تنمية بشرية

تعرّف على ذاتك

قبل أن تحب شيئاً أو شخصاً ما لا بد أن تكون هناك مواصفات معينه في هذا الشيء أو هذا الإنسان دفعتك لأن تحبه ، من هنا يأتي السؤال : وكيف لي أن أعرف أن في هذا الإنسان أو هذا الشيء ، تلك الصفات أو السمات التي تدفعني لحبه ؟

والجواب يأتي بأنني يجب أن أتعرف عليه لكي أحبه ، في البداية أتعرف على مظهره ثم أتسلل إلى جوهره واعرف كيف يفكر وبم يحلم وما هي نظرته للحياة والأحياء ، وموقفه من الكون ومن الطبيعة .. من نفسه .. مني .. الخ ، بمعنى اعرف ما عنده بالكامل أ وجزئيا ً ثم أرى ما يثيرني في هذا الذي عرفته ، وهنا سيقول قائل بان هذا كثير ومثالي وغير ممكن فالرجل منا يقابل الأخر يرتاح له ، يعجبه ، ثم يصادقه ويحبه . وأنا أقول أيضا أن هذه هي الحالة النموذجية التي لا اعتقد أننا نولي الكثير من عناصرها اهتماما كبيراً وللأسف ، ولهذا تجد ولاءاتنا لهذا الذي نحبه قابله لأن تهتز سريعا ، عندما تظهر منه أو فيه بعض السمات التي كانت موجودة فيه ولكننا غضضنا الطرف عنها لانبهارنا بالايجابيات التي وجدناها فيه والتي كانت تتطابق مع ما في أنفسنا .

وهذا الأمر يحصل أيضا مع ذواتنا ، كيف لي أن أحب نفسي إذا لم أكن اعرفها معرفه جيده ؟

كيف تريدني أن أجازف بحب ذاتي وهي مجهولة عني وجزئياً أو كلياً؟

كم اعرف من ذاتي ، وكم اجهل ؟

لأجل هذا نحن غالبا ما نكون قاصرين في حبنا لذواتنا ، لان ما نعرفه عنها غالباً ما يكون قليل جداً ، أو أن ما نعرفه عنها لا يسر ..؟

وبالنتيجة تجدنا لا نتقدم في حياتنا ، لأننا لا نحب ادواتنا ولا نعرفها بشكل جيد فلا ننال منها هذه الطاقات الإبداعية والقدرات الكبيرة التي يمكن أن تدفع مسيرتنا في الحياة إلى أفاق رحبة واسعة . أعرف إن البعض هنا سيعترض قائلاً: كيف لا أعرف نفسي جيدا وهي التي تعيش معي وأعيش من خلالها ؟

ولو دقق من يسأل هذا السؤال في حياته وكيف يعيشها وسأل نفسه ، ولماذا أنا في هذا المكان لا في غيره ؟ أو لماذا أنا في هذه الوظيفة وليس في منصب أرقي ؟ ولماذا نلت شهادة متوسطة وغيري نال أعلى الشهادات ، أو لماذا أعيش حياه العوز وغيري ممن هم أدنى مني في الكفاءة أو الذكاء نالوا ما لم أنل ؟

لماذا أبنائي ، زوجتي بيتي .. الخ ، بهذا المستوى لا ذاك ؟، لماذا لا أتقدم كلما عدت لا قيم حياتي بعد عده سنوات وجدتني في مكاني بلا تقدم ولا تجديد ؟

إنه معرفه الذات ومن ثم حبها هو ما ينقصك ، وبغض النظر عن كل الأسباب التي سيأتي بها ، والتي يمكن أن يكون بعضها مقنع إلا أن السبب الأول والرئيسي هو عدم معرفتك لذاتك وعدم حبها .

نحن نعيش وللأسف في انفصال شديد عن ذواتنا ، وعن هويتنا ، وكينونتنا ، عن أفكارنا وأجسادنا وعقولنا بينما نمنح الخارج اهتماما أكبر مما نمنح لذواتنا .

الحقيقة أننا فعلا نعرف ذواتنا بقدر ما ، ربما حين نمرض نتحسس الألم حين نبرد ونحس بالارتجاف ،أو حينما نجوع نشعر بقرص في معدتنا ، نعرف أن لدينا حساً للتذوق والشم ، ونعي أن لدينا غدداً تفرز اللعاب ولسانا يجف من العطش ، نتحسس قدراتنا الجنسية لأن الغريزة تتحرك فينا في هذه أللحظه أو تلك ، ربما نحتاج إلى عقولنا حين نقع في مشكله أو حين نريد أن ننجو من موت محقق ، ولكن هل أي من هذا هو الوعي الحقيقي .

بالتأكد لا ،فهذا ليس أكثر من معرفه سطحيه تنفعنا في تمشيه أمر من الأمور لا أكثر ، وعلى هذا المنوال تسير حياه الغالبية العظمى منا وللأسف ليس معرفه الذات هو أن اعرف اسمي وتفاصيل جسمي ونسبي وممتلكاتي من بيت أو سيارة أو وظيفة .. أو .. أو .. أو .. أو ، إنما أن أعي هذا الذي هو أنا ، أن أعي كينونتي ، لماذا خلقني الله ؟ وما هي رسالتي التي أرسلني بها إلى الأرض ؟ وما هي قدراتي لكي أودي هذه الرسالة ؟ وهل استطيع أن أعي ما هي رسالتي أصلا ؟ وهل وضعت هدفي الأكبر لهذه الحياة ؟ وأهدافي الصغيرة التي ستوصلني إلى الهدف الكبير بالنهاية لكي أطبع بصمتي على صفحه الكون قبل الرحيل ؟ .

جميع الأديان والفلسفات الروحية تدعو إلى التأمل والتدبر في النعم التي منحنا إياها رب العالمين والتدبر والتأمل في النعمة ووعي القيمة لوجودها وليس معرفتها وحسب ، فالمعرفة يمكن أن تكون إحساس سطحي بهذا الشيء أو ذاك . أما الوعي فهو الانتباه والفهم والامتنان والحب ولهذا الشيء أو ذاك .

نحن نعيش بقناع وهوية اجتماعيه أكثر ما نعيش مع أنفسنا ولانفسنا أننا مشغولين على الدوام بما يحبه الاخرون واننا نشكل سلوكنا ونمط تفكيرنا على ضوء ردود أفعال الاخرين المتوقعه بمعنى اخر أن مرجعيتنا مبنيه على الخوف . فنحن دائما نشعر بالحاجه الى السيطره أو امتلاك القوه أو نيل الرضا أونيل حب الاخرين أو أحترامهم وكل هذا أساسه الخوف الذي هو سمت الكائنات السطحيه التي لا تؤمن بالروح والقدرات والامكانات والمرجعيه ان القوه التي تنالها هي القوه زائفه وقتيه اذ طالما يذهب المنصب او المركز او الشباب او المال نجد أثاره الباقيه شعور بالهزيمه والانكسار والخوف والخجل والاضطرب كل ما نحن فيه سببه أننا نعيش بالقناع الاجتماعي الذي تعودنا على ارتداءه هذا القناع مجبول على حب الاطراء والمديح وتحاشي ذم الاخرين

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى