نظرية القرض
في الشريعة الإسلامية (3)
* تحريم القرض الربوي في القرآن الكريم:
لا شك أن القرآن قد نهى عن كثير من المنكرات وشدد الوعيد في بعضها.
لكن الكلمات التي جاء بها لإعلان حرمة هذا القرض أشد وآكد من الكلمات التي أوردها للنهي عن سائر المنكرات والمعاصي؛ فإنه لم يبالغ في تفظيع أمر من أمور الجاهلية ما بالغ في تفظيع هذا القرض، ولا بالغ في التهديد في اللفظ والمعنى ما بالغ فيه.
انظر إلى مثل هذا التهديد والتصوير المرعب الذي وصف به المرابين في هذه الآيات:
{الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ المَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا البَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ البَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَن جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَانتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة: 275].
ثم تتبع هذه الآية آية فيها الوعيد بالمحق لمال الربا وتسمية المرابي: بـ «الكَفَّار الأثيم» على صيغة المبالغة؛ حيث يقول سبحانه وتعالى: {يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ} [البقرة: 276].
ثم وجّه القرآن خطاباً مباشراً للمؤمنين يأمرهم بترك ما بقي من آثار هذه المعاملة، وعقَّبه بترهيب تتزلزل منه القلوب الخاشعة؛ حيث قال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ * فَإِن لَّمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [البقرة: 278-279].
روي أن رجلاً أتى إلى مالك بن أنس فقال: يا أبا عبد الله ! رأيت رجلاً سكران يتعاقر، يريد أن يأخذ القمر بيده، فقلت: امرأتي طالق إن كان يدخل جوف ابن آدم أشر من الخمر، فقال: ارجع حتى أتفكر في مسألتك، فأتاه من الغد، فقال: امرأتك طالق.. إني تصفحت كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم فلم أرَ شيئاً أشرَّ من الربا؛ لأن الله تعالى أذن فيه بالحرب !
كما روي عن أبي حنيفة أنه كان يقول في قوله تعالى: {وَاتَّقُوا النَّارَ الَتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ} [آل عمران: 131]، في خطابه للمرابين: هذه أخوف آية في القرآن؛ حيث أوعد الله المؤمنين بالنار المعدة للكافرين إن لم يتركوا هذه المعاملة.
* تحريم القرض الربوي في السُّنة:
وإذا رجعنا إلى السنة وجدنا أنها لم تقتصر على التصريح بالوعيد لمرتكب هذه الكبيرة، بل إنها بيّنت موقف كل من تعاون معه على اقترافها.
كما بيّنت أن الله عز وجل يصب سوط عذابه على المجتمع الذي فشت فيه.
من ذلك الحديثان الآتيان:
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا ومؤكله وكاتبه وشاهديه، وقال: «هم في الإثم سواء».
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا ظهر الزنى والربا في قرية فقد أحلوا بأنفسهم عذاب الله»، بل قال في أشد من ذلك: «درهم ربا أشد عند الله من ست وثلاثين زنية».
* الإجماع على تحريم القرض الربوي:
1. عن ابن عمر – رضي الله عنه – قال: (من أسلف سلفاً فلا يشترط إلا قضاءه).
2. عن ابن مسعود – رضي الله عنه – قال: (من أسلف سلفاً يشترط أفضل منه، وإن كان قبضة من علف فهو ربا).
3. قال القرطبي: (أجمع المسلمون، نقلاً عن نبيهم صلى الله عليه وسلم أن اشتراط الزيادة في السلف ربا، ولو كان قبضة من علف كما قال ابن مسعود).
4. قال ابن المنذر: (أجمعوا على أن المسلف إذا شرط على المستسلف زيادة أو هدية فأسلف على ذلك أن أخذ الزيادة على ذلك ربا).
5. وقال ابن حجر الهيتمي بعد أن ذكر أنواع الربا وعدَّ منها ربا القرض: (كل هذه الأنواع الأربعة حرام بالإجماع).
6. وقال ابن حزم: (لا يحل أن يشترط أكثر مما أخذ ولا أقل وهو ربا مفسوخ).
7 – وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: (وقد اتفق العلماء على أن المقرض متى اشترط زيادة على قرضه كان ذلك حراماً).
الحلّ الإسلامي:
ينبغي أن تعرف
أنه ليس هناك مشكلة إلا وللإسلام فيها حل..
وما تعاون المسلمون في حل مشكلة، معتصمين بحبل الله، إلا نصرهم الله..
وأن الحلول الإسلامية للتخلص من هذه القروض كثيرة ومتعددة:
• منها تأسيس جمعيات استثمارية تقوم بدفع قروض حسنة لأعضائها على أن يكون قضاؤها بالتقسيط.
• ومنها إنشاء بنوك إسلامية تقوم بدفع قروض استثمارية لعملائها.
• وبحمد الله قد بدأ هذا النظام منذ سنة 1963م في مصر.
• والآن بدأ انتشاره حتى في بلاد غير مسلمة.
•و في(نيجيريا) مثلا بدأت المحاولات لتأسيس مثل هذه البنوك منذ سنة 1983م.
• وهي الآن على وشك النجاح.
• ومن هذه الحلول إقامة ركن الزكاة، وتنظيم شؤونها، حتى يتمكن المسلمون بواسطتها من سد حوائج الفقراء والمساكين، وإزالة الفقر بين المجتمعات.
• ومنها أن تقوم الحكومات ببناء المساكن لعمالها وبيعها لهم، على أن يدفعوا أثمانها بالتقسيط بدلاً من الإقراض لهم بالفوائد التي يسمونها بالتكاليف الإدارية.
والبيع بالتقسيط أو الدفع بالتقسيط نظام مباح في الشرع، ولو بأثمان أرفع من قيمتها الأصلية.
وينطبق هذا النظام أيضاً على المركوبات بأن تشتريها الحكومات وتبيعها للعمال بهذا النظام
• ومنها إنشاء مؤسسات الأوقاف، يتبرع بواسطتها المحسنون بأنواع أموال يجعلونها صدقات جارية، يستمر الانتفاع بها، ويصل إليهم ثوابها في حياتهم وبعد مماتهم.
ثم إنه يجب أن نعرف أن هذه المؤسسات لا يمكن إقامتها في لحظة، كما أن جني ثمارها لا يتحقق بين صبيحة وضحاها.
فلا بد إذن من
(الصبر والمصابرة والاستقامة)
حتى نصل إلى الهدف المنشود.
فالبنوك الربوية التي نتكلم عنها مثلاً، بدأت محاولتها الأولى سنة 1157م (أي في القرن الثاني عشر الميلادي) في إيطاليا؛ لكنها لم تدخل إلى البلاد الإسلامية إلا في القرن التاسع عشر؛ فلو يئس أولئك المرابون من النجاح في نشرها لما وصلت إلى الصورة التي نراها اليوم.