اعداد محاسب

الموازنات التقديرية والتخطيطية

تطور مفهوم الموازنة لتصبح صورة من صور التخطيط الاقتصادي، حيث توضح بالتفصيل اوجه الاستخدامات المالية المتصلة بأداء وظائف المؤسسات سواء الحكومية أو الخاصة، كما تبين ما يجب تحصيله من إيرادات ومصادر دخل لازمة لتغطية النفقات خلال فترة زمنية محددة،

كما أن للموازنة دور كبير في مجال التخطيط سواء كان للمؤسسة بشكل عام أو على مستوى وحداتها الإدارية.
تعتبر الموازنة التخطيطية إحدى الأدوات التي تساعد الإدارة في التخطيط والرقابة والتنسيق وتعرف الموازنة “على أنها تعبير كمي عن الأهداف التي تسعى الإدارة إلى تحقيقها فهي خطة العمل للمستقبل”.( )
تركز الدراسات الحديثة حول الموازنة إلى ضرورة تطوير النظرة السائدة إلى الموازنة باعتبارها مجرد وثيقة تحتوي تبويباً للإيرادات والنفقات، لتصبح خطة عمل مالية واقتصادية وسياسية واجتماعية 000 ذلك من العمليات التي تتضمنها عملية التنمية الشاملة، الأمر الذي يستوجب الإحاطة بجميع المتغيرات التي تؤثر في هذه الوثيقة أو تتأثر بها إثناء جميع العمليات والمراحل المتعلقة بدورة الموازنة.
تحقق الموازنة قدر ملموس من التوازن بين جميع الاعتبارات الفنية والقانونية والسياسية والسلوكية، بالتأكيد على أهمية مشاركة المستويات الإدارية المختلفة في إعداد الموازنات ومتابعة عمليات تنفيذها بصورة تضمن أن تكون المشاركة تعاونية بهدف الوصول إلى نتائج وقناعات مشتركة، وتضمن أن تكون وسيلة مهمة في توضيح السياسات العامة وكيف تلتقي الأهداف مع توجهات السياسة العامة والقناعة لدى أشخاص السلطة والإدارة .(2)
بالإضافة إلى اعتبار الموازنة وثيقة لتوزيع الموارد المالية المتاحة، تعتبر وسيلة تخطيطية لتحقيق الأهداف، من خلال توزيع الموارد المتاحة بشكل عادل على الوزارات والوحدات الإدارية والتي تحقق لها استمرارية التشغيل بكفاءة وفاعلية.

تعريف الموازنة:
وردت تعاريف عديدة للموازنة، ولكن في معظمها اتفقت بأن الموازنة ” خطة سنوية معتمدة قانوناً من السلطة صاحبة الاختصاص، وتتضمن مجموعة من البرامج المتعلقة بعدد من الخدمات والنشاطات والمشاريع التي يفترض إنجازها خلال فترة محددة، بالاستناد إلى مجموعة من التقديرات المحسوبة مالياً لمختلف الإيرادات والنفقات المتعلقة بذلك”
فالموازنة التقديرية بمثابة حلقة الوصل بين الخطة وتنفيذها ، فهي مجموعة أعمال تنفيذية تقديرية معتمدة لسنة قادمة لتحقيق رفاهية المجتمع ، فالموازنة التقديرية جزء من النشاط الاقتصادي للدولة .
مراحل تطور استخدام الموازنة
خضعت الموازنة في تطورها إلى مراحله رئيسية وهي :
المرحلة الأولى :
حيث ظهرت الموازنة في البداية على شكل جداول تمثل اعتمادات للنفقات العامة، مقابل جداول للإيرادات العامة التي تمول تلك النفقات، واقتصرت على ضمان الحد الأدنى لتسيير أعمال الحكومية الأساسية ، وتطور هذا الاتجاه إلى ارتباط هذه النفقات بإطار التوزيع الإداري وكان من سمات الموازنة الحيادية أي لا تعمل على التدخل في الشؤون الاقتصادية ، وتعتمد على مبدأ التوازن ، وسميت بالموازنة الإدارية لأنها تأخذ بمبدأ توزيع نفقاتها على أساس التقسيم الإداري في الدولة ، ثم موزانة البنود بعد أن أخذت بمبدأ توزيع نفقاتها على أساس أغراض الصرف ثم الموازنة التقليدية ، بعد أن اصبح هذا النمط هو السائد والمتعارف عليه في تطبيقات الموازنة في معظم دول العالم حتى يومنا هــذا وارتبط التقسيم الإداري للموازنة لتأدية خدمة الرقابة المالية التي تمارسها السلطة التشريعية على أعمال السلطة التنفيذية فأطلق عليها اسم موازنة الرقابة .
كما كان الاهتمام بالموازنة يركز على اعتبارها وسيلة للسيطرة السياسية التي تمارسها السلطة التشريعية على السلطة التنفيذية ، بالمصادقة والمناقشة والضغوط ومناقشة الحساب الختامي للدولة .
المرحلة الثانية :
في هذه الفترة أصبحت الموازنة تركز على خدمة الإدارة الحكومية، حيث ظهرت فكرة موازنة الأداء ونتيجة للنظرة الاقتصادية في العالم، ظهرت نظرية كنزي التي عارضت ما تنادي به النظريات التقليدية التي كانت تؤمن بحياد الحكومة في عدم تدخلها في الشؤون الاقتصادية، حيث نادت هذه النظرية بضرورة تدخل الدولة لإصلاح الوضع الاقتصادي، وذلك بالتأثير على العرض والطلب، واستخدام السياسة المالية المتمثلة في الموزانة العامة باعتبارها إدارة مهمة لهذا الاستخدام، أكدت على تنظيم عملية العجز في الموازنة في ظروف الكساد الاقتصادي، واستخدام الموازنة كأداة للإدارة التنفيذية، واستخدامها أيضا كأداة لمحاربة التضخم والكساد، وجعل النظر إلى مهمة الموازنة يختلف عن النظر أليها باعتبارها أداة فعالة للرقابة البرلمانية فحسب.
المرحلة الثالثة :
وامتداداً للفكر الكينزي، واعتبار الموازنة أداة مهمة في التأثير على الاقتصاد القومي اتجه الاهتمام إلى الجانب التخطيطي للموازنة، ونشأة فــكرة الموازنة التخطيطية، ومن هذه الفكرة تعدد النظر إلى الموازنة في إطار مفهوم التخطيط والبرمجة، وظهرت تبعاً لذلك أنماط مختلفة للموازنات واستخدامها.
مداخل الموازنة
أولا- المدخل المالي والمحاسبي:
رافق هذا المدخل الموازنة منذ نشأتها حتى يومنا هذا، فالمحاسبون ينظرون إلى الموازنة على أنها تمثل جداول لأرقام حسابية تتعلق بالاعتمادات المخصصة والمتوقع أنفاقها في الأغراض التي رصدت من اجلها، وجداول للإيرادات المتوقع الحصول عليها، وان النظام المحاسبي الحكومي ما هو ألا انعكاس لنظام وتبويبات الموازنة، وهو الذي يوضح صورة الموازنة بشكلها التنفيذي، معبراً عنها بأرقام المبالغ الفعلية التي تم أنفاقها والإيرادات الفعلية التي تم تحصيلها في سنة الموازنة لذلك فان هناك علاقة وثيقة وموضوعية بين تبويبات الموازنة وبين الهيكل الحسابي للموازنة، ويتبع ذلك أن كل اعتماد مخصص في الموازنة يقابله حساب مستقل ضمن الحسابات العــامة للموازنة، وتنفيذ الاعتمادات دون تجاوز الحد الأعلى المرصودة لها، لكن في الإيرادات لا يتبع ذلك لحد معين .
وتمثل المرحلة المحاسبية النهائية مرحلة الحسابات الختامية التي تكشف عن واقع التنفيذ التفصيلي الحسابي للموازنة، وان النظر إلى الموازنة مــن خلال هذا المدخل قد أدى إلى اعتبار الموازنة خطة مالـية ومحاسبية، وجعلها عنصراً من عناصر علم المحاسبة والنظام المحاسبي .
كما أدى هذا المدخل إلى تضمين بعض القواعد والأحكام الخاصة بالموازنة من حيث التنفيذ أو الرقابة أو التقييم في تشريعات الأنظمة المحاسبية الحكومية وأوكل تنفيذ ذلك إلى الأجهزة المركزية للحسابات الحكومية، كما أوكلت عمليات الموازنة من حيث الأعداد والتنفيذ والمتابعة والرقابة إلى إدارات الحسابات في الوزارات والدوائر العامة.
ثانياً : المدخل الإداري للموازنة :
يتمثل المظهر الإداري للموازنة في توزيع المسؤوليات على السلطات الثلاث ويتوقف ذلك على طبيعية العلاقة السياسية والتنظيمية القائمة التي تستند أليها هذه التنظيمات من حيث شكل الحكم السائد والقواعد الدستورية، وهناك مبدأين رئيسيين يرتكز عليهما تنظيم الموازنة وطرق توزيع المسؤوليات وهي :-
الركيزة الأولى :
تقوم على أساس إخضاع السلطة التنفيذية لأشراف الشعب، عن طريق السلطة التشريعية من حيث رقابة ضمان وحسن تنفيذ الموازنة، وبموجب هذه الركيزة تخضع الموازنة إلى القواعد التي تنظم علاقة السلطة التشريعية بالسلطة التنفيذية .
الركيزة الثانية :
تقوم على مجموعة القواعد الإدارية التي تتولى تنظيم العلاقة بين المستويات المختلفة في السلطة التنفيذية، حيث توضح هذه القواعد مسيرة الاتجاهات والمقترحات الخاصة بتنفيذ الموازنة، وأسلوب وطرق الأعداد، والمتابعة والرقابة على تنفيذ الموازنة، وتحديد مسؤوليات ومواقع الاختصاصات للمستويات الإدارية داخل السلطة التنفيذية .
ويعتمد المدخل الإداري على عكس المدخل المالي والمحاسبي، على بحث اعمق في عملية الموازنة اكثر من اعتماده على المظهر المالي، ويعمل هذا المدخل على جمع وتوفير الحقائق ذات العلاقة بالتخطيط والتنفيذ والرقابة والمتابعة، ويسهل على الرئيس اتخاذ القرارات وفقاً للبيانات والمعلومات المختلفة على الجوانب الإدارية أهمها :-
1- كيف استغلت الوحدات الإدارية المنفذة اعتماداتها في الماضي
2- ما هو العمل المتوقع أن تقوم به هذه الوحدات الإدارية
ويعتبر هذا المدخل من المداخل التي تدعم نظام البرامج والأداء، نظراً لما يوفره من مستلزمات العمل الإداري في مفهومه الحديث .

ثالثاً : المدخل القانوني للموازنة:
نظراً لأهمية الموازنة وعلاقتها بالأنفاق والتمويل، ولاعتبارها أداة تمكن السلطة التشريعية من فرض رقابتها على السلطة التنفيذية، فقد دار جدل بين الفقهاء بخصوص تحديد الطبيعة القانونية للموازنة :-
1- أن الموازنة قانون كأي قانون أخر، تخضع لنفس الإجراءات في تشريع القوانين، ولأنها تشتمل على أحكام قانونية تمثل في مجموعها برنامجاً كاملاً لإدارة شؤون الدولة
2- الرأي الثاني يرى أن الموازنة تمثل عملاً إداريا في بعض جوانبها، وعملاً قانونياً في البعض الأخر ففي جانب النفقات تمثل عملاً إداريا، أما في جانب الإيرادات فتمثل عملاً قانونياً، والتي تستلزم مصادقة السلطة التشريعية في فرض جبايتها .
3- ومنهم من يرى أن الموازنة قانوناً من الناحية الشكلية، وعملاً إداريا من الناحية الموضوعية، وأصحاب هذا الرأي يستندون إلى فقدان المعنى الفني الدقيق للقانون بالنسبة للموازنة، لعدم اشتمالها على قواعد عامة ملزمة، وإنما على تقديرات احتمالية للإيرادات والمصروفات اللازمة لتسيير عجلة المرافق العامة تنفيذاً للقواعد المرعية، فمنهم من يرون أن الموازنة لا تخرج عن كونها عملاً إداريا، اشترط لها الدستور شكلية خاصة يعرضها على البرلمان نظراً لأهميتها، وهذا الاشتراط يوفر لها الصفة الشكلية للقانون فقط، والرأي الراجح أن الموازنة قانون من حيث الشكل والموضوع، لأنها تمر بجميع الإجراءات اللازمة لتشريع القانون وتتضمن أحكاما لا تختلف عن الأحكام القانونية بأي شكل من الأشكال، وتأكيدا للصفة القانونية، حيث ذهبت معظم الدساتير إلى ضرورة إقرار أسس وقواعد الموازنة العامة ومنها هيكل تبويب الموازنة، طرق أعداد الموازنة والمصادقة عليها، سلطات واختصاصات تنفيذ الموازنة موعد تقديم مشروع الموازنة للسلطة التشريعية وتاريخ المصادقة عليها، وتاريخ بدء السنة المالية وانتهائها، وطرق واختصاصات الرقابة على تنفيذ الموازنة .
رابعاً : المدخل الاقتصادي للموازنة
قديماً كانـت الموازنة تلتزم جانب الحياد وعدم التدخل في الشؤون الاقتصادية للدولة، كما تلتزم بمبدأ التوازن ومنذ مطلع القرن الحالي، تطورت النظرة إلى الموازنة العامة وخاصة فيما يتعلق بالنشاط الاقتصادي والاجتماعي حيث وجب على الموازنة تلبية ذلك، مما أدى إلى زيادة في حجم الأنفاق العام، وبالتالي زيادة حجم الموارد التي تجبيها الحكومة أو تحصل عليها، وقد أدى ذلك أيضا إلى تغيير جذري في محتويات الموازنة، وفي الأساليب والطرق الفنية المستخدمة في أعدادها أو في تنفيذها، وفي الأغراض المطلوب إليها تحقيقها في المجالات الاقتصادية .
وبرزت دراسات الموازنة في مجال الاقتصاد التطبيقي، وخاصة في تخطيط الموارد وتخصيصها وتوزيعها حسب مختلف الحاجات والأهداف العامة، أصبحت الموازنة في الفكر الحديث أحد فروع دراسات تخطيط الاقتصاد القومي كما أنها أصبحت تتدخل ضمن الدراسات السياسية المالية، وقد ذهب كتاب الاقتصاد إلى إطلاق مفهوم سياسة الموازنة كمفهوم اكثر دقة وأعمق تفسيراً، للتعبير عن السياسة المالية والتخطيط المالي في الفترة الزمنية للموازنة، نظراً لما تشير أليه الموازنة بالنسبة لحجم الإيرادات من الضرائب والرسوم والقروض، وبالنسبة لحجم النفقات العامة التي يتم بموجبها لتحقيق مختلف الأهداف .
وفي عقد الثلاثينات من هذا القرن أصبحت الموازنة وسيلة لمحاربة التضخم أو الكساد الاقتصادي، ووسيلة لتوازن التقلبات الاقتصادية، ومسانده لفعاليات التنمية والتخطيط القومي، ومن أهم الأدوات المساندة للتخطيط، وترتبط فعالياتها بفعاليات الاقتصادي القومي، ومن خلال ذلك برز مفهوم نظام التخطيط والبرامج والموازنة .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى