لا يشك أحد بأن الوقت هو الحياة , فعمر الإنسان عبارة عن أيام , كما قال الحسن البصري : ” يابن آدم , إنما أنت أيام ,إذا ذهب يوم ذهب بعضك ” .
والأيام ما هي إلا ساعات ودقائق لهذا على المرء أن يتفكر أين يذهب يومه , والإسلام اهتم بإدارة الوقت الخاص إضافة إلى إدارة وقت العمل وحثه على اغتنامه وعدم إضاعته , فهو من الأمور التي يسأل عنها الإنسان يوم القيامة فعن أبي برزة الأسلمي قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :” لاتزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع خصال : عن عمره فيم أفناه , وعن شبابه فيما أبلاه . وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه , وعن علمه ماذا عمل فيه .”
والإسلام نظم حياة المسلم ووقته فقد نظم نومه واستيقاظه , وأداءه للشعائر , وإنطلاقه إلى ميدان الحياة , ليجعل عمله كله عبادة لله سبحنانه وتعالى يقوم على أساس الشعائر كلها وعلى أساس من ذكر الله الملازم له .
وإذا أردنا أن نقدر أعمار هذه الأمه فقد روي عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :” أعمار أمتي ما بين الستين إلى السبعين وأقلهم من يجوز ذلك .”
فإذا أخذنا بفرضية لأن العمر سبعون سنة , اعلم رحمك الله بأن كل خمس دقائق تقضيها يومياً تقدر من إجمالي عمرك بثلاثة أشهر تقريباً , وأن كل ساعة تقضيها يومياً تقدر ب ثلاث سنوات من إجمالي عمرك
وبناء على هذه الفرضية فوقت الإنسان يتوزع يومياً على ما يلي :
سبع ساعات نوم ثمان ساعات عمل
ساعة بالهاتف
ساعة ونصف أكل نصف ساعة قضاء حاجة
ساعة استرخاء ساعة بين الأصحاب والأصدقاء
ساعتان بالسيارة
بهذا يكون إجمال الوقت المستهلك يومياً 22 ساعة بما يعادل 66 سنة من إجمالي السبعين سنة .
فما تبقى من عمرك هو 4 سنوات تقريباً فما أنت فاعله ؟
قد يسأل سائل ما المقصود بهذه الإحصائية :! هل لاننام أم نأكل أو لانركب السيارة ولانجلس مع الأصحاب ؟
ليس هذا المقصود !! ولكن هذا هو يومك فاعرف قيمته , وعليك بتجديد النية في أعمالك كلها لكي لاتحرم الأجر , فإذا أردت أن تأكل فجدد نيتك بأن إطعامك لأطفالك لك فيها أجر ” في كل كبد رطبة أجر .
إذا علمت ذلك فعليك استثمار وقتك الاستثمار الأمثل بحيث لاتضيعه وحاول أن تقدر الأمر كما ينبغي.
فلتسأل نفسك لم؟ وكيف؟ومتى ؟وأين ؟ ونظم وقتك لكي لاتفقد الكثير منه بدون فائدة وتأتي يوم لاينفع مال ولابنون وتقول ليتني فعلت وليتني قلت !
واعلم عفر الله لي ولك إنك مساءل عن هذا الوقت !!! فإن لم يكن لك فهو عليك وان المغزى من من خلق الخلق هو عبادة الله
وهذا هو الهدف الحقيقي والرئيس الذي يجب أن يكون في حياتك وعلى جوارحك أن تتحرك وتعمل لتحقيق هذا الهدف وأن باقي الأعمال يفترض أن تصب في صالح هذا الأمر .
قال ابن القيم رحمه الله يبين هذه الحقيقة بقولة : وقت الإنسان هو عمره في الحقيقة , وهو مادة حياته الأبدية في النعيم المقيم ومادة حياته الأبدية في النعيم المقيم , ومادة معيشته الضنك في العذاب الأليم , وهو يمر مر السحاب , فمن كان وقته لله وبالله فهو حياته وعمره وغيرذلك ليس محسوباً من حياته … فإذا قطع وقته في الغفلة والسهو والأماني الباطلة وكان خير ما قطعه به النوم والبطالة و فموت هذا خير من حياته .
ويقول إبن الجوزي :” لا ينبغي للإنسان أن يعرف شرف زمانه وقدر وقته , فلا يضيع منه لحظة في غير قربة , ويقدم فيه الأفضل فالأفضل من القول والعمل ولتكن نيته في الخير قائمة من غير فتور بما لايعجز عته البدن من العمل .
وفي هذا يذكر الله تعالى موقفين للإنسان يندم فيهما على ضياع وقته حيث لاينفع الندم :
أولهما : ساعة الاحتضار حين يستدبر الإنسان الدنيا ويستقبل الآخرة ويتمنى لومنح مهلة من الزمن ليصلح ما فسد ويتدارك ما فات
قال تعالى : يأيها الذين آمنوا لاتلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله ومن يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون وأنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتي أحدكم الموت فيقول رب لولا أخرتني إلى أجل قريب فأصدق وأكن من الصالحين .
ويكون الجواب على هذه الأمنية ولن يؤخر الله نفساً إذا جاء أجلها والله خبير بما تعملون
ثانيهما : في الآخرة .. حيث توفي كل نفس ما عملت وتجزى بما كسبت
ويدخل أهل الجنة الجنة , وأهل النار النار و هنالك يتمنى أهل النار لو يعودون مرة أخرى على الحياة ليبدؤوا من جديد عملاً صالحاً .
والذين كفروا لهم نار جهنم لا يقضى عليهم فيموتوا ولا يخفف عنهم من عذابها كذلك نجزي كل كفور وهم يصطرخون فيها ربنا أخرجنا نعمل صالحاً غير الذي كنا نعمل أو لم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر وجائكم النذير فذوقوا فما للظالمين من نصير
وما أحسن مقولة الحسن البصري : أدركت أقواماً كانوا على أوقاتهم شد منكم حرصاً على دراهمكم ودنانيركم , فلنحرص على الوقت ولنحافظ عليه .
ولنستفيد منه كله فيما ينفعنا في الدين والدنيا وفيما يعود على الأمة بالخير والسعادة والنماء الروحي والمادي
فعندما تفكر في تمضية وقتك , فكر بما يعود عليك بالنفع في آخرتك لأن معظم وقتك ذاهب بالحسبة السابقة
وإذا عرفنا ذلك يا معشر المسلمين , فلنحرص على الاستفادة الكاملة من الوقت فإن إضاعة الوقت علامة المقت .