تطور الفكر المحاسبي
نشأت المحاسبة وتطوَّرت روعها بتفاعل عوامل اقتصادية واجتماعية وقانونية أدت بمجملها إلى ظهور الحاجة إلى الحاجة إلى خدمات المحاسبي المختص بتقديم المعلومات التي تساعد على معرفة نتائج النشاط الإنتاجي للمنشأة الاقتصادية خلال فترة معينة, وتوضح المركز المالي في تاريخ معين, وتساعد الإدارة في ترشيد عملية اتخاذ القرارات.
نشأت عملية التبادل من القِدَم وذلك عن الانتقال من النظام المشاعي إلى النظام الإقطاعي, حيث كانت تتم على أساس المقايضة (سلعة مقابل سلعة), ثم أصبحت فيما بعد هناك سلعة اعتُبرت بمثابة مقياس عام لكافة السلع, وفيما بعد أصبح النقد هو المعادل العام ويٌُستخدم لقياس عمليات التبادل.
إن أول كتاب ظهر في أدبيات المحاسبة يتضمن عرضاً كاملاً لمسك الدفاتر وفق نظام القيد المزدوج واعُتمِدَ مرجعاً علمياً وتعليمياً هو كتاب الراهب النمساوي لوقا باشيلي Luca Pacioli عام 1449 في 36 فصلاً قصيراً حول مسك الدفاتر تحت عنوان ” في الحساب والتسجيل ” , كما أنه حدَّد الدفاتر الواجب مسكها وهي:
1- دفتر اليومية التذكيري.
2- دفتر الخرطوش (المسودة).
3- دفتر الأستاذ.
اعتبر لوقا أن حقوق صاحب المشروع تتمثل في القيمة المتبقية نتيجة المفاضلة بين أصوله وخصومه أول وآخر المدة, وقد قدَّم لوقا معادلة الميزانية على الشكل التالي: الأصول = الخصوم + حقوق صاحب المشروع:
الأصول – الخصوم = صافي قيمة الأصول = حقوق صاحب المشروع
في بعض الحالات عند عدم وجود أعمال كثيرة لدى المنشأة يمكن الاعتماد على ما قدَّمه لوقا بقياس التغير في حقوق الملكية بين أول المدة وآخر المدة أو ما يسمى بصافي قيمة الأصول.
نلاحظ أن نظام القيد المزدوج في بداية تطبيقه كان يُركِّز على أهداف تحديد المركز المالي, وبالتالي لم يكن هناك حاجة إلى إعداد حساب الأرباح والخسائر أو قائمة الدخل, وذلك نظراً لان حجم الأعمال لم يكُن على درجة كثيرة من التشعُّّب.
إن تطور المشروعات ومستوى التطور الاقتصادي والاجتماعي انعكس على العمل والفكر المحاسبي, وتمثَّل في فكر وتنظيم وفلسفة وبناء علمي لنظرية المحاسبية.
في بداية القرن الثالث عشر؟ ظهرت المشروعات الفردية, واستخدمت الكتابة لضبط الأعمال, ثمَّ لإثبات علاقة الدائنية والمديونية للمشروعات, وهذا ما يسمى بالحسابات الشخصية, إذ أن التاجر آنذاك اهتمَّ فقط بتسجيل عملياته مع الغير, واكتفى بالإشراف الشخصي على عناصر موجوداته كالنقدية والمصاريف,… وانتشرت سريعاً, فبدون تلك الحسابات لم يكُن التوصُّل إلى نتائج أعمال المنشأة ممكناً في فترة محددة.
وفي نفس الوقت بدأ التسجيل المحاسبي في الحسابات يأخذ شكل حرف T, وبهذا أخذ العمل المحاسبي أبعاده بشكل متكامل.
إن تطور المشروعات الفردية وتنوع أنشطتها فرض على المحاسبة أن تُطوِّر نفسها لتلبي الحاجات المتزايدة للأفراد.
في بداية الأمر تطورت المشروعات الفردية إلى شركتا أشخاص (مجموعة أقرباء), وهذا ما أدى إلى ظهور حاجات أخرى لإثبات حق كل فرد منهم, فظهرت حينها الحسابات الجارية للشركاء, وبدأت ظهور حاجة لفكرة توزيع الأرباح فيما بين الشركاء.
إن التطور الاقتصادي والبُعد الجغرافي والحاجة إلى رأسمال أكبر أدت إلى الحاجة إلى ظهور شركات الأموال, حيث قُسِّمَ رأس المال إلى حصص متساوية, وكل حصة سُمِّيَت بالسهم, وهذا تطلَّب من المحاسبة نوع جديد من الإثبات (توزيع أرباح خسائر) إثبات حصص الشركاء, أديِّش حصة السهم).
هذه الأساليب الإجرائية الجديدة وتطورها, إنما ما يهمنا منها ما هو أثر انعكاساتها على الفكر المحاسبي.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا, هل أدت تلك التطورات إلى تطور أهداف المحاسبة ؟
إن الإجابة على هذا السؤال سوف تكون من خلال العرض التالي:
إن هدف تحديد نتيجة المشروعسأأس في السابق لم يكن ظاهر, أما الآن فهذا ضروري, فعندما كان المشروع فردي لم تكُن هناك مشكلة, أما عند الانتقال إلى المشروعات الجماعية (أشخاص, أموال) كان لا بد من الأخذ بعين الاعتبار تحديد فترة زمنية لمعرفة نتيجة النشاط (فرض الدورية) وهذا ما أوجد مبادئ وفروض محاسبية.
إن الأسلوب المُتَّبع لتحديد نتيجة النشاط هو تطبيق مبدأ المقابلة (الإيرادات بالنفقات), وإن هذه التطورات أُطِّرَت لتشكل مفردات الفكر المحاسبي.
بعد الثورة الصناعية, تطورت أشكال المشروعات التي تميزت بانفصال الملكية عن الإدارة, وظهرت الشخصية المعنوية المستقلة, وهذا ما أنشأ ما يُسمَّى بنظرية الوكالة, ومفادها أن الإدارة كانت تمارس عملها كوكيل عن المساهمين, ويجب أن تسعى لتحقيق مصالحهم, فالإدارة تعمل بوحي من الجمعية العمومية للمساهمين.
لكن, هل كان الأخذ بنظرية الوكالة تأثير على نظرية المحاسبة ؟
بالتأكيد, كان للأخذ بنظرية الوكالة تأثير على نظرية المحاسبة من خلال ظهور مفهوم الشخصية المعنوية المستقلة, وكان لهذه الخاصية أثر كبير على المحاسبة, فقد أظهر الدور المحاسبي في مجال تقييم الإدارة, وما يتطلبه ذلك من ضرورة مقابلة المجهودات بالمنجزات.
ويمكن تلخيص أهم نقاط التأثير فيما يلي:
1- أصبحت الإدارة مُلزمِة بتقديم تقارير عن نتائج أعمالها (مبدأ الإفصاح) في نهاية كل فترة زمنية على الأقل إلى المساهمين لعدم وجود سوق مالية آنذاك.
2- طالما أن الإدارة أصبحت وكيلة عن المساهمين تعمل بوحي من الجمعية العمومية للمساهمين, فإنها كانت تبتكر أساليب جديدة لتُظهِرها بموقع الإدارة العلمية الفنية, وهذا لم يكن إلا من خلال الأخذ بمبدأ التكلفة التاريخية في الإثبات المحاسبي, حيث أن الأعباء ستكون أقل, ونتائج الأعمال ستكون أعلى, وتطبيق فرض الاستمرارية.
انتكس المحاسبون بعد أزمة الكساد الكبرى (1929-1933), حيث أفلست الكثير من المشروعات الصغيرة والمتوسطة, وسيطرت شركات أخرى عملاقة على السوق, حيث اضطرت هذه الشركات الصغيرة إلى الاقتراض لتغطية الفشل الذي كانت تمر به, وهذا سبَّب أعباء مالية إضافية على الإدارة, وهذا اضطرها رُغم أنف المحاسبين إلى إخراج قوائم مالية مضللة (بأن الوضع الحالي مُطمئِن) حتى لا تخرج سريعاً من السوق, لكن هذا لم ينفع, حيث أفلست العديد من المشاريع وألقى المساهمون الملومة على المحاسبين, ورُفِعَت الدعاوى ضدهم, واعتُبِوا هم المجرمون, على الرغم من أنهم كانوا يتبعون سياسات محاسبية كانت تُمليها عليهم الإدارة, وكانوا مجبرين على ذلك باعتبارهم كانوا موظفين فيها, والنتيجة أن أحكام القضاء كانت تصدر ضد هؤلاء المحاسبين, أما مسؤولية الإدارة عن ذلك, فلم تكن إلا مسؤولية ثانوية.
بعد هذه الأزمة, خرج المحاسبون بقوة وطالبوا بتشكيل منظمات مهنية لتضع الأسس والقواعد للعمل المحاسبي, والتي كان من أهم مهامها:
1-حماية ودعم المحاسبين تجاه الضغوط المادية والمعيشية التي يمكن أن سها مجلس الإدارة.
2- تنمية المعرفة والثقافة المحاسبية بإقامة الندوات, ورصد التعليمات والتوصيات المهنية لمواجهة المشاكل التي تقابل المحاسب في الحياة العملية.
ومن أهم هذه المنظمات, نذكر:
– المعهد الأمريكي للمحاسبين القانونيين AICPA – مُجمع المحاسبين القانونيين في إنكلترا وويلز ICA
– الجمعية الأمريكية للمحاسبة AAA – هيئة معايير المحاسبة المالية FASB
مراحل التنظير المحاسبي:
1- مساهمات الإدارة, وامتدَّت منت عام 1900 إلى عام 1933 , حيث سيطرت الإدارة على المعلومات المحاسبية.
2- من عام 1933 إلى عام 1973 حيث وُضِعَت المبادئ المحاسبية المقبولة عموماً, واعتبرت بمثابة دليل عمل.
3- ما بعد عام 1973 وحتى الآن, وهي مرحلة تسييس إنشاء المعايير المحاسبية.
المرحلة الأولى- مساهمات الإدارة (1900 – 1933):
إن ظهور شركات الأشخاص أدى إلى ظهور خاصيتين:
1- فرض الاستمرارية:
ومفاده أن الشركات تُنشأ لتبقى وتستمر, وليس لِتُصفَّى على الأغلب, وإن فرض الاستمرارية يتصل اتصالاً وثيقاً مع نهج التكلفة التاريخية, لأنه في حال تذبذُب الأرباح بين دورة مالية وأخرى, يمكن الاعتماد على مبدأ التكلفة التاريخية, فما دام المشروع مستمر فإن تطبيق مبدأ التكلفة التاريخية قد يُعوِّض الخسارة التي قد تتحقَّق في إحدى الدوريات المالية.
وعلى الرغم من إيجابيات هذا الفرض, إلا أنه ظهر له بعض السلبيات, ومنها:
أن سعي الإدارة إلى تمهيد الدخل (جعل الدخل غير متذبذب) أو (منتظم) قد ساعد في تهجير الثروة بين أجيال المساهمين, وذلك من خلال تقديم عوائد شبه متساوية على مرٍّ الدورات المالية المتباينة الأرباح والنتائج.
2- خاصية الملكية الغائبة:
أي انفصال الملكية عن الإدارة, وبالتالي ظهور الشخصية المعنوية المستقلة, وكان لهذه الخاصية تأثير على تطور الفكر المحاسبي, وذلك على صعيدين:
الأول- الصعيد العملي:
منذ بدايات تكوين الشركات بنشر قوائم مالية دورية (فرض الدورية) و(الإفصاح المحاسبي), ظهرت الملامح الأساسية لنظرية الوكالة لتحديد العلاقة بين الملاك والإدارة, وأظهرت الحاجة إلى التدقيق الخارجي للقوائم المالية التي تمَّ نشرها من قبل الشركات المساهمة, وذلك من أجل رفع مستوى الثقة في هذه القوائم, وأصبح وجوب تأشير مدقق خارجي لإخلاء مسؤولية الإدارة تجاه الأطراف الأخرى الخارجية.
انتقل الاهتمام من الميزانية إلى قائمة الدخل, وقم تمَّ التركيز عليها باعتبار أن قائمة الدخل تمثل مدى قيام الإدارة بواجباتها.
حيث كان يُنظَر إلى الميزانية العمومية على أنه مُجرَّد كشف بالأرصدة المتبقية بعد إعداد قائمة الدخل, وهي وسيلة لزرع الثقة في نفوس المساهمين لطالما أن المنشأة تحتوي على القدر الكافي من الأصول لِتوفِّي التزاماتها, لكن طالما أن الملكية انفصلت عن الإدارة, كان لا بد من توفير مقياس لقياس أثر كفاءة الإدارة فكان الاعتماد على قائمة الدخل, وطبقاً لهذا الاتجاه أصبحت الميزانية العمومية بمثابة حلقة الوصل بين قائمة الدخل للفترات المتعاقبة, أي تطبيق مبدأ مقابلة الإيرادات بالنفقات.
المرحلة الأولى- مساهمات الإدارة (1900 – 1933):
الأول- الصعيد العملي:
تمَّ تناوله في المحاضرة السابقة.
الثاني- الصعيد النظري:
أي ماذا قدَّم الأساتذة والكُتَّاب في هذه الفترة.
– وليم باتون عام 1922 :
وضع ما يسمى بمصادرات العمل المحاسبي, وهي قضايا لا بد منها للتأسيس عليها للعمل المحاسبي, وهذه المُصادرات هي:
1- فرض الوحدة المحاسبية:
أي افتراض أنَّ للمنشأة شخصية معنوية مستقلة عن أصحابها, وبالتالي هذا يعني تحديد المجال الذي على المحاسب الاهتمام به, أي ما هي الأحداث التي تخص المنشأة وليبس المالك, وبالتالي عدم تداخُل العمليات التي تخص المنشأة والمالك, فعملية المسحوبات مثلاً تُسجَّل لأنها تخص المنشأة, وليست لأنها تخص المالك.
2- الاستمرارية:
أي افتراض أن المنشأة مستمرة في أعمالها إلى اجل غير محدد, وبالتالي فإن المشروع سيستمر في أعماله على الأقل في المستقبل المنظور, الأمر الذي يبرر حسب رأي باتون تطبيق مبدأ التكلفة التاريخية لتقييم الأصول الثابتة, فأي خطأ ينتج عن ابتاع مبدأ التكلفة التاريخية قد يُعوض في السنوات اللاحقة, وإذا ما افترضنا أن مجمع الاهتلاك لن يكفي عند ارتفاع الأسعار, أيضاً لا توجد مشكلة لأننا كنا رابحين في السنوات الماضية, وربحنا هذا العام سيغطي هذا الارتفاع في الأسعار, لكن جيل المساهمين الحالي سيُحرَم من أرباح من حقِّه حيث ستنتقل إلى جيل آخر.
3- معادلة الميزانية:
أي من حيث وجود توازن تام بين الحسابات المدينة والدائنة, بافتراض أن للمنشأة شخصية معنوية مستقلة تمتلك أصول المنشأة, وتلتزم تجاه طرفين, الأول تجاه صاحبها, والثاني تجاه الغير.
ومعادلة الميزانية تدعو لتطبيق مبدأ القيد المزدوج لإثبات جميع الأحداث المالية والممارسات التي تقوم بها المنشأة من أجل إعداد الحسابات والقوائم المالية.
4- ثبات وحدة القياس:
وذلك في جميع الأحداث المحاسبية باستخدام مقياس عام, وقد اتُّفِقَ على استخدام النقد كمقياس عام.
ولكن لا بد من توفر ثبات القوة الشرائية لوحدة النقد, لأنه إذا لم تكُن قوة النقد الشرائية ثابتة, أي أن قيمة الشراء في كل دورة مختلفة فإننا مضطرين لإعادة تقويم أعمال المنشاة بالكامل, نستنتج:
أ- لا بد من توفر مقياس عام.
ب- افتراض عدم الثبات يعني إجراء تعديلات مستمرة.
جـ- عدم قابلية المقارنة عند عدم وجود مقياس عام.
5- اعتماد التكلفة التاريخية:
أي اتساق التكلفة أو متابعة عناصر التكاليف.
المرحلة الثانية- من عام (1933- 1973):
في هذه المرحلة ظهرت نتائج المرحلة الأولى, حينما تُهِمَت الإدارة والمحاسبين ومدققي الحسابات بأنهم سببوا الكثير من إفلاس المشروعات وذلك من خلال ضغط الإدارة على المحاسبين بإصدار قوائم مالية مُضللة مما أدى إلى نشوء مشاكل مع المساهمين والمقرضين.
لذا فقد ظهرت في هذه الفترة مُطالبات بتقديم فكر وأسس وإرشادات للعمل المحاسبي, وطُلِبَ من الدول التدخُّل وإصدار قوانين للعمل المحاسبي, ومنها:
قانون الاستثمار, لجنة الاستثمارات والبورصة, وقانون سوق الأوراق المالية.
في عام 1934 كُلِّفَ المهد الأمريكي للمحاسبين القانونيين بوضع مبادئ للعمل المحاسبي, فشكل المعهد لجنة اتَّبعت المنهج الوصفي والذي يمثل جرد ميداني للمبادئ المحاسبية السائدة مع التركيز على مبدأ الثبات في اتباع النسق, ونلاحظ أن هذه اللجنة اعتمدت المنهج الاستقرائي في تكوين النظرية.
وقد خرجت هذه اللجنة بتوصيات سُميَّت بالمبادئ المحاسبية المقبولة عموماً, وقد صُنِّفَت في ثماني مجموعات:
1- الثبات في اتباع النسق:
أي اتباع نفس الطرق المحاسبية من دورة مالية لأخرى, وذلك من أجل خلق إمكانية للمقارنة بين المنشأة نفسها ضمن الفترات المختلفة (من عام لآخر), وبين المنشأة والمنشآت الأخرى.
2- الإفصاح:
إن تعدُّد الجهات المهتمة بالمنشأة استوجب إفصاح بدرجة كاملة, وبالتالي أصبح من الضروري تقديم إفصاح شامل يُرضي جميع الأطراف المهتمة على الرغم من اختلاف اهتماماتهم.
في عام 1934 وبعد صدور هذه المبادئ المحاسبية المقبولة, بدأ الاهتمام بها يخف, وتمَّ الانتقال إلى المعايير المحاسبية الدولية.
أصدر المعهد الأمريكي AICPA بعض القواعد للعمل بها, ومنها:
أ- قاعدة تحقق الإيراد بالبيع.
ب- عدم جواز إضافة المكاسب الرأسمالية إلى قائمة الدخل ضمن النشاط العادي (الجاري), وإنما يتم إدراجها ضمن النشاط غير العادي للمشروع.
جـ- عدم جواز احتساب أرباح عن أسهم الخزينة, وهي أسهم تمتلكها المنشأة (تشتريها هي بنفسها من سوق الأوراق المالية).
د- وجوب استبعاد أوراق القبض المُوقعة من قبل شركات تابعة أو من موظفي الشركة, وذلك لعدم التأثير على المركز المالي للمنشأة (والتي تسمى بأوراق القبض الصورية), وذلك لأن ذلك يؤدي إلى تحسين صورة المنشأة بشكل وهمي بصورة مختلفة للواقع, وذلك من أجل إعداد قائمة التدفقات النقدية.
المرحلة الثالثة- من عام 1973 إلى الآن:
في هذه المرحلة لم يعُد النظر إلى العمل المحاسبي على صعيد ضيِّق (فردي) لا يتجاوز المنشأة فقط, وإنما على مستوى المحاسبين في جميع المنشآت والمهتمين بالمعلومات المحاسبية للمنشأة, والمدققين والمراجعين والمساهمين (على مستوى المجتمع ككل), أي أنك بحاجة إلى أن تُخاطِب شريحة كبيرة من الفئات, وبالتالي تحتاج إلى أسلوب خطابة, ومن هنا بزغت فكرة المسؤولية الاجتماعية أو ما يسمى بنظرية العقد الاجتماعي, والتي تقضي بأنه يوجد عقد ضمني بين الجميع بما فيه مصلحة للجميع, وبالتالي على المنشأة أن تعمل بوحي من مصلحتها ومصلحة المجتمع, وهنا تمَّ الانتقال من مفهوم الربح الاقتصادي إلى مفهوم الربح الاقتصادي الاجتماعي.
وإن كل الأمور لم تُحسَم إلى الآن, وظهرت العديد من المشكلات, منها: المسؤولية الاجتماعية, الموارد البشرية.
ولكن الحقيقة الثابتة الواحدة في ساحة العمل المحاسبي هي مبدأ التكلفة التاريخية باعتبار أنها تقوم على أدلة ومستندات فعلية.
إن التعرُّف على بعض جوانب القصور في الإطار الحالي للفكر المحاسبي, وبصفة خاصة عدم قدرة هذا الإطار على ملاحقة ومسايرة التطور في نطاق المسؤولية المحاسبية يجعلنا نطرح التساؤلات التالية:
1- هل هناك حاجة إلى نظرية في المحاسبة؟
2- ما هو مفهوم النظرية بصفة عامة؟
3- ما هي عناصر النظرية المحاسبية؟
فمن وجهة نظر اقتصادية, يمكننا القول أنه يجب أن تُصاغ النظرية لكي تؤدي أغراض اقتصادية, وبخلقية أخلاقية فلا يمكن للمحاسب أن يعمل بل لا أخلاق.
وإذا أردنا الإجابة على التساؤل الأول, نقول أنه حتى الآن لا توجد نظرية للمحاسبة, فمنذ لوقا باشيلي وإلى الآن, كانت هناك أُسًُس وقواعد وثوابت, كانت وما زالت معمول بها حتى وقتنا الحاضر وهي ما يمكن التعبير عنه بالجانب العملي لنظرية المحاسبة.
وقد استمرَّ العمل المحاسبي بهذا الثبات, لكن مع ذلك كانت هناك مرونة في هذه الأسس أي أنه لم يكن تغيير وإنما تطوير لها لتلبية الحاجات المتزايدة التي فرضتها الظروف الجديدة, لذا فقد وُجِدَت بدائل متعددة بما يتوافق مع ظروف العمل.
وبالتالي, هل يمكننا أن نستنتج أن التغير الدائم للظروف يجعلنا غير محتاجين إلى نظرية في المحاسبة؟
وفي رأينا أنه من الأفضل وجود نظرية لحسم كل الخلافات التي سنرد على ذكرها بعد قليل.
فمجموعة الفروض والمبادئ والأهداف المختلفة أوجدت الكثير من المصطلحات, ومن الضروري توحيد هذه المصطلحات, لكي يكون نفس الفهم عند كل شخص مُتتبِّع لاقتصاديات الوحدة المحاسبية, وبالتالي يصبح هناك لغة تبادل.
ويمكننا أن نُورِد أهم الأسباب الداعية إلى وجود نظرية للمحاسبة:
1- عدم الاتفاق على معنىً واحد أو عدم وضوح وعدم تحديد المعنى المُرَاد لكثير من عناصر الإطار الفكري, يُعتَبَر من أوجُه القصور للإطار الفكري الحالي.
فالإطار الفكري يقوم على مجموعة من الفروض والمبادئ والمفاهيم التي تحكم عمليات القياس والتسجيل والتلخيص, والتوصل لنتائج الأحداث الاقتصادية المختلفة, وأثر هذه الأحداث على اقتصاديات الوحدة المحاسبية, فمثلاً:
– فرض وحدة القياس:
أي فرض ثبات القوة الشرائية لوحدة النقد, فلو لم نفترض الثبات, يستوجب ذلك إعادة تقدير القوائم المالية, لأنه عندما أجمع بوحدات غير متجانسة ستكون هناك مشكلة كبيرة, والحل يكون بأن تقوم النظرية بإيجاد حل لهذه المشكلة ضمن محددات معينة.
– فرض الثبات في اتباع النسق:
وذلك باتباع نفس الطرق والأساليب والأسس في عمليات القياس في الوحدة المحاسبية لإمكانية المقارنة, وإن هذا المبدأ يحمل في داخله بذرة نقضه.
– سياسة الحيطة والحذر:
نشأت هذه الفكرة بعد أزمة الكساد العالمية الكُبرَى عام 1929, وما زال هناك توجُّه إلى الآن بالتمسُّك بها بالرغم من كل الانتقادات التي وُجِّهَت لها.
وتقتضي هذه السياسة بالاعتراف بالخسائر المحتملة, وعدم الاعتراف بالأرباح المحتملة, وذلك بهدف عدم تسجيل أرباح وعدم تحققها لاحقاً, وهذا يحرم سنة من السنوات من أرباح قد تحققت فعلاً لجيل من المساهمين.
كذلك قاعدة السوق أو التكلفة أيهما أقل,. وأساس الاستحقاق, والأساس النقدي, وغيرها من السياسات المختلفة والبدائل, وإلى الآن لا يوجد معيار للمفاضلة فيما بينها.
– الأهمية النسبية:
وتقتضي هذه القاعدة بمعالجة العناصر ذات الأهمية النسبية البسيطة بأي طريقة حتى لو كانت غير مألوفة لأنها لن تؤثر على النتائج.
وللتعبير عن الأهمية النسبية, نذكر بأن هناك تعبير مُطلَق وتعبير نسبي, ولقياس الأهمية النسبية نقوم بنسبِهِ إلى عنصر آخر.
بعض المفكرين رأى أننا لنرى الأهمية النسبية لعنصر ما يجب أن ننسبه إلى حـ/ أ . خ فإذا كانت النسبة مثلاً 5 % وما دون فإن هذا العنصر يعتبر غير ذي أهمية نسبية, والبعض رأى أنه حتى لو وصلت النسبة من 10 % إلى 15 % فإننا يمكن أن نقوم بمعالجة العنصر كيفما كان, وبالتالي نستنتج أنه حتى الآن لا يوجد اتفاق (حسم) حول مفهوم الأهمية النسبية.
– تغليب الشكل على الجوهر:
توجد أمام المحاسب بعض القضايا التي لها طابع قانوني الخاص بها, ولكن بجوهر الأمر هي غير ذلك, ومثالنا هنا عقود الإيجار طويلة الأجل.
فإذا استأجرنا مثلاً سيارة لمدة /30/ سنة على أن تنتقل ملكية هذا الأصل إلى الشركة المستأجرة بعد انقضاء مدة العقد.
قانونياً, فإن هذه العملية ليست عملية شراء وإنما عملية استئجار, ولكن جوهر القضية هو شراء وليس استئجار, ومن باب أولى أن تظهر هذه السيارة في الميزانية العمومية للمستأجر, وبالتالي الاعتراف بالسارة كأصل رأسمالي, والقيام برسملة المصارف المنفقة عليه.
– الاعتراف بالإيراد:
أحياناً نعترف بالإيراد عند البيع, وأحياناً أخرى عند الانتهاء من الإنتاج, فما هي القاعدة؟
نعترف بالإيراد إذا كان هناك متحققاً أو قابلاً للتحقق وإذا كان مكتسباً.
أ- متحققاً:
فقط يكون بالبيع.
ب- قابلاً للتحقق:
ويكون ذلك إذا كان للسلعة سوق رائجة, ويمكن توقع السعر بدرجة معقولة.
جـ- مكتسباً:
ويكون ذلك إذا كانت هناك عملية هام قد تمَّت, وأن القيمة المضافة قد تحققت, وأن العمليات الباقية ليست سوى عمليات روتينية لتحصيل الثمن (كالنفط).
2- افتقار الفكر المحاسبي إلى الترابط فيما بين مكوناته المختلفة, بل على العكس من ذلك نجد هناك تعارض صارِخ فيما بينها, ومن أمثلة هذا التعارض سياسة الحيطة والحذر واستخدام التكلفة التاريخية كأساس لتقويم الأصول الثابتة من ناحية, وبينها وبين فرض الاستمرارية من ناحية أخرى.
3- عدم توافر معالجات موحدة للكثير من الأحداث المحاسبية المتشابهة, وهما حال دون استخدام القوائم المالية في المقارنة (الزمنية, المكانية).
وإن قناعة المحاسب تؤثر هنا كثيراً على النتائج, فالربح المتحقق هل هو الربح العادي, أم الربح الشامل, أم الربح قبل الضريبة, أم الربح بعد الضريبة؟
4- إن تباين الممارسات المحاسبية لا ينصب فقط على الطرق التي يستخدمها المحاسب في إنتاج المعلومات, وإنما يمتد أيضاً ليشمل أساس التقويم والقياس, كأسس التفرقة بين المصروفات الإيرادية والرأسمالية, وكذلك رسملة الناتج عن الأصول المستأجرة, كذلك أسس معالجة أثر تقلبات الأسعار سواء في مجال تقويم الأصول أم تحديد الدخل, وكذلك مستوى الإفصاح المحاسبي الذي يرغب المحاسب بالإعلان عنه في القوائم المالية, وكذلك الأصول المعنوية, ودرجة عدم التأكد المصاحبة لمنفعيتها المستقبلية.
5- ليس هناك أساس علمي يمكن الاعتماد عليه للمقارنة والمفاضلة بين البدائل المحاسبية, حيث لا يجد المحاسب سِوى أن يلجأ إلى التقدير الشخصي, وإن هذا يعتبر من الأسباب الرئيسية وراء الاتهامات التي وُجَّهَت للمحاسب بالتقصير والوقوع تحت تأثير الإدارات.
6- عدم اكتمال الإطار الفكري الحالي للمحاسبة, حيث أنه لا يقدم لنا إجابات قاطعة حول الكير من المشاكل التي تواجه المحاسب, مثل التكلفة الاجتماعية, والموارد البشرية, والأصول المعنوية.
وعدم الاكتمال للإطار الفكري سيخلف آثاراً سيئة على القوائم المالية والتقارير المحاسبية, حيث ستصبح هذه القوائم خالية من القدرة على التنبؤ.
7- عدم قدرة هذه القوائم والتقارير المالية على التنبؤ, ناهيك هذا إن لم تكن مضللة في كثير من الجوانب.
8- معظم المفاهيم المكونة للإطار الفكري الحالي تعكس الاهتمام بالنواحي الفنية والإجرائية الخاصة بالممارسات المهنية, ودونما الاهتمام بالأسباب الكامنة وراء هذه القواعد العرفية منها إلى المبادئ العلمية.
نستنتج أن الآنفة الذكر, أن مهنة المحاسبة بحاجة إلى وجود نظرية علمية لسبب هام, وهو تدعيم استقلال المراجع تجاه ضغوط الإدارة, كما أنها تحدد مسؤولية المحاسب تجاه الأضرار التي قد تصيب الغير نتيجة الاعتماد على التقارير المحاسبية.
من المحاضرة السابقة نستنتج أن الفكر المحاسبي الحالي له مشاكل عديدة, كل هذا أدى إلى الحاجة إلى وجود نظرية للمحاسبة لحسم كل هذه القضايا والمشاكل.
وخلاصة القول, يمكننا أن نستنتج أن الإطار الفكري الحالي للمحاسبة يؤخذ عليه نواحي القُصور التالية:
1- إن الإطار الفكري الحالي يعتمد في معظمه على مجموعة من القواعد الاصطلاحية والأعراف والتقاليد التي لا تستند إلى أساس علمي.
فما صدر عن الهيئات المهنية من توصيات ومعايير ومبادئ, كل هذا اتهمَّ فقط بالجانب التطبيقي (الإجرائي) وكيفية وجوب تطبيقه, أما محاولات البناء الفكري فهي قليلة جداً أن لم تكُن نادرة, وتقتصر على جهود البعض من المفكرين نذكر منهم, باتون عام 1933 في كتابه مصادرات العمل المحاسبي, وأُعيِدَت طباعته عدة مرَّات.
2- إن الإطار الفكري يفتقر إلى الاتساق فيما بين عناصره, على العكس من ذلك نجد أن التعارض هو سمة أساسية قائمة فيما بين عناصره المختلفة.
3- إن الإطار الفكري الحالي يفتقر إلى الاكتمال, الأمر الذي يترك الكثير من المشاكل المحاسبية دون حل منطقي.
فالنظرية في مجال المحاسبة لم تكن مثلها مثل باقي النظريات في باقي العلوم, وهذا ما ترك الكثير من المشاكل دون حل, وخاصةً مشكلة الاختيار بين البدائل.
حيث أنه باتباع ثلاث طرق مختلفة لصرف المخزون السلعي, فإننا نحصل على نتائج مخزون آخر المدة بثلاث إجابات صحيحة, وهذا ما يُزعزع الثقة في المعلومات المحاسبية, لكن هذه الدرجة ليست عالية, ولما كان هذا المصدر الوحيد هو البيانات والمعلومات المحاسبية, كان لِزاماً علينا أن نشرع هذه المبادئ, وبالتالي فإن تغييرها يجب أن يكون مُبرَّراً.
وفي النهاية نقول, أن ما يوجد حتى الآن, هو جدير بأن يًذكَر, وأن جملة المساهمات هي التي تؤيدي إلى إيجاد الحل.
مفهوم وعناصر النظرية المحاسبية:
تعريف النظرية:
هي إطار فكري مُتسِّق ومنظم للأفكار الأساسية والمفاهيم والمبادئ والقوانين العامة التي تترابط مع بعضها البعض في إطار منطقي متماسك يخص الظواهر موضوع الدارسة.
والنظرية المحاسبية ذات بعدين:
الأول: هي البناء الفكري المُتَّسِق المنطقي, وهو الأساس العلمي لدراسة الطرق المحاسبية.
الثاني: البُعد العلمي, أي أنها تكون قابلة للتطبيق ومفيدة لممارسة العملية.
ويمكن تعريف النظرية المحاسبية بأنها:
تبرير منطقي أو استنتاج في شكل مجموعة من المبادئ الفكرية العامة.
تتصف النظرية المحاسبية بأنها:
1- توفر إطار عام مرجعي, يمكن في ضوئه تقييم الممارسة المحاسبية.
2- تقدم إرشادات لتطوير وإجراءات جديدة في مجال المحاسبة.
وعلى الرغم من عدم الاعتراف بوجود نظرية محاسبية حتى الآن, إلا أنه ثمة محاولات لبناء تلك النظرية.
يجب أن يكون هناك توافق بين الفروض والمبادئ والتي هي من مكونات الإطار الفكري, وهذا البناء الفكري هو أساس للبُعد الثاني لنظرية المحاسبة, أي أنها تكون قابلة للتطبيق بحيث إذا اتُّبع يكون بمثابة دليل عمل.
لماذا الدعوة قائمة لوضع نظرية في المحاسبة؟
طالما أن هناك معوقات وصعوبات وتعارض بين مكونات الفكر المحاسبي, حالة التبدُّل والتغيُّر, عدم استخدام النقد لقياس كافة الأحداث, بالرغم منها, هل من الواجب التوجُّه إلى وضع نظرية للمحاسبة, أم دراسة المحاسبة كنظام للمعلومات؟
أي أن التساؤل القائم ما هو الاتجاه الأفضل؟
– هل التوجُّه إلى دراسة المحاسبة كنظام للمعلومات؟
– أم التوجٌُّه إلى دراسة الإطار الفكري لناء نظرية للمحاسبة؟
على الرغم من الصعوبات التي تواجه عملية بناء النظرية المحاسبية, إلا أنها حتى الآن تؤدي الغرض المطلوب منها, حتى ولو تكُن النظرية (كأساس للمعلومات) بمكوناته صحيح لما استمرَّت /500/ سنة منذ لوقا باشيلي إلى الآن, فالانتقادات التي وُجِّهَت للمعلومات المحاسبية كانت نتيجة الظروف الاقتصادية المتغيرة (رأسمالي, اشتراكي, شيوعي) التي تحيط بالنظرية, ومع ذلك أثبت النظام المحاسبي موجوديته
فقد أُغنيَ الجانب المحاسبي بشقيه النظري والعملي لأنه ضبط على مستوى المنشآت الفردية ثم انتقل إلى شركات عابرة للقارات متعددة الأنشطة, كل ذلك تمَّ ضبطه حتى الآن.
أما النظام المحاسبي فإنه لن يحل المشاكل القائمة, فهو سيعتمد على الإطار الفكري, وبالتالي نجد ان الأولوية هي لتطوير الفكر المحاسبي, لأنه عندما تُوضَع نظرية, فإن جميع المشاكل سوف تُحسَم, والنتيجة النهائية:
بناء النظرية بشكل سليم سينتج عنها نظام محاسبي سليم.
بناء نظام محاسبي سليم, ليس بالضرورة أن ينتج عنه إطار فكري سليم.
فمشكلة الاختيار فيما بين البدائل المحاسبية لا يمكن للنظام المحاسبي أن يُوجِد حل لها, في حين أنه عندما تُوضَع نظرية محاسبية فإنه يمكنها حل جميع المشاكل التي تعترض العملية المحاسبية.
فوجود النظرية المحاسبية يحقق الأهداف التالية:
1- تقييم وتفسير الظواهر موضوع الدراسة والبحث وجميع الأحداث التي تحدث في المنشأة.
2- التنبؤ بسلوك هذه الظواهر بما يكفل تحقيق أهداف وقيم معينة.
يرى بعض المفكرون أن نظرية المحاسبة تتألف من جميلة عناصر (مستويات):
المستوى الأول: أهداف التقارير المالية.
المستوى الثاني: عناصر القوائم المالية, الخصائص النوعية للمعلومات.
المستوى الثالث: مفاهيم الاعتراف والقياس (افتراضات, مبادئ, محددات).
لقد اتُّبِعَ في مجال الفكر المحاسبي, ثلاثة مناهج:
1- المنهج الاستنباطي:
انتقال من العام إلى الخاص, وهو قائم على التأمُّل والتحليل المنطقي المجرد.
وبالإسقاط على نظرية المحاسبة, فإن هذا المنهج يبين لنا ماذا نريد من نظرية المحاسبة (قياس نتائج الأعمال) فهو هدف عام, ومن أجل التوصُّل إليه لا بد من حساب المصروفات والإيرادات خلال فترة زمنية معينة, ثم نطبق أساس الاستحقاق, ثم نفرق بين أنواع المصاريف, ثم نضع ضوابط للتفرقة ين المصاريف, ومنصير منعطي توصيات لنتمكَّن من القيام إجرائياً بالنظرية المحاسبية.
وبالتالي فإنه تحت مظلة تحديد الهدف العام انتقلنا إلى تحديد العديد من الأهداف الخاصة (القضايا الفرعية).
فالعام هو الربح, والخاص هو حساب النفقات والإيرادات, تطبيق مبدأ الاستحقاق, التفرقة بين أنواع المصاريف.
2- المنهج الاستقرائي:
على العكس من المنهج الاستنباطي, نجد أن هذا المنهج ينتقل من الخاص إلى العام, حيث يُلاحظ الظواهر ويرى كيفية معالجتها, ثم يقوم بتعميمها على كافة الحالات المشابهة (القيام بدراسة الحالات مُفصَّلةً).
لكن الذي حصل أن كلا المنهجين لم يُمكِّنوا الباحثين من الاعتماد عليهما, لذا, ظهر:
3- المنهج المختلط:
صار هناك خلط بين المنهجين, أي استخدام الاستنباط عندما تكون هناك حاجة إليه, والاستقراء أيضاً حين الحاجة إليه.
ما هو الفرق بين المدخل والمنهج؟
المنهج: هو أسلوب فلسي (أسلوب تفكير) لمعالجة مشكلة ما, أما:
المدخل: هو المنطلق الذي نبدأ منه (أرضية يتم الانطلاق منها لبناء النظرية).
فلو تمَّ الانتقال من أرضية اقتصادية سوف نحصل على نظرية مختلفة, فيما لو تمَّ الانتقال من أرضية اجتماعية.
أهداف التقارير المالية (المستوى الأول):
إن الهدف العام للمحاسبة هو تقديم معلومات للمستخدمين, لكن:
– من هُم مستخدمي القوائم المالية؟
– ما هي احتياجاتهم من هذه القوائم؟
– كيف يمكن تلبية هذه الاحتياجات لكل طائفة من الطوائف ذات المصلحة؟
– وهل يمكن أن يوجد حد أدنى من المعلومات والتي يمكن تضمنيها للقوائم المالية لتلبية الاحتياجات المشتركة في القوائم المالية ذات الغرض العام؟
– ما هي أثر الطرق والمبادئ المحاسبية البديلة على سلوك مستخدمي القوائم المالية؟
– وهل نتَّبِع البديل المحاسبي الذي يُرضي المقرض, أم الإدارة, أم المساهمين,أم …..؟
– ما هي مجالات التعارض بين احتياجات الأطراف المختلفة للقوائم المالية؟
– ما هي النماذج القرارية التي يستخدمها هذه الطوائف؟
لقد حدَّد بيان FASB عام 1972 الأهداف التي يجب أن تُحدَّد في التقارير المالية:
هدف عام:
تقديم معلومات مفيدة للمستثمرين الحاليين والمستقبليين (المحتملين) والدائنين ومستخدمين آخرين لاتخاذ قرارات الاستثمار, وهو ما يمثل بالجانب النفعي للمعلومات, أي أنه يجب أن تتم عملية صياغة النظرية بحيث تُدرَج فيها منافع لجميع لمهتمين.
أهداف إجرائية:
وهي أهداف مشتقة من الهدف العام, وهي:
1- ينبغي أن تساعد التقارير المالية في تقدير (التنبؤ) بالتدفقات النقدية المستقبلية وخاصةً بالنسبة للدائنين والمودعين, وذلك من حيث حجمها وتوقيتها ودرجة عدم التأكُّد المصاحبة لها, فطائفة الدائنين مثلاً لا يهمها قائمة المركز المالي, وإنما ما يهمها هو قدرة المنشأة على توريد الإيرادات النقدية لها.
2- التركيز على التدفقات وليس على الأرصدة, فأنا لا يهمني النقدية في 31/12 كرصيد, فهي لا تعني شيئاً بحد ذاته, إنما فقط للتعبير عن حالة النقدية في لحظة معينة, مما يشجع الاهتمام بقائمة الدخل, وليس قائمة المركز المالي (الميزانية).
3- ينبغي أن تكون التقارير المالية مفيدة لمستخدمي قرارات الاستثمار, وإن هذه التقارير تُعَد لِمَن لديه حد أدنى من المعرفة بالأنشطة التجارية والاقتصادية والمحاسبية.
تناولنا في المحاضرة السابقة, المستوى الأول من مستويات النظرية المحاسبية أل وهو أهداف التقارير المالية, سوف نتابع في هذه المحاضرة بقية هذه المستويات.
عناصر التقارير المالية, وخصائص المعلومات (المستوى الثاني):
أي نظرية محاسبية ينبغي أن تتألف من أهداف ومفاهيم وفروض ومبادئ.
أما المفاهيم:
فهي عبارة عن تركيبات نظرية تمثل إدراكاً ذهنياً أو بناءً, يحدد لنا ماهية أو جوهر الأشياء والظواهر, تكون في مجموعها نظاماً توصيفياً متماسكاً للمادة العلمية, وهي تعطي البنيان الفكري مضموناً عملياً متصلاً بواقع الحياة الاقتصادية والاجتماعية.
يُقصَد بالتركيبات النظرية, أي الأفكار المجردة في الذهن.
والمفاهيم باعتبارها اللغة العلمية لأي حقل من حقول المعرفة, يجب أن تتمتع بخاصيتين أساسيتين:
1- أن تكون عملية:
بمعنى أن تكون خصائص المفهوم قابلة للتحديد والقياس, أي إمكانية التعبير عنها بشكل كمي ورقمي, فمثلاً, إن مفهوم الدخل النفسي هو عبارة عمَّل يحصل عليه الفرد ليرضي رغباته وحاجاته خلال فترة معينة.
وعلى الرغم من السلامة العلمية لهذه المفهوم, إلا أنه غير عملي لأنه غير قابل للقياس الموضوعي.
وكذلك الأمر عندما نقول المنافع الاجتماعية, فمن الصعب قياسها بدرجة موضوعية, باعتبار أنها مقدار الفوائد التي تقدمها المنشأة للمجتمع نتيجة قيامها بممارسة أنشطتها الاجتماعية (تشجير منطقة معينة, العمل على تخفيض نسبة التلوُّث).
وهناك بعض المفاهيم يمكن تحديدها وقياسها بشكل كمي, كالتكاليف الاجتماعية وتكلفة الموارد البشرية, حيث أن قياس التكاليف الاجتماعية على الرغم من حداثة هذا المفهوم وصعوبته, إلا انه يمكن أن تُقاس التكاليف الاجتماعية بمقدار الضرر الحاصل للمجتمع, والمُتمثِّل في إزالة هذا الضرر, أو تكلفة منع حدوثه.
وكذلك الحال نستطيع قياس تكلفة الموارد البشرية, ولكن لا يمكننا بحالٍ من الأحوال أن نقيس قيمة الموارد البشرية.
2- أن تكون إجرائية:
بمعنى أن يشتمل المفهوم على مضمون يوضح إجراءات توضيحها (كيف يمكن تطبيقه) وكيفية قياسها, أي أن يكون المفهوم واقعياً وتنفيذياً.
وفي المحاسبة نُواجه بعدد وفير من المفاهيم التي تمثل ذخيرة علمية تكونت على مرِّ العصور, إلا أنه يمكن تقسيمها إلى أربع مجموعات رئيسية:
الأولى – مفاهيم خاصة بالوحدة المحاسبية.
الثانية- مفاهيم خاصة بالقوائم المالية الأساسية.
الثالثة- مفاهيم خاصة بعناصر القوائم المالية.
الرابعة- مفاهيم خاصة بجودة المعلومات المحاسبية.
المفاهيم خاصة بالوحدة المحاسبية:
لتفسير طبيعة الوحدة المحاسبية, توجد أربع نظريات, قد يوجد تشابه فيما بينها, إلا أنه يمكننا أن نحددها.
أولاً- نظرية الملكية المشتركة:
وتعني أن المنشأة الاقتصادية هي وكيل عن المساهمين أو ممثل أو اتفاق يعمل بموجبه الأشخاص أو المساهمون, وهي تتوجه أساساً لخدمة أصحاب المنشأة (المُلاك), وتتمثل في المنشآت الفردية وشركات الأشخاص, ويمثل هدف تعظيم الربح مُحدد نشاطها.
لكن غياب الشخصية المعنوية المستقلة عن هذه الشركات لا يمنع من أن يكون لها شخصية قانونية.
خصائص:
1- بالنسبة للعلاقة التعاقدية:
إن العقد هو شريعة المتعاقدين, أي أنه هو الذي يرسم خطوطها.
2- بالنسبة للملكية:
يعتبر عنصر الملكية جوهر المشروع, وأساس التمييز بين المشروعات, حيث تعتبر أصول المنشأة ملكية جماعية للأفراد الطبيعيين المكونين لها, وبالتالي يكاد ينتفي وجود الشركة, كما أن الخصوم هي التزامات على المالك.
نستنتج أن التملُّك هو للشخص الطبيعي فقط, وليس للشخص المعنوي, لذلك يُفرَّق ضمن إطار هذه النظرية بين الملاك, والدائنين.
3- بالنسبة للإدارة:
يتولَّى إدارة هذه الشركات الملاك أنفسهم, أو أنهم يقومون بتعيين من ينوب عنهم, ويقوم بالإدارة ولكن بتوجيهات منهم.
4- بالنسبة للهدف:
يحكم هذه المشروعات هدف تحقيق الربح فقط, ودونما الأخذ بأي اعتبار, ولذلك تُرسَم السياسات الإدارية وتُسيَّر الأعمال بما يخدم تحقيق هذا الهدف فقط (تحقيق أقصى ربح ممكن).
5- بالنسبة لمسك الحسابات:
كانت تُمسك الحسابات والقوائم المالية انطلاقاً من نظر مجموعة الملاك وذلك من حيث الشكل والمضمون.
6- بالنسبة لمعادلة الميزانية:
تخدم هذه النظرية بما يسمى محاسبة الحقوق, أي الحرص على صافي قيمة الأصول:
صافي قيمة الأصول = الأصول – الخصوم = حقوق الملكية
وتعتمد هذه النظرية على ما يسمى بمفهوم الربح الشامل, كما أن الخصوم هي حقوق الغير فقط, أي ان حقوق الملكية لا تعتبر من الخصوم.
7- بالنسبة للقوائم المالية:
يتمثل اهتمام هذه النظرية حول الميزانية فحسب, وعلى الرغم من أن قائمة الدخل تُظهِر إمكانية المنشأة على تحقيق الأرباح, لكنها ليست ذات دلالة كبيرة في ظل هذه النظرية.
8- بالنسبة للمصروفات والإيرادات:
يُنظَر إلى المصروفات والإيرادات على أنها نقصان أو زيادة في الثروة (حقوق الملكية), حيث أن نتيجة الدورة كانت تُظهِر تغيُّر حق الملكية.
9- تصلُح:
تصلُح هذه النظرية للمنشآت الفردية وشركات الأشخاص فقط.
ثانياً- نظرية الشخصية المعنوية المستقلة:
ومفادها أن الأصول أو الموارد الاقتصادية المُتاحة هي ملك لها سواء أكان مصدرها المساهمين أمك المقرضين, وإن كلاً من هاتين الطائفتين له الحق على المنشأة, وإن اختلفت هذه الحقوق من حيث الربح والمخاطرة والرقابة الإدارية والتصفية.
تتوجه هذه النظرية لخدمة المساهمين والمقرضين في الشركات المساهمة, ويمثل عامل التمويل محور اهتمامها بالمساهمين والمقرضين, وهي تهدف أساساً إلى تحقيق عائد مناسب لفئة المساهمين.
فالمنشأة وفق هذه النظرية لها كيان معنوي مستقل عن شخصية أصحابها, وينتج عن ذلك أن جوهر الشخصية المعنوية مُستقل عن الأفراد الطبيعيين, فالقانون يعترف بوجود ذمة مالية مستقلة لها, كما أن التقاضي يكون باسمها وليس باسم أصحابها, وبالتالي لا تعتبر بموجب هذه النظرية شخصية المالك هي جوهر في استمرارا المشروع أو في تكوينه.
خصائص:
1- بالنسبة للعلاقة التعاقدية:
إن القانون يحدد العلاقة التعاقدية بين المساهمين (كيفية إنشاء الشركات المساهمة العامة), ولا مجال للاتفاق على مخافة القانون (بعكس النظرية السابقة).
حيث يتكون المشروع من مجموعة من الأصول والأموال التي يقدمها المستثمرون لاستثمارها في المشروع سواء أكانوا ملاكاً أم كانوا مقرضين.
2- بالنسبة للملكية:
تعتبر أصول الشركة ملكاً للشركة نفسها, باعتبارها شخصاً معنوياً, وكذا الخصوم هي التزامات عليها.
أما أصحاب المشروع فليس لهم سِوى الحق على هذه الأصول عند التصفية, وحق الحصول على الأرباح, ولا يُفرَّق هنا بين الملاك والدائنين, فكلاهما بحُكْم المستثمر في الشركة.
3- بالنسبة للإدارة:
لا تعتبر الإدارة وكيلة, وإنما مُؤْتَمَنَة, ولذلك فهي إدارة علمية مهنية متخصصة, تقوم من واقع خبرتها بتحقيق أهداف المشروع, وبما لا يتعارض مع أهداف الملاك والمقرضين.
4- بالنسبة للهدف:
عموماً لا يحكم هذه الشركات تحقيق أقصى ربح كما في المنشآت الفردية, كما أنه لا يمكن أن نتصوَّر أن تقوم شركة مساهمة وبنيَّتِها تحقيق الخسارة, وإنما ما نود أن نقوله أن هدف هذه المشروعات هو تحقي ربح معقول, وذلك بعد أن تأخذ بعين الاعتبار مصلحة المجتمع.
5- بالنسبة لمسك الحسابات (الوظيفة المحاسبية):
إن تعدُّد الفئات المهتمة باقتصاديات الوحدة المحاسبية, أضاف إلى وظيفة المحاسبة, وظيفة إعلامية لم تكن من قبل (إعلام الفئات المتعددة), ففي السابق كان الإفصاح محدود بحدود المنشأة,’ وهذا ترافق معه وجوب إجراء عمليات القياس والإفصاح, لذا كانت المبادئ المحاسبية المقبولة كمرجعية يُستنَد عليها عند القيام بالوظيفة المحاسبية.
6- بالنسبة لمعادلة الميزانية:
الأصول = الحقوق (حقوق الغير + حقوق المساهمين)
7- بالنسبة للأصول:
تغير مفهوم الأصول من أنه كل شيء مملوك, وله قيمة ويوجد سند ملكية به, إلى أنه كل مورِد اقتصادي له القدرة (يُستخدَم) لتوريد الإيرادات وله القدرة على المساهمة في العملية الإنتاجية, وبالتالي القدرة على سداد الديون من خلال الأرباح المتحققة (وبذلك دخلت الموارد البشرية كأصل من أصول المنشأة).
8- بالنسبة للخصوم: فقد انقسمت إلى قسمين:
أ- قسم يخص الالتزامات تجاه الغير.
ب- قسم يخص الالتزامات تجاه حقوق والمساهمين.
9- بالنسبة لرأس المال:
تغيّر مفهوم رأس المال من رأس المال المملوك فقط (من قبل الملاك) ليشمل مفهوم رأس المال المقترَض أيضاً, أي أن رأس المال هو كافة مصادر التمويل المتاحة من مختلف المصادر 0ملاك, مؤسسات أخرى).
9- تصلُح:
تصلُح هذه النظرية للشركات المساهمة
لمراجع المعتمدة:
د.الشيرازي, عباس مهدي, نظرية المحاسبة منشورات جامعة الكويت, 1991
د.الشيخ, سهيل, نظرية المحاسبة سلسلة محاضرات دبلوم المحاسبة/ جامعة حلب
منقووووووووووول