تنمية بشرية

CMS5: التسويق بفعل الخير، كيف تقنع الآخرين أنك ملاك؟!

للخير وجوه كثيرة، جميعنا يحب الخير حتى وإن كان يفعل الشر! فكل واحد منا يشعر بشيء داخله يلمس قلبه وروحه

عندما يجد خيراً حقيقياً أمام عينيه، من هنا جاءت إستراتيجية التسويق الخامسة التي أتحدث عنها وهي “استخدام فعل الخير من أجل التسويق لأعمالنا”، هذه الإستراتيجية التي تقول “افعل الخير وسيتعلق الناس بك عاطفياً، فإذا تعلق الناس بك عاطفياً سيشترون منك وسيبررون لك أفعالك!”

ليس شرطاً أن يتم استغلال فعل الخير من أجل مصالح شراء وبيع “الأعمال” فقط، وإنما ممكن من أجل مصالح سياسية “انتخابات” ومن أجل سلطة روحية “دين” ومن أجل شهوة حب الإطراء والظهور “كمخلص”!

في رأيي الشخصي أظن أن “جميعنا يحب أن يرى الخير، ولكن قليلاً جداً من يفعله!”
مجاراة الأحداث / الواقع

الخير يختلف حسب الزمان والمكان، هناك الكثير من الأشياء التي تندرج تحت “مظلة الخير”، ولكن أيها سيكون أكثر تأثيراً؟ أيها سيكون أكثر ملاءمة للظروف؟ وأخيراً أيها سيكون أفضل لصالح الشركة / العمل؟

mobinil

من هنا جاءت فكرة “مجاراة الواقع” أو “Real Time advertising” حيث تستغل الشركات المعلنة أحداثاً قومية كبرى وتقوم بتوظيفها لصالحها، فنرى على سبيل المثال شركة “موبينيل” تطلق بعد أحداث الثورة الأولى في مصر أغنيتها الشهيرة “عشان لازم نكون مع بعض”، فعندما حدثت الفرقة بين السياسين والمصريين بسبب الدستور وغيره، جاءت الأغنية برسالة قوية “تمس القلب” وهي ضرورة التمسك بالوحدة رغم الاختلافات، وأن هذه الوحدة هي سر قوتنا! وقد كان، ووصلت الرسالة كاملة لدرجة أن بعض الشباب قالوا عن هذه الاغنية إنها وحدت المصريين أكثر من “الدستور الجديد”!

من هنا يجب أن يتمتع المسوق بسرعة بديهة ليستطيع خطف اللحظة الحرجة لصالحه ولصالح شركته. اللحظات الحرجة التي أعنيها هي تلك غير المتوقعة، فلا يمكننا اعتبار “شهر رمضان” أو “الأعياد” لحظات حرجة لأنها معروفة مسبقاً، لكن الثورات والأحداث الاجتماعية الكبرى يمكننا اعتبارها لحظات قنص ممتازة لكي تظهر للناس “أنك ملاك هبط للتو من السماء ليساعدهم على تجاوزها والمضي قدماً!”

CMS4: ألغاز العقل، كيف تربح عبر التلاعب برأس أحدهم؟
الخير الذي يفيدنا

في عام 2010 قررت “بيبسي” أن تتخلى عن مصاريف الإعلانات التي تنفقها على نهائي بطولة الكرة في أمريكا، وبدلاً من الإعلانات ستدفع الأموال لمن يتقدم بفكرة مشروع خيري ويحصل على الأصوات، رصدت 25 ألف دولار منحة لكل مشروع فائز، وبدأت الحملة التي لاقت ترحيباً كبيراً من الأوساط الشعبية والإعلام، ولكن سرعان ما كانت النتيجة مؤسفة وقاسية، فقد حققت بيبسي تراجعاً في الأرباح بنسبة 6% وأصبحت في المركز الثالث في ترتيب الأكثر مبيعاً بعد كوكاكولا وكوك دايت، بعدما كانت بعد كوكاكولا فقط!

Pepsi-Grants-Xtras_03

قرر فريق التسويق تعديل الخطة فجعل عملية التصويت على الموقع الإلكتروني للمشاريع الخيرية المقترحة يعتمد على “كود” يتواجد على ظهر غطاء زجاجة البيبسي وبالتالي لا يمكنك التصويت للمشاريع إلا باستخدام الكود، وبالتالي يجب أن تشتري بيبسي لتقوم بالتصويت للخير!
فشلت الخطة أيضاً!

بعدما قام المحللون لاحقاً بتحليل الحملة وأسباب فشلها، اكتشفوا عدم أصالة الفكرة “Lack of Authenticity”، وأنها السبب الرئيسي وراء الفشل، حيث أن بيبسي قررت فعل الخير ولكن الشريحة التي استهدفتها لم تكن هي الشريحة الشرائية لبيبسي من الأساس، لم يكن الشباب، وإنما الطبقة الأكبر سناً والجمعيات الخيرية والكنائس، وبالتالي الشباب لم يتم دمجهم في الفكرة و لم يشعروا بها..

من هنا خرجت بيبسي لاحقاً بفكرة موقعها الإلكتروني “Pepsi Pulse” الخاص بتقديم وإنتاج أغاني “underground” للشباب مجاناً! (الخير الموجه للشباب!)، أيضاً خرجت بفكرة “دوري بيبسي للمدارس” الذي لاقى نجاحاً كبيراً لدرجة ًن كوكاكولا قلدتها فيما بعد ببطولة “كوبا كوكاكولا او كأس العالم للشباب”.

Pepsi-Pulse-Fake-Shore-Drive-550×422

الحكمة من هذا كله تتلخص كالتالي “لا يهم فعل الخير إذا لم يكن متعلقاً بالشريحة الشرائية المستهدفة، وبمنتجنا بشكل مباشر”

فمثلاً إذا كنت تترشح للانتخابات، فليس عليك توزيع سلع مجانية على الفقراء في مناطق نائية، حيث أنهم لن يفيدوك بأصواتهم! قم بالتوزيع داخل منطقتك ودائرتك الانتخابية فقط، يمكنك تبرير هذا لاحقاً بأنك “تخدم أبناء منطقتك الذين تربيت معهم!”.
الخير الذي يتعلق بالشهرة

دوف “Dove” شركة مساحيق التجميل الشهيرة، أطلقت منذ بضعة أشهر حملتها الناجحة للغاية باسم “Love Your Body” أو “أحب جسدك”، والتي تدعو كل امرأة فيها أن تتقبل جسدها كما هو، أن تحبه، لأن كلاً منا يحمل الجمال الذي يخصه، وضرورة عدم السعي وراء عمليات التجميل طوال الوقت!

LoveYour Curls pic

الفكرة العبقرية لاقت قبولاً رهيباً لدى النساء “وكأنهم كانوا ينتظرونها”، ولكن الأهم انها استقبلت بشكل جيد من النقاد والإعلاميين الذين تحدثوا عنها في كل القنوات الأوروبية والأمريكية، هذا بالتحديد ما كانت تهدف إليه دوف، الشهرة “The Fame” الشهرة المجانية في كل مكان والجمهور المتعلق نفسياً باسم “دوف”!

CMS4+1: الغاز العقل (الجزء الثاني).. كيف يمكنك الربح عبر التلاعب بعقول الآخرين؟

لا أحتاج إلى التذكير بأن النساء لو حقاً صدقوا الحملة لكانت دوف أغلقت مصانعها منذ الشهر الأول، لأن لا أحد سيشتري مستحضرات تجميل إذا كان يحب جسده فعلاً!

بإمكان أي شركة أن تنفق في الخير ولكن يجب أن يتحدث عنها الجميع، يجب أن تحصل على الشهرة، يجب أن يحصل الخير الذي تقدمه على الثناء والكاميرات، وإلا فلن تنفق مليماً واحداً وراء أظهر الناس!

سأكتفي بهذه النقاط في فعل الخير، ولكن أياً كان ما تظنونه عن تلك الشركات فأنا أؤيدها تماماً، ربما هي أكثر استراتيجية تسويقية أحبها كمستخدم، حتى وإن كانت وراءها اهداف خفية!

التفكير العقلاني يدعوني لتأييدها “بعيداً عن المشاعر”، فإذا أنفقت الشركة أموالها على الخير حقاً فسيذهب للفقراء أو من يحتاج اليه، أما إذا أنفقت على الإعلانات فسيذهب للقنوات الفضائية ومنها للفنانين والمذيعين ورجال السياسة والكرة! وأنا أرى أن هناك من يستحق المال أكثر منهم!
 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى