تنمية بشرية

لا يهم كم صغيرٌ أنت

رأى الطفلُ بأم عيينه ذات ليلة البحرَ وهو يثور ويزحف على بلاده، فخشي على وطنه الغرق ​
ولم يدرِ ماذا يفعل، ففتش حائراً ليجد في السدِ ثقبٌ ​

فيذهب ويضع إصبعه في الثقب ويُنقذ الوطن من الغرق!!​

أسطورةٌ هولندية قديمة…..قد نسخر منها ونضحك كثيراً، لكن الهولنديين لم يفعلوا ذلك ولم يضيعوا​
وقتهم في الضحك، فدُونت الحكاية سطراً قومياً يتداوله الناشئة في هولندا ​
من شرقها لغربها… أجيال تلي أجيال ​

والمعنى واضح…..لا يهم كم صغيرٌ أنت، فإصبعُ طفلٍ مجهول نجّى شعباً من الهلاك المحقق​
وكتبَ لوطنٍ أن يعيشَ دهراً بعيداً عن دمار الفناء ​

جميلٌ المعنى، والأجمل أن أجيالاً ولدت وعرفت كيف تمسك بالقلم وترسم حضارة ​
وتصل بقامة الوطن إلى عنان السماء….إنه مثالٌ حي لمعنى حي…..أن تزرع ​
بذرة ثقة فتحصد آلاف الثمار ​

كيف يكون لك مبدأ وقيمة تُضحي من أجلهما ولا يهم كثيراً حجمك أو من تكون​
كيف تحب أرضك وتعطي ولا تبالي أبداً إن وضعوا إسمك في لائحة الشرف …أو إن سقط سهواً ​
وسط الزحام….فليست الغاية أن يعرفك الناس، أو أن تتصدر صورتك صدر الصحف…. المهم أن​
تنجز عملاً ذو قيمة….إنها لوحة بديعة تمتزج فيها ألوان الأمل برائحة الحب والعطاء….في خليط ​
بديع وقد نسج بإتقان وسط بحر ثقةٍ لا ينضب​

وكما قال إبن القيم….الثقة هي سواد عين التوكل….فلنزرع إذن قيمة حقيقية في قلوب أبنائنا ​
منذ نعومة أظفارهم…. فلا إنجاز بلا شباب واثق من قوة خطواته…ولا وطن حقيقي بلا إنجازات​

يبقى السؤال المحمس يطل برأسه في فضول….أيأتي اليوم الذي نسجل فيه إنتصاراً بيد أبنائنا ​
سؤالٌ صعب وحلمٌ مهيب يجب أن يكون نصب أعيننا في كل مكان…في الطرقات​
أمام المارة….في الفصول…على مقاعد الدراسة…. في أعمدة الصحف….فلندق مسماراً على جدار الوطن​
ولنعلق ألف لوحة فيها شموس الحلم تسطع بلا غروب​

وقبل أن تتعالى الأصوات متهمةً تلك السطور بإنها خيال في خيال، ومشاعر هاربة من الواقعية​
محلقةً في سماء الأوهام….نقول أنّ من رحم الأساطير ولدت حقيقة قلبت المفاهيم​

نعم، فبوسعنا أن نحول أحلامنا إلى واقع جميل، وفي أسطورة طفل هولندا ألف عبرة وعظة ​
إنه الإيمان والقناعة التي نفتقدهما اليوم….إنه الإيمان بأغلى مقدراتنا….شبابنا​

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى