العاطفة في اللغة: الرَّحم، وتعاطفوا أي: عطف بعضهم على بعض، ويقال للمرأة العطوف يعني: الحانية على أولادها، وفي المصطلح: “استعداد نفسي – ذهني وانفعالي – مكتسب، يرتبط بموضوع معين، ويؤدي إلى دفع الإنسان للقيام بأنواع من السلوك المناسب المرتبط بذلك الموضوع”، وهي “صفة مزاجية
مكتسبة، تتكون باجتماع عدد من الانفعالات المتشابهة حول موقف أو موضوع معين، وتستثار مرتبطة بهذا الموقف أو الموضوع دون غيره”، وهي قوة محركة للإنسان، وعامل رئيس في دفعه وإثارته، قد ملئت بالوجد والدفء والنشاط، ولا دخل لها في قضايا المنطق، وحسن الاستدلال، وإعمال العقل، فقد تنصاع للحق وتسلك طريقه، وقد تندفع نحو الباطل وتسارع فيه.
وأما السلوك العاطفي فهو: ما يصدر عن الإنسان – بدافع العاطفة – من مواقف سلوكية وانفعالية، حادة أو متزنة، يمكن للإنسان – إلى حدِّ ما – التحكم فيها.
وتختلف العاطفة عن الوجدان في كونها طاقة أخلاقية دافعة مكتسبة ، أما الوجدان فهو: غريزة أخلاقية مركبة في النفس الإنسانية، تتحكم في توجيهاته الخيرة والسيئة، من خلال بعث العواطف والمشاعر والانفعالات المختلفة، ضمن تفاعل الإنسان في البيئة من حوله.
وتتكون العواطف من خلال تكرار المشاعر الإنسانية – الإيجابية أو السلبية – واتصالها بالمواقف، أو الأشخاص، أو الموضوعات المختلفة، فالإنسان عادة لا يولد بعاطفة معينة تجاه المتغيرات الاجتماعية المختلفة، لذا يحتاج إلى الخبرة البيئية المتكررة، في صور متدرجة طويلة الأمد لبناء العاطفة في نفسه؛ لأن من خصائص العاطفة تكوُّنها البطيء في النفس الإنسانية، كما أن زوالها عن النفس بعد استقرارها يتم أيضاً ببطءٍ شديد.
وتكمن أهمية السلوك العاطفي في كونه: أعظم القوى المحركة والمحفزة في كيان الإنسان، ومن أبرز خصائص مرحلة الشباب، فالأعمال العظيمة، على مستوى الفرد والجماعة، والتضحيات الكبرى، والفداء لا يمكن أن تحصل دون دعم العاطفة القوية المتوقدة، فإذا انعدم هذا الدعم العاطفي، أو ضعف: قلَّ إنتاج الفرد بقدر ذلك، ومال إلى الاتكالية، ونبذ المسؤولية.
والمتأمل في سلوك الشباب الأحداث يجد لهم “مزاجاً قابلاً للثورة والطغيان، مهيئاً للهياج والتخريب، فهم بسبب شدة الميول العاطفية التي تعصف بهم ينظرون إلى الأشياء والأشخاص من وراء منظار الأحاسيس، وقد تزل أقدامهم وينحرفون عن الطريق القويم بمجرد إثارة بسيطة ، أو صدمة نفسية”، مما يتطلب رعاية خاصة، وتربية صالحة لتهذيب هذه العواطف الجياشة، وتوجيهها لما يخدم الفرد والجماعة، ويثمر عملاً صالحاً، وإنتاجاً متفوقاً.
والفتيات أحوج نوعي الإنسان إلى تربية هذه العواطف وتهذيبها؛ لإعدادهن وتأهيلهن للدور الاجتماعي المناط بهن من: تحمل مشقات الحمل، والرضاعة، ومهمات التربية والرعاية، فالأطفال أحوج ما يكونون في طفولتهم إلى مدد الأم العاطفي، ومظاهر الانفعالية الراشدة، فيستهلكون أكبر قدر من طاقاتها العاطفية؛ لبناء طبيعة ذواتهم النفسية، فإذا لم يتحقق لهم ذلك: تعرضوا لإخفاق شديد في حياتهم المستقبلية، وصعُب عليهم الصمود أمام المواقف والمتغيرات الاجتماعية المختلفة. وقد أثبتت بعض الدراسات الغربية أن هناك هبوطاً وبروداً عاطفياً شديداً عند بعض الأمهات تجاه الأطفال الصغار، يتمثل في قسوة مفرطة، وحنق شديد يصل إلى درجة التخلي عنهم، أو إلحاق الأذى بهم. مما يدل على انحراف خطير في طبائعهن، وسلوكهن العاطفي، وضرورة إعادة النظر في منهج تربيتهن من جديد.
وكما أن للبرود العاطفي عند الفتاة خطورته، فكذلك للإثارة العاطفية الشديدة خطورتها أيضاً على نفس الفتاة وصحتها الجسمية والعقلية؛ فإن شدة المثير العاطفي إذا كانت أقوى من طاقة تحمل الفتاة: فإنها قد تتصرف بطريقة غير سوية، فعاطفة الحزن – مثلاً – التي تشتد عادة في طبع النساء، إذا زادت عن حدِّها عند إحداهن: فقد تخلُّ بصحتها العقلية، وربما أدَّت إلى تعطيل حركتها بالكلية، كما حصل للسيدة عائشة رضي الله عنها لما علمت بخبر الإفك حيث “خرَّت مغشياً عليها”، وقد تحصل من هذه المثيرات العنيفة – أحياناً – تغيرات جسمية قوية وسريعة خاصة عند شديدات الحساسية من النساء.
وقد راعى منهج الإسلام التربوي طبيعة الإناث العاطفية، فسعى إلى الإبقاء على عواطفهن ضمن حدِّ الاتزان والاعتدال، بعيداً عن أسباب الإثارة الشديدة التي تضرُّ بطاقتهن العاطفية، وتضر بصحتهن العقلية والجسمية، ولما كان حضور النساء في الجنائر والمآتم يحرك عواطفهن، ويثيرهن إلى سلوكيات غريبة مستقبحة: نُهين عن اتباع الجنائز، وزيارة القبور، ورؤية المناظر المثيرة للعاطفة، كمشاهدة مصارع الأحباب في المعارك، حتى إن رسول الله r لما سمع صياح الفتيات المسْبيات ومعهن صفية بنت حيي، لما مرَّ بهن بلال t على القتلى، قال: “ذهبت منك الرحمة، تمرُّ بجارية حديثة السن على القتلى”، فنهاه عن ذلك، ولهذا كان وصف سلوك النساء في الجنازات والمآتم مما يستهوي الشعراء، ويثير قرائحهم، لما فيه من الغرابة السلوكية، والإثارة العاطفية غير المألوفة، مما يحبذه كثير من الشعراء.
وفي الجانب الآخر أجاز لهن منهج الإسلام التربوي تفريغ الطاقة العاطفية عند حصول الإثارة الداعية إليها، كالبكاء على الميت، والحداد على غير الزوج ثلاثة أيام، ونحو ذلك مراعاة لتنفيس هذه الطاقة العاطفية وتفريغها، فإن التَّجلُّد المفرط في مثل هذه المواقف المثيرة قد لا يكون دائماً في صالح الفتاة كما حصل لأسماء بنت عميس رضي الله عنها “لما بلغها قتل ابنها محمد بن أبي بكر، جلست في مسجدها، وكظمت غيظها حتى شخبت ثدياها دماً”.
وحتى في الجانب الممتع فإن ضبط عواطفهن مطلوب أيضاً، فقد كان رسول الله r يأمر الحادي بأن يخفف من حُدائه، ولا يكثر عليهن تسكيناً لعواطفهن من الإثارة المفرطة.
كل هذه التوجيهات التربوية تُحشد في منهج التربية: لتعديل هذا الخلق العاطفي عند الفتيات وضبطه، وتوجيهه ضمن سلوك متزن، ليكون دليلاً على نضج الشخصية، وكمال بنائها. إلا أن على منهج التربية أن يراعي الطبيعة التي خلق عليها النساء، فإن تخليهن عن هذه العواطف، وآثارها بالكلية – مهما بلغن من مراتب العلم والفضل – أمر في غاية البعد، حتى وإن تكلفن ذلك، وسعين إليه، فلا يقدرن على التحرر منه بصورة مطلقة، فلا بد أن تبقى آثاره تعمل عملها في سلوكهن.