من الواجبات الرئيسية المالية لأية مؤسسة المحافظة على كم مناسب من السيولة لضمان قيامها بالوفاء بالتزامها في مواعيدها . و من المتطلبات الرئيسية لتحقيق هذه الغاية المحافظة على كمية مناسبة من الأصول المتداولة ذات النوعية الجيدة، و بشكل خاص الحسابات المدينة و البضاعة، السيطرة على الحسابات الدائنة و مراقبتها و التأكد من أن هناك فارقا مناسبا بينها و بين الأصول المتداولة ضمن الحد الذي يضمن عدم تعرض المؤسسة لمخاطر الفشل في الوفاء بالتزاماتها على المدى القصير بالدرجة الأولى .
و سنتناول إدارة رأس المال العامل من المنظور الشامل الذي يهتم بإدارة الموجودات المتداولة و المطلوبات المتداولة معا .
مفهوم رأس المال العامل :
هناك مفهومان شائعان لرأس المال العامل هما :
أولا : المفهوم الصافي لرأس المال العامل :
و يعرف بأنه فائض الموجودات المتداولة على المطلوبات المتداولة، و بعبارة أخرى هو عبارة عن الموجودات المتداولة مطروحا منها المطلوبات المتداولة .
و تكمن أهمية هذا التعريف في إعطائه مقياسا كميا لدرجة الثقة في مقدرة الأصول المتداولة على الوفاء بالالتزامات القصيرة الأجل . و هو يصلح كمقياس يستعمل من قبل الدائنين لتعرف متانة مركز المؤسسة المالي و مقدرتها على الوفاء بالتزاماتها عند ميعاد الاستحقاق، إذ كلما زاد مقدار الأصول المتداولة بالمقارنة مع المطلوبات المتداولة، كان ذلك دليلا كميا على قدرة الشركة على مقابلة الالتزامات بسهولة و العكس صحيح، إلا أن القدرة الفعلية للمؤسسة على الوفاء بالتزاماتها تتوقف أيضا على نوعية الموجودات المتداولة .
ثانيا : المفهوم الإجمالي لرأس المال العامل :
يعرف أجمالي رأس المال العامل بأنه مجموع استثمارات المؤسسة في الأصول المتداولة، أي تلك الأصول التي تحويلها الى نقد خلال سنة، و هذه الأصول تشمل النقد و الأوراق المالية و الحسابات المدينة و البضاعة .
و يتجاهل هذا التعريف الخصوم المتداولة، و يقوم على أساس تقسيم الموجودات الى موجودات ثابتة تتصف ببطء الحركة، و موجودات متداولة تتصف بسرعة الحركة حيث تمر خلال كل دورة تجارية بحالة النقد ثم البضاعة ثم الديون ثم النقد، لتبدأ بعد ذلك دورة جديدة و هكذا .
و لاجمالي رأس المال العامل أهمية خاصة كمؤشر لتعرف مدى مناسبته لعمليات الشركة، و كذلك أهميته النسبية لاجمالي الموجودات، لأن تدني هذه الأهمية النسبية قد يكون أحد المؤشرات السلبية الى وضع الشركة .
و من المناسب الإشارة الى ضرورة الاهتمام بنوع مكونات رأس المال العامل، الى جانب الاهتمام بكمها لأن الكم وحده لن يكون كافيا للتعبير عن سلامة هذا البند .
أهمية رأس المال العامل :
مما تقدم، تأكد لنا أهمية رأس المال العامل للمؤسسة لتمكينها من العمل و الاستمرار، و يكون رأس المال العامل نسبة هامة من موجودات المؤسسات، و قد تصل في معدلها هذا الى ما يقارب 40 % من هذه الموجودات لدى المؤسسات الصناعية و ما يقارب 60 % من موجودات مؤسسات البيع بالجملة و المفرق
سياسات إدارة راس المال العامل :
تتضمن السياسات المتعلقة برأس المال العامل قرارات تتعلق بالموجودات المتداولة، و المطلوبات المتداولة من النواحي التالية :
1- عناصر تكوينها .
2- كيفية استعمالها .
3- أثر تركيبتها على المخاطر و المردود .
و تعتبر سياسات رأس المال العامل الناجعة ضرورية لنمو المؤسسة على المدى الطويل و بقائها . فان لم يتوافر لدى المؤسسة رأس المال العامل اللازم لزيادة الإنتاج و المبيعات، فقد تفوتها فرص زيادة المبيعات و زيادة الأرباح . كذلك فان المؤسسة التي تحتفظ بمستوى مرتفع من رأس المال العامل يتوافر لدبها سيولة تمكنها من مواجهة التزاماتها بالاستحقاق، و إذا ما حصل العكس من ذلك فقد تواجه المؤسسة بالأعباء المرتبطة بتدني تصنيفها الائتماني و التصفية الإجبارية .
و إدارة رأس المال العامل هي عملية مستمرة تتضمن العديد من العمليات و القرارات اليومية التي تحدد ما يلي :
1- مستوى استثمار المؤسسة في الموجودات المتداولة .
2- نسبة الدين قصير الأجل و طويل الأجل الذي ستستعمله المؤسسة لتمويل الموجودات .
3- مستوى الاستثمار في كل بند من بنود الموجودات .
4- مصادر التمويل و كيفية توزيعها بين مختلف المصادر .
5- يختلف الاستثمار في الموجودات المتداولة عن الاستثمار في الموجودات الثابتة في مدى الإطار الزمني اللازم لاستعادة الأموال المستثمرة في أصل معين؛ ففي حالة الاستثمار في الموجودات الثابتة مثل الأرض و الأبنية و الآلات، فان المؤسسة تحتاج الى سنوات عديدة لاستعادة ما أستثمر، في حين يتم تصفية المستثمر في الموجودات المتداولة خلال فترة قصيرة تعتمد في طولها على طول الدورة التجارية للمؤسسة .
تحليل دورة رأس المال العامل (operating Cycle Analysis ) :
تتكون الدورة التشغيلية لأية مؤسسة من ثلاثة أنشطة رئيسية، هي :
1- شراء المواد (خام أو جاهزة ) .
2- الإنتاج (في حالة المؤسسات الصناعية ) .
3- البيع .
و تؤدي ممارسة هذه الأنشطة الى تدفق الأموال من و الى المؤسسة، و تتصف هذه التدفقات بعدم التزامن و عدم التأكد . فعدم التزامن ينتج عن خروج الأموال لتسديد ثمن المشتريات قبل أن تباشر المؤسسة ببيعها و دخول الأموال الى المؤسسة نتيجة لذلك . أما عدم التأكد، فناتج عن كون المبيعات المتوقعة و الكلفة المرتبطة بذلك هي أمور غير مؤكدة بدقة .
لهذين السببين، وجد أن متطلبات التشغيل الجيد تتطلب استثمارا في الموجودات المتداولة، فالاستثمار في النقد يمكن المؤسسة من دفع ما يترتب عليها من التزامات، و الاستثمار في البضاعة يمكنها من مواجهة طلبات العملاء بالشراء، أما الاستثمار في الحسابات المدينة فيمكنها من البيع الآجل؛ و يوضح الشكل التالي الدورة التشغيلية للمؤسسة . و هذه الدورة تساوي في طولها طول فترة تحويل البضاعة و الحسابات المدينة، حيث ستتم الإشارة الى مفاهيم مختلف مكونات هذه الفترة بعد الشكل مباشر .
هذا و يمكن توضيح الدورة التشغيلية لمؤسسة ما من خلال التالي
1- الدورة التشغيلية Operating Cycle :
و هي الفترة الزمنية اللازمة لشراء المواد الخام و تحويلها و بيعها، و يمكن التعبير عنها بالمعادلة التالية :
الدورة التشغيلية = فترة تحويل البضاعة + فترة تحصيل الحسابات المدينة .
2- فترة تحويل البضاعة Inventory Conversion Period :
و هي الفترة الزمنية اللازمة لانتاج البضاعة و بيعها و يمكن التعبير عنها بالمعادلة التالية :
رصيد البضاعة X 365
فترة تحويل البضاعة = ————————
كلفة المبيعات
3- فترة تحصيل الحسابات المدينة Receivable Conversion Period :
و هي الفترة اللازمة لتحصيل الديون، و يعبر عنها بالمعادلة التالية :
رصيد الحسابات المدينة X 365
فترة تحصيل الديون ( يوم ) = —————————————
المبيعات الآجلة
4- فترة ائتمان الموردين Payable Deffered Period ):
و هي الفترة الزمنية بين شراء المواد الخام و دفع قيمتها للموردين، و يعبر عنها بالمعادلة التالية :
الدائنون X 365
فترة ائتمان الموردين ( يوم ) = ————————-
المشتريات
5- فترة التحويل النقدي Cash Conversion Cycle :
تمثل المدى الزمني بين دفع ثمن المشتريات و تحصيل قيمة المبيعات، و يعبر عنها بالمعادلة التالية :
دورة النقد = الدورة التشغيلية – مدة ائتمان الموردين .
أهمية إدارة رأس المال العامل :
تتضمن إدارة رأس المال العامل عددا من المظاهر التي تجعل منه موضوعا كبير الأهمية :
1- أثبتت الأبحاث أن الجزء الأكبر من وقت الإدارة المالية مكرس لأمور المؤسسة الداخلية اليومية، و يعتبر رأس المال العامل الجزء الأهم من بين هذه الأمور .
2- لأن الموجودات المتداولة تشكل جزءا هاما من الموجودات الكلية للمؤسسة، لأنها سريعة الحركة، لذا فهي تستحق عناية الإدارة المالية الخاصة .
3- لادارة رأس المال العامل أهمية خاصة لدى المؤسسات الصغيرة؛ فبالرغم من أن هذه المؤسسات تستطيع تخفيض استثمارها في الموجودات الثابتة عن طريق الاستئجار، إلا أنها لا تستطيع تجنب الاستثمار في النقد و الحسابات المدينة و البضاعة، كذلك فان محدودية مصادر التمويل طويلة الأجل المتاحة لها تجبرها على الاعتماد الكبير على المصادر قصيرة الأجل، و كلا الأمرين يزيد من أهمية إدارة رأس المال العامل لمثل هذه المؤسسات .
4- وجود علاقة ارتباط قوية بين نمو المبيعات و الاستثمار في الموجودات المتداولة، فالمؤسسة التي تبيع بمعدل (2500) دينار يوميا لمدة 40 يوما يصل الاستثمار في الحسابات المدينة لديها الى (100000) دينار ، و سيتضاعف مثل هذا الاستثمار إذا زادت المبيعات الى (5000) دينار يوميا مع بقاء مدة الائتمان كما هي .
و لما كان مثل هذا النمو يحدث سريعا، لذا يترتب على الإدارة المالية أن تبقى ملمة بشكل مستمر بالتطورات التي تستجد على رأس المال العامل، لأن مثل هذه التطورات تحتاج الى معالجة آنية .
مستويات الاستثمار في رأس المال العامل :
تتناول السياسة العامة لادارة رأس المال العامل موضوعين هامين هما :
أ- مستوى الاستثمار في رأس المال العامل .
ب- كيفية تمويل هذا الاستثمار .
و على المؤسسة أن تحدد الأثر المشترك لهذين العاملين معا على كل من عوائدها (return )، و مخاطرها (risk) .
و استكمالا لهذه الغاية، سنتناول ما يلي ببعض التفاصيل :
1- قرار الاستثمار في رأس المال العامل .
2- قرار تمويل رأس المال العامل .
3- الأثر المشترك للقرارين معا .
أولا : قرار الاستثمار في رأس المال العامل :
يتأثر كل من حجم و طبيعة الاستثمار في الموجودات المتداولة لأية مؤسسة بمجموعة من العوامل المختلفة من ضمنها :
1- طبيعة منتجات المؤسسة .
2- طول الدورة التشغيلية .
3- حجم المبيعات .
4- سياسة الاحتفاظ بالبضاعة .
5- سياسة الائتمان .
6- كفاءة إدارة الموجودات المتداولة .
المقايضة بين العوائد و المخاطر عند مستويات رأس المال العامل المتفاوتة :
توجد مقاييس متعددة للتعبير عن العائد الذي يمكن أن تحققه المؤسسة و الخطر الذي تتعرض له في سبيل ذلك؛ و لغايات تقييم إدارة رأس المال العامل، سيتم قياس عائد المؤسسة بصافي ربح العمليات مقسوما على الموجودات ( صافي ربح العمليات ÷ الموجودات ) . أما الخطر فسيتم قياسه بمقدار صافي رأس المال العامل و نسبة التداول، و يعبرا عن احتمال عدم قدرة المؤسسة على مواجهة التزاماتها .
و قبل أن تقرر إدارة المؤسسة المستوى المناسب للاستثمار في رأس المال العامل، عليها أن توازن بين الربحية الموقعة نتيجة لهذا المستوى من الاستثمار و المخاطر المتوقعة منه أيضا .
هذا و يمثل الشكل رقم (5/1/2) ثلاثة بدائل لسياسات رأس المال العامل، و يمثل كل منحنى من المنحنيات الثلاثة الواردة في الشكل التالي العلاقة بين الاستثمار في الموجودات المتداولة و بين المبيعات الخاصة بكل حالة .
سياسات رأس المال العامل
تعتبر السياسة (ج) سياسة متحفظة (conservative ) لادارة رأس المال العامل، لأنها تقوم على احتفاظ المؤسسة بجزء أكبر من موجوداتها في الموجودات المتداولة بالمقارنة مع الحالتين أ , ب .
و استنادا الى النظرية التي تقول بأن العائد على الموجودات يرتبط عكسيا مع سيولتها، حيث يرتفع العائد كلما قلت سيولة الأصل و ينخفض كلما زادت سيولته، فانه يمكن القول بأن العائد على رأس المال العامل أقل من العائد على الموجودات الثابتة . لذا تؤدي السياسة التمحفظة الى عائد أقل معبرا عنه بصافي العمليات الى الموجودات .
و في المقابل، فان من نتائج هذه السياسة ارتفاع حجم صافي رأس المال العامل و ارتفاع نسبة التداول، الأمر الذي يؤدي الى وضع أقل خطورة من الأوضاع التي يقل فيها الاستثمار في الموجودات المتداولة .
و في مقابل السياسة المتحفظة (ج)، هناك السياسة (أ) الجريئة (aggressive )، لأنها تقوم على استثمار كم أقل في الموجودات المتداولة ذات العائد المنخفض، و مثل هذا الوضع سيؤدي الى انخفاض في حجم الاستثمار في صافي رأس المال، و قد يترتب على مثل هذه السياسة :
1- ارتفاع العائد لانخفاض الاستثمار في الجزء الأقل مردودا من الموجودات .
2- زيادة مخاطر المؤسسة المالية لانخفاض سيولتها .
و أخيرا تمثل السياسة (ب) منهجا معتدلا (moderate Aproach )، لأن عائد المؤسسة المتوقع و مخاطرها في هذه الحالة تقعان في منطقة وسطى بين المدخلين .
دورة رأس المال العامل :
هذه الفترة الزمنية التي تمتد بين استعمال النقد لشراء المواد اللازمة للبيع أو للتصنيع و تصنيعها و بيعها ثم تحصيل الديون المرتبطة بها و تحويلها الى نقد . و تعتمد الدورة التجارية في طولها على الفترة اللازمة للانتقال من نقد الى بضاعة الى ديون ثم الى نقد .
قياس نشاط رأس المال العامل :
يقاس نشاط رأس المال العامل بواسطة معرفة معدل دورانه، أي بقسمة صافي المبيعات على إجمالي أو صافي رأس المال العامل، و تعبر هذه العلاقة عن قدرة رأس المال العامل على توليد المبيعات .
و قد يكون انخفاض معدل الدوران نتيجة لارتفاع في رأس المال أكثر من اللازم ( في بند واحد أو أكثر ) . أما ارتفاع معدل الدوران، فقد يكون نتيجة لأسباب معاكسة تماما لأسباب الانخفاض . و من المفضل في تحليل رأس المال العامل أن يتناول المحلل معدلات دوران مكونات رأس المال العامل المتمثلة في :
1- معدل دوران النقد .
2- معدل دوران الحسابات المدينة .
3- معدل دوران المخزون من البضاعة .
و ذلك ضروري للتعرف على البنود التي كانت سببا في ارتفاع أو انخفاض معدل دوران رأس المال العامل .