لطالما كانت الفكرة والهدف وراء أي عملية تسويقية هو جعل الناس يتعلقون بالمنتج، يحبونه اولاً، بعدها يشترونه، لأن هذا بالتحديد ما سيجعلهم يشترونه مرة اخرى.
هل تتذكرون عندما كنا صغاراً نلتف حول أجدادنا في دائرة ليحكوا لنا حكاية او قصة؟ هل تتذكرون كم كنا متلهفون لاشياء كهذه؟! الحكايات لها مفعول السحر، تثير التخيل، تربطنا بالابطال وتربطنا أكثر بالراوي، إنها بلا شك إحدى عناصر الجذب السرية للبشر! ولنا في شهرزاد وحكاياتها خير مثال!
أعزائي، أهلا بكم في الجزء السابع لسلسلة استراتيجيات التسويق الإبداعي، أحدثكم اليوم عن “الحكايات والتسويق” وأتمنى لكم قراءة ممتعة.
الحكايات التسويقية، من اللاروح الى الروح
المسوقين هم من يخبرون الناس بالقصص، “Marketers tell stories“، هذا هو عنوان واحد من أشهر كتب التسويق حول العالم، هو من أنشأ فكرة “الحكايات التسويقية”، التي مازالت تدرس في كل معهد وكل جامعة حتى الآن، يخبرون طلاب التسويق بالتالي، “الحكايات تجعلهم ينصتون، الحكايات تجعلهم يتعاطفون!”
الفرق بيننا كبشر وبينهم “كطاولات وكراسي” أننا لدينا روح، لدينا قصص، هذا ما يجعل الآخرون يشعرون بنا، يقعون في حبنا!
سأحكي لكم عن “كرسي” أحبه، صنعه جدي بيده، يقال أنه استغرق شهراً كاملاً لينهيه، كان جدي قد أهداه لأبي عندما تزوج، وكنت أجلس عليه في صغري على الرغم من أنه كان مرتفعاً، كان يشعرني بالأهمية كأنني رجل كبير كالآخرين!
أُهمل لفترة عندما تركناه في المخزن، و لكنه ظل صامداً، تحمل الرطوبة والتراب، عندما أخرجناه كان مايزال يحمل نفسي رائحة العطر الذي كنت أضعه وأنا صغير! وضعناه في منتصف منزلنا، دائماً ما كنت اشعر أنه يناديني لاحتضنه، عيناه تنظران لي بحب “نعم اتخيل ان له عينين!”، يلمع أكثر عندما نستعمله، ويبرد عندما نضعه بعيداً، انا اسميه “سحاب” فهو أبيض مثله، كأن جدي قد وضع فيه كل الحب الذي يريدنا ان نشعر به، الآن زوجتي لا تريد أخذه إلى منزلنا الجديد، فما رأيكم؟
من منكم قد شعر ببعض التعاطف تجاه الكرسي؟ أظن أن البعض سيشعر به كأنه حي! على الرغم من أنني قد اختلقت القصة بأكملها!
متى بدأتم بالتعاطف معه؟ عندما أخبرتكم من صنعه؟ أم بسبب صموده؟ أم بسبب حبي الشخصي له؟
إنها قصة، قصة كرسي عادي، إذا كنت قد نظرت إليه في أي وقت من قبل فلم تكن لتعيره أكثر من ثانية، أما الآن إذا أطلعتك على صورته فستنبهر بتفاصيله، بجماله، بلونه الابيض! على الرغم من أنه سيظل مجرد كرسي!
أثر الحكايات
ما شعرتم به في المثال السابق هو بالتحديد ما نسميه “أثر الحكايات“، إنها تنشئ لدينا خيالاً، تجعلنا نرى بداخله أكثر مما نراه بأعيننا، نشعر بما لم يكن لنشعر به قبل سماعنا للحكاية!
هذا ما يجعل المسوقين “روائيين، أدباء، فنانين” يخبرون الناس بقصص تجعلهم يشعرون بالكون من حولهم أكثر مما سبق!
هل شاهدتهم إعلانات تويكس الاخيرة، الأخوين تويكس؟ المصنعين لقالبي الشيكولاتة؟ هل شعرتم بعدها بأن هذا النوع من الشيكولاته له افضلية في الشراء؟ لقد شعرتم بنشأته، طريقة تحضيره، لا شك أن القصة تركت تأثيراً جيداً!
ايضا إعلانات إيكيا، عندما تخبرك بأن أبسط قطع الأثاث المنزلي تمت على أيدي خبراء! تخبرك من أي غابة جاؤوا بالخشب، كيف تم تقطيعه ببراعة! وكيف تم نقله ليصل الينا بهذا الشكل المحترم! إيكيا من وجهة نظري هي مثال على كيفية تأثرنا بالحكايات، فهي تنتج بضائع بسيطة عادية للغاية، بأسعار مرتفعه للغاية، فقط نشتري لأنها إيكيا!
ما تفعله أبل ليس بعيداً، هل شاهدتم إعلان سماعة ابل للهواتف؟ هي مجرد سماعة عادية لم تثبت أنها أكثر كفاءة! “وإلا لما كانت أبل لتشتري بعدها بسنتين شركة Beats Audio المتخصصة في تطوير السماعات مرتفعة الثمن!”
ما يهمنا هو كيف قامت أبل بتسويق سماعاتها الجديدة، كيف قاموا بتصوير الاعلان؟ كيف أتوا بكل فرد مسؤول في الشركة ليحكي لنا قصة الانتاج وكيف شارك فيها، كيف أتوا بخبراء أبل يؤكدون انهم أنفقوا الكثير من الوقت لينتجوا تكنولوجيا تستحق الاقتناء!
لقد حكوا لنا حكاية، جعلت من هذه السماعة العادية فوراً في مصاف السماعات العالية الجودة والثمن!
سمعت أحدهم يقول ذات مرة بسخرية: اذا وضعت أبل شعار تفاحتها على “كوب شاي عادي” لارتفع ثمنه عشرة أضعاف!
لقد صدق، ولدى الجمهور الحق في أن يقتنع بكوب عليه شعار أبل اكثر من أي كوب عادي بنفس الشكل! لأن الشعار ليس مجرد صورة، وإنما رمزا لقصة كبيرة تقع خلف تصنيع هذا الكوب!
أما إعلان كوكاكولا المبهر، الحملة الأكثر من رائعة التي ترينا كيف تم تصنيع وتعبئة زجاجة الكولا “بكل الحب!” حتى تخرج إلينا بهذا الشكل، إنها مثال رائع للحكايات.
تشبهها كثيراً حملة قديمة كانت تخبرنا بأن عنق الزجاجة ما هو الا شفتين ينتظران تقبليهما بكل الحب! كان ينقصهم فقط أن يجعلوا لون العنق “أحمر”!
وعلى الإنترنت ايضاً ..
كلها نماذج بسيطة ترينا كيف تستخدم القصص في التسويق، كيف تجعل لمنتجك روحاً، تجعله يتنفس، يحمل عاطفة قوية يشعر بها الآخرون!
لعل من هذه النماذج ايضا هو ما تقوم به الصفحة الرسمية لقطعة الكيك “تودو” على الفيسبوك، يمكنكم متابعة حكاياتهم من هنا، ايضا لا تنسوا ان تتابعو ردود الافعال في التعليقات!
قواعد وأصول
استخدموا القصص في التسويق، ولكن اقرأوا المزيد عنها اولاً، ما اكتبه في هذه السلسلة من استراتيجيات تسويقية هي مجرد مقدمات بسيطة جداً، لكن لكل شيء قواعد وأصول، هنا مثلاً يجب أن نتعلم كيف ننشئ الشخصية؟ سلوكها؟ صفاتها؟ كيف نبتكر أحداثاً تؤثر في النفوس؟ تجعلهم يتعلقون بها، كيف نستخدم المؤثرات؟ مؤثرات العاطفة، الموسيقى، الألوان، الحركات! كيف نستدعي بعض الذكريات “النوستالجيا” بداخل القارئ أو المشاهد؟
كل هذا بإمكانكم معرفته ودراسته إذا قرأتم أكثر عن استراتيجية “التسويق القصصي” أتمنى لكم التوفيق!
أخشى انني سأتوقف عند هذا الجزء لبعض الوقت، أتمنى أن تكون السبعة اجزاء الماضية قد أعجبتكم، وإلى أن ألقاكم مستقبلاً، أتمنى لكم النجاح وسماع قصصكم بالتعليقات….شكرا جزيلاً!