بقلم د. عرفان فوزي محمد
مدير عام قطاع البحوث مصلحة الضرائب المصرية
حد الإعفاء هو حد الكفاف والذي لا يمكن للفرد أو للأسرة أن تعيش بأقل منه، ويمكن القول بأن الإعفاء للأعباء العائلية والمعيشية هو مبلغ محدد من المال يقرر المشرع خصمه من وعاء الضريبة، قبل تطبيق سعرها، أو معاملته معاملة ضريبية متميزة، لمواجهة الأعباء المعيشية أو العائلية للفرد تحقيقاً للعدالة. وتقرير هذه الإعفاءات من جانب المشرع ليس أمراً عشوائياً وإنما لابد أن يكون هذا الإعفاء مناسباً، ويراعي فيه ترك القدر الكافي للممول ليحيا حياة كريمة تبعاً لحالته الاجتماعية، في ضوء المستوى العام للأسعار السائدة في البلاد، وفكرة الحد الأدنى اللازم للمعيشة فكرة موضوعية، بمعنى أن المشرع يقررها بالنسبة لمختلف الممولين دون أن يدخل في اعتباره الظروف الشخصية الخاصة بكل ممول على حده، فالحد الأدنى اللازم للمعيشة يعتبر معياراً موحداً بالنسبة لمختلف الأفراد المتحدين في الظروف والأوضاع، وقد كانت القوانين السابقة على القانون91 لسنة2005، تمنح الممول الحق في أن يخصم مبلغاً من وعاء الضريبة مقابل الأعباء الاجتماعية أو العائلية، وكان يختلف مقدار هذا المبلغ تبعاً لحالته الاجتماعية، فكان الممول المتزوج ويعول يمنح إعفاء أكثر من الممول المتزوج فقط أو الأعزب.
ولقد مر الإعفاء مقابل الأعباء العائلية بالعديد من التعديلات والتغيرات في القوانين السابقة، بدأ من القانون14 لسنة1939، وكان هدف المشرع من تلك التعديلات هو مواكبة وملاحقة الارتفاع المستمر في الأسعار، لذلك كان المشرع يتدخل بين كل فترة وأخرى ويقرر زيادة الأعباء العائلية، وفيما يلي رصد لهذه التطورات التي طرأت على حد الإعفاء للأعباء العائلية.
ففي أول قانون للضرائب على الدخل وهو القانون رقم 14 لسنة1939، كانت الأعباء العائلية المقررة كالتالي:
الممول الأعزب 100جنيه،
الممول المتزوج ولا يعول 120جنيه ،
ممول متزوج ويعول ولد أو أكثر 150جنيه،
ممول غير متزوج ويعول 130جنيه،
وقد ظلت هذه الأعباء العائلية ثابتة ولم تتغير فلم يتدخل المشرع بتعديل هذه الأعباء إلا في عام 1960، فقرر زيادة الأعباء العائلية لتصبح
الممول الأعزب 150جنيه،
الممول المتزوج ولا يعول 200جنيه،
الممول غيرا لمتزوج ويعول 230جنيه،
ممول متزوج ويعول250جنيه،
ولقد ظلت هذه الأسعار دون تغيير لمدة ثلاث عشرة عاماً، أي من الفترة من [1960- حتى عام 1973].
وفي عام1974 ثم زيادة قيمة الأعباء العائلية لمواكبة الانفتاح الاقتصادي والتطور الذي طرأ على المجتمع، ومستوى المعيشة مما جعل الأسعار ترتفع، فتدخل المشرع ورفع الأعباء العائلية : لتصبح:
الممول الأعزب 240 جنيه،
الممول المتزوج ولا يعول وغير المتزوج ويعول 300 جنيه،
متزوج ويعول 360 جنيه،
وظلت هذه الإعفاءات من الفترة من (1974 حتى 1976)، وفي ضوء أحداث الشغب التي حدثت في مصر يومي 17 و 18 يناير سنة 1977، نتيجة لرفع أسعار بعض السلع الرئيسية تم رفع حد الإعفاء للأعباء العائلية فأصبحت:
مبلغ 500 جنيه للجميع في 2/2/1977،
وبذلك أصبحت الأعباء العائلية لعام 1977 مشتركة بين عام 1976 وعام 1977 على النحو التالي :
الممول الأعزب 477جنيه
المتزوج ولا يعول وغير المتزوج ويعول 482جنيه
المتزوج ويعول 487جنيه،
وفي عام 1978بصدور قانون العدالة الضريبية رقم 46 لسنة1978 ،تم رفع حد الأعباء العائلية لتصبح:
600جنيه لجميع الفئات من الممول الأعزب وحتى الممول المتزوج ويعول بالنسبة لممولي ضريبة الأرباح التجارية والصناعية والمهن الحرة،
أما بالنسبة لممولي ضريبة المرتبات وكسب العمل فقد كانت:
600جنيه للممول الأعزب ،
660جنيه للممول المتزوج ويعول،
واستمرت هذه الإعفاءات للأعباء العائلية مدة ثلاث سنوات أي من عام [1978 حتى1980].
وبصدور قانون الضرائب الجديد رقم 157 لسنة 1981، زادت قيمة الأعباء العائلية لتصبح:
الممول الأعزب 720جنيه
المتزوج ولا يعول وغير المتزوج ويعول 840 جنيه
المتزوج ويعول 960 جنيه
واستمرت هذه الإعفاءات لمدة أثنى عشرة عاماً أي من الفترة من عام [1981 حتى عام 1993]، حيث تغيرت هذه الإعفاءات وبصدور قانون الضريبة الموحدة رقم 187 لسنة1993، المعدل للقانون 157 لسنة1981، حيث تم مضاعفة الأعباء العائلية لتصبح:
الممول الأعزب 1440جنيه
المتزوج ولا يعول وغير المتزوج ويعول 1680جنيه
المتزوج ويعول1920جنيه
واستمرت قيمة هذه الأعباء العائلية خلال الفترة من عام 1994 حتى عام 1997، حيث تدخل المشرع وأصدر القانون رقم 162 لسنة1997، ورفع قيمة الأعباء العائلية لتكون كالتالي :
الممول الأعزب 2000جنيه،
المتزوج ولا يعول وغير المتزوج ويعول 2500 جنيه،
المتزوج ويعول 3000 جنيه،
وقد تم العمل بهذه الإعفاءات للأعباء العائلية من عام 1998 حتى عام 2005، حيث تغيرت هذه الإعفاءات لتصبح شريحة واحدة ثابتة لجميع الممولين [الأشخاص الطبيعيين] وذلك بموجب القانون 91 لسنة2005 وقد خالف القانون 91 لسنة 2005 ما درجت عليه القوانين السابقة من منح الممول مبلغاً مقابل الأعباء العائلية، يختلف مقدراه على حسب الحالة الاجتماعية للممول، فقرر القانون الجديد منح الممول مبلغاً ثابتاً في قيمته مقابل الحد الأدنى اللازم لمعيشة الفرد، هذا الحد ثابت لا يتغير بتغير حالة الممول، فالكل يستفيد بهذا المبلغ سواء كان الممول أعزب أو متزوج فقط أو متزوج ويعول، وقد قدر المشرع هذا المبلغ ” بخمسة آلاف جنيه مصري”، واعتبرها شريحة معفاة من بين شرائح الدخل التي تخضع للأسعار التصاعدية، وكأن هذا المبلغ يخضع للضريبة بسعر صفر فلا يؤدي الممول عنة أية ضرائب، وقد قصر المشرع حق التمتع في خصم هذا المبلغ للأشخاص الطبيعيين فقط، فلا يسري نظام الحد الأدنى أو الشريحة المعفاة على الأشخاص الاعتبارية، ولا يسري على الأشخاص الذين يخضعون للضريبة بسعر قطعي أو ثابت على إجمالي دخولهم بدون خصم أي مصروفات.
هذا وبموجب صدور القانون رقم 96 لسنة 2015 والذى تم نشره بالجريدة الرسمية العدد رقم 34 تابع بتاريخ 20/8/2015 عدلت المادة رقم 8 من القانون 91 لسنة 2005 لتصبح الشريحة المعفاة للأشخاص الطبيعيين مبلغ 6500جنيه (ستة آلاف وخمسمائة جنيه مصرى).
وأرى أن مسلك المشرع في القانون 91 لسنة 2005، في توحيد الحد الأدنى اللازم لمعيشة الفرد منتقد ولا يساعد على تحقيق العدالة الاجتماعية، التي تقضي أخذ الأعباء العائلية التي يتحملها الممول في الاعتبار عند فرض الضريبة، بحيث يخفف عبء الضريبة عن الممول كلما تزايدت أعبائه العائلية، فليس من العدالة في شئ معاملة ممولين متساويين في الإيراد ومختلفين في الأعباء العائلية معاملة ضريبية واحدة، على الرغم من اختلاف أعبائهم العائلية، فإذا فرض أن أحدهما أعزب والآخر متزوج ولديه من الأبناء ثلاثة فهل يستويان، أي هل من العدالة أن تكون المعاملة الضريبية لهما واحدة لا شك أن الإجابة بالنفي، لأن المساواة في التضحية تقتضي النظر إلى المقدرة التمويلية الفعلية، وذلك من خلال ما يتحمله من أعباء عائلية دون النظر إلى الدخول المتساوية، كما أن دواعي العدالة تقتضي بحث كل حالة على حده للوقوف على مقدار الأعباء التي يواجهها العائل، لأن الأعباء تختلف من ممول لآخر، وأن اتحدوا في عدد المعالين لدى كل منهم، فمن يعول أبناء يتلقون العلم في الجامعة يتحمل من النفقات ما لا يتحمله صاحب ذات العدد من الأبناء الصغار. لذلك فإن الباحث يطالب بتدخل المشرع لتعديل النص الخاص بالإعفاء للأعباء العائلية الوارد في القانون 91 لسنة 2005، بما يسمح بتنوع وتعدد حدود الإعفاءات للأعباء العائلية، تبعاً لحالة كل ممول ومسئولياته الاجتماعية.