(الوقت هو الحياة، لا يمكن إلغاؤه ولا استبداله، وإن مضيعتك لوقتك إنما هي مضيعة لحياتك، ولكن سيطرتك على وقتك هي سيطرتك على حياتك، والاستفادة منها إلى أقصى حد).
آلان لاكين.
فبعد أن حددنا الهدف من التفاوض في مقالة سابقة، ها نحن ـ عزيزي القارئ ـ مع الخطوة الثانية على طريق التفاوض الفعال؛ فعنصر الوقت من أهم العناصر التي تتحكم في سير عملية التفاوض، فكيف نخطط لنحافظ على الوقت في المفاوضات؟ وما هي مبادئ استغلال الوقت في المفاوضات؟ وما هي استراتيجية تضييع الوقت؟ وما هي استراتجية المحافظة على الوقت؟،وأخيرًا متى نتفاوض؟ تعال بنا ـ عزيزي القارئ ـ لنتعرف على إجابات لكل تلك التساؤلات في ثنايا السطور المقبلة.
أولًا ـ تخطيط الوقت الخاص بالتفاوض:
يعتبر عنصر الوقت من الجوانب الهامة عند الإعداد للتفاوض، لذا؛ يجب أن يتم دراسة الأبعاد التالية:
1. تحديد الوقت المناسب لبداية عملية التفاوض، وذلك في ضوء رغبات الأطراف المختلفة التى سوف تشارك في التفاوض، ويتطلب ذلك ضرورة تحديد الشهر واليوم والساعة لعملية التفاوض.
2. تقدير الفترة الزمنية التي سوف تخصص لعملية التفاوض (يوم، أسبوع … إلخ).
3. الجدول الزمني لسير عملية التفاوض في ضوء الفترة الزمنية المخططة؛ فمثلًا ربما تشتمل عملية التفاوض على جلستين يوميًا، من الساعة التاسعة صباحًا إلى الساعة الثانية ظهرًا على أن يتخللهما راحة نصف ساعة.
ثانيًا ـ مبادئ استغلال الوقت في التفاوض:
1. يعتبر الوقت متغيرًا أساسيًّا من المتغيرات المحددة لأسلوب التفاوض ونتائج المفاوضات، ولا يقتصر تأثير الوقت على نتيجة المفاوضات فحسب، ولكن عند الإعداد للتفاوض أيضًا.
2. يجب اختيار الوقت المناسب لبدء المفاوضات، بأن يكون الوقت المناسب لك وذلك في المقام الأول، وربما المناسب للخصم في حالات أخرى، ولكل الأطراف بصفة عامة.
3. يجب تحديد الوقت المتاح لإتمام المفاوضات، ولو تحديدًا مبدئيًّا قبل بدء التفاوض، واختيار الاستراتيجية والتكتيك المناسبين للمفاوضات.
4. يؤثر عامل الوقت على اختيار رئيس فريق التفاوض، فكلما كان الوقت المتاح محددًا، كان من الأنسب اختيار رئيس حازم ذي قدرة على الإنجاز السريع، وأن يكون متمتعًا بخبرة طويلة؛ حتى يصدر قرارات في نفس جلسة التفاوض.
5. الوقت المتاح يتحكم إلى حد كبير في تحديد مكان التفاوض، ومدى قربه أو بعده عن المركز الرئيسي لكل الأطراف المتفاوضة.
6. يحسن دائمًا تقسيم الوقت المتاح على القضايا الهامة بما يكفل تحقيق التوازن بينها، وعدم طغيان قضية على أخرى إلا بحسب أهميتها ووزنها في تحقيق الأهداف المطلوبة لكل من الأطراف المتفاوضة، ويجب الاتفاق مع الطرف المقابل على هذا التقسيم في بداية المفاوضات، والتأكد من عدم وجود تعارض مع الطرف المقابل في هذا الشأن.
7. يلاحظ أن العامل الأساسي المحدد لنجاح المفاوضات في معظم الحالات ليس ما يقال، وإنما ما لا يقال أثناء عملية التفاوض؛ فالتفاوض بمثابة مباراة في القدرة على الانتظار، والمثال القائل (في التأني السلامة وفي العجلة الندامة) صادق في كثير من المفاوضات العملية على كافة المستويات الفردية والدولية، وبالنسبة للمفاوضات التجارية وغير التجارية.
8. ولكن من ناحية أخرى يعتبر (الوقت من ذهب)، ويكون في بعض المفاوضات سرعة حسم الأمور والوصول إلى اتفاق في أقرب وقت ممكن هو المطلوب، ومن هنا نجد أنفسنا أمام استراتيجيتين متباينتين في استغلال الوقت وسنشرح ذلك بالتفصيل.
ثالثًا: استراتيجيات الوقت:
على أساس ما ذكرناه سابقًا، يمكننا التمييز بين استراتيجيتين رئيسيتين في هذا الصدد:
الاستراتيجية الأولي:
خاصة بتضييع الوقت، وكسب المزيد منه؛ من أجل تحقيق النتيجة المطلوبة من التفاوض.
الاستراتيجية الثانية:
هي استراتيجية عكسية تمامًا؛ فهي تهتم بكيفية توفير الوقت اللازم للتوصل إلى اتفاق في أقرب وقت ممكن، وكل منهما يناسب مواقف تفاوضية معينة تختلف عن الموقف الآخرى.
1. استراتيجية تضييع الوقت:
الفكرة الرئيسية في هذه الاستراتيجية هي كسب مزيد من الوقت لصالح طرف ما في التفاوض، وفيما يلي نجيب على ثلاثة أسئلة رئيسية في هذا الصدد هي:
أ. ما هي الميزة في تتضييع الوقت؟
يفيد تضييع الوقت أحيانًا في تحقيق مزايا متعددة لطرف أو أكثر في التفاوض، ويشمل ذلك ما يلي:
· الهروب من الإجابة على سؤال ليس من الحكمة الإجابة عليه الآن.
· تجنب تقديم تنازل من الواضح أن سير المفاوضات سيجبرنا عليه.
· تجنب إظهار ضعف موقفك التفاوضي للطرف الآخر.
· كسب الوقت للوصول إلى معلومات جديدة تفيد في التفاوض.
· تطبيقًا لاستراتيجية (بالصبر تبلغ ما تريد).
· للحصول على تنازلات أكبر، خاصة إذا كان الطرف المقابل متشوقًا للاتفاق.
· لأخذ فرصة للتفكير والدراسة قبل القطع بالرأي أو اتخاذ موقف محدد إزاء قضية مطروحة بشكل محدد.
ب. كيف تضيع الوقت؟
يمكن تحقيق ذلك بواحد أو أكثر من الأساليب والتصرفات التالية:
· طلب إيضاحات من الطرف الآخر دون مبرر حقيقي.
· طلب بيانات من الطرف الآخر دون حاجة حقيقية.
· طلب تأكيدات أو ضمانات معينة لأي موقف.
· توجيه أسئلة كثيرة بدون مبرر.
· التشكك في المعلومات بحذر.
· البطء في عرض وجهات النظر.
· استئذان أحد أعضاء الفريق مؤقتًا لأي سبب.
· تفريع المناقشة في تفاصيل وأمور جانبية، وتوسيع القضايا إلى أمور عامة.
ت. كيف تواجه لجوء الطرف المقابل إلى تضييع الوقت؟
هناك بديلان رئيسيان في هذا الصدد:
– البديل الأول: التجاوب معه ومسايرته:
أي توافقه في عملية التأجيل وتضييع الوقت، ويفيد هذا البديل عمليًّا بوجه خاص في المجالات التالية:
· إن كان التأجيل يحقق مصالحك التفاوضية.
· إن لم يكن هناك ضرر من التأجيل.
· إن لم يكن هناك حاجة ملحة للاستعجال على الاتفاق.
– البديل الثاني: المواجهة لإفشال استراتيجية الطرف المقابل في تضييع الوقت:
وذلك عن طريق:
· عدم التجاوب معه في تفريع المناقشة.
· عدم التجاوب معه في الخروج عن الموضوع.
· تعمد استخدام ألفاظ وتعبيرات محددة.
· الإجابة الموجزة على الأسئلة.
· تلخيص المناقشة بإيجاز وتوجيه الانتباه لأهمية الالتزام بأهداف المناقشة في موضوع التفاوض.
· إظهار مزايا التوصل إلى اتفاق بالنسبة للطرفين.
· إظهار مساوئ تأخير الاتفاق.
· أن تطلب منه توفير الوقت صراحة لوضعه في موقف حرج.
2. استراتيجية توفير الوقت:
من الطبيعي أن نعتبر أن الوقت من ذهب، وأن نكون راغبين ومستعدين لسداد قيمة نقدية معينة لاختصار الوقت اللازم للتوصل إلى الإتفاق المطلوب، من هذا المنطلق يحسن فرض عقاب ذاتي ـ أي يفرضه كل طرف في التفاوض على نفسه ـ عن كل فترة تأخير في عمليات التفاوض؛ وذلك لأخذ عامل الوقت بجدية واستغلاله على أحسن وجه، وذلك بالمفاضلة بين الإنجازات المحققة من التوصل إلى إتفاق سريع، وعدم الإنجازات المحققة من الانتظار وعدم العجلة.
فالملاحظ عامة أن صبر الإنسان محدود، ويفضل الفرد دائمًا الوصول إلى النتائج المطلوبة وتحقيق الأهداف المرغوبة في أقصر زمن ممكن، بل أنه قد يفضل مكسبًا صغيرًا سريعًا على آخر أكبر منه يتحقق بعد زمن طويل، ولكن يرتبط نجاح استراتيجية توفير الوقت عادة بعدم إشعار الطرف المقابل باستعجالك على النتائج، أو إعلان رغبتك في سرعة التوصل للاتفاق.
لذلك تقول د. جوديت أي. فيشر: (العامل الجوهري الثاني في التفاوض بعد جمع المعلومات هو عامل الوقت أو الضغط المتولد عن تحديد مواعيد لإنجاز العمل).
رابعًا ـ متي نتفاوض؟
اختيارك للتوقيت الذي تبدأ به المفاوضات له تأثير قوي على نجاحك، فمثلًا عندما تشتري أو تبيع أي شيء، استغل ظروف السوق والموسم التي قد تنخفض فيه الأسعار، ومن ثم يمكنك مثلًا أن توفر 10% في عقد طويل المدى إذا تفاوضت أثناء الكساد أو الركود، ويتعين عليك أن تتأخر في شراء أشياء حتى نهاية السنة المالية عندما يكون البائعون شغوفين لتحقيق أي مكسب.
وهنا يحكي لنا روجر داوسون تجربته في تدريب المشاركين في دوراته على فنون التفاوض فيقول: (إن تأكد الطرف الآخر من أنك تحت وطأة عامل الوقت، فسوف يقوم على الأرجح بتأجيل أغلب نقاط التفاوض إلى آخر وقت ممكن؛ مما يعرضك لخطورة تقديم التنازلات تحت ضغط عامل الوقت.
لذا؛ فإنني أحرص من خلال ندوات التفاوض على أن أدرب الحضور عمليًّا على ممارسة التفاوض، قد أمنحهم على سبيل المثال 15 دقيقة لإتمام التفاوض، وأؤكد على ضرورة التوصل إلى اتفاق خلال هذه الفترة الزمنية المحددة.
وبينما أتجول في قاعة الندوة مسترقًا النظر لما يجري من تطورات خاصة بالتفاوض، أستطيع أن أؤكد أنه خلال الـ12 دقيقة الأولى يجد الجميع صعوبة في إحراز أي تقدم، حيث يسعى الطرفان إلى تجميد القضايا ويكون هناك قدر ضئيل من الأخذ والعطاء.
وما أن تمر 12 دقيقة وهو مايساوى 80% من إجمالى الوقت، التقط الميكرفون وأخبرهم بأنه لم يبقَ من الوقت سوى ثلاث دقائق فقط، ثم أنهي الوقت بعد تنازلى من 5 ثواني إلى صفر، وقد بدا لي واضحًا من خلال هذه التجارب أن 80% من التنازلات لا يتم تقديمها إلا في الـ 20 % المتبقية من الوقت المحدد للتفاوض).
وهذا يؤكد على ضرروة اختيارك للتوقيت المناسب الذي تبدأ فيه عملية التفاوض؛ حتى لا تقع تحت ضغط الوقت وتضطر إلى تقديم تنازلات في عملية التفاوض.
وختامًا: إنك تحتاج الوقت من أجل التفكير:
لا تبدأ أبدًا في المفاوضات بدون النظر بعين الاعتبار إلى كيفية قيامك بإتاحة الوقت لنفسك للتفكير، أوجد حاجزًا للتفكير؛ لإبعاد نفسك عن أن يدفعك الآخرون لاتخاذ قرار متسرع، إن إتاحتك الفرصة لنفسك والوقت للتفكير يساعدك على إدراك الأمور قبل وقوعها، بدلًا من إدراك الأمور بعد وقوعها وهذا ما نطلق عليه البصيرة.
أهم المراجع:
1. مهارات التفاوض، د.محمد عبد الغني حسن.
2. فن إدارة الاختلاف، د.جوديت أي فيشر.
3. التفاوض في الحياة والأعمال، د.صديق محمد عفيفي.
4. التفاوض مهارات واستراتيجيات، د.ثابت عبد الرحمن إدريس.
5. التفاوض الناجح، د.مصطفي محمود أبو بكر.
6. أسرار قوة التفاوض، روجر داوسون.
7. الدروس الكبرى للحياة، هال أوربال.