستراتيجية؟!
ووجدتني بعد هذه الأسئلة مدفوعاً إلى كتابة هذه الدراسة الإجمالية – وستتبع بدراسات تفصيلية إن شاء الله – عن علم من العلوم التي ألحقت به كلمة “الإستراتيجية” وهو: علم الإدارة الإستراتيجية..
وأود بدايةً أن أوضح أن مفهوم أو عملية الإدارة الإستراتيجية طبقت ولا تزال تطبق بشكل أساسي في معظم بلدان العالم المتقدم، فتأخذ هذه الدول بالإدارة الإستراتيجية عامة.. والتخطيط الإستراتيجي خاصة.. في كل شؤونها.
وقد أخذت الشركات الصناعية، والمنظمات غير الربحية، والمؤسسات على اختلاف أشكالها وأحجامها، في تلك الدول المتقدمة بالإدارة الإستراتيجية أيضاً..! حيث أكدت دراسات عديدة أجريت على شركات ومنظمات أعمال أمريكية أن عدد الشركات والمنظمات التي اعتمدت مفهوم أو عملية الإدارة الإستراتيجية يفوق عدد الشركات والمنظمات التي لم تأخذ بهذا المفهوم، وأن المديرين الذين يأخذون بمفهوم الإدارة الإستراتيجية يعتقدون بأنه يؤدي إلى النجاح والنمو والاستمرار.
وقد دلت إحدى الدراسات التي قام بها كل من (ليون وهاوس) عام 1970 م على أن الشركات ومنظمات الأعمال التي أخذت بمفهوم الإدارة الإستراتيجية – وفي القلب منه التفكير والتخطيط الإستراتيجي – في قطاعات صناعة الأدوية والمعدات والآلات – وهي شركات تنظر إلى المدى البعيد – فاقت بكثير الشركات ومنظمات الأعمال الأخرى المماثلة التي لم تأخذ بهذا المفهوم.. وذلك في مؤشرات المبيعات ومعدل العائد على رأس المال المملوك والعائد على الأسهم والعائد على رأس المال المستثمر، وهذا كله يؤثر – سلبياً وإيجابياً – على استقرار ؛ بل ووجود الشركات ومنظمات الأعمال في المدى المتوسط والبعيد.
وعلى النقيض مما تقدم.. لم يهتم العالم الإسلامي، والعالم العربي – على مستوى الدول أو على مستوى الشركات والمنظمات أو الجامعات والكليات المتخصصة- بالإدارة الإستراتيجية إلا في السنوات القليلة الماضية، وعلى نطاق محدود..!
والآن دعونا نتعرف ماهية الإستراتيجية.. ثم نتحدث عن عملية الإدارة الإستراتيجية..
الإستراتيجية:
اشتقت كلمة ” إستراتيجية ” من كلمة ” استراتيجوس ” وهي كلمة يونانية الأصل وتعني فن القيادة.
وقد اقتصر استخدام مفهوم ” الإستراتيجية ” منذ عدة قرون على العمليات الحربية.. وانتقل بعد ذلك إلى مجال الأعمال في النصف الأخير من القرن الماضي (القرن العشرين)، حيث طبق بشكل واسع في الولايات المتحدة الأمريكية، وسرعان ما انتقل إلى أوربا، ومن ثم إلى بعض البلدان النامية.
وللإستراتيجية عدة مفاهيم منها:
– الإستراتيجية هي اتجاه ونطاق دولة ما.. أو شركة ما.. أو منظمة ما.. على المدى البعيد. فوجود إستراتيجية واضحة المعالم لأية منظمة.. تمكنها بلا شك من استخدام مواردها المتاحة واستغلالها بشكل إيجابي فعال ومؤثر – إن لم يكن بالشكل الأمثل – مما يمكنها من الوفاء باحتياجات كل الأطراف المتعاملة معها، والأفراد الذين ضمنها..!
– الإستراتيجية تعبر عن مسار يتم تفضيله، واختياره من بين عدة مسارات، بهدف تحقيق المنظمة أو الشركة أو…، رسالتها، وغاياتها، وأهدافها، ومن ثم تحقيق الاتجاه الذي ارتضته هذه المنظمة أو تلك الشركة لنفسها في المستقبل.
– مصطلح الإستراتيجية يطلق على الأهداف المحددة، وتحديد البدائل المتاحة، والاختيار بينها على أساس مقارنة التكاليف والفوائد المرتبطة بكل بديل، وتقييم كل البدائل، ومن ثم اختيار البديل الأفضل، والذي يطلق عليه البديل الإستراتيجي، ومن ثم توصيفه في برنامج زمني قبل التنفيذ.
الإدارة الإستراتيجية
:
هناك العديد من التعريفات للإدارة الإستراتيجية لعديد من علماء الإدارة:
– يعرف Ansoff الإدارة الإستراتيجية strategic management بأنها: ” تصور المنظمة (الشركة – المنشأة) لعلاقتها المتوقعة مع بيئتها بحيث يوضح هذا التصور نوع العمليات التي يجب القيام بها على المدى البعيد، والذي يجب أن تذهب إليه المنظمة، والغايات التي يجب أن تحققها.. ”
– ويعرف (David 1995م) الإدارة الإستراتيجية: ” هي علم وفن وصياغة وتنفيذ وتقييم القرارات الوظيفية المختلفة، والتي تمكن المنظمة من تحقيق أهدافها “.
– ويعرف Wheelen& Hunger 2004 الإدارة الإستراتيجية بأنها: ” مجموعة من القرارات والتصرفات الإدارية التي تحدد أداء المنظمة في الأمد الطويل “.
– ويعرف الدكتور عبد الحميد عبد الفتاح المغربي 1999م الإدارة الإستراتيجية بأنها: ” تصور الرؤى المستقبلية للمنظمة، وتصميم رسالتها وتحديد غاياتها على المدى البعيد، وتحديد أبعاد العلاقات المتوقعة بينها وبين بيئتها بما يسهم في بيان الفرص والمخاطر المحيطة بها، ونقاط القوة والضعف المميزة لها، وذلك بهدف اتخاذ القرارات الإستراتيجية المؤثرة على المدى البعيد ومراجعتها وتقويمها “.
ومن خلال التعريفات الكثيرة التي لا يسمح المجال بذكرها، يمكن أن نقول: إن الإدارة الإستراتيجية.. هي تصور منظمة ما لمستقبلها (مركزها، ماذا ستكون عليه في المستقبل..) على المدى البعيد، وهذا التصور يحتم عليها أن تصمم رسالتها، وتحدد غاياتها وأهدافها والوسائل التي ستتبعها للوصول لهذا المستقبل، وتحدد أيضاً كيف ستتعامل مع بيئتها الداخلية والخارجية، بما يمكنها من استيضاح نقاط القوة والضعف التي تتصف بها، والفرص والمخاطر المحيطة بها، وكل ذلك يهدف إلى أن تتمكن هذه المنظمة من اتخاذ قراراتها الإستراتيجية الهامة والمؤثرة على المدى البعيد، وأيضا مراجعة وتقويم تلك القرارات.
فعملية الإدارة الإستراتيجية جزء هام في منظومة الفكر الإداري، حيث تتضمن الإدارة الإستراتيجية تحديد وتصميم وتنفيذ ثم تقييم القرارات الهامة للمنظمة – الاقتصادية على سبيل المثال – ذات الأثر طويل الأجل.. وهذه القرارات تهدف إلى زيادة القيمة الاقتصادية – بزيادة حصتها السوقية -، وزيادة القيمة المضافة لهذه المنظمة، وللاقتصاد الوطني، ومن ثم المجتمع ككل.
كما أن عملية الإدارة الإستراتيجية في المنظمات التي لا تهدف إلى تحقيق ربح Non profit organization تسعى إلى زيادة قيمة المنظمة من خلال فعالية أنشطتها وكفاءة أدائها، والذي ينعكس على زيادة رضا المتعاملين والمستفيدين من خدماتها.
وثمة فروق هامة بين الإدارة العامة، والإدارة الإستراتيجية، والإدارة بالأهداف:
وهو أن الإدارة الإستراتيجية تختلف عن الإدارة العامة في توجهها الرئيس..ففي حين يتركز اهتمام الإدارة العامة بالشركة أو المنظمة من الداخل – بالعمل على تطبيق السياسات الموضوعة، وإنجاز الأهداف المحددة… إلخ – نجد تركيز واهتمام الإدارة الإستراتيجية أوسع من ذلك بكثير فهو يشمل المنظمة من الداخل والخارج في ذات الوقت.. فهي تنقب في البيئة الداخلية للمنظمة لتحديد نقاط القوة، ونقاط الضعف، وترصد وتراقب وتمسح البيئة الخارجية لتحديد الفرص المتاحة والتي يجب الظفر بها، فضلا عن تحديد المخاطر التي يحتمل أن تتعرض لها الشركة والعمل على الوقاية منها ودفعها.
والإدارة الإستراتيجية يقوم بها ويمارسها مديرون إستراتيجيون، لهم سمات وقدرات خاصة، أهمها سعة الأفق، وإعمال التفكير العميق، والأخذ بمبدأ المبادأة والبعد عن ردود الأفعال، ويتمتعون بمهارات خاصة تؤهلهم للابتكار والتجديد والإبداع، وهذه السمات وتلك القدرات الخاصة تمكنهم من الدراسة الفاعلية للبيئة الداخلية والبيئة الخارجية، مما تمكنهم من التفاعل معها بكفاءة عالية، ومن ثم تمكنهم من اقتناص الفرص التي تتهيأ لشركتهم أو منظمتهم، وتجنيبها المخاطر التي قد تتعرض لها أو تخفيف آثارها حين وقوعها، فضلا عن التحديد الواضح لمواطن القوة والضعف في شركتهم، والتي من خلالها يستطيعون الاستفادة من الموارد المتاحة لشركتهم أفضل استفادة.
والإدارة الإستراتيجية تركز أيضاً على استشراف المستقبل، وتعمل على تصميم غايات الشركة أو المنظمة – التي تأخذ بها – وتحديد أهدافها، وأنشطتها على المدى البعيد.. في حين نجد الإدارة بالأهداف تركز على تحقيق الأهداف قصيرة الأجل.
ومما سبق عرضه تتضح لنا أهمية الإدارة الإستراتيجية، وتتضح تلك الأهمية أكثر من خلال اعتماد الإدارات العليا في العديد من الشركات ومنظمات الأعمال العالمية على الإدارة الإستراتيجية وجعلها خياراً رئيساً لإدارة شركاتها ومنظماتها، ويرجع ذلك الاعتماد إلى تحديات العولمة، والظروف العالمية المتقلبة وغير المواتية، فضلا عن التحديات المحلية والإقليمية التي تواجهها تلك الشركات.. هذه التحديات المتشعبة لا تستطيع وسائل الإدارة التقليدية مجابهتها.. دون أدنى شك..!
وبعد ذكر التعريفات المختلفة للإدارة الإستراتيجية، وتوضيح الفروق بينها وبين الإدارة العامة (التقليدية) وبين الإدارة بالأهداف، وأيضا توضيح أهميتها بالنسبة لمنظمات الأعمال والشركات وغيرها..، لابد من ذكر أهداف وفوائد الإدارة الإستراتيجية، وكذا التحديات والصعوبات التي تواجهها، فضلا عن مراحل الإدارة الإستراتيجية (بشكل موجز – كما سبق وذكرنا -).
أهداف الإدارة الإستراتيجية وفوائدها للشركات ومنظمات الأعمال:
1- تمكِّن الإدارة الإستراتيجية الشركة من استشراف المستقبل برؤية واضحة مما يساعدها على اتخاذ القرارات الإستراتيجية.. حيث تفرض صياغة الإستراتيجية على الشركة دقة توقع الأحداث المستقبلية الإيجابية والسلبية على السواء، والاستعداد للتعامل معها، وهذا يساعد بلا شك على استقرار الشركة، فضلا عن السيطرة على مستقبلها، ومن ثم العمل على زيادة نموها..
2- تساعد الإدارة الإستراتيجية الشركة أو منظمة الأعمال على إعادة الهيكلة التنظيمية الداخلية، ووضع السياسات والإجراءات والقواعد والأنظمة، وتقدير ما تحتاج إليه الشركة من القوى العاملة بالنحو الذي يزيد من قدرتها على التعامل مع البيئة الخارجية بكفاءة وفعالية، فضلا عن إدارة موارد الشركة بكفاءة أكثر وفاعلية أرفع.
3- تساعد الإدارة الإستراتيجية الشركة أو منظمة الأعمال في تحديد عدة بدائل إستراتيجية ثم اختيار البديل الإستراتيجي الأفضل.
4- تساعد الإدارة الإستراتيجية الشركة أو منظمة الأعمال في تحديد الأولويات والأهمية النسبية لأعمال الشركة المختلفة سواء داخل أو خارج الشركة، وذلك عن طريق تحديد الغايات ووضع الأهداف طويلة الأجل والأهداف السنوية والسياسات التنفيذية لتلك الأعمال، وإجراء عمليات تخصيص وتوزيع الموارد المتاحة للشركة بالرجوع والاسترشاد بهذه الأولويات المحددة سلفاً.
5- تعمل الإدارة الإستراتيجية على توفير معايير موضوعية يسترشد بها في الحكم على مدى كفاءة إدارة الشركة وفعاليتها – دون استثناء – بدءاً من الإدارة العليا، ومروراً بالإدارة الوسطى، حتى الإدارة التنفيذية والمشرفين، وتساعد تلك المعايير أيضاً في زيادة فاعلية وكفاءة عمليات اتخاذ القرارات والتنسيق والرقابة واكتشاف وتصحيح الانحرافات المعيارية، أي بين المعايير والمنفذ.
6- تعمل الإدارة الإستراتيجية على تجميع البيانات والمعلومات باستمرار عن البيئة الداخلية للشركة، وذلك لتمكينها من تحديد نقاط القوة داخل الشركة والعمل على تنميتها، ونقاط الضعف والتهديدات والعمل على القضاء عليها أو التقليل منها، وتحديد نقاط القوة والضعف – بلا شك – يمكن المدير المسؤول من اكتشاف المشاكل مبكرًا ومن ثَمَّ يمكن الأخذ بزمام القيادة والمبادأة واتخاذ قرارات مدروسة من قبل، بدلاً من أن تكون القرارات ارتجالية في صورة رد فعل.
7- تعمل الإدارة الإستراتيجية على التركيز على البيئة الخارجية، وخاصة الأسواق التي تتعامل معها، والأسواق المستهدفة، وذلك انطلاقاً من أن استغلال الفرص ومقاومة المخاطر والتهديدات هو المعيار الأساسي لنجاح الشركات ومنظمات الأعمال.
8- وجود نظام للإدارة الإستراتيجية يتكون من إجراءات وسياسات وخطوات تنفيذية معينة.. اشترك في وضعها كل العاملين بالشركة، ليشعر هؤلاء العاملون بمدى أهميتهم، مما ينعكس على أدائهم، فضلا عن رفع روحهم المعنوية، ومن ثم زيادة الولاء لشركتهم.
9- تساعد الإدارة الإستراتيجية الشركة أو منظمة الأعمال على تحقيق أفضل النتائج من الناحية الاقتصادية والمالية، فهي توفر دراسة عميقة للبيئة الداخلية والخارجية، والتي تمكن الشركة من توظيف إمكانياتها بطريقة فعالة ورشيدة، وتمكنها من معرفة منافسيها بدقة، وتمكنها أيضاً من دراسة السوق ومعرفة أذواق العملاء والمستهلكين… إلخ.
الصعوبات والتحديات التي تواجه الإستراتيجية:
إن التطور الهائل الذي يشهده العالم اليوم في المجالات كافة، خاصة في مجال الاتصالات، وما أحدثته من جعل العالم كله يعيش وكأنه في غرفة واحدة – وليس في قرية صغيرة -، وكذلك توافر سهولة حركة المواصلات بين الدول عما كانت عليه في الماضي، فضلا عن التقدم التكنولوجي الذي تشهده العديد من الصناعات، كل ذلك – وغيره – أدى إلى وجود صعوبات وتحديات كثيرة أشعلت المنافسة الكبيرة للسيطرة على الأسواق المحلية والإقليمية والعالمية بين الشركات ومنظمات الأعمال، هذه المنافسة وغيرها من التحديات والصعوبات فرضت على الشركات ومنظمات الأعمال العمل بالإدارة الإستراتيجية كي يمكنها من مواجهة أو التقليل من أثر هذه التحديات، والتي من أهمها:
1- زيادة وتيرة التغيرات:
وذلك من حيث الكمية، والنوعية في جميع المنتجات، بل التغير السريع في بيئة الأعمال كلها، سواء البيئة الثقافية (أذواق العملاء)، أوالبيئة السياسية (النزاعات والحروب)، أوالبيئة الاقتصادية (اتفاقيات الجات، والتحالفات بين مجموعات من الدول… وغيرها)، والبيئة التكنولوجية والمعلوماتية، كل ذلك يفرض على الشركات ومنظمات الأعمال وضع إستراتيجيات دقيقة لكي تتعامل من خلالها مع الفرص والتهديدات.
2- ازدياد حدة المنافسة:
يقول د. سعد غالب ياسين: “لم تعد المنافسة مقتصرة على السعر وجودة المنتج فقط، بل تعددت الآن لتشمل كل أنشطة المنظمة، ولتصبح منافسة كونية أيضاً Global competition وتتضح هذه الصورة في ظهور منافسين جدد باستمرار، وهذا يفرض على الإدارة العليا وضع إستراتيجية ذات كفاءة عالية، وبعيدة المدى لمعالجة وضع المنظمة في أسواق مختلفة. وعلى سبيل المثال: قبل عشرين عاماً كانت شركة جنرال موتورز تتحدى العالم بصناعتها، ونموذجاً متألقاً تتطلع إليه بقية أقطار العالم، أما اليوم فنجدها تلهث من أجل البقاء على حد قول أحد مديريها “.. ومن المعروف أن شركة جنرال موتورز رائدة في تطبيق الإدارة الإستراتيجية.
3- من التحديات الخطيرة التي قد تواجه الإدارة الإستراتيجية:
الجمود وعدم المرونة في التدريب والعمل والسعي للحصول على المعرفة، فنجاح الشركات ومنظمات الأعمال الآن يتطلب منها وضع برامج تدريبية عالية المستوى لكل العاملين بها، لكي تقف بهم على أحدث الوسائل التكنولوجية والمعلوماتية والمعرفية والثقافية عموماً، وفي مجال صناعتهم خصوصاً، فإذا توافر للشركة: العامل الماهر، والإداري الكفء، والإدارة النشطة، والخبير التسويقي، والخبير المالي، والمهندس المبدع، والمعلومة الصحيحة، والمعرفة المفيدة، أمكنها – أي الشركة – وضع إستراتيجيات وسياسات عملية مدروسة، وذات كفاءة وفاعلية عالية، تسهم بلا شك في زيادة رضا العميل عن المنتجات التي تقدمها الشركة، ومن ثم زيادة حصتها السوقية المحلية والإقليمية والدولية، ومضاعفة ثرواتها، مما يعود بالنفع الاقتصادي المباشر عليها، ويعمل على زيادة معدلات التنمية الاقتصادية في الدولة التي تنتمي إليها.
4- ومن التحديات أيضا ندرة الموارد:
إن الزيادة السكانية الكبيرة التي يشهدها العالم اليوم، والتي لم يصاحبها زيادة مماثلة في الموارد الطبيعية المكتشفة، أدى إلى ظهور واضح للصراعات بين الدول، وبين الشركات ومنظمات الأعمال على موارد الطاقة خاصة النفط، والماء، والكفاءات العلمية والفنية الماهرة، هذه الصراعات فرضت على الشركات ومنظمات الأعمال التفكير في وضع الإستراتيجيات التي تضمن من خلالها توفير ما تحتاج إليه من موارد بالمقدار الكافي، فضلا عن تأمين بقائها.
5- التحالفات والشراكات الإستراتيجية:
اتجهت كثير من الشركات منذ عقود زمنية قليلة إلى سياسة التحالفات والشراكات الإستراتيجية المفتوحة مع الشركات العالمية الكبرى، وذلك نتيجة لأسباب، أهمها:
– العولمة، وما أدت إليه من تلاشي الحدود السيادية بين الدول في مجال الأعمال.
– ازدياد حدة المنافسة الأجنبية في الأسواق المحلية والإقليمية.
– حرية التبادل التجاري، وما فرضته الاتفاقيات الدولية، وخاصة اتفاقية (الجات) من تخفيضات هائلة للتعريفات الجمركية بين الدول الموقعة عليها.
– ندرة الموارد الطبيعية التي تعتمد عليها شركة ما في دولتها، وتوافرها في دولة شركة أخرى تعمل في نفس المجال.
مراحل الإدارة الإستراتيجية:
تمر عملية الإدارة الإستراتيجية بأربعة مراحل:
1- مرحلة التحليل والرصد البيئي:
تتعرف الشركات أو منظمات الأعمال بيئتها الداخلية والخارجية، عن طريق الخبرة، وجمع البيانات الإحصائية بالوسائل التقليدية وغير التقليدية والتي استحدثت نتيجة للتطورات الهائلة في عالم تكنولوجيا الاتصالات.
والتحليل البيئي هو استعراض وتقييم البيانات والمعلومات – التي تم الحصول عليها عن طريق مسح البيئة الداخلية والخارجية – ومن ثم تقديمها للمديرين الإستراتيجيين في الشركة أو منظمة الأعمال، والذين يقومون بتحليلها إستراتيجياً بهدف تحديد العوامل الإستراتيجية والتي سوف تحدد مستقبل الشركة أو منظمة الأعمال.
والطريقة الأكثر شيوعاً في تحليل البيئة الداخلية والخارجية هي طريقة SWOT Analysis، ويستخدم هذا المصطلح لتحليل البيئة الداخلية عن طريق عوامل القوة Strengths وعوامل الضعف Weaknesses، وهذه العوامل (القوة والضعف) قد لا تكون تحت سيطرة الإدارة العليا في المدى القصير، وتشتمل هذه العوامل على: ثقافة الشركة، وهيكلها، والموارد البشرية والمادية المتاحة. ومن المعلوم أن نقاط القوة داخل الشركة تشكل الخصائص والعوامل الرئيسة التي تستخدمها للحصول على الميزة التنافسية.
2- مرحلة صياغة الإستراتيجية:
وهي المرحلة التي توضع فيها الخطط طويلة الأمد، لتتمكَّن الإدارةُ العليا من استغلال الفرص، وتتجنب التهديدات، وتزيد نقاط القوة، وتحد من نقاط الضعف، بأسلوب إيجابي وفعال.
وتحتوي عملية صياغة الإستراتيجية التحديدَ الشاملَ والدقيق لكل من المجالات الآتية:
أ – تحديد رسالة الشركة أو منظمة الأعمال Mission:
بعد تحديد الرؤية: Vision
وهي صورة المنظمة وطموحاتها في المستقبل، والتي لا يمكن تحقيقها في ظل الإمكانات الحالية وإن كان من الممكن الوصول إليها في الأمد البعيد.
تُحدَّد رسالة الشركة أو منظمة الأعمال، وهي وثيقة مكتوبة تمثل مرجعية ومرشداً رئيساً للشركة، تقارن وتقاس بها جميع القرارات قبل اتخاذها، وجميع السياسات قبل وبعد رسمها، وكذلك الإجراءات التنفيذية، وتشمل هذه الوثيقة مدة زمنية طويلة الأمد.
وتستطيع الشركة أو منظمة الأعمال بعد تحديد رسالتها أن تجيب عن هذه الأسئلة الهامة:
– ما هو عمل الشركة الآن؟
– وكيف سيكون وضع العمل في المستقبل؟
– لمن يؤدَّى هذا العمل؟
– لماذا أُسِّست الشركة؟
ب – تحديد الأهداف التي تستطيع الشركة أن تحققها على المدى البعيد:
من المعروف أن الأهداف ما هي إلا نتائج النشاط السابق تخطيطه والتي عملت الشركة على تحقيقه.
وتحدد الأهداف:
– ماذا يجب أن يُنجَز؟
– ومتى يكون الإنجاز؟
وهناك فرق بين الأهداف objectives والغايات Goals، فالأهداف تُشتق من الغايات. فالغايات هي حالة عامَّة لما يريد أن تحققه الشركة في المستقبل البعيد، مثلاً: تريد الشركة تعظيم الربح، أما الهدف فقد يكون تحقيق صافي الربح سنوياً بنسبة 10%، وهذا معناه السعي للغاية وهي تعظيم الربح.
ج – وضع الإستراتيجيات وتطويرها:
– الإستراتيجية الكلية أو إستراتيجية المنظمة corporate strategy.
– إستراتيجيات وحدات الأعمال business strategy.
– الإستراتيجيات الوظيفية function strategy.
د – وضع السياسات:
يجري وضع السياسات – وهي مجموعة من المبادئ والمفاهيم – من قبل الإدارة العليا لكي تبين وتصف من خلالها القواعد والإجراءات الأساسية للتنفيذ. وتنبع السياسات من المصدر الرئيس وهو الإستراتيجية التي اختارتها الشركة، لتشكل هذه السياسات خطوط مرجعية يسترشد بها العاملون داخل الشركة في اتخاذ القرارات.
3- تنفيذ الإستراتيجية:
وهي العملية التي عن طريقها تُوضع الإستراتيجيات والسياسات موضع التنفيذ من خلال ما تضعه الإدارة العليا من برامج، وخطط، وميزانيات، وقواعد، وإجراءات… إلخ.
4- التقويم والسيطرة:
التقويم والمتابعة هما عملية مراقبة تقوم بها الإدارة العليا بهدف تحديد مدى نجاح خيارهم الإستراتيجي المطبق في تحقيق غايات وأهداف الشركة، ويتم التقويم على مستوى الشركة ككل، ومستوى وحدات الأعمال والوظائف.
التعريف ببعض أنواع الإستراتيجيات العامة المستخدمة في الشركات ومنظمات الأعمال:
1- إستراتيجية الريادة Cost Leadership Strategy:
وفيها تحقق الشركة أو منظمة الأعمال عائدا يفوق العائد السائد في القطاع الذي تنتمي إليه بالرغم من وجود منافسة قوية.
2- إستراتيجية التمايز Differentiation Strategy:
وفيها تحقق الشركة أو منظمة الأعمال عائداً يفوق العائد السائد في القطاع الذي تنتمي إليه فضلاً عن تعزيز القدرة الدفاعية للشركة لمواجهة المنافسين.
3 – إستراتيجية التركيز Focus Strategy:
وفي هذا النوع من الإستراتيجيات تركيز الشركة على نشاط واحد – لها ميزة نسبية فيه – أو التوجه إلى شرائح محددة من العملاء.
4- إستراتيجية الاستقرار Stability Strategy:
وفي هذا النوع من الإستراتيجيات تسعى الشركة أو منظمة الأعمال إلى المحافظة على مجموعة النشاطات الحالية، والوضع الاقتصادي الحالي.
5- إستراتيجيات النمو Growth Strategy:
وفي هذا النوع من الإستراتيجيات تقوم الشركة بالتركيز على تنمية المبيعات أو الأرباح أو الحصة من السوق… إلخ.
6- إستراتيجيات الانكفاء (التقشف أو الترشيد) Retrenchment Strategy:
تستخدم الشركة هذه الإستراتيجية عندما يكون بقاؤها مهدداً لعدم تمكنها من الصمود في وجه المنافسين.
7- الإستراتيجية المركبة Combinations Strategy:
وفيها تقوم الشركة باعتماد مزيج (تنويع) من الإستراتيجيات العامة التي استعرضناها آنفاً.
المراجع
1- ” الإدارة الإستراتيجية لمواجهة تحديات القرن الحادي والعشرين “، د. عبد الحميد عبد الفتاح المغربي – القاهرة: مجموعة النيل العربي 1999م.
2- ” الإدارة الإستراتيجية “، د. سعد غالب ياسين، عمان، دار اليازوزي، 1998م.
3- ” الإدارة الإستراتيجية، الأصول والأسس العلمية “، د. محمد أحمد عوض، الدار الجامعية، الإسكندرية 2004م.
4- Anssof. H. I. (1965) , corporate strategy; an analytic approach to growth and expansion. New York ; McGrow – Hill.
5- David, F.R., (1995), strategic management , New Jersey , prentice hall.
6- Wheelen, T.H., and Hunger, (2004) , strategic management and business policy, New York: Addison – Wesley publishing co.,