أتى يشتكي عقوق وجفاء ابنه ويندب حظه العاثر قائلاً: إنه لا يستطيع أن يفهم ابنه حيث إنه لا يرغب ولا يُحب الاستماع إليه!
فرد عليه المستشار معيداً تنظيم العبارة قائلاً: أنت لا تفهم ابنك لأنه لا يستمع إليك!! قال الأب: نعم،
فرد عليه المستشار الجملة قائلاً: أنت لا تفهم ابنك وهو لا يريد أن يستمع إليك!
فرد عليه غاضبا: نعم!!
ابتسم المستشار قائلاً: وما وجه العجب وأين الغرابة في هذا!
من الطبيعي ألا يفهمك إذا كان لا يستمع إليك!
إنّ المهارة (الأهم) في الحوار والعنصر (الأقوى) في الإقناع والتأثير والطريق (الأيسر) لكسب الآخرين
والسحر الأبيض كما وصفه أحد الكتاب هو الإنصات ولا غيره، وبتأمل في أوضاعنا الآن العامة أجد انحساراً رهيباً لثقافة الإنصات وغياباً موجعاً لها!
فما تلك النزاعات والشقاق والأزمات إلا منتج بشع لغياب الإنصات!
ويؤكد هذا م. ر كوبماير بقوله: (إن الشكوى الأكثر شدة وتكراراً الجارية وعلى نحو مستمر على ألسنة الناس هي: ما من أحد يريد أن يصغي إلينا!)
نريد أن نشيع ثقافة الحوار ونحن لا ننصت!
نريد أن نؤثر على الآخرين ونغير اتجاهاتهم ونحن لا ننصت!
نريد أن نكسب القلوب ونحوز الإعجاب ونحن لا ننصت!
ترجو النجاة ولم نسلك مسالكها
إن السفينة لا تجري على اليبس
ويروي أحد المستشارين أن إحدى النساء اتصلت تستشيره في موضوع استعصى عليها وعلى عشرات المستشارين (حسب زعمها)!
ثم استرسلت تتحدث وتبث أشجانها لمدة طويلة وبعدها تنفست الصعداء قائلة: أين أنت من زمان؟ جزاك الله خيرا على أن وجدت حلا لمشكلتي!
المستشار يقسم بالله أنه لم يتكلم إلا بخمس كلمات شملت التحية وردها!!!
وكان عالم النفس الشهير كارل روجرز يؤمن إيمانا كاملا بأن علاج المريض النفسي لن يأخذ وقتا طويلا لو كان الطبيب يتقن فن الإنصات!
وأقول لو أجدنا فن الإنصات لأقفل الكثير من الأطباء النفسيين عيادتهم!
مكاسبك من الإنصات:
* بالإنصات يظهر للآخرين قوتك وصبرك وجمال روحك وعدم تمحورك على ذاتك!
* بالإنصات ستوجه رسالة عذبة حروفها من ود تقول فيها للمتحدث إني أقدرك!
* بالإنصات ستعطي الآخرين فرصتهم للتنفيس عن مشاعرهم وأشجانهم.
* بالإنصات ستمتص غضب الناس, فالإصغاء للغاضب سيجعلنا ندرك سبب غضبه وهو ما يدفعنا للتعاطف معه.
* بالإنصات ستبدو أكثر حكمة وذكاء! ستتفادى التورط في الكثير من المشاكل وكانت العرب تقول للأخرق يا ليته سترعيبه بصمت!
وإليك بعض الخطوات العملية التي معها ستتقن مهارة الإنصات بإذن الله:
1- قبل أن تشرع في الحديث تأكد أن الإنصات (موقف) وليس (مهارة) وهو من أعظم ما يجمل شخصيتك ويكملها.
2- للإنصات علامات ومؤشرات أقواها النظر للمتحدث فأبسط حقوق المتحدث أن تنظر إليه،
وهو ما يساعدك على التركيز ومتابعة الإيحاءات غير الملفوظة ومن ثم فهم الكلام.
3- تفاعل مع المشاهد والمواقف ولا تكن كجلمود صخر، فمع الطرائف مبتسما منبسطا، ومع المشاهد المحزنة منقبضا متألما.
4- أنصت بنفسية مشرقة وروح ساكنة لا نبرة تعال، ولا نظرة استهتار، واحتف بالحديث فكل البشر يرون أن ما يتحدثون به ذو قيمة عالية.
5- من الأمور التي تثبت تفاعلك مع المتحدث أن تميل إليه ميلا بسيطا كدليل على قوة الإنصات.
6- إن الإنصات الجيد لا يعني السكوت التام، فالمنصت الجيد يوجه أسئلة في صلب الموضوع وفيه رسالة على قوة المتابعة.
7- تأكد من انتهائه من حديثه وجميل أن تستفتح حديثك بذكر شيء مما قال والثناء عليه.