هل تنهض أمة دون تغذية العقول ؟
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم و رحمة الله تعالى و بركاته
طالما حمل لنا التاريخ في طياته أسماء عديد الأمم و الحضارات التي مر عليها ركب الزمان يسائلها فتتنهد أسى ، أو تناجيه طربا … فكلها بحثت عن العظمة ، لكن تباين السعي لتحصيلها بين هذه و تلك ، فشهدت بعضها الرقي و التطور ، و صاولت أخرى الانحطاط و التقهقر ..
لقد انساقت بعضها خلف شهوات النفس تشبعها ، فكان هم أبناءها إيجاد طعام على المائدة إن اشتهوا أكلا ، ظنا منهم أن إرضاء الغريزة ضمان لعظمة خالدة ، كامنة في تحصيل المادة ، رصد الأموال ، و كسب الذهب و الفضة .. فإذ بتلك الأمجاد الفانية تندثر ، لأنها لم تحقق سعادة الأمة بقدر تحقيقها سعادة الأفراد كل على حدى ، و كل مكترث بذاته و رغباته … فما وجدت أمتهم لازدهارها سبيلا ، و لم يجني أولئك المتهالكون لذواتهم سوى شهادة الدهر لهم بالفشل ، لأن الملاذ متعة مؤقتة و زائلة …
أما العقلاء فقد صاولوا ضعف أرواحهم البشرية المجبولة على النقص ، و أدركوا أين تكمن العظمة ، و كيف يكتسب الخلود .. إنما ذاك بالسعي لإشباع العقول بفهم معاني الحياة ، و كيف تقام الحضارات ، و تربيتها على الاجتهاد لتحصيل العلم النافع ، الذي يحقق للأمم ، كل الأمم النهضة و الاستقرار … و كم عرضت لنا أمثلة لحضارات قامت بفضل ذلك و أعظمها الحضارة الإسلامية ، و كم من إمبراطوريات عاجلها الحمام بالزوال لانشغال أهلها بتفاهات الدنيا الزائلة كتلك الوندالية .. و ما الانحطاط الذي لحق بالعرب إلا لأنهم نسوا الحقيقة ، في الوقت الذي أدركها الغرب و عمل عليها …حري بنا إذن أن ندرك أن الأمم ما كانت لتنهض بإشباع البطون بل بتربية العقول …