تتبع وتوثيق المعاملات المالية التي تتم في الكيانات التجارية والاستثمارية واحدًا من أهم الإجراءات المحاسبية التي يجب فهمها وتطبيقها بشكل سليم، ويطرح هذا الإجراء تساؤل مهم وهو كيف يُمكن الحفاظ على سلامة وشفافية عمليات المحاسبة؟ يُمكن اختصار إجابة هذا السؤال في مصطلح “الدورة المستندية” فهي تُعتبر من الخطوات الجوهرية في المحاسبة، والتي تعمل على تتبع وتوثيق كافة المستندات المالية المُتعلقة بالأنشطة التجارية للمؤسسة خلال فترة زمنية محددة، لهذا نقدم لك في سطور مقالنا اليوم دليل شامل عن الدورة المستندية مبني على تجاربنا المُحاسبية الواقعية، ستتعرف على أقسام الدورة المستندية، وأنواعها، ومراحل وكيفية إعدادها.
مُلخص النقاط الرئيسية
الدورة المستندية هي أحد الأدوات المحاسبية الضرورية التي تحتفظ بالعمليات المالية، فهي أولى سلالم الدرج المُحاسبي الذي يجب المرور عليه للوصول إلى المراحل والخطوات الأهم مثل القيود، ودفتر الأستاذ، والتقارير المالية، والحسابات الختامية.
تنقسم الدورة المستندية إلى الواردات أو الإيرادات النقدية، والنقدية المدفوعة للمشتريات، والنفقات النقدية، والمبيعات المُقسطة أو الآجلة، والمشتريات المُقسطة، المخازن، القيود المُحاسبية.
تختلف أنواع الدورة المستندية حسب طبيعة المعاملات التي سيتم توثيقها في النظام المُحاسبي ومن أبرز أنواع الدورات المستندية في المحاسبة الدورة المستندية للمشتريات، الدورة المستندية للمبيعات، الدورة المستندية للمستودعات أو المخازن، والدورة المستندية للتدفقات النقدية الصادرة والواردة.
يُمكن تلخيص مراحل الدورة المستندية في إعتماد طلب الشراء الذي يقدمه مسؤول المخازن، والحصول عروض الأسعار من الموردين، ثم إصدار أمر الشراء، ويليها إصدار أذونات إضافة البضائع، وبعدها تسجيل كافة عمليات صرف البضائع، وأخيرًا مراجعة الدورة المستندية.
ما هي الدورة المستندية
تُعرف الدورة المستندية على أنها أحد الممارسات المُحاسبية التي لا يُمكن تجاهلها للحصول على معلومات مالية موثقة وصحيحة، فهي بمثابة الخريطة أو الدليل المُحاسبي الذي يوفر كافة المستندات لتوثيق خط سير المعاملات المالية التي تتم في المؤسسة بمختلف أحجامها وأنواعها.
وبالرغم من أنه قد يتعامل البعض من المحاسبين والمدققين الماليين مع الدورة المستندية على أنها مجرد إجراء لازم للامتثال والتطابق مع المعايير المحاسبية والقوانين المالية المعمول بها، إلا أنها ليست مجرد إجراء قانوني محاسبي فقط، بل تُمثل واحدة من أهم الأدوات المحاسبية التي تضمن سلامة ومصداقية المراحل المحاسبية المهمة مثل القيود المحاسبية، وبناء دفتر الأستاذ، وإعداد ميزان المراجعة والتقارير المالية والضريبية، وإغلاق الحسابات الختامية.
توضيح الدورة المستندية لتفاصيل العمليات المالية بشكل دقيق لا يقبل بالخطأ يُساهم في الوصول إلى مراحل أكثر أهمية مثل إتخاذ القرارات المالية المدروسة، وبناء جدار ثقة مع المستثمرين والممولين والموردين وغيرهم من خلال عمليات الإفصاح المالي الشفافة.
أنواع الدورة المستندية
تعتبر الدورة المستندية في المجال المحاسبي هي أكبر دليل على الأداء المالي للشركة، ومن خلالها يتم تقديم بيانات وأرقام مالية موثقة ومعترف بها من قبل الحكومات والجهات المسؤولة، إضافة إلى ذلك نجد أن الدورة المستندية من أهم الوسائل المُحاسبية التي تحافظ على حقوق أصحاب المشاريع، والمشترين من المواطنين، وكافة الكيانات التي تتعامل مع المؤسسة من الناحية المالية، وبشكل عام تختلف أنوع الدورة المستندية وفقًا للعمليات المالية التي تُسجلها وتُوثقها، فيما يلي أبرز أنواع الدورة المستندية بالترتيب:-
1- الدورة المستندية للمشتريات
هي أحد أنواع الدورة المستندية التي تأتي بعد الدورة المستندية الخاصة بالمخازن، وتُثبت بدورها حركة النقد المرتبط بعمليات الشراء، بداية من استلام أمر الشراء الذي يصدر من طرف المشتري ويكون بمثابة دليل يلتزم فيه بالدفع للبائع مقابل شراء منتجات أو خدمات معين، ومن ثم إصدار فاتورة بقيمة المشتريات الصادرة عن المورد، وإثبات استلام البضاعة منه بإشعار، وأخيرًا إصدار الشركة المستوردة إذن أو تفويض الصرف للمورد وأذون الاسترداد النقدي.
ولابد أن يتأكد المُحاسب أو المسؤول المالي في هذه المرحلة من النظام المُحاسبي من أن جميع المستندات والسجلات المُتعلقة بمعاملات الشراء سليمة ومُتطابقة، وتنقسم مشتريات الشركات أو المصانع إلى:-
المشتريات النمطية أو النموذجية:- هي المشتريات التي تعتاد الشركة على شرائها بشكل دوري، وتضم قائمة بمجموعة من العناصر التي تحتاجها الشركة، ويُحددها مدير المستودع من خلال تتبع الكميات والإبلاغ عن العناصر التي نفذت بالفعل أو اقتربت من النفاذ.
المشتريات غير الدورية:- هي المنتجات أو المواد التي تحتاجها الشركة دون تخطيط مُسبق لها، وبناء عليها يتم إعداد دورة مستندية فورية لتُضاف فيها قيمة هذه المشتريات التي تغطي نواقص وعجز الشركة.
2- الدورة المستندية للمبيعات
هي أحد الدورات المستندية التي تهتم بتتبع وإثبات جميع عمليات البيع التي تتم داخل الشركة خلال فترة زمنية مُحددة، وتختلف الدورة المستندية للمبيعات حسب حجم المؤسسة ومعاملاتها البيعية، وتبدأ بطلب الأسعار الذي يطلبه العملاء، ثم تقديم تقرير بعروض الأسعار، ويليها إصدار بأمر البيع، واستخراج فاتورة المبيعات، وأخيرًا إصدار أمر صرف البضائع واستلام مقابلها، ويقوم محاسب المبيعات بإصدار وتحرير ومراجعة كافة المستندات المتعلقة بالمبيعات من ( بطاقات الأصناف، الكميات، إجمالي الأسعار، أمر التوريد، الفواتير، أذونات تبادل البضائع وغيرها ) ويحتفظ كلاً من العميل والشركة بنسخة من هذه المستندات.
3- الدورة المستندية للمستودعات أو المخازن
يدل هذا النوع من الدورات المستندية على الخطوات والإجراءات التي تتم في إطار مُتصل للتأكد من أن جميع البيانات المتعلقة بتداول البضائع في المخازن موثقة وتتم بشكل سليم، وفيها يتم تسجيل كافة العمليات التي تحدث داخل المستودعات بشكل دوري.
وتبدأ بعمل إذن إضافة السلع إلى المخازن، ثم إذن نقل البضائع وتوثيقها في سجلات التفتيش والاستلام، ويلي هذه المرحلة إصدار تصاريح تبادل السلع والبضائع من خلال إعداد إشعارات استلام البضائع مع توضيح كميتها وقيمتها من المورد، وفي حالة الإعادة يتم إصدار (سند إرجاع البضاعة)، وذلك لضمان اكتمال كافة المستندات المتعلقة بعمليات التصدير والاستيراد التي تحدث داخل المؤسسة خلال فترة زمنية محددة.
4- الدورة المستندية للتدفقات النقدية الصادرة والواردة
ينتج عن أي عملية شراء أو بيع تدفق نقدي سواء كان في شكل تلقي أو صرف الأموال، هنا تأتي أهمية الدورة المستندية للتدفقات النقدية بهدف توثيق وإثبات صرف واستلام النقود، كذلك يعتني هذا النوع من الدورات المستندية بإثبات المعاملات المالية المتنوعة مثل البيع الأجل، وطرق الدفع أو السداد المختلفة مثل الشيكات أو قوائم الإيداع، وأوامر صرف الأجور والمرتبات.
وقد تقوم بعض الشركات بالاستغناء عن إعداد الدورة المستندية للتدفقات النقدية والاكتفاء عنها بالدورة المستندية للمشتريات والدورة المستندية للمبيعات، إلا أن البعض الأخر يُفضل أن توثيق وتتبع الشؤون المالية بشكل أكثر تفصيلاً.
قد يهمك ايضا: الفرق بين الدورة المستندية والدورة المحاسبية
مراحل الدورة المستندية وكيفية إعدادها
تُعد الدورة المستندية مصدرًا مهمًا للرقابة الداخلية على الشؤون المالية والإدارية للمؤسسات وخاصة الكيانات التجارية و الاستثمارية، لهذا يجب فهم مراحل الدورة المستندية جيدًا، والإلمام بخطوات إعدادها، وهو ما سنقدمه لك في السطور القادمة من بناء على تجاربنا المُحاسبية:-
تبدأ الدورة المستندية بإستلام طلب أو تقرير الشراء من مسؤول المخازن، ويوضح هذا الطلب الأصناف والكميات المطلوبة.
طلب عروض الأسعار من الموردين، والمقارنة فيما بينها لتحديد وانتقاء الأفضل منها.
إصدار أمر الشراء من الشركة للمورد.
الحصول على إذن استلام البضاعة من المورد.
إنشاء فاتورة شراء.
إصدار إذن لإضافة البضاعة إلى مخازن الشركة بعد شحنها من الموردين.
تسجيل عمليات صرف البضائع من المخازن إلى نقاط ومواقع البيع.
المراجعة الشاملة للدورة المستندية من قبل المحاسبين ومراجعة الوثائق بشكل مُنفصل للتأكد من صحة بياناتها المُدخلة والمُخرجة، وهو ما يترتب عليه دقة نتائج ميزان المراجعة.
يُمكن مشاركة المستندات مع المستخدمين والجهات المعنية إذا لزم الأمر مثل توزيع الدورة المستندية كوثيقة على الموظفين أو الأقسام الداخلية في المؤسسة، أو إرسالها إلى المستثمرين والشركاء.
الاحتفاظ بنتائج الدورة المستندية في أرشيف برنامج المحاسبي للشركة مثل نظام دفترة daftra، لتسهيل الرجوع إليها كمواد مرجعية في أي وقت لأغراض التدقيق المحاسبي والحماية من التلاعبات و الاحتيالات المالية المُحتملة
اقرأ ايضا: ما هي الدورة المحاسبية ومراحلها المختلفة
أقسام الدورة المستندية
تنقسم الدورة المستندية إلى 7 أقسام أساسية مُمثلة في:-
الواردات أو الإيرادات النقدية
يُعبر هذا القسم من الدورة المستندية على الدخل النقدي الوارد من الأنشطة التشغيلية، والاستثمارية، والتمويلية خلال فترة زمنية مُحددة.
النقدية المدفوعة للمشتريات
يُشير هذا القسم من الدورة المُستندية إلى المبالغ النقدية المدفوعة على المشتريات في تاريخ الشراء الفعلي.
النفقات النقدية
هي المصروفات النقدية التي يتم إنفاقها لفهم دورة رأس المال، والنتائج النهائية للأداء والوضع المالي من خلال التعرف على الأرباح والخسائر.
المبيعات المُقسطة أو الآجلة
يُشير هذا القسم من الدورة المستندية إلى تسجيل وتوثيق المعاملات المالية المرتبطة بالمبيعات التي تمت بالفعل ولكن لم يتم تحصيل مقابل عنها، نظرًا للاتفاق على خطط دفع وسداد معينة مع المشترين.
المشتريات المُقسطة أو الآجلة
هي توثيق للمبالغ النقدية المقرر دفعها نظير المشتريات من البضائع أو السلع أو المواد التي لم يُسدد ثمنها في الوقت الفعلي للشراء.
المخازن أو المستودعات اللوجستية
يُعبر هذا القسم من الدورة المستندية عن إدارة وتتبع ومراقبة حركة المخزون، ومطابقة المعاملات التي تمت على المخزون والمثبتة في السجلات والمستندات مع المخزون الفعلي المُتبقي في المستودعات.
الإدخالات أو القيود المُحاسبية
تشمل التسجيلات الخاصة بكشوف المرتبات، والاهلاكات، والخسارة السنوية، وقيود الحسابات الختامية.
استنتاج
ختامًا، يُمكن القول إن الدورة المستندية هي حجر الأساس إذا كنت صاحب عمل أو مسؤول إداري عن الشؤون المالية وتريد بناء نظام محاسبة فعال ومُتكامل لمؤسستك، فمن خلال فهم أنواع الدورة المستندية وإتباع مراحل إعدادها بشكل صحيح يُمكن اتخاذ قرارات مالية مُستنيرة تُعزز المعدلات الربحية، وتساعد على تحقيق النمو والاستدامة المالية، كذلك تساعد الطريقة المنهجية المُتبعة في الدورة المستندية لتوثيق المعاملات المالية على تسهيل عمليات التدقيق الداخلي والخارجي، والحفاظ على النزاهة المالية للمؤسسة، وكذلك تقليل فرص الاحتيال والأخطاء المُحاسبية المُحتمل حدوثها عند تسجيل وتتبع العمليات المالية.
أخيرًا، يُمكنك اعتبار أن الدورة المستندية مفتاح تتبع أثر العمليات المالية لنشاطك التجاري، مما ينعكس بالإيجاب على التقارير المالية التي تُخبر عن الأداء والوضع المالي لمؤسستك أمام المستثمرين وأصحاب المصلحة المعنيين، ولا تتردد في الاستعانة سواء ببرامج المحاسبة الإلكترونية الحديثة أو الاستشاريين الماليين لإعداد الدورة المستندية لأنشطتك التجارية بشكل صحيح يُقلل من المخاطر المالية ويضمن صحة ونجاح أعمالك.