قد يستغرب القارئ الكريم من عنوان هذه الصفحة، وتأخذه الأفكار يمنة ويسرة عن أبعاد هذه العلاقة الغريبة بين الإدارة التوحيد، ولكن لن يطول – إن شاء الله -التأمل حتى يحصل على إجابة شافية بقراءته لهذه السطور القليلة القادمة
.
إن الإدارة هو علم وفن يبحث في كيفية التعامل مع الآخرين للحصول على استجابات جيدة منهم، والهدف منها، تسخير جميع الطاقات البشرية والمادية لتحقيق هدف ما لمنظمة أو شركة أو جهة ما، وفي سبيل ذلك تبذل جميع الإمكانيات المتاحة لتحقيق هذا الهدف المنشود.
ولما كانت الإدارة علماً يبحث في سلوكيات المرء وكيفية تطويعها للحصول على أعلى مردود منه، فإنه لم يرقَ أي نظام أو فكر عالمي بهذا المجال إلى فكر الإسلام، ذلك الفكر الذي استطاع أن يحصل من المرء على أعلى مستويات الطاقة والإنتاج، وذلك بإقناعه بفكرة واحدة لا نظير لها.. هي فكرة التوحيد.
إن الإنسان المسلم الموحّد يستمد حافزه على البذل والعطاء من الله عز وجل، كونه هو المُنعم والرازق، وهذا الاعتقاد يدفع المسلم إلى الانصراف عن التعلق بأسباب الدنيا من إدارته أو مصدر رزقه أو أجره الشهري، والتعلق بخالق الأسباب الذي يعطي بغير حدود. إنه لو قدّر لأي منظمة أن تعثر على الحوافز الكفيلة التي تجعل موظفيها يزيدون من إنتاجيتهم وعطائهم، لكانت ستبذل في سبيلها أموالاً وإمكانات كثيرة، غير أن ذلك كله سيتحصل لهذه المنظمة إذا عثرت على أشخاص يمتلكون الدوافع والحوافز الذاتية النابعة من قناعاتهم الشخصية، والتوحيد والعبودية لله تعمل على هذا الجانب من شخصية الإنسان.
إن التوحيد عبارة عن سلسلة طويلة من الحوافز والدوافع التي تشكل في مجموعها منظومة رائعة الاتساق والتوازن في مجتمعات فاضلة، فإقرار التوحيد يربط كل أعمال الإنسان الجيدة بجزاء أخروي كبير لا يقارن مع الجزاء الدنيوي، كما أنه يربط كل عمل مشين بعقوبة أخروية لا تقارن بعقوبة الدنيا، وكمثال بسيط على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: “رحم الله عبداً سمحاً إذا باع، سمحاً إذا اشترى، سمحاً إذا قضى، سمحاً إذا اقتضى” رواه البخاري.
وهكذا تجري تعاليم الإسلام جميعها بناء على هذا المقصد السامي. والتوحيد يضبط سلوكيات المرء والموظف والعامل، ويجعله يتعامل مع الأمور بأمانة وإخلاص وإتقان، لشعور داخلي دائم بمراقبة إلهية لتصرفاته وأعماله. إن أعلى درجات النجاح الإداري، كما يعرفه العلماء، هو وجود الحافز الذاتي، وليس ثمة أعلى من حافز من التوحيد الذي يمتزج بصميم كيان المرء ويخالط مشاعره ويملأ قلبه في كل لحظة، وهكذا تنجح الإدارة نجاحاً لا مثيل له إذا اقترنت بالتوحيد.
وللحديث بقية. د. طارق محمد السويدان