اعداد محاسب

المراجعة الاجتماعية(1)

المراجعة الاجتماعية(1)

المبحث الأول
المراجعة الاجتماعية
(مبرراتها- مفهومها- تعريفها- أهدافها- مزاياها)

لقد تأثرت المحاسبة كعلم ومهنة بالعديد من المتغيرات الفكرية والتطبيقية عبر القرون، شأنها في ذلك شأن كافة العلوم الاجتماعية الأخرى ، مما

أسفر هذا التطور عن ظهور المسؤولية الاجتماعية ، حيث كان ينظر في البداية للمحاسبة على أنها أداة لخدمة أصحاب المشروع ، وفي أواخر القرن الثامن عشر وأوائل القرن التاسع عشر ظهرت علامات تطور جديدة في المحاسبة ، ونتيجة عوامل اقتصادية واجتماعية، مثل قيام الثورة الصناعية ، وما نجم عنها من تطور الوحدات الإنتاجية وظهور الشركات المساهمة وانفصال الملكية عن الإدارة ، مما عزز الحاجة لخدمات المحاسبة لا باعتبارها وسيلة للتسجيل وقياس المسؤوليات فقط ، ولكن باعتبارها وسيلة فعالة لخدمة الإدارة ، ومدها بالبيانات المالية اللازمة لمساعدتها في رسم السياسات وتنفيذها والرقابة عليها ثم قياس مدى الكفاية في تحقيق الأهداف المطلوبة من قيام المنظمة .
ومنذ أواخر القرن التاسع عشر وحتى الآن زادت الحاجة إلى وظيفة المحاسبة لخدمة طوائف أخرى، حيث لم تعد المحاسبة تلك الوظيفة التي تخدم فقط أصحاب المشروع وإنما تطورت وأصبحت أداة لخدمة المجتمع، ومعيارا لمدى كفاية الإدارة لتحقيق الأهداف المرجوة من قيام المشروع وبالتالي أصبحت وسيلة لخدمة المجتمع بصفة عامة، ومن هنا ظهرت المسؤولية الاجتماعية للمنظمة.
وبعد أن أصبحت المسؤولية الاجتماعية للمنظمة حقيقة واقعة، وكذلك القضية الأكثر أهمية وتحديا لإدارات المنظمات ….كونها ترتبط بعلاقات ومتغيرات متعددة سواء منها ما كان داخل المنظمة أم خارجها ، وبالتالي فإنها لا يمكن أن تعد كظاهرة سطحية يمكن معالجتها من خلال إجراءات عامة أو اجتهادات شخصية لمديري المنظمات([1]).
من هنا بدأت المحاسبة عن المسؤولية الاجتماعية أو ما عرف بالمحاسبة الاجتماعية . وطالما أن أي تطور في المحاسبة يتبعه تطور في مهنة المراجعة، لذا فقد نشأ عن المسؤولية الاجتماعية والمحاسبة الاجتماعية للمنشــأة مســؤولية اجتماعيــة لمهنـة المراجعــة، حيث تسهم في خدمة المجتمع ـ وهو ما يسمى بالمراجعة الاجتماعية ـ وبغير ذلك فإن مهنة المراجعة ستعجز وستتراجع إذا هي تجمدت أو جمدت خدماتها التي تقدمها لعملائها وللاقتصاد وللمجتمع بشكل عام، وأنَ عدم تطورها وتجاهلها للمطالب المقدمة لها لتحسين خدماتها، والاستجابة لمطالب الجمهور منها، يعزلها عن مجتمعها ويقلص الاعتراف بها ويجعل مستقبلها محفوفا بالمخاطر وهو ما قد يعزز فجوة توقعات جديدة.
إنَّ بروز الحاجة إلى المراجعة الاجتماعية جاء لعدة أسباب لعل أهمها ظهور المحاسبة الاجتماعية كأداة لقياس الأداء الاجتماعي للمنشأة واهتمامها بإعداد تقارير وقوائم اجتماعية من جهة، ومن جهة أخرى قصور وسائل المراجعة التقليدية عن القيام بمهمة التحقق وتقييم الأداء الاجتماعي للمنشأة.

أولاً: مبررات ظهور المراجعة الاجتماعية:
أدت التغيرات الاقتصادية الهامة في مجتمع الأعمال ونمو وتعقد أشكال المشروعات التي أصبحت كيانات لها تأثيرها على الحياة الاقتصادية وزيادة الأموال المستثمرة فيها بالإضافة إلى تعدد المنتجات وكثرت الفروع والأقسام لهذه المنشأة بالإضافة لتأثيرها على نشاطات أطراف أخرى في المجتمع- خلاف ملاكها – ثم اعترافها بالمسؤولية الاجتماعية وممارستها والاهتمام بالمحاسبة عنها على الرغم من أن اصطلاح المسؤولية الاجتماعية لم يكن مستخدماً في الفكر المحاسبي قبل عام 1923م حيث ورد هذا الاصطلاح لأول مرة عندما تم الإشارة إلى أن مسؤولية أي منظمة هي بالدرجة الأولىمسؤولية اجتماعيةوأنَّ بناء أي منظمة واستمرارها يحتم عليها أن تلتزم وتستوفي مسؤولياتها الاجتماعية عند قيامها بأداء وظائفها المختلفة.([2])
ولقد كان من نتيجة الاهتمام بالمسؤولية الاجتماعية للمنظمات وما تبعه من ظهور المحاسبة الاجتماعية Social Accounting لقياس الأداء الاجتماعي لتلك المنظمات وإعداد التقارير والقوائم الاجتماعية أن نبعت الحاجة إلى إيجاد وسيلة للتحقق وتقييم ذلك الأداء بصورة مستقلة عن الأداء الاقتصادي للمنظمات، لذلك يمكن القول أنَّ العوامل التي أدت إلى ظهور المحاسبة الاجتماعية وتطورها قد أدت بنفس الدرجة إلى ظهور مفهوم جديد للمراجعة تحكمه مجموعة من المعايير لغرض فحص وتقييم الجانب الاجتماعي لأداء المنظمة، وقد أطلق على ذلك المفهوم” المراجعة الاجتماعية Social Auditing” .
وبشكل عام يمكن القول أنَّ مفهوم المراجعة الاجتماعية ظهر في بداية منتصف القرن الماضي، ويرى بعض الكتاب والباحثين أنَّ الفكر المحاسبي والتطبيق العملي في بداية مرحلة الاهتمام بالمسؤولية الاجتماعية لمنظمات الأعمال لم يفرق بين المحاسبة والمراجعة الاجتماعية.([3])ولكن مع التوسع الهائل في حجم المشروعات الاقتصادية التي زاد اهتمامها بالمسؤولية الاجتماعية ظهرت الحاجة إلى وجود جهة مستقلة محايدة تتأكد من صحة المعلومات الاجتماعية الواردة في التقارير المالية المنشورة، وهذه الجهة هي ما أطلق عليه بالمراجعة الاجتماعية.
وخلاصة القول أنَّ مفاهيم المراجعة الاجتماعية ظهرت بشكل واضح منذ بداية السبعينيات. ويرى أحد الباحثين أنَّ المراجعة الاجتماعية تمثل نشاطاً للتعبير عن العمل الشامل للتعرف على طبيعة وحدود المسؤولية الاجتماعية للمنشأة ثم الوقوف على مدى تنفيذ تلك المسؤولية في كل جانب من جوانبها وتوصيل المعلومات بشكل دقيق ومحايد.([4])
ويشير باحث آخر إلى ضرورة تصميم أنظمة متكاملة للمراجعة المالية والإدارية والاجتماعية لأنَّ المنشأة وحدة واحدة ومسؤولياتها الاجتماعية نابعة من كونها عضو في المجتمع تشمل بين طياتها النواحي المالية والإدارية والاجتماعية وأنَّ العلاقات بينها متشابكة ومتداخلة ومن الصعوبة أن يتم الفصل بينهم فصلاً كاملاً.([5])
لذلك ُيرى أنَّ المراجعة الاجتماعية يجب أن تتضمن الجوانب التالية[6])
1- الجوانب الاقتصادية لنشاط المنشأة وعلاقتها بالاستهلاك والاستثمار والادخار والفاقد والمحاسبة عن الموارد البشرية.
2 – أثر النشاط على علاقة المنشأة بعملائها من حيث سياسة التسعير والرقابة على الجودة والاتصالات والشكاوى وصور الإعلان.
3- أثر النشاط على المجتمع والبيئة فيما يتعلق بالتلوث ومدى الاهتمام بالبيئة وغيرها من المشاكل المرتبطة بنشاط المنشأة في الأجل القصير والطويل.
مما سبق يتضح أنَّ المراجعة الاجتماعية فرع جديد من فروع المراجعة تحتمه الظروف الاجتماعية المحيطة بالمنشأة ويتعين على المحاسبين والمراجعين ضرورة إيجاد صياغة علمية وعملية لهذا الفرع وتوجد عدة مبررات أساسية لصياغة إطار للمراجعة الاجتماعية على النحو التالي[7])
أ ـ مبرر محاسبي:
ويتمثل في زيادة المنفعة النسبية للمعلومات التي يقدمها المراجعون من خلال تقديم رأيهم الفني وبما يسمح لها بأن تكون أداة هامة لاتخاذ القرارات الاقتصادية والاجتماعية على كافة المستويات ولكل الطوائف حتى يتماشى ذلك مع المفهوم الحقيقي للوحدة المحاسبية باعتبارها مجموعة من النشاط الاجتماعي والاقتصادي.
ب ـ مبرر اجتماعي:
يتمثل في بيان مدى العائد الاجتماعي الذي يتحقق من تنفيذ البرامج والأنشطة المختلفة للمنشأ؟ة خاصة وأنَّ موارد الوحدات الاقتصادية العامة تمثل موارد اجتماعية.
ج ـ مبرر اقتصادي:
يتمثل في بيان مدى مساهمة المنشأة في تحقيق الأهداف الاقتصادية لخطط التنمية العامة كتوفير النقد الأجنبي واستقرار الأسعار وتشجيع الصادرات.
ويرى الدارس من خلال استعراض المبررات السابقة ضرورة وجود هذا الفرع من فروع المراجعة وذلك للدور الهام الذي يمكن أن يؤديه في خدمة أطراف عدة.

ثانياً: مفهوم المراجعة الاجتماعية:
لقد تعددت آراء الكتاب والباحثين بشأن تحديد ماهية ومفهوم المراجعة الاجتماعية، حيث لازال الاتفاق على مفهوم واضح ومحدد للمراجعة الاجتماعية غير قائم، ذلك أنَّ الباحثين والمنظمات المهنية الذين تناولوا هذا الموضوع لم يجمعوا على مفهوم علمي محدد وواضح، حيث ينظر إليه كل طرف من زاوية معينة تختلف جزئياً أو كلياً عن وجهة نظر الطرف الآخر.
ويرى بعض الباحثين بحق أن الاختلاف لا يشمل فقط مفهوم المراجعة الاجتماعية وإنما يشمل أيضاً نطاق البرامج الاجتماعية، ومن يقوم بالمراجعة الاجتماعية، وكيفية أدائها والمعايير اللازمة لها، وكذلك مدى التأهيل العلمي والعملي المطلوبين فيمن يتولاها.([8])
وكما يرى أحد الباحثين أنَّ المراجعة الاجتماعية ذات حافة قاطعة، وإذا أردنا أنَّ تصبح المسؤولية الاجتماعية ذات معنى حقيقي فإنَّ ذلك يتم من خلال المراجعة الاجتماعية.
وقد خلص الدارس إلى أن هذه الآراء تتبنى وجهتي نظر مختلفتين هما:
وجهة النظر الأولى: أنَّ المراجعة الاجتماعية تشمل ضمناً البعد المحاسبي:
تقوم وجهة النظر هذه على أساس عدم التفرقة بين مفهوم المحاسبة ومفهوم مراجعة الأداء الاجتماعي باعتبار أن عملية المراجعة تتضمن البعد المحاسبي لهذا الأداء، ومن مؤيدي ذلك من يرى ” أنَّ المراجعة الاجتماعية تمثل نشاطاً مهنياً يعبر عن العمل الشامل للتعرف على طبيعة وحدود المسؤولية الاجتماعية للمشروع ثم الوقوف على مدى تنفيذ تلك المسؤولية في كل جانب من جوانبها وتوصيل معلومات بشكل محايد ودقيق- أو أقرب ما يكون للدقة- عن الآثار الفعلية والمحتملة لكافة الأنشطة على كيان الوحدة وعلاقتها بالغير والبيئة والمجتمع، وبالصورة التي تساهم في إشباع حاجة مستخدمي هذه المعلومات بقدر الإمكان”.([9])
ويرى آخر ( أنها محاولة لتنمية وتطوير المقاييس اللازمة لقياس الأداء الاجتماعي في المجالات ذات الاهتمام الاجتماعي العام).([10])
ويعتقد الدارس أن هذه الآراء لا تعبر بوضوح عن طبيعة المراجعة كمهنة مستقلة تبدأ حينما ينتهي العمل المحاسبي، ومن ثم يشوب هذه الآراء التداخل الواضح بين وظائف المحاسبة والمراجعة.
ويوضح أحد الكتاب تفسيراً لظهور وجهة النظر هذه بقوله([11]):” أنَّ كلاً من الفكر المحاسبي والتطبيق العملي في بداية مرحلة الاهتمام بالمسؤولية الاجتماعية للمشروع والإفصاح عنها لم يركز على التمييز بين المحاسبة والمراجعة الاجتماعية حيث أنَّ التفرقة بينهما لم تكن واضحة، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى كان الهدف الأساسي هو الحكم على الأداء الاجتماعي للمشروع وأنَّ البعض كان يرى أن عملية قياس وتوصيل معلومات عن الأنشطة الاجتماعية للمشروع من وجهة النظر الاجتماعية لا تعدو أن تكون عملية مراجعة اجتماعية”.
وجهة النظر الثانية: أنَّ المراجعة الاجتماعية نشاط منفصل في حد ذاته:
تقوم وجهة النظر هذه على أساس التمييز بين مفهوم مراجعة الأداء الاجتماعي ومفهوم المحاسبة عن هذا الأداء، لأنَّ كل منهما يمثل نشاطاً منفصلاً عن الآخر، كما هو الحال بالنسبة للمحاسبة عن الأداء الاقتصادي ومراجعة هذا الأداء، ومن هذا المنطلق يعرفها أحد الكتاب بقوله:”هي فحص وتقييم الأداء الاجتماعي للمشروعات الذي يمكن تمييزه عن النشاط الاقتصادي لها وذلك بغرض التحقق من مدى سلامة تعبير القوائم والتقارير الاجتماعية عن مدى تنفيذ المشروع للمسؤولية الاجتماعية الملقاة على عاتقه ومدى مساهمته في الرفاهية العامة للمجتمع”([12])، كما يشير أحد الباحثين إلى أنَّ المراجعة الاجتماعية هي” عملية فحص فني محايد للبيانات المحاسبية المتعلقة بالنشاط الاجتماعي للمنظمة بغرض التثبت والتحقق من جديتها وصحتها ودقتها وذلك بقصد إبداء الرأي فيما تتضمنه القوائم الاجتماعية من حقائق ومدى تعبيرها بصدق ودلاله عن نتيجة النشاط الاجتماعي للمنظمة ومركزها الاجتماعي في نهاية الفترة المحاسبية حتى يمكن تقييم أدائها الاجتماعي”([13])، كما أنَّ باحث آخر يرى أنَّ المراجعة الاجتماعية هي “مجموعة الوسائل والأساليب المنظمة لتحديد الأنشطة الاجتماعية للمنشأة وفحصها للتحقق من أدائها وتقييمها وفقاً لمعايير محددة والتقرير عن ذلك والحكم على الأداء الاجتماعي للمنشأة بطريقة محايدة وإيصال النتائج للأطراف المعنية”.([14])
وفي ضوء ما سبق يرجح الدارس وجهة النظر التي ترى أنَّ مراجعة الأداء الاجتماعي تعتبر نشاطاً عن المحاسبة الاجتماعية – كما هو الحال في المحاسبة المالية التقليدية والمراجعة المالية التقليدية- وذلك لعدة أسباب من أهمها:
-1أنَّ مراجعة الأداء الاجتماعي بما تعنيه من فحص وتحقق لابد وأن يسبقها إعداد مجموعة من القوائم أو التقارير التي تحوي بيانات ومعلومات محاسبية عن الأنشطة الاجتماعية تكون بمثابة المخرجات لنظام محاسبي اجتماعي متكامل خاصة وأنَّ القوائم المالية التقليدية لا تتيح مثل هذه البيانات والمعلومات.
-2أنَّ مهمة المحاسبة هي إعداد وتجهيز البيانات بهدف استخدامها في الأغراض المختلفة، بينما مهمة المراجعة التحقق من صحة وسلامة البيانات المحاسبية التي تم إعدادها، ويشير أحد الكتاب إلى ذلك بقوله([15]):”أنَّ مفهوم المحاسبة يشير إلى توليد المعلومات الاجتماعية بينما مفهوم المراجعة يدل على التحقق من مدى صحة ودقة هذه المعلومات”.
-3تعرف المحاسبة الاجتماعية بأنها ( عملية اختبار لمتغيرات الأداء والمقاييس والإجراءات اللازمة لإنتاج المعلومات التي تفيد في تقييم الأداء الاجتماعي للمشروع وتوصيل هذه المعلومات بشكل منظم إلى فئات المجتمع المعنية داخل وخارج المشروع)([16])، وفي تعريف آخر ( هي منهج لقياس وتوصيل المعلومات المترتبة على اضطلاع المشروع اختيارياً أو إلزامياً بالأنشطة التي تفرضها المسؤولية الاجتماعية)([17])، كما يعرفها باحث آخر( بأنها مجال من مجالات المعرفة المحاسبية يهدف إلى قياس صافي المساهمة الاجتماعية لمنظمات الأعمال، ومدى وفائها باحتياجات المجتمع، والإفصاح بشكل دوري عن نتائج هذا القياس للطوائف المختلفة المهتمة بتقويم الأداء الاجتماعي لهذه المنظمات)([18])، ويتضح للدارس مما سبق أنَّ أهداف المحاسبة الاجتماعية تختلف عن أهداف المراجعة الاجتماعية.
4- إنَّ عملية المراجعة الاجتماعية – في رأي الدارس- تعد تطويراً لمهنة المراجعة ودور المراجع خاصة وأن هذه المهنة تمارس في مجتمع متحرك ومتطور بشكل مستمر طبقاً للأوضاع الراهنة، ومن ثم تعتبر المراجعة الاجتماعية امتداداً لمهنة المراجعة التقليدية والتي تستقل بدورها عن مهنة المحاسبة.
ومن العرض السابق لمفهوم المراجعة الاجتماعية يقودنا ذلك إلى ضرورة استعراض تعريفات المراجعة الاجتماعية المعدة من قبل بعض الكتاب والباحثين والجمعيات المهنية المعنية بتطور مهنة المراجعة.

ثالثاً- تعريف المراجعة الاجتماعية:

تعددت تعريفات المراجعــة الاجتماعية بتعدد الآراء والأفكار المهتمة بهذا المجال الجديد من مجالات المراجعة، وفيما يلي استعراض لأهم التعريفات الشائعة في هذا المجال وهي:
المراجعة الاجتماعية هي: ( منهج لتوفير البيانات والمعلومات اللازمة للأداء الاجتماعي للمشروع، ويقصد بلفظ الأداء الاجتماعي كل ما من شأنه أن يؤثر على رفاهية المجتمع أو طائفة من طوائفه وبما لا يتعارض مع اهتمامات طوائف أخرى، والحقيقة أن المراجعة الاجتماعية منهج لتأكيد صحة معلومات اجتماعية متاحة لاستخدامات متعددة منها عملية تقييم الأداء.([19])
المراجعة الاجتماعية تعرف على أنها ( تقييم منظم ورشيد لمضمون الأداء الاجتماعي للبرامج والأنشطة التي تقوم بها المنشأة وإعداد تقرير عن نتائج ذلك التقييم للأطراف المعنية داخل المجتمع.([20])
المراجعة الاجتماعية تعرف بأنها (نشاط مستقل يستهدف تقييم الإنجاز الاجتماعي عن حقيقة هذا الإنجاز والتقرير عن نتائج هذا التقييم بشكل واضح لكافة الأطراف المهتمة بالنشاط الاجتماعي للمشروعات).([21])
· المراجعة الاجتماعية هي (التعرف على مدى قوة أو ضعف المشروع بالنسبة للمشاكل الاجتماعية المتعلقة بظروفه الداخلية والخارجية، وبمعنى آخر تحديد ما يتوقع المجتمع الحصول عليه من المشروع مثل التبرعات وفرص التوظيف التي يوفرها وتأمين الموظفين وجودة الإنتاج وتوفير التغذية والإسكان والمساهمة في حل مشاكل المعوقين…الخ).([22])
· المراجعة الاجتماعية تعرف بأنها (دراسة منظمة وتقييم للأداء الاجتماعي للمنشأة الذي يمكن تمييزه عن الأداء الاقتصادي).([23])
· المراجعة الاجتماعية هي (فحص منظم ومستقل للأساليب والإجراءات المستعملة من قبل المنشأة الاقتصادية المتعلقة بالمجتمع والبيئة آخذين بعين الاعتبار – إذا كان ذلك ضرورياً- المظاهر الفنية والإدارية والتنظيمية والقانونية).([24])
· المراجعة الاجتماعية هي ( ذلك النشاط الذي يهتم بمراجعة المعلومات التي تختص بتقييم أداء المشروعات بالنسبة للمجتمع، وهي تهتم بالنظام الاجتماعي للمشروع حيث يتم التمييز بين النظام المالي والنظام الاجتماعي).([25])
· المراجعة الاجتماعية هي (عملية فحص ومراجعة التقارير الاجتماعية بواسطة مراجع خارجي مستقل للتحقق من دقة وصحة ما تحويه من معلومات، ومدى تعبير هذه التقارير بصدق وأمانة عن حقيقة الأداء الاجتماعي للمشروع).([26])
· المراجعة الاجتماعية هي (مجال مهني يهدف إلى إبداء رأي فني محايد عن مدى تعبير التقارير والقوائم المالية عن الأداء الاجتماعي لمنظمات الأعمال عن فترة زمنية معينة يمكّن الطوائف المختلفة داخل المجتمع من تقويم هذا الأداء ويساهم في ترشيد القرارات العامة والخاصة بتوجيه أنشطة المسؤولية الاجتماعية لهذه المنظمات وتحديد النطاق الأمثل لهذه الأنشطة).([27])
· المراجعة الاجتماعية هي (عملية فحص منتظمة أو عملية جمع أدلة وقرائن بصورة منتظمة لتقييم الأداء الاجتماعي للمنشأة ممثلاً في البرامج والأنشطة الاجتماعية بهدف التأكد من مدى كفاية وملاءمة الإفصاح في القوائم والتقارير الاجتماعية في التعبير عن مدى التزام المنظمة بتنفيذ مسؤولياتها الاجتماعية، ومدى فعالية أداء المنشأة لهذه المسؤوليات في ضوء مجموعة من المعايير المعتمدة والمقبولة والملائمة، ثم التقرير عن ذلك كله للأطراف المعنية لمساعدتها في اتخاذ قراراتها ورسم سياساتها).([28])

إنَّ هذه المحاولات الجادة – وغيرها- لوضع تعريف شامل جامع ومانع للمراجعة الاجتماعية على الرغم من فاعليتها وأهميتها وجدواها إلاَّ أنها لا زالت قاصرة من جوانب متعددة، ويستثنى من ذلك التعريفين الأخيرين، حيث تلافيا أوجه القصور في التعريفات السابقة وهذا القصور في تلك التعريفات يمكن إيجازه بما يلي:
1- الخلط بين المحاسبة الاجتماعية والمراجعة الاجتماعية.
2- لم تشر أكثر التعريفات السابقة إلى القوائم الاجتماعية وضرورة اعتبارها مدخلات عملية المراجعة الاجتماعية للسعي نحو إبداء الرأي العلمي الموضوعي.
3- لم تحدد تلك التعريفات المعايير التي تحكم المراجعة الاجتماعية في الوقت الذي تعتبر المعايير هي الأساس والعمود الفقري لها.
4- لم تشر هذه التعريفات إلى تقرير المراجع الاجتماعي وأهميته ومواصفاته.
5- تجاهلت تلك التعريفات الوظيفة الأساسية للمراجعة الاجتماعية المتمثلة في الفحص والتحقيق المهني وإبداء رأي علمي موضوعي محايد لخدمة الأطراف المعنية.
ولذلك كله يمكن القول أنَّ هذه التعريفات لم توضح كل المقومات التي ينبغي توفرها، أي أنَّ كلاً منها ليس تعريفاً شاملاً للمراجعة الاجتماعية.
ويرى الدارس أنَّ المراجعة الاجتماعية يمكن تعريفها على النحو التالي: (هي عملية فحص وتقييم وتحقق فني منتظم من المعلومات والبرامج والأنشطة الخاصة بالأداء الاجتماعي للمنظمة، من قبل مراجعين خارجيين مؤهلين، بهدف إبداء رأي فني محايد عن مدى تعبير التقارير والقوائم المالية عن مدى التزام المنظمة بتنفيذ مسؤولياتها الاجتماعية خلال فترة زمنية معينة، أو مدى فاعلية أداء المنظمة لهذه المسؤوليات من خلال مجموعة من المعايير المقبولة والمعتمدة والتقرير عن ذلك كله لمختلف طوائف المجتمع للمساهمة في ترشيد القرارات العامة والخاصة ورسم سياسات المنظمة وتحديد النطاق الأمثل لأنشطتها).
ويرى الدارس أيضاً أنَّ هذا التعريف يحقق الأهداف المرجوة من عملية المراجعة الاجتماعية ويتلافى جميع أوجه النقص في التعريفات السابق ذكرها.

رابعاً- أهداف المراجعة الاجتماعية:
من التعريف السابق يمكن تحديد أهداف المراجعة الاجتماعية بما يلي:
1- إجراء فحص فني محايد للبيانات والمعلومات والبرامج والأنشطة الخاصة بالأداء الاجتماعي للمنظمة بهدف التحقق من صدق ودقة المعلومات التي تعبر عن المسؤولية الاجتماعية والتي تلتزم بها المنظمة سواء كانت إلزامية أو اختياريا.
2- إبداء رأي فني محايد يستند على مجموعة من الأدلة وقرائن الإثبات عن مدى تعبير القوائم والتقارير المالية للمنظمة عن الأداء الاجتماعي لها عن الفترة المحاسبية محل القياس، بالإضافة إلى مركزها الاجتماعي في نهاية تلك الفترة حتى يمكن نشرها للجمهور وتكون محل اتخاذ القرارات، وكذلك إضفاء الثقة على صحة القوائم الاجتماعية بصفتها مخرجات المحاسبة الاجتماعية ومدخلات المراجعة الاجتماعية في آنٍ واحد.([29])
3- إنَّ المراجعة الاجتماعية لكي تحقق الآمال المرجوة منها وتكون في مستوى المراجعة المالية (التقليدية)، لابد أن ترتكز على معايير معترف بها وملائمة ومقبولة.
4- ترشيد القرارات الخاصة بأنشطة المسؤولية الاجتماعية للمنظمة ورسم السياسات وتحديد النطاق الأمثل لهذه الأنشطة.
وسيتناول الدارس فيما يلي الكيفية التي يمكن بها تحقيق تلك الأهداف:
الهدف الأول: إجراء فحص فني محايد للبيانات والمعلومات والبرامج والأنشطة الخاصة بالأداء الاجتماعي للمنظمة بهدف التحقق من صدق ودقة المعلومات التي تعبر عن المسؤولية الاجتماعية والتي تلتزم بها المنظمة سواء كانت إلزامية أو اختيارية:
إنَّ إجراء فحص فني محايد للتقارير والقوائم والبرامج والأنشطة الخاصة بالأداء الاجتماعي يتطلب توفر مجموعة من المؤشرات الكمية والقيمية والنوعية التي تعكس مدى فاعلية وكفاءة هذه المنظمات في تحقيق أهدافها الاجتماعية تجاه العاملين بها وتجاه البيئة المحيطة بها، وكذلك مدى التزامها بالقوانين واللوائح والسياسات التي تضعها الدولة لتحسين الآثار الخارجية الناشئة عن مزاولة هذه المنظمات لنشاطها الاقتصادي وأثرها على البيئة، ومدى قيام هذه المنظمات بتخفيض الآثار السالبة الناشئة عن التشغيل كالحد الأدنى من نسبة التلوث، كما تتضمن هذه المؤشرات مجموعة المؤشرات الخارجية الخاصة بتقويم الأداء الاجتماعي المتعلق بالموارد البشرية، هذا فضلاً عن مجموعة المؤشرات الخاصة بتقويم أداء هذه المنظمات فيما يتعلق بالأنشطة الخاصة بالمنتجات والخدمات التي تقدمها للمجتمع.([30])
الهدف الثاني:إبداء رأي فني محايد يستند على مجموعة من أدلة وقرائن الإثبات عن مدى تعبير القوائم والتقارير المالية للمنظمة عن الأداء الاجتماعي لها عن الفترة المحاسبية محل القياس، بالإضافة إلى مركزها الاجتماعي في نهاية تلك الفترة حتى يمكن نشرها للجمهور وتكون محل اتخاذ القرارات، وكذلك إضفاء الثقة على صحة القوائم الاجتماعية بصفتها مخرجات المحاسبة الاجتماعية ومدخلات المراجعة الاجتماعية في آنٍ واحد:
ولتحقيق هذا الهدف لابد من توفر مايلي([31]):
1- وجود نظام محاسبي للمسؤولية الاجتماعية لهذه المنظمات يهدف إلى قياس وتوصيل المعلومات الخاصة بالأنشطة الاجتماعية لهذه المنظمات للطوائف المختلفة التي تولي اهتمامها بهذه الأنشطة. وأن يتم القياس الاجتماعي لهذه الأنشطة على أساس نقدي كلما أمكن ذلك لأن التقارير الوصفية تصف النشاط الاجتماعي فقط دون تحديد للتكاليف والمنافع المترتبة على قيام هذه المنظمات بأنشطتها الاجتماعية.
2- وجود مجموعة من أدلة وقرائن الإثبات تمكن المراجع من إبداء رأيه الفني المحايد عن مدى إفصاح التقارير والقوائم المالية عن أنشطة المسؤولية الاجتماعية للمنظمة. كما يجب أن تتصف هذه الأدلة بالكفاءة والصلاحية وكذلك يجب أن تكون فعالة وملائمة لأهداف المراجعة الاجتماعية.
الهدف الثالث: إنَّ المراجعة الاجتماعية لكي تحقق الآمال المرجوة منها وتكون في مستوى المراجعة المالية (التقليدية)، لابد أن ترتكز على معايير معترف بها وملائمة ومقبولة:
مادامت المراجعة الاجتماعية كغيرها من المهن العريقة ومجالات المعرفة المتقدمة، فإن الحاجة ماسة لقياس أداء الجهات الرقابية ووضع الضوابط اللازمة للتحكم في نوعية العمل الرقابي وتأهيل القائمين به والتحكم في مخرجات المراجعة، وتخطيط كل ذلك والسيطرة على أية انحرافات فيه، كما ينبغي أن يكون عمل المراجع محكوماً بمعايير يجب على المعنيين الالتزام بها وبالضوابط الفنية التي تكفل المحافظة على المستوى الأفضل للأداء المهني.([32])
كما أنَّ المراجعة ستختلف إلى حدٍ ما، بحسب ما إذا كانت المنظمة تخضع لمعايير مراجعة خارجية مفروضة خاصة بالرقابة على الأنشطة كلها أو بعضها كوجود معايير خاصة بالتلوث، أو لا تخضع بسبب عدم وجود معايير خارجية، ففي الحالة الأولى يجب على المراجع أن يتأكد إلى أي مدى تتفق سلوكيات المنظمة مع المعايير الخارجية الإلزامية للرقابة على التلوث، أما الحالة الأخرى فإنه على الرغم من عدم وجود معايير مراجعة إلزامية فإن المراجع يبقى مسؤولاً لكي تحقق عن المراجعة وإبداء رأي علمي وفني موضوعي ومحايد.
الهدف الرابع: ترشيد القرارات الخاصة بأنشطة المسؤولية الاجتماعية للمنظمة ورسم السياسات وتحديد النطاق الأمثل لهذه الأنشطة:
ولتحقيق هذا الهدف لابد من قيام المراجع بدراسة الآثار الخارجية لنشاط المنظمة، وذلك نظراً لأن المراجعة الاجتماعية مجالاً مهنياً يهدف إلى توفير البيانات والمعلومات اللازمة لتقييم الأداء الاجتماعي لهذه المنظمة. ولما كان دور المراجع الاجتماعي هو بيان مصداقية المعلومات الواردة في التقارير والقوائم الاجتماعية وإعطاء رأي فني علمي محايد يخدم كل الأطراف المعنية لأنه يوفر لها المعلومات التي تستعين بها مع ملاحظة أنَّ كل طرف من هذه الأطراف ينظر إلى تقرير المراجعة الاجتماعية وإلى المسؤولية الاجتماعية للمنظمة من زاوية معينة قد تتفق وقد لا تتفق مع نظرة طرف آخر إذ لابد قبل تحديد ما إذا كانت معلومات معينة ملائمة أو غير ملائمة من أن نحدد أولاً الغرض الذي ستستخدم فيه. إذ أنَّ معلومة ملائمة لمستخدم معين في غرض معين قد لا تكون بالضرورة ملائمة لغرض بديل أو لمستخدم بديل.([33])
فالمستثمرون مثلاً لم يعودوا يوجهون استثماراتهم للمنظمات التي تحقق أكبر ربح فحسب ، وإنما أضحوا يأخذون بعين الاعتبار مدى التزام المنظمة بمسؤولياتها الاجتماعية، ويميلون للاستثمار في مجالات تدر سيلاً متدفقاً لمدة أطول نسبياً عن الاستثمار في بديل يعطي عائداً عالياً ولكن لمدة أقل.
كذلك يستفيد العملاء وجمعيات حماية المستهلك مما يتضمنه تقرير المراجعة الاجتماعية من رأي علمي يؤكد مدى توفر الأمان في المنتج وكل ما يتعلق بحماية المستهلكين.
كما أن العاملين يستفيدون من التقرير في التأكد من التزام المنظمة التي يعملون فيها بقوانين الأمن الصناعي، وقيامها بمختلف الأنشطة الاجتماعية التي تحقق رفاهيتهم.
وبعبارة أخرى إنَّ المراجعة الاجتماعية تسهم في تشجيع المشروعات الاهتمام بقياس مدى الإنجاز الاجتماعي حيث يترتب عليها إدخال هذا الإنجاز ضمن مقاييس تقييم المشروعات مما يجعلها ذات قبول عام، بالإضافة إلى أنها تؤدي إلى قياس مدى التقدم الذي تحرزه المنظمة في تحقيق التزاماتها الاجتماعية الأمر الذي يساعد تلك الأطراف المعنية بأداء المنظمة من اتخاذ القرارات السليمة في التوجه نحو هذا المشروع أو ذاك بالاعتماد على النتائج المتضمنة في تقارير المراجعة الاجتماعية.
ومما سبق يتضح للدارس أن المراجعة الاجتماعي تهدف لإبداء الرأي العلمي الموضوعي الفني المحايد عن مدى دلالة القوائم والتقارير الاجتماعية ومدى كفاية الأنشطة والبرامج ومدى فاعلية الأداء الاجتماعي وملاءمته وكفايته، أي أنَّ المراجعة الاجتماعية تهتم بالتقارير الاجتماعية والقوائم الاجتماعية للتأكد من دقة وعدالة الإفصاح عن معلومات الأداء الاجتماعي ودعم الثقة والمصداقية في هذه التقارير والقوائم، بالإضافة إلى الإسهام في تحسين مستوى الأداء الاجتماعي والارتقاء به نحو تحقيق أفضل النتائج الاجتماعية وأسرعها وأكثرها ملاءمة للأطراف المعنية.
خامساً- مزايا أو فوائد المراجعة الاجتماعية:
هناك مزايا أو فوائد عديدة يمكن تحقيقها من جراء قيام منظمات الأعمال بإخضاع أنشطتها الاجتماعية لعملية المراجعة ومن هذه المزايا أو الفوائد مايلي:
1- زيادةالاعتماد على القوائم المالية والتقارير الاجتماعية التي تمثل مخرجات المحاسبة الاجتماعية ومدخلات المراجعة الاجتماعية مما يساعد على فهم العلاقة بين النواحي التجارية والاجتماعية، وفهم تكلفة ومضامين الآثار الاجتماعية والثقافية لنشاط المنظمة مما يساعدها على الاختيار من بين الأولويات وتعديل التطبيق في ظل النتائج المستخلصة.
2- تسمح للأطراف المعنية بأداء المنظمة بالتأثير على أدائها وسلوكها والتأثير على سياساتها المستقبلية.([34])
3- إيجاد نظام متكامل لمراجعة الأنشطة التي تقوم بها المنظمة، فعن طريق المراجعة المالية التقليدية يتم مراجعة البعد الاقتصادي للمنظمة، وعن طريق مراجعة الأداء الاجتماعي يتم تقييم الجانب الاجتماعي لهذا الأداء، كما أنَّه يمكِّن المنظمة من التقرير عن أدائها وإنجازاتها الاجتماعية بطريقة مبنية على إثباتات موثقة بدلاً من إدعاءات لا أساس لها.
4- الاستجابة للمطالب المتزايدة من ممولي المنظمة ومقرضيها وجمهورها للحصول على بيانات دقيقة يمكن الاعتماد عليها عن الأداء الاجتماعي للمشروعات الاقتصادية تكون قد خضعت لنوع من المراجعة والتحقق للحكم على ما إذا كانت هذه المشروعات قد حققت قيمة مضافة من الناحية الاجتماعية والثقافية والبيئية التي قامت لتحقيقها.
5- اكتشاف أية أخطاء في التنفيذ والعمل على اتخاذ الإجراءات التصحيحية في الوقت المناسب والعمل على تلافيها مستقبلاً مما يمكن المنظمة من تحسين أدائها الاجتماعي سنة بعد أخرى بطريقة ضمنية تشاركيه واضحة وقابلة للقياس.
ويخلص الدارس مما سبق إلى ضرورة وجود مراجعة للأداء الاجتماعي للمنظمة، حيث أنَّ المسؤولية الاجتماعية أصبحت حقيقة واقعة والإفصاح المحاسبي عنها أصبح مطلباً ضرورياً، وبما أنَّ المحاسبة مهنة متطورة – هكذا يجب أن تكون – وبما أنَّ المراجعة هي توأم المحاسبة، لذلك فإنَّ كل تطوير يحدث للمحاسبة يصاحبه تطوير مماثل في المراجعة، لذلك يرى الدارس أنَّ المنظمة أصبح يقع على عاتقها القيام بنوعين من الأداء الآن هما:
أ- الأداء الاقتصادي: ويتمثل في مجموعة الأنشطة الأساسية للمشروعات والتي يترتب عليها إعداد مجموعة من التقارير المالية من خلال نظام المحاسبة المالية التقليدية والتي توضح النتائج المالية لمختلف أوجه النشاط.
ب -الأداء الاجتماعي: ويتمثل في مجموعة الأنشطة التي تقوم بها المنظمة وفاءاً لمسؤولياتها الاجتماعية، والتي يترتب عليها إعداد مجموعة من التقارير المالية – أو الكمية – أو الوصفية – الاجتماعية من خلال نظام المحاسبة عن الأداء الاجتماعي.
وبناءاً على ذلك يصبح لمهنة المراجعة حسب رأي الدارس دوران، الأول يتعلق بمراجعة القوائم المالية المتعلقة بالأداء الاقتصادي وتكون مسؤولية القائم بعملية المراجعة أمام حملة الأسهم، الذين يوجه إليهم التقرير النهائي بنتائج المراجعة، والثاني يتعلق بمراجعة القوائم الاجتماعية وتكون مسؤولية القائم بالمراجعة أمام المجتمع الذي يوجه إليه التقرير النهائي بنتائج المراجعة، وبالطبع ومن خلال التقارير التي يتم مراجعتها يمكن تقييم الأداء الاقتصادي وكذلك تقييم الأداء الاجتماعي للمنظمة.

المبحث الثاني
“متطلبات المراجعة الاجتماعية”

تعتبر المراجعة الاجتماعية للقوائم والتقارير الاجتماعية تطويراً لمهنة المراجعة ولدور المراجع، وأداء هذا الدور يتطلب – من وجهة نظر الدارس – توافر مجموعة من المتطلبات اللازمة حتى يمكن أن تحقق المراجعة أهدافها، وسوف يتناول الدارس في هذا المبحث أهم هذه المتطلبات وتحالمراجعة ديد نطاق عملية المراجعة الاجتماعية ومساراتها.
أولاً- متطلبات الاجتماعية:
أنَّ نجاح عملية المراجعة الاجتماعية في الوصول إلى أهدافها يتوقف على مجموعة من المتطلبات من أهمها:
أ- اقتناع إدارة المنظمة بأهمية المراجعة الاجتماعية:
يجب أن يكون لدى المنظمة اقتناع كامل بأهمية المراجعة الاجتماعية، لأنّهاَ تساعد في التأكد من صحة ودقة البيانات الخاصة بالأنشطة الاجتماعية، كما أنها بمثابة مرشد وموجه للإدارة فيما يتعلق باتخاذ القرارات المستقبلية المتعلقة بالأداء الاجتماعي، ومن ناحية أخرى يعتقد الدارس أنَّ إدارة المنظمة في احتياج لعملية مراجعة الأداء الاجتماعي، لأنَّ أداء المشروع لمسؤوليته الاجتماعية والإفصاح عن ذلك محاسبياً ليس كافياً لاكتساب ثقة ورضا الجماعات المتعددة الأخرى المستفيدة، وإنما الأمر يستدعي وجود جهة رقابية أخرى مستقلة كي تبدي رأيها المحايد في هذا الأداء بعيداً عن القائمين به- شأنها في ذلك شأن المراجعة التقليدية – وكلما ازداد الأداء الاجتماعي كلما ازداد الاحتياج لعملية المراجعة.(1)
ب- وجود نظام للمحاسبة عن الأداء الاجتماعي:
إنَّ عملية المراجعة تبدأ من حيث تنتهي عملية المحاسبة حيث أنها تنصب على مخرجات النظام المحاسبي، فالمراجعة تتحقق من صحة وسلامة البيانات المحاسبية التي يتم إعدادها. ولذلك يجب أن يكون هناك نظام سليم للمحاسبة عن الأداء الاجتماعي يهدف إلى قياس وإيصال المعلومات المتعلقة بالأنشطة الاجتماعية للمنظمة، فبدون هذا النظام لا يمكن تصور إمكانية القيام بعملية المراجعة الاجتماعية.(2)
ج- وجود أشخاص أكفاء للقيام بعملية المراجعة :
يجب أن يقوم بعملية المراجعة الاجتماعية شخص مهني كفؤ ومستقل لديه المعلومات الكافية عن المجالات الاجتماعية التي تساهم فيها المنظمة. وهذا الأمر يقودنا إلى الحديث عن التأهيل العلمي والعملي للمراجع وهو أحد المعايير المتعلقة بالتكوين الذاتي للمراجع، ولن يتوسع الدارس في هذا المطلب هنا، لأنَّه سيتناوله بشكل مفصل عند الحديث عن معايير المراجعة الاجتماعية في المباحث اللاحقة.

د- وجود معايير خاصة محددة للأداء الاجتماعي:
حتى يمكن للمراجع أن يبدي رأياً فنياً محايداً عن مدى إعطاء تقارير النشاط الاجتماعي أو القوائم المالية صورة صادقة وواضحة عن الأداء الاجتماعي للمنظمة، لابد وأن يكون هناك معايير (مؤشرات) خاصة ومحددة تستخدم للحكم على هذا الأداء، وقد يتم وضع هذه المعايير من قبل الحكومة أو الصناعة التي تنتمي إليها المنظمة أو قد تضعها المنظمة لنفسها.
وهذه المعايير (المؤشرات) يمكن تصنيفها في مجموعات ثلاث هي1)
المجموعة الأولى- مجموعة المعايير(المؤشرات) الخاصة بالمسؤولية الاجتماعية وتتمثل في:
1- درجة الأمان الخاصة بتجهيزات التشغيل وخطوط الإنتاج.
2- درجة الأمان في المنتج من حيث التغليف أو التعبئة وطريقة الاستخدام والحفظ وتاريخ الإنتاج والصلاحية وفترة الضمان.
3- درجة الأمان المرتبطـة بمناولة المــواد الخـام ذات التكلفة العالية والنادرة نسبياً.
4- إجراءات التخلص من النفايات ومخلفات الإنتاج.
5- وسائل الحد من التلوث بكافة أشكاله.
المجموعة الثانية- مجموعة المعايير (المؤشرات) الخاصة بالتشريعات واللوائح الحكومية وتتمثل في:
1- التشريعات الخاصة بتعيين الأفراد المعوقين.
2- التشريعات الخاصة بالمساواة بين العاملين وعدم التمييز بين هؤلاء من حيث الجنس أو اللون أو العقيدة.
3- التشريعات الخاصة بتخفيض نسبة التلوث.
4- اللوائح الحكومية الخاصة بالنظافة العامة وطرق التخلص من النفايات ومخلفات الإنتاج.
المجموعة الثالثة – مجموعـة المعايير (المؤشـرات) الخاصـة بالتنظيم الداخلي لمنظمات الأعمال للوفاء بمسـؤولياتها الاجتماعيــة ويتمثل أهمها في:
1- العمل على تخفيض نسبة الأمية بين العاملين داخل وخارج المنظمة.
2- رصف الطرق المؤدية إلى داخل المنظمة وتوفير وسائل النقل للعاملين والعملاء.
3- توفير خدمات الإسكان والرعاية الصحية للعاملين داخل المنظمة بأسعار اقتصادية.
4- التوسع في إنشاء المساحات الخضراء المحيطة بالمنظمة وإقامة النوادي الرياضية والاجتماعية للعاملين في المنظمة.

هـ – أن تكون المراجعة الاجتماعية إلزامية:
يوجد اتجاهان رئيسان فيما يتعلق بمدى خضوع التقارير الاجتماعية للمراجعة والفحص،(1) إما أن تكون إلزامية وإما أن تكون اختيارية، ويرجح الدارس أن تكون المراجعة الاجتماعية إلزامية لعدة أسباب من أهمها:
1- هناك مجموعة من الأنشطة الاجتماعية الإلزامية وهي ليست بالقليلة وأداء المنظمات لهذه الأنشطة يحتاج إلى عملية مراجعة للتأكد من صحة ودقة هذا الأداء، فالعبرة ليست بالتنفيذ وإنما بسلامة وصحة التنفيذ طبقاً للوائح والقوانين.
2- إن مثل هذه المراجعة تعتبر ضرورية ولازمة في مجتمع يسير بسياسة الانفتاح الاقتصادي ويقوم القطاع الخاص فيه بدور رئيس في تسيير حركة التنمية الاقتصادية مما يحتم معه استخدام مراجعة الأداء الاجتماعي كوسيلة رقابية خاصة على شركات القطاع الخاص.
3- إنَّ الحاجة إلى مثل هذا النوع من المراجعة يمثل ضرورة ملحة في سبيل دفع حركة التنمية بوجه خاص في الدول النامية ومنها دولة قطر، وذلك لكون الدولة تمر الآن في مرحلة توسيع دور القطاع الخاص وتضييق دور القطاع العام.
4- يشير أحد الكتَّاب(2) إلى ضرورة صياغة وممارسة إطار علمي للمراجعة الاجتماعية لأنَّ ذلك سوف يؤدي إلى زيادة المنفعة النسبية للمعلومات التي يقدمها المراجعون من خلال التقرير بما يسمح لها بأن تكون أداة هامة لاتخاذ القرارات الاقتصادية والاجتماعية على كافة المستويات ولكل الطوائف حتى يتماشى ذلك مع المفهوم الحقيقي للوحدة المحاسبية باعتبارها مجموعة من الأنشطة الاجتماعية والاقتصادية.

و- أن تكون المراجعة الاجتماعية خارجية من خلال مجموعة متخصصة:
يرى أحد الكتاب ( أنَّ المراجع الداخلي لا يتوافر لديه التأهيل والخبرة اللازمة وكذلك لا يتمتع بالاستقلال الكافي لذلك)(3)، ويتفق الدارس مع هذا الرأي نظراً لخضوع المراجع الداخلي لضغوط مادية وأدبية باعتباره موظفاً لدى المنظمة. ويرى أحد الباحثين (أنَّ المراجع الخارجي بما له من خبرة في أعمال المنظمة التي يقوم بمراجعتها مالياً، هو الأقدر على القيام بهذا العمل الذي سيعتبر امتداداً لمراجعته وإن احتاج الأمر لبعض من التأهيل الذي يتناسب وطبيعة المراجعة الاجتماعية).(4)

ويرى الدارس أنه على الرغم من أنَّ المراجع الخارجي يتميز بالاستقلال والحيدة والقدرة على إبداء الرأي الفني المحايد دون أية ضغوط من قبل الجهة التي يقوم بمراجعتها، إلاَّ أنَّ المراجع الخارجي ليس لديه القدرة الكافية على القيام بمراجعة الأداء الاجتماعي منفرداً وذلك للأسباب التالية:
1- أنَّ المراجع الخارجي يحتاج إلى المزيد من التأهيل العلمي والعملي لممارسة عملية المراجعة الاجتماعية، ومهما ازدادت خبرته فلن يصل إلى مستوى المتخصص في مجال معين خاصة وأنَّ المجالات المتعلقة بالأنشطة الاجتماعية متعددة ومتغيرة.
2- قد يكون من المنطقي قبول قيام المراجع الخارجي منفرداً بمراجعة الأداء الاجتماعي في حالة ما إذا كان حجم الأداء الاجتماعي للمنظمة قليل ومفهوم، ولكن في حالة ازدياد حجم الأداء الاجتماعي فالأمر يستدعي وجود مجموعة من المتخصصين لعملية المراجعة، ويؤيد الدارس في ذلك العديد من الآراء منها ( أنَّه نظراً لشمول معلومات المحاسبة الاجتماعية على جوانب فنية مختلفة فإنَّ مراجعتها تتطلب خبرات متعددة لا يمكن لفرد واحد أن يؤديها).(1)
كما يرى أحد الكتاب (أنَّه من الأفضل أن تخضع التقارير الاجتماعية للمراجعة والفحص كمتطلب مرغوب فيه لزيادة الثقة في هذه التقارير ويفضل أن يشترك في المراجعة فريق من الخبراء المتخصصين في المجالات المختلفة وعلى رأسهم أحد المحاسبين حيث أنَّه من المفروض أنَّ أي تقارير محاسبية منشورة يجب أن تخضع للفحص بمعرفة مراجع خارجي وتزداد أهمية ذلك بشكل كبير بالنسبة للتقارير الاجتماعية بصفة خاصة لزيادة المخاطر المرتبطة بها لسبب مساسها بمصالح العديد من فئات المجتمع).(2)
ويؤيد ذلك أحد الكتاب بقوله (أنَّه يمكن استخدام نظام الفريق للقيام بالمراجعة الاجتماعية على أن يراعى ضرورة توافر الاستقلال التام لهذا الفريق لضمان جدية العمل وحيدة الرأي الذي يصل إليه، ولذلك يجب أن يكون هذا الفريق من خارج المنظمة ولا يضم أي فرد من العاملين به).(3)

ثانياً- نطاق المراجعة الاجتماعية:

إنَّ مفهوم المراجعة الاجتماعية ونوعية وطبيعة الأهداف الملقاة على عاتقها تحدد نطاق عملية المراجعة الاجتماعية، ويعتبر تحديد نطاق المراجعة الاجتماعية من النواحي الهامة بالنسبة لكل من المنظمة والمراجع والعناصر الاجتماعية داخل وخارج المنظمة لذا يمكن تحديد نطاق المراجعــة الاجتماعية في ثلاث مستويات هي :
المستوى الأول:
ويتناول المراجعة الاجتماعية من منظور تنظيمي وظيفي معاً حيث يتناول المراجع الانعكاسات المترتبة على تنظيم المنظمة المالي واختلاف هذه الانعكاسات بتغير التنظيم.(1)
المستوى الثاني:
ويتناول اهتمامات طوائف معينة مثل المساهمين، العاملين، العملاء، الموردين، البيئة والمجتمع المحلي.
المستوى الثالث:
ويتناول قضايا عامة تختلف فيها وجهات النظر عموماً وتمثل مشاكل المجتمع مثل المواصلات والإسكان والمرافق.

ويرى الدارس أنَّ المراجعة الاجتماعية كأسلوب يجب أن تشمل المستويات السابقة جميعاً، فالمستوى الأول والثاني يدخلان في نطاق مسؤولية المنظمة عن أنشطتها سواء كانت داخلية أو خارجية وسواء كانت اختيارية أو إلزامية، بينما المستوى الثالث يمثل مسؤولية المنظمة عن مساهمتها في علاج المشاكل الكامنة في المجتمع والبيئة المحيطة بها والتي ستؤثر عليها إن عاجلاً أم آجلاً. فالمسؤولية الاجتماعية لا تتجزأ، وإنَّ الإعلام وتكوين السمعة الطيبة لدى الغير عن المنظمة مرتبط بالوفاء بالمستويات الثلاث جميعاً.
هذا وتجدر الإشارة إلى أنَّ نطاق المراجعة الاجتماعية سوف يشمل الأنشطة الاقتصادية والاجتماعية للمنظمة نظراً لتداخل هذه النشطة ولصعوبة وضع حد فاصل ودقيق بين كلا المسؤوليتين الاقتصادية والاجتماعية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى