الاقناع : هو حث الآخرين على فهم وتأييد وجهة نظرك ، و كسبهم الى جانبك ، فيما تحاول نقله اليهم من معلومات ،أو حقائق.
مخاطبة العقول والقلوب فن لا يجيده إلا من يمتلك أدواته، وإذا اجتمعت مع مناسبة الظرف الزماني والمكاني أثرت تأثيراً بالغاً، ووصلت الفكرة بسرعة البرق. وهكذا كانت طريقة القرآن في تلمس حاجات الوجدان وأيضا من عوامل نجاح الأنبياء – عليهم الصلاة والسلام- في إقناع الناس برسالتهم، وما عليك إلا أن تتأمل في أحاديث الرسول- صلى الله عليه وسلم- لتستلهم منها كنوزاً في فقه الدعوة، يقول ابن مسعود -رضي الله عنه-: “ما أنت بمحدث قوماً حديثاً لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة”. ووصولاً إلى تحقيق الهدف من الدعوة فإن مما تحسن العناية الشديدة به نشر ثقافة الإقناع وفنون الحوار وفن الاستماع وتقمص شخصية الآخر في محاولة لفهم دوافع موقفه.. وهذه لا يعني بطبيعة الحال الدخول في أي حوار وطرح القضايا الشرعية للاستفتاء العام؛ لإن هذا يدل على شخصية ضعيفة وانهزام أمام ضغط الواقع.
إن هناك من يخاطب الناس على أنهم فئة واحدة أو أن لديهم القناعات نفسها التي لديه ولذا تراه يخاطب نفسه في آخر الأمر. وأرى أن الشباب مثلاً بحاجة إلى من يجيبهم على كثير من الأسئلة الملحة التي تواجههم بطريقة تناسب تفكيرهم وتتعامل بشكل صحيح مع المنطلقات الفكرية التي تربوا عليها، ونحتاج أن نقوم بدراسات لمعرفة أكثر الأساليب تأثيراً عليهم. إن الدورات التي تتناول مهارات الاتصال وفنون الحوار والإقناع وطرق التأثير متوفرة على شكل كتب أو أشرطة سمعية ومرئية، فقط تحتاج من المربي أو الداعية أن يوجه اهتمامه إليها ويعنى بتقوية الخير والعلم الذي يحمله بهذه المهارات البالغة التأثير على القلوب. ولدينا من الخطباء والمحاضرين من استطاع أن يصل إلى شريحة كبيرة من الناس بسبب حرصه على العناية بهذه المهارات التي ربما تكون عند البعض فطرية وعند الآخرين تحتاج إلى تنمية.
وإليك نموذجاً نبوياً يتعلق بهذا الموضوع أورده سلمان الفارسي -رضي الله عنه- قال: “كنت مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تحت شجرة، فأخذ منها غصناً يابساً، فهزه حتى تحات ورقه (أي سقط) فقال: “يا سلمان: ألا تسألني لم أفعل هذا؟” قلت: لم تفعله؟ فال: إن المسلم إذا توضأ فأحسن الوضوء ثم صلى الصلوات الخمس تحاتت خطاياه كما تحات هذا الورق، ثم قرأ )وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفاً من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين(” [هود،114]. لقد كان ضرب المثل الحي وسيلة عظيمة لتوصيل القناعة وترسيخ المفهوم.
لكي يكون الإقناع مؤثرا حقا يجب توافر ثلاثة عناصر :
1-الــثــقــة ..
2-المــنــطــق ..
3-الــعـاطـفـة..
1- الثقة: بمعني أن تزرع الثقة فيما تقول في نفسية الطرف الاخر عن طريق لغة الجسد وهيئة ونغمة الصوت والاستعداد الشخصي .
و أن تكون واثقاً تماما في صحة ما تريد الإقناع به.. و أن تتأكد بأن كافة نقاطك مدعمّه حتّى تُجيب على كافة الاستفسارات بثبات و عقلانية.
2- المنطق : اعرض وجهة نظرك بطريقة منطقية لا مراء فيها . و اجعل حديثك متناسق و منظّم و نقاطك متسلسلة ..تصل بشكل سهل و مفهوم.
3- العاطفة : حرك المشاعر في الشخص الاخر ..أقنع الشخص الاخر بأن لديك هدفاً واحدا وهو مساعدته .
و إليك بعض الخطوات التي قد تعينك على امتلاك مهارة إقناع الطرف الآخر بحيث تستطيع اقناعه بوجهة نظرك دون ان تسبب له جرحا او إحراجا.
1. ابدأ حديثك بالثناء علي الطرف الآخر وإظهار ثقتك في قدراته .
2. لابد أن تكون مقتنعا جدا من الفكرة التي تسعى لنشرها .و معرفة موضوع النقاش معرفة دقيقة.
3. ابدأ بنقاط الاتفاق وابتعد عن نطاق الخلاف .
4. استخدم ألفاظ الربط للانتقال من فكرة الى اخرى و على سبيل المثال : بما أن ، إذن ، وحينما يكون ،بناء عليه،بالمقارنة،و يترتب على ذلك .. الخ ، فهذه الألفاظ تساهم في تأكيد معنى أو تضيف اليه جديدا أو توضح نتيجة..
5. ترك الجدل العقيم الذي يقود إلى الخصام .(لا تجادل)
6. اعتماد الموضوعية في النقاش.
7. التركيز على الأفكار الجوهرية في الموضوع و امتلاك حجج دامغة و براهين لاستمالة أفكار المخاطب .
8. انتق عباراتك،و اختر كلماتك،و هذّب ألفاظك .
قال تعالى(و لو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك ).
وإلا فالصمت خير لك لكي لاتندم على كلمات قد قلتها لحظة غضب.
9. اختيار العبارة اللينة الهينة ، والابتعاد عن الشدة الإرهاب والضغوط وفرض الرأي.
قال الرسول( ماكان الرفق في شيء إلا زانه) .
10. استخدم لغة الجسد بان تقبل على محدثك و لا تصرف نظرك عنه أو تنشغل بشيء غير كلامه و إن تحدث فأنصت إليه .
11. تجنب السخرية.كذلك لا توبّخ ولا تؤنّب و لا تلوم :التأنيب و اللوم يجرح كبرياء الانسان.
12. خاطب الناس على قدر عقولهم ،و عواطفهم،و مشاعرهم .
13. قدر أفكار محدثك , وأظهر احتراما لها, ولا تقل له أنه مخطئ .
14. لاتصر على الفوز بنسبة مائة في المائة :لاتحاول ان تبرهن على صحة موقفك بالكامل وان الطرف الآخر مخطئ تماما في كل مايقول..
و أخيرا تذكّر :-
إنّ التمهيد الصحيح و التنظيم، و دقة الارقام
و الإحصائيات كذلك الإيجاز و الابتعادعن الجدل
عوامل مؤثّرة في اقناع الآخر
و تجنبك الوصول معه الى النزاع و الخصام.